مظاهرات مناهضة للنظام الإيراني في 2009.

وسط تكرار إغلاق المؤسسات الحكومية والتعليمية والمرافق العامة في غالبية المدن الإيرانية خلال الأشهر الماضية، تتفاوت ذرائع النظام الإيراني بين ارتفاع نسبة التلوث وترشيد استخدام الطاقة، بينما يُرجع معارضون أسباب هذه الإجراءات إلى محاولات السلطات وأد أي "انتفاضة شعبية" تكون الجامعات والمدارس مهدا لها.

ومنذ نهاية سبتمبر الماضي، تشهد أكثر من 22 محافظة إيرانية من أصل 31 إغلاقًا متكررًا للمراكز الحكومية والعامة، في حين أصدرت السلطات قرارات تقضي بالدراسة عن بعد في المدارس.

وأعلنت وزارة العلوم والبحوث والتكنولوجيا الإيرانية الدراسة عن بعد في الجامعات حتى نهاية الفصل الدراسي الأول من العام الدراسي الحالي.

وتتفاقم أزمة الطاقة الكهربائية في إيران منذ الصيف الماضي، حيث بدأت السلطات بجدولة كهرباء المنازل وفق نظام الساعتين، وترشيد إنارة الشوارع، بالإضافة إلى جدولة كهرباء المؤسسات الصناعية في البلاد.

وفق إحصائيات غير رسمية، تعتمد إيران بأكثر من 80% على الغاز الطبيعي كمصدر لتوليد الطاقة في البلاد، بينما تعتمد أكثر من 90% من المنازل الإيرانية على الغاز في التدفئة.

طالب الرئيس الإيراني، مسعود بزيشكيان، في ديسمبر الماضي الإيرانيين بخفض درجة التدفئة بما لا يقل عن درجتين للحفاظ على الوقود وضمان الإمداد للجميع، وهو ما يؤكد عمق أزمة الوقود في إيران واختلال التوازن في الطاقة، بالإضافة إلى النقص الحاد في الكهرباء والغاز.

تمويل الميليشيات على حساب رفاهية الإيرانيين

أكد الناشط السياسي الإيراني المعارض، آراش همديان، لموقع "الحرة" أنه "رغم الوضع الرهيب والمأساوي الذي يعيشه الإيرانيون، لا يزال النظام يستخدم الأموال والموارد الإيرانية لإرسالها إلى وكلائه وحلفائه خارج إيران. دائمًا ما يكون الإيرانيون هم الضحايا الأوائل لهذا النظام".

وأشار همديان إلى أن النظام الحاكم في إيران لن يصلح الأوضاع، بل يبذل يوميًا المزيد من الجهد لاستقطاع قوت الشعب الإيراني وإرساله إلى أذرعه لنشر أيديولوجيته المتطرفة في العالم.

وأد الانتفاضة الشعبية

يشكك إيرانيون معارضون، التقاهم موقع "الحرة"، في تبريرات النظام لإغلاق المؤسسات الحكومية والعامة بشكل شبه مستمر، معتبرين أنها ليست ناجمة عن ارتفاع التلوث أو نقص في إمدادات الغاز.

يرى هؤلاء أن أحد أبرز أسباب الإغلاق هو خشية النظام من اندلاع انتفاضة شعبية ضده، قد تكون الجامعات مركزها، خاصة مع تراجع نفوذه في المنطقة إثر سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، وخسائر وكيله الأبرز في المنطقة، حزب الله اللبناني.

أشار الناشط السياسي الكردي المعارض، هيرش بالاني، إلى أن نظام ولي الفقيه يعترف، من خلال رئيسه ورئيس البرلمان والعديد من مسؤوليه، بأنه غير قادر على حل أزماته الاقتصادية والسياسية والأمنية.

قال بالاني لموقع "الحرة": "إلى جانب أزمة الوقود، النظام في إيران غير قادر على توفير رواتب الموظفين العموميين. تسبب هذا في ازدياد استياء الناس من النظام، الذي يعتبره الإيرانيون فاقدًا للشرعية".

