سجينات في معتقل إيفين الشهير بإيران
تشير تقارير حقوقية إلى أن سجون إيران تشهد انتهاكات

"هنا، أصوات التعذيب، وصرخات الألم، وصمت الأرواح التي أُزهقت لا تتوقف"، تصف سجينة سياسية شكل الحياة داخل سجن "آمل" بمحافظة مازندران شمال إيران.

وفي رسالة نشرتها لجنة المرأة المعارضة للنظام، دون ذكر اسمها، كشفت السجينة معاناة النزيلات النساء بمختلف التهم، وكذلك "مقاومة السياسيات" منهن.

وقالت "تُعاقب النساء بتقييدهن إلى قضبان الحديد، ويُتركن لساعات تحت لهيب الشمس الحارقة أو في البرد القارس".

وأضافت "هنا، كل نفسٍ يخرج مثقلًا بالقهر والقسوة".

اغتصاب وتعذيب

أضافت السجينة أن لا شيء يقتل الفراغ اليومي للنزلاء، فالمكتبة "لا تستحق اسمها".

أما الطعام فهو بالكاد يكفي لسد الجوع.

"جدران فقط وأغطية بالية.. تبدو الزنازين كأنها تمتد بلا نهاية"، تابعت السجينة  الإيرانية في رسالتها، التي وصلتنا نسخة عنها.

ولكثرة الأيام والأسابيع التي تمضيها سجينات في زنازين انفرادية، يبدو الأمر كأنهن بتن غير موجودات! 

وأكدت تعرض العديد من السجينات للتعذيب، وبعضهن للاغتصاب، وأخريات لم يخرجن منها أحياء.

وشرحت عن وضع السجن بشكل عام "كل يوم يُساق العشرات إلى حبال المشنقة بتهم تتراوح بين القتل والسرقة وقضايا المخدرات، أو لمجرد آرائهن السياسية. البعض قضين سنوات في الحبس الانفرادي قبل إعدامه، بينما تلقى أخريات حتفهن بعد أيام فقط من اعتقالهن".

نسخة عن رسالة السجينة بالفارسية، حصلت عليها الحرة من لجنة المرأة التابعة لـ"المعارضة الإيرانية"

على الرغم من هذه الظروف القاسية، تبعث السجينة برسالة صمود ومقاومة.

قالت "لم تنكسر مقاومتنا. لقد تعلمنا أنه حتى في غياب الموارد، وفي قلب التعذيب، وقسوة الشتاء والقمع، يجب أن نقف معاً".

ولا شيء يبقى على حاله إلى الأبد، وفق سرد الرسالة، لذلك "حتى في أحلك الأوقات، تعلمنا كيف نحافظ على الأمل حياً".

وذكرت سجنين آخرين قالت إن الوضع فيهما "أقسى"، هما "وزراء" و"شابور". لكن تجارب السجناء جميعاً فيها أو في "آمل"، تدل على أن "الصمود هو الهزيمة الحتمية للطغيان" على حد تعبير السجينة.

ماذا نعرف عن سجن "آمل"؟

هو أحد السجون الإيرانية حيث يُحتجز السجناء بأعداد تفوق سعته بمرات عدة، وفق تقرير لموقع "سبريدينغ جاستيس" الخاص بتوثيق الانتهاكات الحقوقية داخل الجمهورية الإسلامية.

وقال إن حقوق السجناء "تُنتهك" بطرق مختلفة، مثل عدم الالتزام بمبدأ فصل السجناء وفقا لجرائمهم، والإهانات والاعتداءات الجسدية على النزلاء، والرعاية الطبية غير الكافية، والانتهاكات المتكررة للوائح السجون المتعلقة بحقوق السجناء. 

وتشمل الانتهاكات استخدام القيود الحديدية على الأقدام، وإجبار النساء على ارتداء الشادور (العباءة السوداء)، والتفتيش الجسدي دون ملابس. 

كما يُعد تنفيذ أحكام الإعدام من بين انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في هذا السجن، وفق الموقع الناطق بالفارسية.

