تقول روز إن زيادة الضغط الدولي يساعد في اجبار طهران على تحسين حقوق الانسان في البلاد (AFP)
تقول روز إن زيادة الضغط الدولي يساعد في اجبار طهران على تحسين حقوق الانسان في البلاد (AFP)

أعربت عن حبها الكبير للإيرانيين واعتبرتهم شعبا عظيما يستحق الكثير من نظامه الحاكم بعدما كانت شاهد عيان على حجم الانتهاكات المروعة التي يقوم بها النظام الإيراني ضد شعبه وهو ما اتضح خلال قمع الاحتجاجات العنيفة التي هزت شوارع إيران خلال السنوات الفائتة.

روز باريس ريتشر المختصة بحقوق الإنسان في إيران والتي قضت 14 عاما من حياتها في هذا المجال شغلت خلالها مناصب عدة سعت من خلالها لتحسين أوضاع الإيرانيين داخل بلادهم.

إزاء تصاعد قلق العالم من حجم الانتهاكات المروعة التي مُورست ضد الشعب الإيراني خلال السنوات الفائتة عيّنت الأمم المتحدة وزير خارجية المالديف الأسبق أحمد شهيد مقررا خاصا بها لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان داخل إيران.

عملت روز مستشارا أول لشهيد لمدة زادت عن خمس سنوات شاركت خلالها في إعداد تقارير دورية عن تردي الأوضاع الحقوقية في إيران، بجانب ذلك انضمت لعدة هيئات تنفيذية اعتنت بحقوق الإنسان في إيران آخرها مبادرة "تأثير إيران" (Impact Iran) التي تعمل على تعزيز جهود المجتمع المدني في تحسين حقوق الإنسان بإيران عبر التعاون مع الهيئات الأممية المعنية بهذا الشأن.

خلال حوارها مع موقع "الحرة" كشفت روز بعض جوانب عملها كمساعدة لمُقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في إيران، قائلة "تضمّنت مهامي توثيق الأوضاع الحقوقية في إيران ورصدها والإبلاغ عنها".

بجانب ذلك كانت روز تتواصل مع الحكومات المختلفة للمساعدة في تطوير ممارساتها لصالح تحسين أوضاع حقوق الإنسان بما يتناسب مع التعهدات الدولية، كما تواصلت مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من أجل مناقشة سبل تعزيز حقوق الإنسان وحرية الأديان في بلدان الشرق الأوسط وإيران بالأخص.

وردا على سؤال حول أبرز حالات الانتهاكات في إيران التي لم تُسلط عليها أضواء الإعلام العالمي مثلما جرى الحال في وقائع أخرى أكثر شهرة، أكدت أن تقارير المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان التي عملتْ عليها خلال الفترة من 2011 وحتى 2016 مليئة بمثل هذه الحالات التي جرى توثيقها بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني المحلية.

وتابعت أن "وسائل الإعلام تُسلط الضوء على المشاهير فقط أما نحن فكنا نستعرض الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون العاديون خلال ممارساتهم حقوق مشروعة كالتظاهر السلمي وحرية التعبير".

وتتابع أنه "بالإضافة إلى ذلك رصدنا المئات تعرضوا للاعتقال بسبب مطالبتهم بحقوق عمالية، بجانب تعرُّض الأقليات العرقية التي لا يعترف بحقوقها النظام الإيراني كالبهائيين والبلوش وبعض الفرق الصوفية وغيرهم إلى انتهاكات حقوقية كبيرة".

وترى روز أنه طيلة عملها في الأمم المتحدة لم يتوفر لمقرر حقوق الإنسان ما يكفي من الموارد للنجاح في مهمته بالشكل الكافي، كاشفة أنهم كانوا يعتمدون كثيرا على منظمات المجتمع المدني الإيراني لتقليل الفجوة بين المتاح وبين الضروري لإنجاز المهمة بنجاح.

وتؤكد المختصة بحقوق الإنسان في إيران أن عملها الأممي تأثر سلبا بعدم وجود أي منتديات وطنية معنية بحقوق الإنسان في إيران ما أدى لغياب أي متنفس وطني للناشطين الإيرانيين لحقوق الإنسان ينخرطون من خلاله في مناقشات جدية مع صنّاع السياسات في البلاد.