ولفت إلى أن النظام يخشى كثيرًا من الفشل في الداخل والخارج، وأن أداته الوحيدة المتبقية هي القمع والترهيب، حيث يستخدم الإغلاق كنوع من القمع والتقييد ضد الإيرانيين.

وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قالت في تقريرها العالمي لعام 2025 الذي نشر في 16 يناير الحالي، أن "السلطات الإيرانية واصلت قمعها الوحشي والموجه، رغم وعود الرئيس الإيراني الجديد بالتغيير".

وفق التقرير، كانت إيران من بين الدول الخمس التي شهدت أكبر عدد من عمليات الإعدام في 2023. واستمر هذا التوجه في 2024، حيث أُعدم أكثر من 400 شخص في النصف الأول من العام.

صورة للسجين السياسي والناشط العمالي الإيراني محمد داوري- وسائل إعلام إيرانية
صورة للسجين السياسي والناشط العمالي الإيراني محمد داوري- وسائل إعلام إيرانية

"ما شهدته خلال عملي الحقوقي مع السجناء في إيران، يشبه سجون الحجاج بن يوسف"، قال السجين السياسي والناشط العمّالي محمد داروي عبر رسالة مسجلة من أحد زنازين سجن "عادل آباد".

يقع السجن في مدينة شيراز جنوبي إيران، وهناك كما روى داوري "زنزانة تحت الأرض مكونة من 6 غرف تُعرف باسم القبو، ومرفق تعذيب سيء السمعة يُدعى (عنبر الإرشاد)"، كلاهما تم إخفاؤه عن المفتشين والزوار.

يوجه داوري (30 عاماً) رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، يذكر فيها صنوف التعذيب التي تعرض لها، والتهديد بالاغتصاب.

كما انتقد السجين عدم الحصول على العلاج المناسب وعدم الاهتمام بالأوضاع الإنسانية للسجناء في هذا السجن.

نُشرت الرسالة الصوتية السبت على حسابه في إنستغرام، وتداولها نشطاء ومنصات إعلامية إيرانية.

بعد ذلك، تم نقل داروي إلى وجهة غير معلومة، بحسب ما ذكرت وكالة "هرانا" الحقوقية، الأحد.

 

"أنت سبب معاناتي"

سجن داوري مرات عدة وحاليا يقضي عقوبة بالسجن لمدة 3 سنوات منذ مايو 2024، بتهمة "إهانة خامنئي".

وقال في رسالته "أنا في السجن بسبب إهانتكم (خامنئي)، لذلك أحملكم مسؤولية كل المعاناة والمصاعب التي عانيت منها أنا وأسرتي خلال هذه الفترة".

وفي 23 ديسمبر الماضي، تم نقله لمركز التوقيف المعروف بـ"البلوك 100"، عبر إجباره على الصعود إلى سيارة، دون إعلامه بالوجهة أو توضيح السبب".

وخلال المسافة، تحولت السيارة لمركز تعذيب متنقل، وفق تعبير داوري، قال "تم تقييد يدي من الخلف وتكبيل قدمي بشدة لدرجة أن أطرافي أصيبت بالخدر والكدمات، ولا تزال آثارها واضحة بعد أكثر من 50 يوماً على ذلك. وتعرضت للضرب المتواصل".

حدث ذلك بعد أقل من شهر على وفاة والده.

أين حقوق الإنسان؟

في رسالته يُذكّر داوري المرشد الأعلى بتصريحات له عن "حقوق الإنسان" و"الأمن النفسي" التي لا معنى لها أو صدى داخل السجون.

"كنتَ تؤكد ضرورة اتخاذ إجراءات ضد من يهددون الأمن النفسي للمجتمع، لكن قبل أن يمضي شهر على وفاة والدي، اختُطفت، تاركا عائلتي المفجوعة في قلق وعدم يقين. مرضت والدتي، وأصيبت شقيقتي بصدمة نفسية شديدة، وتعرضت للضرب العنيف لدرجة أن ضلوعي وصدري تعرضا للكدمات، ونزف أنفي، وأصيبت ساقاي بجروح، وتحطمت نظارتي"، قال داوري.