صورة لبوابة سجن "آمل" شمال إيران- المصدر: موقع سبريدينغ جاستيس الإيراني

وفي فبراير 2022، أفاد تقرير لمنظمة "هرانا" الحقوقية بحدوث انتهاكات مستمرة للوائح السجون المتعلقة بحقوق السجناء في سجن "آمل".

ورغم الحظر المفروض على فرض ارتداء الشادور إجباريا على السجينات، إلا أنه كان لا يزال إلزاميا هناك.

كما استمر تنفيذ عمليات التفتيش الجسدي العاري للنساء عند دخولهن السجن، رغم الحظر القانوني على هذا الإجراء، وفق "هرانا".

وقالت المنظمة إن السجناء تعرضوا للإهانة والضرب من قبل مسؤولي السجن، واستمرار استخدام القيود الحديدية على الأقدام عند نقلهم، رغم الحظر المفروض على ذلك باستثناء المتهمين بجرائم عنيفة.

وفي أغسطس العام نفسه، ذكرت "هرانا" في بيان أن السجينات في "آمل" محرومات من الوصول إلى الكتب والمنشورات المتبرع بها، رغم أن جناح النساء في السجن يفتقر إلى مكتبة. 

كما لم يُسمح بتسليم جهاز عرض الأفلام والأفلام والبرامج التلفزيونية المتبرع بها إلى السجينات، وأعيدت إلى الجهات المانحة رغم المتابعات المستمرة. 

بناء على ما سبق، يتضح بحسب الرسالة الحديثة التي نشرت الاثنين للسجينة السياسية في "آمل" أن الأوضاع داخل السجن لم تتغير للأفضل، ولم تتوقف الانتهاكات.

الشرع وإسرائيل

مع أن الخريف يحمل أحيانا مسحة من الكآبة، كان بالإمكان ملاحظة ابتسامات خفيفة على وجوه الرجال الثلاثة في الصور المؤرخة في الثالث من يناير من العام ٢٠٠٠. 

تجمع الصور فاروق الشرع وزير الخارجية السوري آنذاك في عهد حافظ الأسد، ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك، يتوسطهما الرئيس الأميركي بيل كلينتون. 

يسير الثلاثة على ما يبدو أنه جسر حديدي في غابة مليئة بالأشجار التي تتخلى للخريف عن آخر أوراقها اليابسة في ولاية ويست فرجينيا الأميركية. كان كلينتون يحاول أن يعبر بالطرفين من ضفة إلى أخرى، من الحرب المستمرة منذ عقود، إلى سلام أراده أن يكون "عادلاً وشاملاً".

كانت تلك الورقة الأخيرة المترنحة في شجرة مفاوضات طويلة ومتقطّعة بين إسرائيل وسوريا، استمرت طوال فترة التسعينيات في مناسبات مختلفة. لكن خريف العلاقات بين الطرفين كان قد حلّ، وسقطت الورقة، وتباطأت في سقوطها "الحر" حتى ارتطمت بالأرض. 

كان ذلك آخر لقاء علني مباشر بين مسؤولين سوريين ومسؤولين إسرائيليين على هذا المستوى. لم تفض المفاوضات إلى شيء، وتعرقلت أكثر فأكثر احتمالاتها في السنوات اللاحقة بعد وراثة بشار الأسد رئاسة سوريا عن أبيه الذي توفي في حزيران من العام ٢٠٠٠. 

وفشلت جميع المبادرات الأميركية والتركية بين الأعوام ٢٠٠٠ و٢٠١١ لإعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات المباشرة، مع حدوث بعض المحادثات غير المباشرة في إسطنبول في العام ٢٠٠٨، وكان بشار الأسد يجنح شيئاً فشيئا إلى الارتماء تماماً في الحضن الإيراني.

