صورة معارض إيراني وزهور موضوعة على مشنقة خلال تظاهرة للمعارضة الإيرانية في باريس في 8 فبراير 2019 في باريس احتجاجا على الاحتفالات في إيران بالذكرى الأربعين للثورة الإسلامية.
صورة معارض إيراني وزهور موضوعة على مشنقة خلال تظاهرة للمعارضة الإيرانية في باريس (أرشيفية من فرانس برس)

شهدت إيران خلال عام 2024 تنفيذ ما لا يقل عن 975 حكم إعدام، في تصعيد وصفته منظمات حقوقية بأنه الأعلى منذ عام 2008، ويعكس استخدام السلطات الإيرانية لعقوبة الإعدام كأداة للقمع السياسي.

ووفقًا لتقرير صادر عن "المنظمة الإيرانية لحقوق الإنسان" التي تتخذ من النرويج مقرًا لها، بالتعاون مع منظمة "معًا ضد عقوبة الإعدام" الفرنسية، فإن 90% من عمليات الإعدام لم يتم الإعلان عنها رسميًا، مما يشير إلى أن العدد الفعلي قد يكون أكبر من الرقم المعلن.

ولم يتضمن التقرير حوالي 40 حالة إعدام مفترضة، بسبب عدم توفر معلومات كافية عنها، مما يسلط الضوء على الطابع السري لكثير من أحكام الإعدام التي تنفذها السلطات الإيرانية.

من جانبه قال محمود العامري مقدم، مدير "المنظمة الإيرانية لحقوق الإنسان"، إن النظام الإيراني يستخدم الإعدامات كوسيلة لترهيب المجتمع وإحكام قبضته على السلطة، مضيفًا أن معدل الإعدامات اليومي وصل إلى 5 أو 6 حالات.

وأضاف: "هذه الإعدامات ليست مجرد عقوبات جنائية، بل هي جزء من حرب يشنها النظام الإيراني ضد شعبه، في محاولة للسيطرة على المجتمع بعد موجة الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في 2022 و2023، وفقا لوكالة "فرانس برس"

نساء وقُصّر وناشطون

من بين 975 شخصًا أُعدموا في 2024، كانت هناك 31 امرأة، فيما تم تنفيذ أربعة إعدامات علنية، في محاولة لترهيب المواطنين وإيصال رسائل ردع قوية.

كما شملت أحكام الإعدام أشخاصًا كانوا قاصرين وقت ارتكاب الجرائم المنسوبة إليهم، بينهم مهدي جهانبور، الذي اعتقل وهو في 16 عامًا بعد إدانته بجريمة قتل، ليقضي سنوات في السجن قبل أن يُعدم وهو في 22 من عمره.

وتُعد إيران ثاني أكثر دولة تنفذ أحكام الإعدام عالميًا بعد الصين، وفق تقارير منظمة العفو الدولية.

 

وتُستخدم هذه العقوبة ليس فقط لمعاقبة الجرائم التقليدية مثل القتل وجرائم المخدرات، بل أيضًا لقمع المعارضين السياسيين.

من الاحتجاجات إلى المشانق

قادت إيران حملة قمع واسعة ضد المشاركين في احتجاجات "امرأة، حياة، حرية" التي اندلعت في سبتمبر 2022، عقب وفاة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق.

ومنذ ذلك الحين، أعدمت السلطات الإيرانية 10 رجال بتهم تتعلق بهذه الاحتجاجات، بينهم محمد غوبادلو (23 عامًا) الذي أُعدم في يناير 2024 بتهمة قتل شرطي، وغلام رضا رسايي (34 عامًا) الذي أُعدم في أغسطس بتهمة قتل أحد أفراد الحرس الثوري.

المنظمات الحقوقية اعتبرت هذه المحاكمات غير عادلة، واتهمت السلطات بالتعذيب المنهجي لانتزاع اعترافات بالإكراه، في ظل انعدام الضمانات القانونية للمتهمين.

"استهداف الأقليات"

وشملت عمليات الإعدام أيضًا أفرادًا من الأقليات العرقية في إيران، مثل البلوش والأكراد، الذين يعانون من تمييز متزايد في النظام القضائي.

ووفق التقرير الحقوقي، تواجه الناشطتان الكرديتان بخشان عزيزي وفاريشة مرادي خطر الإعدام بسبب نشاطهما في الدفاع عن حقوق المرأة، وهو ما يعكس استهدافًا ممنهجًا للأقليات والنشطاء الحقوقيين.

تعتمد السلطات الإيرانية الإعدامات كأسلوب رئيسي لترسيخ سيطرتها، وسط غياب تام للشفافية في إجراءات المحاكمة. كما تُمنع عائلات الضحايا من الوصول إلى المعلومات حول أحكام الإعدام، وغالبًا ما يُحرم المعتقلون من التواصل مع محاميهم.

 

الشرع وإسرائيل

مع أن الخريف يحمل أحيانا مسحة من الكآبة، كان بالإمكان ملاحظة ابتسامات خفيفة على وجوه الرجال الثلاثة في الصور المؤرخة في الثالث من يناير من العام ٢٠٠٠. 

تجمع الصور فاروق الشرع وزير الخارجية السوري آنذاك في عهد حافظ الأسد، ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك، يتوسطهما الرئيس الأميركي بيل كلينتون. 