وتابع "لقد أهانوني وأذلوني، وهددوني بالاعتداء الجنسي باستخدام زجاجة صودا. لماذا؟ كانت المعاناة التي تعرضت لها شديدة لدرجة أنني لم أتمكن من تناول الطعام لعدة أيام. لا أتكلم عن ألمي الشخصي، لكن من يستطيع أن يفهم العذاب الذي تحملته عائلتي"؟

صورة للسجين السياسي والناشط العمالي الإيراني محمد داوري- وسائل إعلام إيرانية

ووجه سؤالا لخامنئي: "من هم المخالفون للأمن النفسي للمجتمع؟" مستعرضاً أبرز تجليات الأزمة الاقتصادية في إيران، حيث تعاني أشد آثارها الطبقة العاملة وجزء كبير من الطبقى الوسطى، وحيث لم يعد هناك أي "أمن نفسي".

بخصوص حقوق الإنسان، كان خامنئي وجّه القضاة لاحترام حقوق الإنسان الإسلامية والالتزام بها، لكن هذه الحقوق ،وفق داوري تمر "بوضع كارثي" أكثر من أي مكان.

وشبّهها بالفزاعة المهترئة التي لا تخيف حتى أضعف الطيور.

وقال السجين السياسي عبر رسالته المسجلة، إن المسؤولين عن استمرار الانتهاكات الحقوقية في السجون، يقومون بالوقت ذاته بمهاجمة إسرائيل، "للتغطية على اضطهادهم".

لكنّ أي شيء قد تفعله الجمهورية الإسلامية لتزيين صورتها في الخارج والظهور بمظهر القوي لا يمكنه إخفاء الضعف الداخلي. 

وكانت محامية داوري، فرشته تابانيان، أعلنت في يناير الماضي تعرض موكلها للتعذيب في مركز احتجاز إدارة المعلومات في شيراز، وقالت إن الطب الشرعي أكد وجود كدمات وجروح على الضلوع والصدر والساقين.

وعن هذا قال داوري إن القضاة لم يفعلوا أي شيء إزاء تقرير الطب الشرعي، بل على العكس "أسقطوا القضية وبرأوا الجلاد".

لذلك: "كيف يمكن للمرء أن يأمل في مثل هذا القضاء؟" تساءل داوري.

تهديد والده قبل وفاته 

في رسالته أيضاً، ذكر محمد داورني أنه تعرض للتعذيب خلال احتجازه عام 2018، آنذاك كان عمره 23 عاماً. 

وقال "اعتُقلت على يد ضباط الاستخبارات، وتعرضت للتعذيب ليلة كاملة. حيث تم تقييدي في وضعية أبولو، وجَلدي بالأسلاك على قدميّ، ثم تعليقي على الحائط حتى أعترف بتهمهم الملفقة".

وأشار داوري لمفارقة تُظهر أن طريقة التعذيب التي تعرض إليها هي نفسها التي تعرض لها زوار متحف "عبرت" الذي كان بالأساس سجناً في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، حيث عُذب معارضوه على يد قوات "السافاك".

وأكد داوري تعرض والده للتهديد على يد المخابرات في مدينة ياسوج: "استدعوا والدي المريض ليلا، وقالوا له إما أن يوافق ابنك على شروطنا أو نشنقه، وفي وقت آخر سنقتله بصبّ السم في كأسه".

وكان ردّ والده المريض بالسرطان ""أين غرفة الإعدام؟ حتى لو شنقته أمام عيني فلن أسمح لابني بالخضوع لمثل هذا الإذلال واللعب بشرفه وشرف عائلته".

توفي والده بعد ذلك، ولم يتمكن داوري من توديعه لمثواه الأخير.

تهمة "إهانة خامنئي" كلفت داوري 3 سنوات سجن، ثم عامين من منعه مغادرة البلاد عبر إلغاء جواز سفره، وعامين يُحرم فيهما من الخدمات الاجتماعية، مثلهما من استخدام مواقع التواصل.