زورق أندونيسي يضبط سفينة يشتبه بأنها تهرب نفطا إيرانيا

لم تتوان إيران طيلة السنوات الماضية عن اتخاذ العديد من الطرق للالتفاف على العقوبات الأميركية الهادفة إلى ردع طهران عن تطوير برنامجها النووي والحد من سعيها لامتلاك السلاح النووي، مسخرة أذرعها في المنطقة لتحقيق ذلك.

وتستهدف العقوبات قطاعات حيوية، أبرزها النفط الخام ومشتقاته والذهب والتكنولوجيا الحساسة والسجاد والموانئ والتأمين والشحن البحري من وإلى إيران.

عقوبات جديدة

وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية، مطلع فبراير الماضي، فرض حزمة عقوبات جديدة على إيران، طالت 4 شركات تقع مقارها في إيران وهونغ كونغ بالإضافة إلى كيان واجهة، لشركة إيرانية مدرجة مسبقا.

وذكر بيان الوزارة أن العقوبات الجديدة شملت شبكة من الموردين للمواد والتكنولوجيا الحساسة الموجهة لدعم برامج الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار، بما في ذلك مسيرات "شاهد" التي تنتجها إيران.

وتعمل إيران عبر مجموعة من الطرق للالتفاف على هذه العقوبات وإضعاف تأثيرها، خاصة أن العقوبات تستهدف تجفيف الموارد المالية للنظام في طهران والمليشيات الموالية اليه في الشرق الأوسط.

المقايضة و"أسطول الظل"

وتتنوع طرق النظام في إيران الالتفاف على العقوبات ما بين المقايضة و"أسطول الظل"، المتمثل بشبكة من السفن التجارية القديمة وناقلات النفط التي تعمل خارج القوانين والرقابة الدولية.

وتشمل هذه الطرق أيضا استحداث شركات شحن في الدول الحليفة لها، وتأسيس العديد من الشركات الوهمية في دول العالم خاصة في آسيا، ككيانات واجهة لشركات إيرانية.

كما تعمل على نقل الحمولة في البحر من سفن إيرانية تخفي هويتها الى سفن أخرى غير إيرانية لاستكمال مهمة نقلها في المياه الدولية.

واعتمدت إيران في التحايل على العقوبات نظام مقايضة السلع، خلال الفترة الممتدة بين 2021 وصولا إلى منتصف 2024، للحصول على ما تحتاجه من سلع مقابل تصدير نفطها، وتجنب عائق الحوالات المالية.

ووقعت إيران في يوليو 2023 عقدا مع العراق لمقايضة الغاز المستورد بالنفط الخام العراقي، وعقود مقايضة مع دول إفريقية، منها أوغندا وكينيا لمقايضة الصناعات البتروكيمياوية الإيرانية بسلع أساسية تحتاجها طهران في صناعاتها.

وبحسب قيادات في المعارضة الكردية الإيرانية تحدثت لموقع "الحرة"، يتولى الحرس الثوري عبر جناحه الخارجي المتمثل بفيلق القدس والمليشيات الموالية له في العراق واليمن كافة عمليات الاحتيال على العقوبات، خاصة تهريب النفط الإيراني تحت غطاء النفط العراقي وتهريب الدولار إلى ايران من الأراضي العراقية.

وكانت وزارة النفط العراقية ردت، في سبتمبر الماضي، على رسالة أعضاء في الكونغرس الأميركي للرئيس السابق، جو بايدن، يتهمون فيها جهات عراقية، وبينها الوزارة نفسها، بمساعدة طهران على التحايل على العقوبات.

وقالت الوزارة إن "ما قيل في الرسالة بخصوص دور العراق في مساعدة ايران للتهرب من العقوبات، فهي الأخرى مجرد مزاعم وافتراءات لا أساس لها من الصحة..".

وأضاف البيان أن "العراق يتعامل مع ايران في قطاع الطاقة واستيراد الغاز والكهرباء بالتنسيق والتفاهم مع الأصدقاء في الولايات المتحدة وتحت الشمس بعقود شفافة ومعلنة سواء بالاستيراد وكذلك بتسديد مستحقات الجانب الإيراني".

وأشارت إلى أن المياه الإقليمية العراقية ممسوكة بقوة ورقابة صارمة من قبل القوات البحرية العراقية، ولا يتحمل العراق مسؤولية ما يمكن أن يحدث خارج مياهه الإقليمية.

في المقابل، لفت رئيس مؤسسة المستقبل في الولايات المتحدة، انتفاض قنبر، إلى أن تهريب النفط الإيراني تحت ذريعة النفط العراقي أو باستخدام بواخر عراقية مثبت في عدة تقارير.

وقال قنبر، لموقع "الحرة"، "هناك طرق عدة تستخدمها ايران للالتفاف على العقوبات، منها استيراد مواد باسم دولة ثانية، مثلا استيراد أو تصدير مواد ممنوعة عن طريق العراق..".