كان الربيع العربي في العام ٢٠١١ أقسى على بشار الأسد من خريف المفاوضات التي خاضها والده في خريف عمره. وإذا كان موت حافظ الأسد شكّل ضربة قاسمة لاحتمالات التسوية السورية- الإسرائيلية، فإن الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر من العام ٢٠٢٤، أعادت على ما يبدو عقارب الزمن ٢٤ عاماً إلى الوراء، لكن هذه المرة مع شرع آخر هو أحمد الشرع. 

ومع أن الرئيس السوري، المتحدر من هضبة الجولان، قد يبدو لوهلة أكثر تشدداً من الأسد، إلا أن الرجل يبدو أنه يخطو بخطوات سريعة نحو تسوية مع إسرائيل تكون استكمالاً لاتفاقيات أبراهام التي عقدتها إسرائيل برعاية أميركية مع دول خليجية.

الرئيس السوري قال بشكل صريح للنائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، مارلين ستوتزمان، إنه مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا. 

وقال ستوتزمان في مقابلة حصرية مع صحيفة "جيروزاليم بوست"، إن الشرع أعرب عن انفتاحه على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، مما قد يعزز مكانة سوريا مع إسرائيل ودول الشرق الأوسط والولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة وقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية ومعالجة قضايا مثل التوغل الإسرائيلي بالقرب من مرتفعات الجولان.

لم يتلق السوريون تصريحات الشرع بصدمة او استغراب. بل على العكس فإن تصريحات الشرع، كما يقول المحلل السياسي مصطفى المقداد، لم تكن مفاجئة للشارع السوري، "فهو منذ وصوله إلى الحكم قام بإرسال إشارات إلى أنه يرغب بأحسن العلاقات مع جميع جيران سوريا، وقد أبدى استعداده للتنازل عن أمور كثيرة، بهدف تأمين استقرار سوريا ووحدتها". 

وينقل مراسل موقع "الحرة" في دمشق حنا هوشان أجواءً عن أن السوريين بمعظمهم، يرغبون بالسلام وتعبوا من الحروب، ولن يمانعوا عودة المفاوضات تحت قيادة الشرع لسوريا.

المقداد رأى في حديث مع "الحرة" أن الجديد والمهم في تصريحات الشرع المنقولة عنه، أنها تصدر بعد تشكيل الحكومة السورية وفي وقت يرفع وزير خارجيته، أسعد الشيباني، علم سوريا في الأمم المتحدة. ويرى المقداد أن المشكلة لا تكمن في الجانب السوري ولا في شخص الشرع، بل "تكمن في الجانب المقابل الذي لا يبدي رغبة حقيقية في قبول هذه المبادرات".

والجمعة، قال الشيباني في الأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي إن "سوريا لن تشكل تهديدا لأي من دول المنطقة، بما فيها إسرائيل".

تصريحات الشرع قد يكون لها الأثر الأبرز في الأيام المقبلة على النقاشات بين دروز سوريا على الحدود مع هضبة الجولان، المنقسمين حول العلاقة مع إسرائيل وحول العلاقة بحكومة الشرع، مع ما يحمله ذلك من مخاوف يعبّر عنها رموز الطائفة، تارة من الاندماج مع حكومة الشرع، وطوراً بالانفصال والانضمام إلى إسرائيل. 

وتأتي تصريحات الشرع حول التطبيع لتفتح الباب لخيار ثالث درزي، قد يبدد المخاوف، لكن ليس هناك ما يضمن ألا يعزّزها.

بين ديسمبر من العام ٢٠٠٠، وأبريل من العام ٢٠٢٥، يقع ربع قرن، توقفت فيه عجلة المفاوضات السورية الإسرائيلية المباشرة. وبين الشرعين -فاروق الشرع وأحمد الشرع- تحمل التطورات احتمالات إنعاش المفاوضات وعودتها إلى الطاولة مع تبدلات جذرية في الظروف وفي اللاعبين. فهل "تزهر" المفاوضات في ربيع العام ٢٠٢٥، بعد أن يبست ورقتها وتساقطت في خريف العام ٢٠٠٠؟