على الحدود .. معاناة يومية من أجل لقمة العيش - فرانس برس
على الحدود .. معاناة يومية من أجل لقمة العيش - فرانس برس

شقيقان يتنقلان بين الجبال الوعرة على الحدود العراقية- الإيرانية.. المجازفة بالحياة فرصتهم الوحيدة لتحصيل قوت يومهم.

في يوم مشؤوم قبل سنوات قتل أحدهما برصاصات لا ترحم، بينما لم تبق للآخر سوى مرارة الفقد وذكريات المأساة، لكنه لم يقدر حتى على الابتعاد عن المهنة القاتلة.. أين له غيرها ليواصل العيش حتى لو كانت المخاطرة ثمنها حياته.

بين تلك الجبال الوعرة على الحدود العراقية-الإيرانية، تتشابك المآسي الإنسانية مع قسوة الطبيعة وظروف العيش.

يروي سردار، شاب كردي ينحدر من احدى المدن الإيرانية الحدودية، قصة فقدان أخيه عمر، الذي لقي مصرعه قبل عامين برصاص قوات حرس الحدود الإيرانية.

كان الاخوان، ضمن مجموعة من العتّالين المعروفين محليًا باسم "الكولبر"، يعبرون الشريط الحدودي من العراق إلى إيران محملين بالبضائع، حين باغتهم وابل من رصاص حرس الحدود الإيراني، أجبرهم على ترك حمولتهم والهروب نحو الصخور الكبيرة، لكن عمر لم يتمكن من النجاة، وسقط مصابًا بطلق ناري أودى بحياته.

يعود سردار بالذاكرة إلى ما قبل عشر سنوات، حين كان عمره وأخيه عمر 18 عامًا فقط.

بعد وفاة والدهم، الذي كان يعمل بالفلاحة، باتت الحياة أكثر قسوة على عائلتهم المكونة من أم وثلاثة أبناء وبنتين.

مع تدهور الوضع الاقتصادي في إيران وغياب فرص العمل، حاول الشقيقان العمل بالبناء، لكن فرص العمل كانت قليلة وغير كافية لتأمين قوت العائلة.

أمام هذا الواقع المرير، لجأ الشقيقان إلى مهنة العتالة، رغم مشقتها ومخاطرها الكبيرة.

كانت مهمتهما تتمثل في نقل بضائع يصل وزنها أحيانًا إلى 70 كغم، مقابل حوالي 40 دولارًا عن كل رحلة. هذا المبلغ كان يعد نعمة وسط ندرة الفرص، خاصة أن العتالة كانت توفر لهم فرصتين أو ثلاثًا للعمل في الأسبوع، وهو ما يعادل دخل شهر كامل في مهن أخرى.

ماذا كانت البضائع التي ينقلها العتالون؟ يوضح سردار ضمن حديثه لموقع الـ "الحرة" إنهم ينقلون مواد غذائية وسكائر ومواد كهربائية وإلكترونية تعود لتجار بين الجانبين العراقي والإيراني، وليست مواد ممنوعة.

كانت العتالة بالنسبة لسردار وعمر خيارًا قسريًا لتأمين لقمة العيش لعائلتهم.

لكن في ذلك اليوم المشؤوم، قتلت رصاصات عمر بينما كان يسعى لتحقيق ذلك الهدف البسيط: توفير الخبز لأسرته.

بعد مقتله، لم يستطع سردار تحمل العودة إلى هذه المهنة لفترة طويلة. ومع ذلك، عاد مؤخرًا للعمل عتّالا بسبب تفاقم الظروف المعيشية أكثر، إذ أن الفرص شحيحة، والوضع الاقتصادي يزداد تدهورًا في بلده إيران.

يعيش سردار اليوم بين ذكريات أخيه عمر والواقع المرير الذي فرضته الظروف.