وتعتبر روز أن مثل هذه الآليات هي السبيل الوحيد المتاح أمام الإيرانيين الآن لإحداث تأثير فعّال على أرض الواقع، ولهذا فإنها تشجّع صانعي السياسات في إيران على الالتزام بالقوانين الدولية لحقوق الإنسان وكذلك التعهدات والالتزامات ذات الصلة وخلق مساحات أكبر للإيرانيين في تلك العملية بما يسمح للقادة بحماية حقوق الإيرانيين بصورة أفضل.

وردا على سؤال حول مدى استجابة النظام الإيراني للجهود الدولية لتحسين حقوق الإنسان في إيران وصفت العلاقة بأنها "تعاون سطحي" ضاربة المثل على ذلك بأن المقرر الخاص في إيران وكل المسؤولين المعنيين بدراسة قضايا حقوق الإنسان طالبوا طيلة 12 عاما بزيارة البلد من أجل الالتقاء بالأطراف المعنية وتوثيق ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان وزيارة السجون إلا أن طهران لم توافق أبدا.

وأشارت إلى أنه حينما كان المقرر الخاص بحقوق الإنسان يلتقي بالمسؤولين الحكوميين خارج البلاد ويُجري معهم محادثات خلال المنتديات الدولية كانت الاجتماعات تتحوّل إلى "مناقشات جدلية"؛ فأغلب المسؤولين الإيرانيين كانوا يخوضون "مباحثات دفاعية" يُصرون فيها على إنكار الادعاءات بشأن انتهاك حقوق الإنسان، وبدلا من ذلك فإنهم يحوّلون دفة الحديث إلى دول أخرى مما يعيق أي تقدم في هذا الشأن.

خلال هذه الفترة لم تتواصل بشكلٍ مباشر مع المسؤولين الإيرانيين لكنها شاركت في اجتماعات مع المقررين الذين تواصلوا مع الحكومة الإيرانية واستمعوا إلى موقف أعضاؤها من الادعاءات التي وثّقها المناصرون لحقوق الإنسان والضحايا أو الأفراد الذين يزعمون تعرضهم لانتهاكات حقوقية في إيران.

تقول روز "مهام منصبي لا تخوّل لي الحديث عما سمعته في هذه الاجتماعات، إلا أن ما يُمكنني قوله هو أن معظم هذه الاجتماعات تشهد إنكارا إيرانيا لتلك الاتهامات الموجهة لهم من مقرري الأمم المتحدة عبر الزعم بأن ادعاءات التعذيب والمحاكمات غير العادلة ليست صحيحة رغم أن الكثير من هذه الحالات موثقة".

وتتبع أنه عادة ما كان ممثلو الحكومة الإيرانية يُصرّون على أنها "اتهامات غير منصفة" وأن الأمم المتحدة تتجاهل انتهاكات أخرى تقع في الكثير من دول العالم، لكنها تركز مع إيران أكثر مما ينبغي كوسيلة لتقويض سيادتها وفقا لتصورهم.

في هذا الشأن تتجاهل طهران أن أغلب ما يُوجّه لها لا يصدر من دولة أخرى كبريطانيا مثلا وإنما من أشخاص إيرانيين تعرضوا لهذه الانتهاكات أو وثقوا وجودها وأذاعوها في المحافل الدولية.

كيف يُمكن إنقاذ الإيرانيين؟

ردا على سؤال وجّهناه لها حول جدوى سياسة فرض العقوبات التي انتهجتها أميركا والاتحاد الأوروبي ضد النظام الإيراني دون أن ترغمه على تحسين أساليبه في احترام حقوق الإنسان فأكدت أنها تعتقد أن أي منهج تتبناه الأمم المتحدة في محاولاتها لدفع إيران إلى الالتزام بالتعهدات الدولية لحقوق الإنسان يجب أن يكون عن طريق تقديم حلول متعددة الأطراف مع وجود إجماع ودعم من قطاع كبير من دول العالم لكي يجدي هذا الأسلوب نفعا، فلو كانت القليل من الدول فقط هي التي تدعم مثل هذه المحاولات دون دعم السواد الأعظم من الدول الأخرى، حينئذ يقل الضغط عن إيران كثيرا.

