أعربت عن حبها الكبير للإيرانيين واعتبرتهم شعبا عظيما يستحق الكثير من نظامه الحاكم بعدما كانت شاهد عيان على حجم الانتهاكات المروعة التي يقوم بها النظام الإيراني ضد شعبه وهو ما اتضح خلال قمع الاحتجاجات العنيفة التي هزت شوارع إيران خلال السنوات الفائتة.
روز باريس ريتشر المختصة بحقوق الإنسان في إيران والتي قضت 14 عاما من حياتها في هذا المجال شغلت خلالها مناصب عدة سعت من خلالها لتحسين أوضاع الإيرانيين داخل بلادهم.
إزاء تصاعد قلق العالم من حجم الانتهاكات المروعة التي مُورست ضد الشعب الإيراني خلال السنوات الفائتة عيّنت الأمم المتحدة وزير خارجية المالديف الأسبق أحمد شهيد مقررا خاصا بها لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان داخل إيران.
عملت روز مستشارا أول لشهيد لمدة زادت عن خمس سنوات شاركت خلالها في إعداد تقارير دورية عن تردي الأوضاع الحقوقية في إيران، بجانب ذلك انضمت لعدة هيئات تنفيذية اعتنت بحقوق الإنسان في إيران آخرها مبادرة "تأثير إيران" (Impact Iran) التي تعمل على تعزيز جهود المجتمع المدني في تحسين حقوق الإنسان بإيران عبر التعاون مع الهيئات الأممية المعنية بهذا الشأن.
خلال حوارها مع موقع "الحرة" كشفت روز بعض جوانب عملها كمساعدة لمُقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في إيران، قائلة "تضمّنت مهامي توثيق الأوضاع الحقوقية في إيران ورصدها والإبلاغ عنها".
بجانب ذلك كانت روز تتواصل مع الحكومات المختلفة للمساعدة في تطوير ممارساتها لصالح تحسين أوضاع حقوق الإنسان بما يتناسب مع التعهدات الدولية، كما تواصلت مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من أجل مناقشة سبل تعزيز حقوق الإنسان وحرية الأديان في بلدان الشرق الأوسط وإيران بالأخص.
وردا على سؤال حول أبرز حالات الانتهاكات في إيران التي لم تُسلط عليها أضواء الإعلام العالمي مثلما جرى الحال في وقائع أخرى أكثر شهرة، أكدت أن تقارير المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان التي عملتْ عليها خلال الفترة من 2011 وحتى 2016 مليئة بمثل هذه الحالات التي جرى توثيقها بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني المحلية.
وتابعت أن "وسائل الإعلام تُسلط الضوء على المشاهير فقط أما نحن فكنا نستعرض الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون العاديون خلال ممارساتهم حقوق مشروعة كالتظاهر السلمي وحرية التعبير".
وتتابع أنه "بالإضافة إلى ذلك رصدنا المئات تعرضوا للاعتقال بسبب مطالبتهم بحقوق عمالية، بجانب تعرُّض الأقليات العرقية التي لا يعترف بحقوقها النظام الإيراني كالبهائيين والبلوش وبعض الفرق الصوفية وغيرهم إلى انتهاكات حقوقية كبيرة".
وترى روز أنه طيلة عملها في الأمم المتحدة لم يتوفر لمقرر حقوق الإنسان ما يكفي من الموارد للنجاح في مهمته بالشكل الكافي، كاشفة أنهم كانوا يعتمدون كثيرا على منظمات المجتمع المدني الإيراني لتقليل الفجوة بين المتاح وبين الضروري لإنجاز المهمة بنجاح.
وتؤكد المختصة بحقوق الإنسان في إيران أن عملها الأممي تأثر سلبا بعدم وجود أي منتديات وطنية معنية بحقوق الإنسان في إيران ما أدى لغياب أي متنفس وطني للناشطين الإيرانيين لحقوق الإنسان ينخرطون من خلاله في مناقشات جدية مع صنّاع السياسات في البلاد.
وتعتبر روز أن مثل هذه الآليات هي السبيل الوحيد المتاح أمام الإيرانيين الآن لإحداث تأثير فعّال على أرض الواقع، ولهذا فإنها تشجّع صانعي السياسات في إيران على الالتزام بالقوانين الدولية لحقوق الإنسان وكذلك التعهدات والالتزامات ذات الصلة وخلق مساحات أكبر للإيرانيين في تلك العملية بما يسمح للقادة بحماية حقوق الإيرانيين بصورة أفضل.
وردا على سؤال حول مدى استجابة النظام الإيراني للجهود الدولية لتحسين حقوق الإنسان في إيران وصفت العلاقة بأنها "تعاون سطحي" ضاربة المثل على ذلك بأن المقرر الخاص في إيران وكل المسؤولين المعنيين بدراسة قضايا حقوق الإنسان طالبوا طيلة 12 عاما بزيارة البلد من أجل الالتقاء بالأطراف المعنية وتوثيق ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان وزيارة السجون إلا أن طهران لم توافق أبدا.
