من مظاهرات سابقة في إيران
من مظاهرات سابقة في إيران

يعاني الإيرانيون من وضع اقتصادي مترد، مع ارتفاع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، ونقص في موارد الطاقة أدت إلى انقطاعات مستمرة في الكهرباء.

موقع "الحرة" حاور خبيرا إيرانيا متخصصا في الاقتصاد والطاقة ليشرح لنا بالتفصيل ما يجري في إيران.

الدكتور أومود شكري، وهو زميل كبير غير مقيم في جامعة جورج ماسون وخبير في الطاقة، قال لـ"الحرة" إنه على الرغم من امتلاك إيران ثاني أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم ورابع أكبر احتياطيات من النفط، تواجه أزمة طاقة حادة. 

ما سبب أزمة الكهرباء؟

يجيب شكري: 

تعاني البلاد من نقص مزمن في الكهرباء وانقطاعات متكررة للتيار الكهربائي وبنية تحتية قديمة للطاقة. وانخفض الإنتاج الصناعي بنسبة تتراوح بين 30و50 في المئة، وتجاوز نقص الغاز الطبيعي اليومي 350 مليون متر مكعب.

وبلغت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الأزمة عشرات المليارات من الدولارات.

والسبب الأساسي وراء  ذلك هو مزيج من سوء الإدارة النظامي والعقوبات الدولية والإعانات ونقص الاستثمار الطويل الأجل في البنية التحتية.

البنية التحتية المتقادمة والاعتماد المفرط على الوقود الأحفوري

تعاني شبكة الكهرباء في إيران، التي انشأت قبل الثورة الإسلامية عام 1979، من عدم الكفاءة. ويأتي أكثر من 90 في المئة من الكهرباء من محطات الطاقة الحرارية، التي تستخدم تقنيات الاحتراق القديمة، ما يؤدي إلى إهدار ما بين 15و20 في المئة من الطاقة.

خسائر النقل مرتفعة أيضا، وتبلغ 13 في المئة، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن اعتماد البلاد على محطات الطاقة التي تعمل بالغاز والافتقار إلى تطوير الطاقة المتجددة جعل شبكة الكهباء عرضة للاضطرابات.

تساهم الطاقة المتجددة بأقل من 1 في المئة في مزيج الطاقة في إيران، في حين تولد دول مثل السعودية أكثر من ذلك بكثير من الطاقة الشمسية.

عدم الكفاءة الاقتصادية وتأثير العقوبات

والإعانات هي المحرك الرئيسي للإفراط في الاستهلاك في قطاع الطاقة في إيران.

وأسعار الغاز المحلية أقل بثماني مرات من أسعارها في دول الخليج المجاورة، ما يؤدي إلى الاستهلاك المفرط.

وتستهلك التدفئة السكنية وحدها 28 في المئة من إنتاج الغاز، في حين تتنافس الصناعات ومحطات الطاقة على 72 في المئة المتبقية، ما يتسبب في نقص متكرر.

وتحفز الإعانات السنوية البالغة 30 مليار دولار عدم الكفاءة، وأدت العقوبات في ظل إدارة ترامب إلى منع الاستثمار الأجنبي والتكنولوجيا المهمة لتحديث قطاع الطاقة.

وأدى خفض قيمة العملة إلى زيادة تكلفة استيراد القطع الضرورية مما أدى إلى تفاقم الأزمة.

التوترات الجيوسياسية وفشل الحوكمة

الأولويات الجيوسياسية لإيران زادت من تفاقم أزمة الطاقة، فهي مستمرة في تصدير الغاز إلى العراق وتركيا على الرغم من النقص المحلي.

بالإضافة إلى ذلك، هناك مشكلة تعدين العملات المشفرة فهي تستهلك ما بين 800 و900 ميغاوات يوميًا، ما يزيد من الضغط على الشبكة.

ويعيق الفساد والشلل البيروقراطي الجهود الرامية إلى تحديث البنية التحتية، مع سحب مليارات الدولارات المخصصة لترقية الشبكة.

وفي غياب مسار واضح للإصلاح، من المرجح أن تتفاقم أزمة الطاقة في إيران، ما يؤدي إلى استمرار الانحدار الصناعي وتزايد السخط العام.

وبدون تغييرات منهجية، ستظل الأمة عالقة في حلقة مفرغة من نقص الطاقة والتدهور الاقتصادي. 

التضخم وانهيار العملة

تعاني إيران أيضا من مشكلة التضخم وانهيار العملة، بسبب العقوبات الأميركية وفشل الإدارة المزمن.