وتضيف: "أعتقد أن من الضروري الضغط بشكل أكبر لتحقيق هذا الهدف، كما أرى أن هذه المحاولات لن تؤتي ثمارها ما لم تكن إيران مشتركة في المناقشات مع المنظمات الحقوقية الدولية لأن إيران تهتم بتحسين صورتها أمام العالم. لذلك أعتقد أن التدخل الدولي ضروري للغاية من أجل إجبار طهران على الانصياع للقرارات الدولية بشأن حقوق الإنسان".

ضربت روز مثلا على جدوى الضغط الدولي في تحقيق بعض النجاح في هذا الشأن مثلما حدث عند استجابة طهران لتعديل بعض قوانينها الجنائية عام 2017 ما نتج عنه انخفاض في تطبيق حالات الإعدام بنسبة 50 في المائة، "لذا أنا أصرُّ على أن المزيد من الضغط الدولي سيؤتي بثماره جيدا".

وتتابع: "أعلم أن مجرد إجراء إصلاحات داخل إيران ليس كافيًا ولكنه خطوة للأمام وهي السبيل الوحيد الذي نملكه في الوقت الحالي لمعالجة هذا الأمر".

بعد انتهاء مهمتها الأممية عملت روز في مناصب حقوقية عدة ارتبط أغلبها بالشأن الإيراني لمدة زادت عن 14 عاما. وعن سبب تركيزها على حقوق الإيرانيين تحديدا تقول إن "من السهل أن تقع في حب الإيرانيين والدفاع عن قضيتهم، وأرى أن مناصري حقوق الإنسان الذين عملت معهم من هذا البلد "استثنائيين" وواجهوا الكثير من المعوقات وبذلوا الكثير من الجهد للتغلب على الصعاب".

واختتمت حديثها معنا بالقول "لقد تعهدتُ بالدفاع عن قضيتهم لأنني أؤمن بأنهم لديهم القدرة على التأثير على الوضع في بلادهم وأن التركيز على قضية حقوق الإنسان يعالج الكثير من مشاكل المجتمع، ولهذا السبب فإنني مستمرة في دعمهم ومناصرة قضيتهم".
 

الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا لحظة وصولها إلى روما عائدة من إيران بعد الإفراج عنها
الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا لحظة وصولها إلى روما عائدة من إيران بعد الإفراج عنها

"حضرات السادة المسافرين، هذا هو النداء الأخير قبل إقلاع الطائرة المتجهة إلى طهران".

بهذا التسجيل الصوتي في مطار روما، تبدأ أولى حلقات بودكاست (كورا)، التي أعدتها الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا أثناء رحلتها الأخيرة لإيران قبل أن تعتقلها السلطات  الإيرانية في 19 ديسمبر، وتبقى خلف القضبان طيلة 3 أسابيع.

تقول سالا إنها حصلت على تأشيرة صحافة لدخول إيران بعد انتخاب الرئيس مسعود بزكيشان والسماح لممثلي بعض وسائل الإعلام الدولية بالسفر إلى الجمهوية الإسلامية وهو أمر كان صعبا خلال السنتين الماضيتين.

كانت سالا (29 عاما) تمنّي النفس بلقاء أصدقاء وأشخاص تعرفت عليهم هناك في رحلة إلى إيران قبل عامين ونقل قصص عن أحوال البلاد وأهلها من مختلف الأجيال والاهتمامات. 

في أولى حلقات البودكاست، وهي بعنوان "دردشة حول الأبوية في طهران"، تعبر سالا عن سعادتها بالعودة إلى طهران، "المنطقة التي اشتقت لها وحيث يعيش أشخاص اشتقت لهم كثيرا".

وفي عرض انطباعاتها عن البلاد، تقول: ثلاثة أشياء تغيرت منذ رحلتي الأخيرة إلى إيران:

1- مئات آلاف النساء لا يرتدين الحجاب ولا يعرن أي اهتمام إذا التقط شخص أجنبي صورا لهن. لكن هناك كاميرات رقمية مثبتة في مناطق حيوية تصور كل شيء وتبعث بإشارات خاصة للشرطة بشأن النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب.

2- طهران تعرضت لقصف إسرائيلي لأول مرة (26 أكتوبر 2024)، وفي نفس الفترة نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عدة فيديوهات يوجه فيها رسالة مباشرة إلى الإيرانيين مفادها أن النظام الإيراني سيسقط قريبا وبوتيرة أسرع مما يتصور البعض. 