وأشارت إلى أنه حينما كان المقرر الخاص بحقوق الإنسان يلتقي بالمسؤولين الحكوميين خارج البلاد ويُجري معهم محادثات خلال المنتديات الدولية كانت الاجتماعات تتحوّل إلى "مناقشات جدلية"؛ فأغلب المسؤولين الإيرانيين كانوا يخوضون "مباحثات دفاعية" يُصرون فيها على إنكار الادعاءات بشأن انتهاك حقوق الإنسان، وبدلا من ذلك فإنهم يحوّلون دفة الحديث إلى دول أخرى مما يعيق أي تقدم في هذا الشأن.
خلال هذه الفترة لم تتواصل بشكلٍ مباشر مع المسؤولين الإيرانيين لكنها شاركت في اجتماعات مع المقررين الذين تواصلوا مع الحكومة الإيرانية واستمعوا إلى موقف أعضاؤها من الادعاءات التي وثّقها المناصرون لحقوق الإنسان والضحايا أو الأفراد الذين يزعمون تعرضهم لانتهاكات حقوقية في إيران.
تقول روز "مهام منصبي لا تخوّل لي الحديث عما سمعته في هذه الاجتماعات، إلا أن ما يُمكنني قوله هو أن معظم هذه الاجتماعات تشهد إنكارا إيرانيا لتلك الاتهامات الموجهة لهم من مقرري الأمم المتحدة عبر الزعم بأن ادعاءات التعذيب والمحاكمات غير العادلة ليست صحيحة رغم أن الكثير من هذه الحالات موثقة".
وتتبع أنه عادة ما كان ممثلو الحكومة الإيرانية يُصرّون على أنها "اتهامات غير منصفة" وأن الأمم المتحدة تتجاهل انتهاكات أخرى تقع في الكثير من دول العالم، لكنها تركز مع إيران أكثر مما ينبغي كوسيلة لتقويض سيادتها وفقا لتصورهم.
في هذا الشأن تتجاهل طهران أن أغلب ما يُوجّه لها لا يصدر من دولة أخرى كبريطانيا مثلا وإنما من أشخاص إيرانيين تعرضوا لهذه الانتهاكات أو وثقوا وجودها وأذاعوها في المحافل الدولية.
كيف يُمكن إنقاذ الإيرانيين؟
ردا على سؤال وجّهناه لها حول جدوى سياسة فرض العقوبات التي انتهجتها أميركا والاتحاد الأوروبي ضد النظام الإيراني دون أن ترغمه على تحسين أساليبه في احترام حقوق الإنسان فأكدت أنها تعتقد أن أي منهج تتبناه الأمم المتحدة في محاولاتها لدفع إيران إلى الالتزام بالتعهدات الدولية لحقوق الإنسان يجب أن يكون عن طريق تقديم حلول متعددة الأطراف مع وجود إجماع ودعم من قطاع كبير من دول العالم لكي يجدي هذا الأسلوب نفعا، فلو كانت القليل من الدول فقط هي التي تدعم مثل هذه المحاولات دون دعم السواد الأعظم من الدول الأخرى، حينئذ يقل الضغط عن إيران كثيرا.
وتضيف: "أعتقد أن من الضروري الضغط بشكل أكبر لتحقيق هذا الهدف، كما أرى أن هذه المحاولات لن تؤتي ثمارها ما لم تكن إيران مشتركة في المناقشات مع المنظمات الحقوقية الدولية لأن إيران تهتم بتحسين صورتها أمام العالم. لذلك أعتقد أن التدخل الدولي ضروري للغاية من أجل إجبار طهران على الانصياع للقرارات الدولية بشأن حقوق الإنسان".
ضربت روز مثلا على جدوى الضغط الدولي في تحقيق بعض النجاح في هذا الشأن مثلما حدث عند استجابة طهران لتعديل بعض قوانينها الجنائية عام 2017 ما نتج عنه انخفاض في تطبيق حالات الإعدام بنسبة 50 في المائة، "لذا أنا أصرُّ على أن المزيد من الضغط الدولي سيؤتي بثماره جيدا".
وتتابع: "أعلم أن مجرد إجراء إصلاحات داخل إيران ليس كافيًا ولكنه خطوة للأمام وهي السبيل الوحيد الذي نملكه في الوقت الحالي لمعالجة هذا الأمر".
بعد انتهاء مهمتها الأممية عملت روز في مناصب حقوقية عدة ارتبط أغلبها بالشأن الإيراني لمدة زادت عن 14 عاما. وعن سبب تركيزها على حقوق الإيرانيين تحديدا تقول إن "من السهل أن تقع في حب الإيرانيين والدفاع عن قضيتهم، وأرى أن مناصري حقوق الإنسان الذين عملت معهم من هذا البلد "استثنائيين" وواجهوا الكثير من المعوقات وبذلوا الكثير من الجهد للتغلب على الصعاب".
واختتمت حديثها معنا بالقول "لقد تعهدتُ بالدفاع عن قضيتهم لأنني أؤمن بأنهم لديهم القدرة على التأثير على الوضع في بلادهم وأن التركيز على قضية حقوق الإنسان يعالج الكثير من مشاكل المجتمع، ولهذا السبب فإنني مستمرة في دعمهم ومناصرة قضيتهم".