يسير الثلاثة على ما يبدو أنه جسر حديدي في غابة مليئة بالأشجار التي تتخلى للخريف عن آخر أوراقها اليابسة في ولاية ويست فرجينيا الأميركية. كان كلينتون يحاول أن يعبر بالطرفين من ضفة إلى أخرى، من الحرب المستمرة منذ عقود، إلى سلام أراده أن يكون "عادلاً وشاملاً".

كانت تلك الورقة الأخيرة المترنحة في شجرة مفاوضات طويلة ومتقطّعة بين إسرائيل وسوريا، استمرت طوال فترة التسعينيات في مناسبات مختلفة. لكن خريف العلاقات بين الطرفين كان قد حلّ، وسقطت الورقة، وتباطأت في سقوطها "الحر" حتى ارتطمت بالأرض. 

كان ذلك آخر لقاء علني مباشر بين مسؤولين سوريين ومسؤولين إسرائيليين على هذا المستوى. لم تفض المفاوضات إلى شيء، وتعرقلت أكثر فأكثر احتمالاتها في السنوات اللاحقة بعد وراثة بشار الأسد رئاسة سوريا عن أبيه الذي توفي في حزيران من العام ٢٠٠٠. 

وفشلت جميع المبادرات الأميركية والتركية بين الأعوام ٢٠٠٠ و٢٠١١ لإعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات المباشرة، مع حدوث بعض المحادثات غير المباشرة في إسطنبول في العام ٢٠٠٨، وكان بشار الأسد يجنح شيئاً فشيئا إلى الارتماء تماماً في الحضن الإيراني.

كان الربيع العربي في العام ٢٠١١ أقسى على بشار الأسد من خريف المفاوضات التي خاضها والده في خريف عمره. وإذا كان موت حافظ الأسد شكّل ضربة قاسمة لاحتمالات التسوية السورية- الإسرائيلية، فإن الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر من العام ٢٠٢٤، أعادت على ما يبدو عقارب الزمن ٢٤ عاماً إلى الوراء، لكن هذه المرة مع شرع آخر هو أحمد الشرع. 

ومع أن الرئيس السوري، المتحدر من هضبة الجولان، قد يبدو لوهلة أكثر تشدداً من الأسد، إلا أن الرجل يبدو أنه يخطو بخطوات سريعة نحو تسوية مع إسرائيل تكون استكمالاً لاتفاقيات أبراهام التي عقدتها إسرائيل برعاية أميركية مع دول خليجية.

الرئيس السوري قال بشكل صريح للنائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، مارلين ستوتزمان، إنه مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا. 

وقال ستوتزمان في مقابلة حصرية مع صحيفة "جيروزاليم بوست"، إن الشرع أعرب عن انفتاحه على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، مما قد يعزز مكانة سوريا مع إسرائيل ودول الشرق الأوسط والولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة وقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية ومعالجة قضايا مثل التوغل الإسرائيلي بالقرب من مرتفعات الجولان.

لم يتلق السوريون تصريحات الشرع بصدمة او استغراب. بل على العكس فإن تصريحات الشرع، كما يقول المحلل السياسي مصطفى المقداد، لم تكن مفاجئة للشارع السوري، "فهو منذ وصوله إلى الحكم قام بإرسال إشارات إلى أنه يرغب بأحسن العلاقات مع جميع جيران سوريا، وقد أبدى استعداده للتنازل عن أمور كثيرة، بهدف تأمين استقرار سوريا ووحدتها". 

وينقل مراسل موقع "الحرة" في دمشق حنا هوشان أجواءً عن أن السوريين بمعظمهم، يرغبون بالسلام وتعبوا من الحروب، ولن يمانعوا عودة المفاوضات تحت قيادة الشرع لسوريا.

المقداد رأى في حديث مع "الحرة" أن الجديد والمهم في تصريحات الشرع المنقولة عنه، أنها تصدر بعد تشكيل الحكومة السورية وفي وقت يرفع وزير خارجيته، أسعد الشيباني، علم سوريا في الأمم المتحدة. ويرى المقداد أن المشكلة لا تكمن في الجانب السوري ولا في شخص الشرع، بل "تكمن في الجانب المقابل الذي لا يبدي رغبة حقيقية في قبول هذه المبادرات".

والجمعة، قال الشيباني في الأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي إن "سوريا لن تشكل تهديدا لأي من دول المنطقة، بما فيها إسرائيل".

تصريحات الشرع قد يكون لها الأثر الأبرز في الأيام المقبلة على النقاشات بين دروز سوريا على الحدود مع هضبة الجولان، المنقسمين حول العلاقة مع إسرائيل وحول العلاقة بحكومة الشرع، مع ما يحمله ذلك من مخاوف يعبّر عنها رموز الطائفة، تارة من الاندماج مع حكومة الشرع، وطوراً بالانفصال والانضمام إلى إسرائيل. 

وتأتي تصريحات الشرع حول التطبيع لتفتح الباب لخيار ثالث درزي، قد يبدد المخاوف، لكن ليس هناك ما يضمن ألا يعزّزها.

بين ديسمبر من العام ٢٠٠٠، وأبريل من العام ٢٠٢٥، يقع ربع قرن، توقفت فيه عجلة المفاوضات السورية الإسرائيلية المباشرة. وبين الشرعين -فاروق الشرع وأحمد الشرع- تحمل التطورات احتمالات إنعاش المفاوضات وعودتها إلى الطاولة مع تبدلات جذرية في الظروف وفي اللاعبين. فهل "تزهر" المفاوضات في ربيع العام ٢٠٢٥، بعد أن يبست ورقتها وتساقطت في خريف العام ٢٠٠٠؟