يقول بحسرة: "ليس هناك أي أمل بتحسن الأوضاع. نحن نعمل في مهنة خطرة فقط لنعيش، ولا أحد يسمع صوتنا أو يشعر بمعاناتنا التي هي انعكاس لواقع آلاف العتّالين، الذين يواجهون الموت يوميًا على يد قوات الأمن الإيرانية".

منظمة "هانا" لحقوق الإنسان (منظمة كردية إيرانية) كشفت مقتل 59 شخصًا وإصابة 271 آخرين من العتالين الأكراد خلال عام 2024، نتيجة استهدافهم من قبل قوات الحدود الإيرانية وكوارث طبيعية وحوادث مختلفة.

وأشار التقرير إلى أن 50 عتالا قتلوا بنيران مباشرة من قبل القوات الإيرانية، بينما لقي 9 آخرين مصرعهم بسبب كوارث طبيعية كالبرد والانهيارات الجليدية، وحوادث سير.

من جهة أخرى، سجلت المنظمة إصابة 216 عتالا بنيران مباشرة من القوات الإيرانية، إلى جانب إصابة 18 آخرين بسبب التعذيب على يد القوات الايرانية، واصابة 37 اخرين بسبب الكوارث الطبيعية وانفجارات الالغام، وحوادث سير.

وأشارت المنظمة أن الحوادث تركزت في مناطق باوه، وسقيز، وبانا، ومريوان، وجوانرو، وسردشت، وسالاسي باواجاني.

وأكدت المنظمة أنها تحتفظ بجميع الأسماء والمعلومات المتعلقة بالضحايا في مركزها الإحصائي.

بحسب الأمم المتحدة، أعدمت إيران أكثر من 900 شخص عام 2024
الوجه القاتم لحقوق الإنسان بإيران.. إعدامات بالجملة وقمع بلا حدود
في اجتماعٍ مثيرٍ لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، خرج ممثل النظام الإيراني ليحاول تبرير الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان في بلاده، مُلقياً اللوم على ما أسماه "التحديات التي فرضها الغرب على إيران من خلال العقوبات ودعمه للإرهاب."

وتتسم حياة العتالين بمجازفات جسيمة. فهم يتعرضون لخطر الاعتقال من قبل قوات الأمن، فضلاً عن الظروف الجوية السيئة.

والعديد منهم فقدوا حياتهم أو تعرضوا لإصابات خطيرة أثناء محاولاتهم عبور الحدود.

وتواجه المناطق الحدودية في إيران، خاصة المناطق الكردية، أوضاعاً معيشية قاسية تدفع العديد من سكانها إلى الانخراط في مهنة العتالة، التي تمثل تحدياً كبيراً بسبب المخاطر المترتبة عليها.

والعتالة عمل شاق يتطلب حمل أوزان ثقيلة تتراوح بين 50 إلى 80 كغم، والسير لمسافات طويلة قد تصل إلى أكثر من 15 ساعة في تضاريس جبلية وعرة وملغومة، وذلك مقابل أجور تساعد المشتغلين بها على تلبية احتياجاتهم المعيشية الأساسية.

ويؤكد الناشط الحقوقي الإيراني حميد بهرامي، لموقع الـ “الحرة" أن هذه المهنة باتت الخيار الوحيد للعديد من سكان المناطق الحدودية الذين يواجهون أزمة اقتصادية خانقة.

ورغم ذلك، يواجه العتالون مخاطر أمنية جمة، إذ تفرض السلطات الإيرانية طوقاً أمنياً مشددًا على المناطق الحدودية، مما يزيد صعوبة الظروف التي يعيشونها.

وبين بهرامي أن قوات حرس الحدود الإيراني يستخدمون القوة المفرطة ضد العتالين الذين يعبرون الحدود بشكل غير قانوني، مما يضع حياتهم في خطر دائم.

ورغم أن القوانين الإيرانية تنص على محاكمة عناصر الأمن في حال انتهاكهم قواعد التعامل مع العابرين للحدود، "لم نشهد محاكمة واحدة لأي عنصر من عناصر الأمن الإيراني على عمليات القتل التي وقعت. والعام الماضي وحده، قُتل 59 عتالًا برصاص قوات حرس الحدود الإيراني" موضحا بهرامي.