و"العملية الأخرى للالتفاف، تتمثل بتحويل أموال الغاز، العراق يشتري غاز من إيران ويضعه في المصارف العراقية وإيران تستخدم هذه الأموال في تمويل حزب الله والجماعات الإرهابية الأخرى"، وفق قنبر.

ولعل من أبرز عمليات الاحتيال الإيرانية على العقوبات هي شرائها الدولار الأميركي بالدينار العراقي، ويلفت قنبر إلى أن العراق يشتري بالدينار العراقي من إيران، وإيران تعيد هذا الدينار وتدخل به في مزاد العملة عن طريق شركات وهمية وتشتري به الدولار.

وأكد قنبر على الدور المهم الذي تلعبه المليشيات العراقية لمساعدة إيران في الالتفاف على العقوبات.

وقال: "تذهب قسم من رواتب الحشد الشعبي إلى إيران لأن أعداد الحشد هي 300 ألف مسلح، هناك حوالي 100 ألف حساب منهم في مصرف الرافدين يستلمون رواتب، وهذه الرواتب تصرف عن طريق بطاقات خارج العراق لصالح إيران".

وأشار تقرير نشرته مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات "FDD" الأميركية، في 28 فبراير الماضي، الى أنه وبسبب تراخي إدارة الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، في فرض العقوبات، صدرت إيران شحنات نفط خام بقيمة تتراوح بين 130 مليار و146 مليار دولار.

كما صدرت طهران سلعا وخدمات تزيد قيمتها على 400 مليار دولار ما بين الفترة الممتدة من 2021 إلى 2024.

قطع الأذرع

لكن الخبير الأمني والاستراتيجي العراقي، علاء النشوع، قال، لموقع "الحرة"، إن إيران فقدت قوتها وأذرعها في أكثر الساحات التي كانت مسيطرة عليها وهي الساحة اللبنانية والسورية وحتى اليمنية، التي كانت تستخدمها للالتفاف على الكثير من العقوبات الأميركية.

وكانت هذه الساحات أيضا من أوراق الضغط التي استخدمتها طهران إزاء الإدارات الأميركية السابقة، وفق النشوع.

وأشار إلى أن إيران اليوم وبعد انهيار ساحاتها تضع في حساباتها أن البوابة التي يمكن من خلالها الالتفاف على العقوبات الأميركية، هي البوابة العراقية.

وأعرب النشوع عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة ستعمد قريبا على إغلاق هذه البوابة بكل الطرق المتاحة، ومنها إلغاء الاستثناءات الخاصة بالغاز المستورد من إيران إلى العراق.

وقال: "قد نشهد عمليات أميركية خاصة لردع أي جهة عراقية تحاول تقديم المساعدة لإيران، خاصة بعد تشديد الرقابة على المطارات والمخافر الحدودية العراقية المحاذية لها وبالتالي تشديد الخناق على النظام في طهران".

وختم النشوع قائلا إن العامل الاقتصادي يعد أحد أهم العوامل الذي سيؤدي إلى انهيار النظام السياسي في إيران.

جانب من مفاعل نووي جنوب العاصمة الإيرانية طهران
جانب من مفاعل نووي جنوب العاصمة الإيرانية طهران

قال مراقبون إن الرسالة الأميركية التي وجهها الرئيس، دونالد ترامب، الأسبوع الماضي إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، تمثل خطوة حاسمة في الضغط على طهران للعودة إلى طاولة المفاوضات بشأن برنامجها النووي.

وحددت الرسالة مهلة شهرين للتوصل إلى اتفاق جديد، مع تحذير من عواقب وخيمة إذا استمرت إيران في تطوير برنامجها النووي.

وفي مقابلة خاصة مع قناة "الحرة"، توقع نورمان رول، المسؤول السابق في الاستخبارات الأميركية، والمستشار الأول لمنظمة "متحدون ضد إيران النووية" أن تدرس إيران بعناية هذه الرسالة.

 وأشار إلى أن طهران ستواجه تحديات في الموازنة بين استجابتها للضغط الأميركي مع الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.

وأوضح رول، أن الرسالة الأميركية والرد الإيراني تكشف الكثير من التفاصيل عن موقف طهران. فإيران ستواصل تحدّي التهديدات الأميركية، لكن من جهة أخرى قد تكون راغبة في التفاوض بهدف تقليل تبعات العقوبات أو لتفادي رد عسكري ضدها.

وأفاد موقع "أكسيوس" نقلا عن مسؤول أميركي ومصدرين مطلعين على الرسالة، بأن البرنامج النووي الإيراني شهد تقدما خلال السنوات الأربع الماضية، وأصبح أقرب من أي وقت مضى لإنتاج سلاح نووي.