3- يتولى منصب الرئاسة أول رئيس إصلاحي خلال الـ20 سنة الأخيرة الماضية، وهو مسعود بزشكيان الذي انتُخب في أواخر يوليو 2024.

قامت سالا بجولة في أحياء طهران للقاء أصدقاء وأشخاص من جيلها، في سن العشرينيات والثلاثينات لكي يتحدثوا عن بلدهم. ولاحظت أن من تقل أعمارهم عن 35 عاما يشكلون حوالي 70% من السكان البالغ عددهم حوالي 90 مليون نسمة.

الأمل شيء خطير 

اختارت سالا قصة شابة اسمها ديبا، 21 عاما، شعرها قصير مصبوغ باللون الأحمر. تدرس الاقتصاد وتشتغل نادلة، وتعشق موسيقى الجاز.

للحديث عن الأوضاع في إيران، تردد ديبا مقطع من أغنية للأميركية لانا ديل راي: "الأمل شيء خطير بالنسبة لامرأة مثلي". وتواصل الاقتباس من نفس الأغنبية "لا تسأل إن كنت سعيدة، فأنت تعلم أنني لست كذلك".

تقول ديبا إنها غادرت بيت أهلها، وهي في ربيعها الـ19، وكان ذلك عام 2022، تزامنا مع اندلاع موجة الاحتجاجات على وفاة الشابة مهسا أميني بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق في طهران. 

لم يحبذ والداها الفكرة. بدأت ديبا حياة جديدة. أصبحت تنام في سكن جامعي وبدأت التدخين. ترتدي الحجاب أثناء العمل وتزيله خارج ساعات العمل. ترفض ديبا التعامل معها على أساس الجندر، وترفض تقسيم الأدوار في المجتمع بناء على ذلك. 

تحكي عن هشاشة وضعها الاقتصادي ومدى تأثرها بموجة التضخم والانخفاض المستمر للريال الإيراني مقابل الدولار الأميركي. والحل الوحيد أمام ديبا لتحقيق ذاتها واستقلاليتها عن عائلتها هو مزيد من العمل، لهذا تعمل أحيانا 14 ساعة في اليوم. 

تعرضت ديبا للطرد من العمل ثلاث مرات لأسباب غير مهنية وتلقت عروضا للزواج شرط التخلي عن أسلوبها الجديد في الحياة، لكنها تفضل إثبات ذاتها والتمسك بحريتها واستقلاليتها.

تقول سالا عن محدثتها ديبا إنها نموذج لمئات آلاف الإيرانيات اللواتي عليهن ادخار بعض المال لدفع الغرامات التي تفرضها الحكومة على من لا يلتزمن بارتداء الحجاب. ومن لا يدفعن الغرامة فهن مهددات بالسجن، وفق قانون "الحجاب والعفة" الذي تمت المصادقة عليه أثناء فترة حكم الرئيس ابراهيم رئيسي.

الرئيس الحالي بزكيشان عبّر عن عدم تحمسه لذلك القانون، وقال أثناء حملته الانتخابية إنه لا يمكن للحكومة أن تفرض بعض الأمور على النساء. لكن "مجلس خبراء القيادة" وافق على العقوبات الواردة في ذلك القانون.

لم يبق أمام الرئيس بزكيشان سوى التوقيع عليه، قبل أن يتم تجميد العمل بمقتضياته في سياق التطورات المتسارعة في المنطقة وحرص القيادة الإيرانية على تفادي مزيد من الاحتجاجات. 

صور المقاومة ونهايتها 

من أجواء الاحتجاجات والتطلع للحريات، تعود سالا بمتابعيها لأواخر سبعينيات القرن الماضي في حلقة بعنوان "ألبوم صور عائلة محور المقاومة"، وهي في ضيافة متحدث تقول عنه إنه كان من أوائل الضباط الكبار في الحرس الثوري الإيراني وساهم طيلة 45 عاما في بناء "محور المقاومة". 

أمضت سالا ساعة في بيت مضيفها حسين كناني وتصفحت معه "ألبوم صور عائلة المقاومة" الذي يعكس بعض ملامح تدخل إيران في الشرق الأوسط من خلال ميليشيات موالية لها (حزب الله في لبنان، حماس في غزة، الحوثيون في اليمن) ونظام الرئيس السوري بشار الأسد.