وارتفع التضخم في فبراير إلى 35.3 في المئة سنويا، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 16.9في المئة شهرا، بينما انخفضت قيمة الريال إلى 891 ألفا مقابل الدولار الأميركي، وذلك بنسبة 75 في المئة في عام واحد.

ويزيد من تفاقم الوضع سياسة "الضغط الأقصى" التي أدت إلى خفض صادرات النفط، التي تمثل نصف إيرادات الحكومة.

بالإضافة إلى ذلك، أدى انتشار المضاربة على العملة وهروب رأس المال، مع سعي الإيرانيين إلى اللجوء إلى الدولار والذهب، إلى تفاقم الوضع.

ويزيد سوء الإدارة من الأزمة، حيث تؤدي أسعار الصرف التي تسيطر عليها الدولة والفساد إلى تضخم تكاليف الاستيراد بنسبة 53.8 في المئة، في حين تفشل الإعانات في تخفيف حدة الفقر، الذي يؤثر الآن على 30 في المئة من السكان.

وأدى رفض الحكومة الدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة، وهو الموقف الذي أكده خامنئي، إلى تعميق عزلة إيران الاقتصادية، مما أدى إلى ردع الاستثمار الأجنبي المهم لاستقرار الريال.

وأصبحت دورة التضخم وخفض قيمة العملة ذاتية التكرار، فمع ضعف الريال، ترتفع تكاليف الاستيراد، وهو ما يؤدي إلى زيادة التضخم وتفاقم انحدار العملة.

وقيدت العقوبات بشدة وصول إيران إلى عائدات النفط، ما أجبرها على الاعتماد على التجارة غير المشروعة وتعدين العملات المشفرة كثيفة الطاقة، وهو ما يزيد من الضغط على شبكة الكهرباء الهشة بالفعل.

وفي الوقت نفسه، يتخلف نمو الأجور عن التضخم، فقد ارتفعت الإيجارات في طهران 24 مرة منذ عام 2013، في حين ارتفعت الأجور 20 مرة فقط، ما أدى إلى تفاقم التفاوت الاقتصادي.

وعلى الرغم من امتلاك موارد طاقة وفيرة، فإن إيران تكافح للاستفادة منها بسبب البنية التحتية القديمة والقيود المفروضة على ترقيات المصافي.

ومع توقع بقاء التضخم مرتفعا عند 28 في المئة بحلول عام 2026 وعدم وجود إصلاحات اقتصادية جوهرية في الأفق، تواجه البلاد أزمة متصاعدة، إذ تخصص الأسر الآن نصف دخلها للغذاء، ما يدفع العديد منهم إلى مواجهة صعوبات اقتصادية وإنسانية.

الشرع وإسرائيل

مع أن الخريف يحمل أحيانا مسحة من الكآبة، كان بالإمكان ملاحظة ابتسامات خفيفة على وجوه الرجال الثلاثة في الصور المؤرخة في الثالث من يناير من العام ٢٠٠٠. 

تجمع الصور فاروق الشرع وزير الخارجية السوري آنذاك في عهد حافظ الأسد، ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك، يتوسطهما الرئيس الأميركي بيل كلينتون. 

يسير الثلاثة على ما يبدو أنه جسر حديدي في غابة مليئة بالأشجار التي تتخلى للخريف عن آخر أوراقها اليابسة في ولاية ويست فرجينيا الأميركية. كان كلينتون يحاول أن يعبر بالطرفين من ضفة إلى أخرى، من الحرب المستمرة منذ عقود، إلى سلام أراده أن يكون "عادلاً وشاملاً".

كانت تلك الورقة الأخيرة المترنحة في شجرة مفاوضات طويلة ومتقطّعة بين إسرائيل وسوريا، استمرت طوال فترة التسعينيات في مناسبات مختلفة. لكن خريف العلاقات بين الطرفين كان قد حلّ، وسقطت الورقة، وتباطأت في سقوطها "الحر" حتى ارتطمت بالأرض. 

كان ذلك آخر لقاء علني مباشر بين مسؤولين سوريين ومسؤولين إسرائيليين على هذا المستوى. لم تفض المفاوضات إلى شيء، وتعرقلت أكثر فأكثر احتمالاتها في السنوات اللاحقة بعد وراثة بشار الأسد رئاسة سوريا عن أبيه الذي توفي في حزيران من العام ٢٠٠٠. 