وأضاف بهرامي أنه رغم غياب تعريف قانوني لمهنة العتالة، إلا أن التقارير تشير إلى أن الكثيرين ينخرطون فيها بسبب الافتقار إلى الفرص الاقتصادية الأخرى، إذ لا يملك العديد من سكان المناطق الحدودية خيارًا سوى العمل في هذه المهنة الشاقة، التي تمثل لهم مصدر رزقهم الوحيد.

وفي الوقت الذي يتعرض فيه هؤلاء للخطر، من المؤكد أن سكان هذه المناطق يحتاجون إلى حلول جذرية، بما في ذلك توفير فرص العمل، كي يتمكنوا من العيش بكرامة بعيدًا عن المخاطر والمصاعب اليومية.

الكولبار.. معاناة لا تنتهي في إيران (رويترز)
الكولبار.. معاناة لا تنتهي في إيران (رويترز)

قتل أكثر من 63 عتالا إيرانيا، وأصيب 284 آخرين خلال العام الماضي والربع الأول من العام الحالي، أثناء نقلهم البضائع في المناطق الحدودية والطرق الجبلية بين كردستان إيران وإقليم كردستان العراق.

والعتّال أو "الكولبار" باللغة الكردية والفارسية، يقوم عادة بنقل بضائع من الجانب الإيراني لبيعها في الجانب العراقي، والعكس، في رحلة تدوم 12 ساعة من جانب إلى آخر.

وقالت منظمة "هانا" لحقوق الإنسان (منظمة كردية إيرانية) في تقرير لها خصت به موقع "الحرة" أن غالبية القتلى والجرحى من العتالين سقطوا إثر تعرضهم لنيران مباشرة من قبل الجيش وحرس الحدود الإيراني، بينما كانت الانهيارات الثلجية والتجمد وانفجار الألغام والسقوط من المرتفعات وحوادث السير، سببا لمقتل واصابة الآخرين منهم.

وكشفت المنظمة في إحصائية خاصة لـ"الحرة" أنه "بلغ إجمالي عدد القتلى من العتالين في عام 2024، 59 قتيلاً و271 جريحاً، ومن بين القتلى، لقي 41 شخصا مصرعهم بنيران مباشرة من قبل قوات الحكومة الإيرانية، بينما أصيب 216 شخصا بنيران مباشرة من قبل القوات الحكومية، و4 آخرين نتيجة انفجار ألغام أرضية، والبقية إثر حوادث طبيعية وحوادث طرق."

وبحسب احصائيات "هانا" قُتل 4 عتالين وجُرح 13 آخرين في الأشهر الثلاثة الأولى من عام الحالي 2025، اثنان من القتلى سقطا بنيران مباشرة من قبل القوات الإيرانية، بينما قتل الاثنان الآخران بسبب البرد والانهيارات الأرضية، مشيرة إلى أن جميع الجرحى أصيبوا بنيران القوات الإيرانية.

وذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير، لها نشرته في يوليو الماضي، أن "قوات الأمن الإيرانية تقتل أكراداً ينقلون البضائع عبر الحدود".

واتهمت المنظمة في تقريرها السلطات الإيرانية بـ"استخدام القوة المفرطة والقاتلة ضد أشخاص غالبيتهم أكراد يعبرون الحدود من العراق ومعهم بضائع لإعادة بيعها."

واعتبرت "هيومن رايتس ووتش" أن المعدلات المرتفعة للبطالة والفقر في كردستان إيران تعود لقمع السلطات الإيرانية وتهميشها المجتمعات الكردية منذ فترة طويلة.

وفي الوقت ذاته، حثّت المنظمة السلطات الإيرانية على تطوير فرص اقتصادية مستدامة في المناطق الحدودية لتقليل الاعتماد على نقل البضائع عبر الحدود، حتى تتمكن هذه المجتمعات من تدبّر أمورها اقتصادياً.