منظر عام لعاصمة الإيرانية طهران
فكرة نقل العاصمة من طهران إلى مكان آخر طرحت من قبل في إيران

منذ أكثر من 200 عام، اختار آغا محمد خان مدينة طهران عاصمة لحكم سلالة قاجار في إيران، وهو وضع لم يتغير مع توالي الحكام على البلاد، إلا أن النظام الحالي يفكر في تغيير العاصمة متعللا بزيادة سكانها وارتفاع نفقاتها في خطوة قد تكون مكلفة  على بلد اقتصاده يعاني.

وفي مؤتمر صحفي الثلاثاء، أعلنت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني، عن خطط لنقل العاصمة الإيرانية إلى الجزء الجنوبي من البلاد.

وتعليقا على ذلك الاحتمال، قالت مجلة "نيوزويك" إن خطة إيران لتغيير عاصمتها من طهران إلى مكران سيكون مكلفا ويستغرق وقتا طويلا ويغير الهوية الثقافية للبلاد بشكل كبير.

وقالت مهاجراني: "ستكون العاصمة الجديدة بالتأكيد في الجنوب، وتحديدا في منطقة مكران". وشددت على أنه في حين أن نقل العاصمة ليس قضية ملحة ، إلا أن التقييم المتعمق للخبراء أمر بالغ الأهمية بسبب تزايد عدد السكان في طهران والتحديات البيئية، وفق ما نقلت صحيفة "طهران تايمز".

وتلقى الرئيس الإيراني، مسعود بيزشكيان، بالفعل انتقادات من السياسيين وغيرهم بشأن الخطوة، في وقت يكافح الاقتصاد الإيراني وانخفض الريال إلى أدنى مستوى تاريخي في الشهر الماضي.

واختيرت طهران كعاصمة للبلاد من قبل آغا محمد خان، أول حاكم لسلالة قاجار في إيران، منذ أكثر من 200 عام. 

وتم طرح فكرة نقل العاصمة إلى مكان آخر لأول مرة في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي قاد دفة الحكم في البلاد في الفترة من 2005 إلى 2013.

اكتظاظ ومشاكل أخرى

وطرحها بيزيشكيان مرة أخرى كوسيلة لحل مشاكل طهران مع الاكتظاظ السكاني وندرة المياه ونقص الكهرباء وغير ذلك من المشاكل. 

 وقالت مهاجراني في تقرير "العاصمة الجديدة ستكون بالتأكيد في الجنوب، في منطقة مكران، ويجري العمل حاليا على هذه المسألة".

وأضافت: "نحن نسعى للحصول على المساعدة من الأكاديميين والنخب والخبراء ، بما في ذلك المهندسين وعلماء الاجتماع والاقتصاديين". وأشارت إلى أن المشروع يمر حاليا بمرحلة استكشافية.

وبعدد سكان يبلغ أكثر من 9 ملايين نسمة ، تعاملت طهران منذ فترة طويلة مع الاكتظاظ السكاني وكذلك تلوث الهواء ، حيث تعد العاصمة واحدة من أسوأ المدن تلوثا في العالم. كما تعاملت عاصمة البلاد مع ما يسمى بـ "إفلاس المياه"، بالإضافة إلى نقص الكهرباء والغاز. 

وفي اجتماع الأسبوع الماضي، طرح بيزيشكيان إمكانية نقل العاصمة مرة أخرى. وقال: "أحد الأسباب التي دفعتنا إلى التفكير في تغيير العاصمة هو عدم التوازن بين الموارد والنفقات في طهران.

وتتوقع صحيفة "طهران تايمز" أن الخطوة في حال نفذت ستكون مفيدة للقضايا الاقتصادية المستمرة في البلاد على الرغم من العقوبات العالمية.

الشرع وإسرائيل

مع أن الخريف يحمل أحيانا مسحة من الكآبة، كان بالإمكان ملاحظة ابتسامات خفيفة على وجوه الرجال الثلاثة في الصور المؤرخة في الثالث من يناير من العام ٢٠٠٠. 

تجمع الصور فاروق الشرع وزير الخارجية السوري آنذاك في عهد حافظ الأسد، ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك، يتوسطهما الرئيس الأميركي بيل كلينتون. 

يسير الثلاثة على ما يبدو أنه جسر حديدي في غابة مليئة بالأشجار التي تتخلى للخريف عن آخر أوراقها اليابسة في ولاية ويست فرجينيا الأميركية. كان كلينتون يحاول أن يعبر بالطرفين من ضفة إلى أخرى، من الحرب المستمرة منذ عقود، إلى سلام أراده أن يكون "عادلاً وشاملاً".

كانت تلك الورقة الأخيرة المترنحة في شجرة مفاوضات طويلة ومتقطّعة بين إسرائيل وسوريا، استمرت طوال فترة التسعينيات في مناسبات مختلفة. لكن خريف العلاقات بين الطرفين كان قد حلّ، وسقطت الورقة، وتباطأت في سقوطها "الحر" حتى ارتطمت بالأرض. 