وفشلت جميع المبادرات الأميركية والتركية بين الأعوام ٢٠٠٠ و٢٠١١ لإعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات المباشرة، مع حدوث بعض المحادثات غير المباشرة في إسطنبول في العام ٢٠٠٨، وكان بشار الأسد يجنح شيئاً فشيئا إلى الارتماء تماماً في الحضن الإيراني.

كان الربيع العربي في العام ٢٠١١ أقسى على بشار الأسد من خريف المفاوضات التي خاضها والده في خريف عمره. وإذا كان موت حافظ الأسد شكّل ضربة قاسمة لاحتمالات التسوية السورية- الإسرائيلية، فإن الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر من العام ٢٠٢٤، أعادت على ما يبدو عقارب الزمن ٢٤ عاماً إلى الوراء، لكن هذه المرة مع شرع آخر هو أحمد الشرع. 

ومع أن الرئيس السوري، المتحدر من هضبة الجولان، قد يبدو لوهلة أكثر تشدداً من الأسد، إلا أن الرجل يبدو أنه يخطو بخطوات سريعة نحو تسوية مع إسرائيل تكون استكمالاً لاتفاقيات أبراهام التي عقدتها إسرائيل برعاية أميركية مع دول خليجية.

الرئيس السوري قال بشكل صريح للنائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، مارلين ستوتزمان، إنه مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا. 

وقال ستوتزمان في مقابلة حصرية مع صحيفة "جيروزاليم بوست"، إن الشرع أعرب عن انفتاحه على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، مما قد يعزز مكانة سوريا مع إسرائيل ودول الشرق الأوسط والولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة وقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية ومعالجة قضايا مثل التوغل الإسرائيلي بالقرب من مرتفعات الجولان.

لم يتلق السوريون تصريحات الشرع بصدمة او استغراب. بل على العكس فإن تصريحات الشرع، كما يقول المحلل السياسي مصطفى المقداد، لم تكن مفاجئة للشارع السوري، "فهو منذ وصوله إلى الحكم قام بإرسال إشارات إلى أنه يرغب بأحسن العلاقات مع جميع جيران سوريا، وقد أبدى استعداده للتنازل عن أمور كثيرة، بهدف تأمين استقرار سوريا ووحدتها". 

وينقل مراسل موقع "الحرة" في دمشق حنا هوشان أجواءً عن أن السوريين بمعظمهم، يرغبون بالسلام وتعبوا من الحروب، ولن يمانعوا عودة المفاوضات تحت قيادة الشرع لسوريا.

المقداد رأى في حديث مع "الحرة" أن الجديد والمهم في تصريحات الشرع المنقولة عنه، أنها تصدر بعد تشكيل الحكومة السورية وفي وقت يرفع وزير خارجيته، أسعد الشيباني، علم سوريا في الأمم المتحدة. ويرى المقداد أن المشكلة لا تكمن في الجانب السوري ولا في شخص الشرع، بل "تكمن في الجانب المقابل الذي لا يبدي رغبة حقيقية في قبول هذه المبادرات".

والجمعة، قال الشيباني في الأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي إن "سوريا لن تشكل تهديدا لأي من دول المنطقة، بما فيها إسرائيل".

تصريحات الشرع قد يكون لها الأثر الأبرز في الأيام المقبلة على النقاشات بين دروز سوريا على الحدود مع هضبة الجولان، المنقسمين حول العلاقة مع إسرائيل وحول العلاقة بحكومة الشرع، مع ما يحمله ذلك من مخاوف يعبّر عنها رموز الطائفة، تارة من الاندماج مع حكومة الشرع، وطوراً بالانفصال والانضمام إلى إسرائيل. 

وتأتي تصريحات الشرع حول التطبيع لتفتح الباب لخيار ثالث درزي، قد يبدد المخاوف، لكن ليس هناك ما يضمن ألا يعزّزها.

بين ديسمبر من العام ٢٠٠٠، وأبريل من العام ٢٠٢٥، يقع ربع قرن، توقفت فيه عجلة المفاوضات السورية الإسرائيلية المباشرة. وبين الشرعين -فاروق الشرع وأحمد الشرع- تحمل التطورات احتمالات إنعاش المفاوضات وعودتها إلى الطاولة مع تبدلات جذرية في الظروف وفي اللاعبين. فهل "تزهر" المفاوضات في ربيع العام ٢٠٢٥، بعد أن يبست ورقتها وتساقطت في خريف العام ٢٠٠٠؟