يتضمن الألبوم صورا لكناني مع جنرالات اغتالتهم إسرائيل في سوريا في فترات مختلفة، بعضهم لقوا حتفهم في قصف إسرائيلي لمقر القنصلية الإيرانية في دمشق في أبريل 2024. 

وفي صور أخرى تعود لثمانينيات القرن الماضي، يظهر كناني قرب حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله ومع حسين أمير عبد اللهيان الذي أصبح لاحقا وزيرا للشؤون الخارجية ولقى مصرعه إلى جانب الرئيس ابراهيم رئيسي في تحطم مروحيتهم في شهر مايو 2024.

وتعليقا على صور مع الجنرال قاسم سليماني، يقول المتحدث إنه تعرف عليه قبل 44 عاما، وإنه هو من أشرف على سليماني في بداية مشواره قبل أن يصبح لاحقا أشهر جنرال إيراني في المنطقة.

اغيتل سليماني مطلع عام 2020 بطائرة مسيرة أميركية ليبدأ محور المقاومة في التلاشي قبل أن تتسرع وتيرة انهياره منذ 7 أكتوبر 2023.

تقول سالا إن كل أصدقاء كناني توفوا، وتواصل الحديث عن "محور المقاومة" بالتركيز على سوريا التي وصفتها "الحلقة الذهبية". وتختم بالقول إن محور المقاومة انتهى بسقوط النظام السوري على غرار تفكك المعسكر الشيوعي بسقوط جدار برلين.

كوميديا واقتصاد موازي

من المقاومة وألغامها، تعود سالا بمتابعيها إلى أجواء "ثورة" أخرى، ثورة بالفن والابتكار. وتفتح الميكروفون لزينب موسوي، وهي كوميدية مشهورة تمزج شخصيات من الأساطير الفارسية القديمة بقفشات ذات إيحاءات جنسية لا يفهمها إلا أهل البلد. 

في حلقة بعنوان "كوميديا طهران"، تختصر سالا قصة زينب موسوي بالقول إنها "مضحكة جدًا لدرجة أنهم أوقفوا حسابها على إنستغرام". 

على غرار زينب موسوي بدأ نحو مليوني شخص في ممارسة أنشطة على المنصات الرقمية لكن ذلك تعثر عندما اندلعت الاحتجاجات في نوفمبر 2022 وقررت السلطات اعتبار شركة ميتا مؤسسة معادية، وتم حظر المنصات التابعة لها وهي فيسبوك وإنستغرام وواتسآب. 

كانت تلك أحدث محطة في التطورات التي شهدتها البلاد خلال الـ10 سنوات الماضية، إذ بدأ الاقتصاد الرقمي في الانتعاش بالاعتماد على تطبيقات تتصل بالخدمات والنقل والمعاملات المالية والتجارية.

المتظاهرون في عام 2022 هم من الجيل الذي ركب الموجة الرقمية وأطلقوا أنشطة موازية حققت لهم الاستقلالية الاقتصادية عن المؤسسات التابعة للدولة أو المخابرات أو المؤسسة الدينية.

الناشطون على هذه المنصات يستعلمون تطبيقات خاصة لتفادي رقابة الحكومة على أنشطتهم وهكذا لم يكن أمام الحكومة سوى معاقبة الجميع من خلال التحكم في الإنترنت سواء بتعطليه أو حجبه أحيانا وبحظر بعض التطبيقات الإلكترونية من قبيل VPN. 

وأحيانا تمارس الحكومة ضغوطها عبر أدوات اقتصادية من خلال تشديد المعاملات البنكية أو الضغط على الشركات الحكومية الكبرى لكي لا تتعامل مع تجار التجزئة على المنصات الرقمية.

اعتقلت السلطات زينب في بيت والدها في مدينة قم، وقضت 28 يوما قيد الاعتقال الاحتياطي في زنزانة انفرادية في واحد من أسوأ السجون في البلاد قبل أن يُفرج عنها وتتواصل محاكمتها وهي مطلقة السراح. 

تقول زينب إن روح الفكاهة لم تفارقها حتى وهي في السجن، حيث كانت ترد على أسئلة المحققين بطريقة مرحة. 

اعتقال في الفندق
بينما كانت سالا في الفندق تستعد للذهاب إلى مطار طهران لتعود إلى إيطاليا، اقتحم أفراد من الشرطة غرفتها واقتادوها إلى سجن إيفين السيء السمعة.