كان ذلك آخر لقاء علني مباشر بين مسؤولين سوريين ومسؤولين إسرائيليين على هذا المستوى. لم تفض المفاوضات إلى شيء، وتعرقلت أكثر فأكثر احتمالاتها في السنوات اللاحقة بعد وراثة بشار الأسد رئاسة سوريا عن أبيه الذي توفي في حزيران من العام ٢٠٠٠. 

وفشلت جميع المبادرات الأميركية والتركية بين الأعوام ٢٠٠٠ و٢٠١١ لإعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات المباشرة، مع حدوث بعض المحادثات غير المباشرة في إسطنبول في العام ٢٠٠٨، وكان بشار الأسد يجنح شيئاً فشيئا إلى الارتماء تماماً في الحضن الإيراني.

كان الربيع العربي في العام ٢٠١١ أقسى على بشار الأسد من خريف المفاوضات التي خاضها والده في خريف عمره. وإذا كان موت حافظ الأسد شكّل ضربة قاسمة لاحتمالات التسوية السورية- الإسرائيلية، فإن الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر من العام ٢٠٢٤، أعادت على ما يبدو عقارب الزمن ٢٤ عاماً إلى الوراء، لكن هذه المرة مع شرع آخر هو أحمد الشرع. 

ومع أن الرئيس السوري، المتحدر من هضبة الجولان، قد يبدو لوهلة أكثر تشدداً من الأسد، إلا أن الرجل يبدو أنه يخطو بخطوات سريعة نحو تسوية مع إسرائيل تكون استكمالاً لاتفاقيات أبراهام التي عقدتها إسرائيل برعاية أميركية مع دول خليجية.

الرئيس السوري قال بشكل صريح للنائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، مارلين ستوتزمان، إنه مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا. 

وقال ستوتزمان في مقابلة حصرية مع صحيفة "جيروزاليم بوست"، إن الشرع أعرب عن انفتاحه على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، مما قد يعزز مكانة سوريا مع إسرائيل ودول الشرق الأوسط والولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة وقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية ومعالجة قضايا مثل التوغل الإسرائيلي بالقرب من مرتفعات الجولان.

لم يتلق السوريون تصريحات الشرع بصدمة او استغراب. بل على العكس فإن تصريحات الشرع، كما يقول المحلل السياسي مصطفى المقداد، لم تكن مفاجئة للشارع السوري، "فهو منذ وصوله إلى الحكم قام بإرسال إشارات إلى أنه يرغب بأحسن العلاقات مع جميع جيران سوريا، وقد أبدى استعداده للتنازل عن أمور كثيرة، بهدف تأمين استقرار سوريا ووحدتها". 

وينقل مراسل موقع "الحرة" في دمشق حنا هوشان أجواءً عن أن السوريين بمعظمهم، يرغبون بالسلام وتعبوا من الحروب، ولن يمانعوا عودة المفاوضات تحت قيادة الشرع لسوريا.

المقداد رأى في حديث مع "الحرة" أن الجديد والمهم في تصريحات الشرع المنقولة عنه، أنها تصدر بعد تشكيل الحكومة السورية وفي وقت يرفع وزير خارجيته، أسعد الشيباني، علم سوريا في الأمم المتحدة. ويرى المقداد أن المشكلة لا تكمن في الجانب السوري ولا في شخص الشرع، بل "تكمن في الجانب المقابل الذي لا يبدي رغبة حقيقية في قبول هذه المبادرات".

والجمعة، قال الشيباني في الأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي إن "سوريا لن تشكل تهديدا لأي من دول المنطقة، بما فيها إسرائيل".

تصريحات الشرع قد يكون لها الأثر الأبرز في الأيام المقبلة على النقاشات بين دروز سوريا على الحدود مع هضبة الجولان، المنقسمين حول العلاقة مع إسرائيل وحول العلاقة بحكومة الشرع، مع ما يحمله ذلك من مخاوف يعبّر عنها رموز الطائفة، تارة من الاندماج مع حكومة الشرع، وطوراً بالانفصال والانضمام إلى إسرائيل. 

وتأتي تصريحات الشرع حول التطبيع لتفتح الباب لخيار ثالث درزي، قد يبدد المخاوف، لكن ليس هناك ما يضمن ألا يعزّزها.

بين ديسمبر من العام ٢٠٠٠، وأبريل من العام ٢٠٢٥، يقع ربع قرن، توقفت فيه عجلة المفاوضات السورية الإسرائيلية المباشرة. وبين الشرعين -فاروق الشرع وأحمد الشرع- تحمل التطورات احتمالات إنعاش المفاوضات وعودتها إلى الطاولة مع تبدلات جذرية في الظروف وفي اللاعبين. فهل "تزهر" المفاوضات في ربيع العام ٢٠٢٥، بعد أن يبست ورقتها وتساقطت في خريف العام ٢٠٠٠؟