وأضاف الموقع أن مخزون طهران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% يكفي لصنع ست قنابل نووية إذا تم تخصيبه إلى 90%، وفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الخميس، إن إيران ستدرس "الفرص" كما ستدرس التهديدات الواردة في رسالة الرئيس ترامب، في وقت رفض خامنئي الرسالة، وقال إن مطالب ترامب "ستضيق خناق العقوبات على إيران وتزيد الضغط عليها".

يقول رول، في حديث لقناة "الحرة" إن الرئيس ترامب كان قد عبّر بوضوح عن اعتراضه على اتفاقية إيران النووية لعام 2015، والتي وصفها بأنها تحتوي على العديد من الثغرات.

وأضاف أن الموقف الأميركي لم يتغير، حيث كان الهدف منذ البداية هو الضغط على إيران، وهو ما أثمر في النهاية من خلال إجبار طهران على التفاوض. في ذلك العام.

أما بالنسبة لإدارة ترامب الحالية، يذكر رول، فهي تواصل سياسة "الضغوط القصوى"، وقد تجسّد هذا الموقف مؤخرًا في فرض مزيد من العقوبات على الشركات الصينية المتورطة في استيراد النفط الإيراني. رول أشار إلى أن هذه العقوبات سيكون لها تأثير كبير على الاقتصاد الإيراني وعملتها الوطنية.

قبل تسليمها إلى الإيرانيين، أطلع البيت الأبيض حلفاء للولايات المتحدة في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل والسعودية والإمارات، على محتوى الرسالة.

وقال ترامب الاثنين إن الولايات المتحدة ستعتبر أي هجمات أخرى من الحوثيين في اليمن صادرة عن إيران وهدد الحكومة الإيرانية بـ"عواقب وخيمة".

وفي منشور على "تروث سوشال" الأربعاء، قال ترامب إنه توجد تقارير تفيد بأن إيران تخفض دعمها العسكري للحوثيين، لكن "هم لا يزالون يرسلون كميات كبيرة من الإمدادات". وأعاد تأكيد دعوته لإيران لوقف تزويد الحوثيين.

ويقول رول، في حديثه لقناة الحرة" أن إيران قد تكون مستعدة لتقليص بعض مطالبها المتعلقة بالبرنامج النووي أو الدعم العسكري الذي تقدمه للميليشيات المنتشرة في المنطقة.

وأشار إلى أن رسالة الرئيس ترامب تسعى لتحقيق هدفين رئيسيين: الأول هو تقليص البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل، والثاني هو منع إيران من استمرار دعمها للميليشيات الإقليمية.

على الجانب الآخر، أكد رول أن إيران ستتحدى هذه العقوبات علنًا، لكنها في الوقت ذاته سترسل إشارات إلى الدول الأوروبية بشأن رغبتها في التفاوض مع الولايات المتحدة.

قال مستشار الأمن القومي لترامب، مايك والتز، الأحد إن إيران بحاجة إلى "تسليم والتخلي عن" جميع عناصر برنامجها النووي، بما في ذلك الصواريخ، وتعبئة الأسلحة، وتخصيب اليورانيوم، "أو يمكنهم مواجهة سلسلة من العواقب الأخرى"، وأضاف، "لقد تم عرض طريقة للخروج من هذا المأزق على إيران".

يتوقع رول أن يتسم هذا "التحدي" الإيراني بالتصريحات العلنية والبيانات الرسمية، لكن في القنوات السرية، ستسعى طهران للتفاوض بشرط أن تضمن لنفسها نفوذًا إقليميًا، بما في ذلك الحفاظ على قوة "فيلق القدس".

في المقابل، أضاف رول أن إدارة الرئيس ترامب سترفض أي محاولة من إيران لاستخدام التخفيف المحتمل للعقوبات في دعم الميليشيات الإقليمية مثل جماعتي الحوثي وحزب الله، المصنفتين على قائمة الإرهاب.

وقال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي إنه لا يدعم المفاوضات مع الولايات المتحدة، لكن بعد عدة ساعات، أصدرت البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة بيانًا على منصة "إكس" ولم تستبعد إمكانية المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة حول البرنامج النووي.

"إذا كان الهدف من المفاوضات هو معالجة المخاوف بشأن أي عسكرة محتملة للبرنامج النووي الإيراني، فقد تخضع هذه المناقشات للاعتبار"، قال البيان.

وأضافت البعثة الإيرانية أنه إذا كان الهدف من المحادثات هو "تفكيك البرنامج النووي السلمي الإيراني للادعاء بأن ما فشل أوباما في تحقيقه قد تحقق الآن، فإن هذه المفاوضات لن تتم أبدًا".

ونقلت رويترز عن مصدر "مطلع"، الخميس، أن الولايات المتحدة وإسرائيل تجريان محادثات عالية المستوى بشأن البرنامج النووي الإيراني في البيت الأبيض مطلع الأسبوع.