في بودكاست بعنوان "أيامي في إيفين، بين التحقيقات والعزلة"، تتحدث سالا عن تلك التجرية وتقول بعد عودتها لإيطاليا، إنها قضت بعض الوقت في زنزانة انفرادية، وأثناء الاعتقال كانت تتخيل مئات المشاهد الكوميدية وهو ما أكسبها القوة على تحمل عبء السجن.

في ساعات الاعتقال الأولى ساورتها مخاوف بشأن الفترة التي ستقضيها خلف الجدران. لم تكن متفائلة ولم تكن متشائمة. بدأت تقضي الوقت في حساب الأيام والساعات باستعمال أصابعها، وتقول "لم أكن أتوقع أن يتم الإفراج عني بهذه السرعة".

وعن ظروف الاعتقال تقول إن المسألة الأكثر قسوة هو "الصمت والحبس الانفرادي"، وتستطرد "في هذا الفراغ يتلاشى النوم ولا مكان للحلم وتصبح الساعات بحجم الأسابيع، والكتاب هو أكثر شيء كان ينقصني في السجن، كتاب يروي قصة شخص آخر وليس قصتي أنا، قصة يمكن أن أنغمس فيها".

طيف الفتى كافكا والقرآن

وعن الكتاب الذي كانت تفضل أن يكون جليسها في غياهب السجن، تنتقي سالا رواية للكاتب الياباني هاروكي موراكامي بعنون "كافكا على الشاطئ". وهي عمل مفعم بالحزن بطلها فتى ياباني اسمه كافكا تامورا، متمرد على وضعه العائلي ويسعى لتحقيق استقلاليته. لا يستبعد أن يكون تمرد الشابة ديبا في طهران هو ما أوحى لها بقصة تمرد كافكا في اليابان. 

وأثناء الاعتقال سحبوا منها النظارات. طلبت من مسؤولي السجن نسخة من القرآن باللغة الإنكليزية، معتقدة أن ذلك هو الكتاب الوحيد المسموح به في سجن مشدد الحراسة في الجمهورية الإسلامية. 

حاولت القراءة من دون نظارات بتقريب المصحف إلى عينها، لكن ذلك تعذر قبل أن تستعيد نظاراتها في الأيام الأخيرة من الاعتقال.

تقول الصحفية الإيطالية إنها كانت تنام على الأرض. وبشأن الأكل في السجن، تقول إنها كانت محظوظة وتقول "الأكل الإيراني مذهل لكنه طعمه في السجن لا علاقة لها بطعمه خارج السجن. لم يكن الطعام مشكلة في السجن المشكل كان هو النوم".

كانت سالا تتمنى أن توقيفها يتعلق بإجراء سريع، لكنها فهمت من الأسئلة الأولى في الاستجواب أن الأمر لن يكون كذلك.

كانت التحقيقات معها أثناء الاعتقال شبه يومية. كان المحققون يركزون الأسئلة على ما يعتبرونه "إشهارا مناهضا للجمهورية الإسلامية", وعندما سألت عن سبب اعتقالها قيل لها إنها متهمة "بارتكاب أعمال غير قانونية في أماكن مختلفة".

وفجأة حصل ما لم يمكن في الحسبان، إذ سُمح لها بمغادرة السجن، ونقلها إلى مطار طهران حيث كانت طائرة إيطالية خاصة في انتظارها. 

ولم تتكشف بعد تفاصيل الصفقة التي تم بموجبها الإفراج عنها عن سالا. وهنا تفضل سالا الصمت لأن "هناك تحقيقات جارية، وبالتالي هناك أشياء كثيرة لا أستطيع الحديث عنها في هذه المرحلة، وفق المتفق عليه مع الأشخاص الذين تدخلوا للإفراج عني وتقديرا لما يقومون بها في هذا الموضوع".

ورغم محنة الاعتقال، تقول سالا "السجن لم يغير حبي لهذا البلد.. أحب  الإيرانيات اللواتي يرتدين الحجاب بافتخار لكنهن لا يردن أن يكون هناك شخص ما ليعاقب أو يرهب الفتيات اللواتي لا يردن ارتداءه. أحب إيران بتعقيداتها، أحب صديقاتي وأصدقائي هناك. وأنا هنا في إيطاليا ينتابني الحنين لهؤلاء الأشخاص".