ترامب يهدد باستخدام القوة العسكرية ضد إيران . أرشيفية
ترامب يهدد باستخدام القوة العسكرية ضد إيران . أرشيفية

مع نشر وزارة الدفاع الأميركية، قاذفات بي-2 في جزيرة دييغو غارسيا بالمحيط الهندي، تتجه الأنظار لسلوك إيران، وما إذا قد تسلمت طهران رسالة واشنطن الكامنة وراء هذا التحرك.

ونقلت واشنطن في مارس الماضي ما يصل إلى ست قاذفات بي-2 إلى قاعدة عسكرية أميركية بريطانية في جزيرة بالمحيط الهندي، فيما ستجري واشنطن محادثات مباشرة مع طهران السبت.

"رسالة ردع واضحة من واشنطن لطهران" بهذه الكلمات يصف المحلل الجيوسياسي، عامر السبايلة، في حديث لموقع "الحرة" الخطوات الأميركية العسكرية في المحيط الهندي.

وقال إن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب تريد خوض محادثات مباشرة مع إيران بشأن برنامجها النووي، ولكن "وفق شروط واشنطن" إذ أنها "تلوح بالخيار العسكري، بأنه موجود على الطاولة".

لا يوجد سوى 20 قاذفة من هذا النوع في مخزون سلاح الجو الأميركي. أرشيفية

وأضاف السبايلة أن ترامب لوح باستهداف إيران بضربات عسكرية، ولكن إرسال هذه القاذفات الثقيلة إلى منطقة قريبة، يعطي لهذا التهديد جدية أكبر.

وقاذفات بي-2 هي طائرة مجهزة لحمل قنابل "جي.بي.يو-57" الضخمة التي تزن 30 ألف رطل ومصممة لتدمير أهداف في أعماق الأرض.

ولا يوجد سوى 20 قاذفة من هذا النوع في مخزون سلاح الجو الأميركي، وتتميز بقدرات التخفي من أجهزة الرادار وحمل أثقل القنابل الأميركية وأسلحة نووية.

وقال وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث الخميس إن إيران هي من يقرر ما إذا كانت الخطوة الأخيرة بنشر القاذفات رسالة إلى طهران، معبرا عن أمله في أن تفضي المفاوضات الأمريكية الإيرانية بشأن برنامج طهران النووي إلى حل سلمي.

وعندما سُئل خلال زيارة إلى بنما عما إذا كان الهدف من نشر القاذفات هو توجيه رسالة إلى إيران، قال هيغسيث "سنترك لهم القرار...إنها من الأصول العظيمة... إنها تبعث برسالة للجميع".

وأضاف "كان الرئيس ترامب واضحا... لا ينبغي لإيران امتلاك قنبلة نووية. نأمل بشدة أن يركز الرئيس على تحقيق ذلك سلميا".

من جانبه كشف وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو الخميس إن الولايات المتحدة ستجري محادثات مباشرة مع إيران السبت لمناقشة برنامجها النووي.

قاذفات بي-2 هي طائرة مجهزة لحمل القنابل الضخمة . أرشيفية

ومن المقرر أن تنعقد المحادثات بين المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف ومسؤول إيراني رفيع المستوى في عُمان.

وأضاف روبيو خلال اجتماع للحكومة برئاسة ترامب "نأمل في أن يؤدي ذلك إلى السلام. نحن واضحون للغاية بشأن أن إيران لن تمتلك سلاحا نوويا أبدا، وأعتقد أن هذا ما دفعنا إلى عقد هذا الاجتماع".

ولا يستبعد المحلل السبايلة أن إيران ستتعاطى بجدية مع هذه التهديدات، إذا أنها تأتي في مرحلة بعد مرحلة تفكيك لعدد من الميليشيات التي دعمتها طهران خلال السنوات الماضية.

وزاد أن إيران أصبحت بذراع مقطوعة، إذ لم يعد حزب الله يشكل تهديدا كما كان سابقا، وحماس ليست في أفضل حالاتها، وخسرت طهران مكانتها في سوريا، وحتى مكانتها في العراق قد تنكمش، ناهيك عن تعامل واشنطن بسياسة أكثر حزما مع تهديدات الحوثيين.

وأعلن ترامب الاثنين بشكل مفاجئ أن الولايات المتحدة وإيران على وشك بدء محادثات مباشرة بشأن برنامج طهران النووي السبت، محذرا من أن إيران ستكون في "خطر كبير" إذا فشلت المحادثات.

وكرر ترامب الأربعاء تهديده باستخدام القوة العسكرية إذا لم توافق إيران على إنهاء برنامجها النووي، قائلا إن إسرائيل ستلعب دورا رئيسيا في أي عمل عسكري.

وأوضح ترامب أنه لا يمكن السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، وإذا رفضت وقف جهود التطوير، فقد يتبع ذلك عمل عسكري.

"لا يمكن التعويل على التصريحات الإيرانية"

نورمان رول، المسؤول سابق في الاستخبارات الأميركية قال لقناة "الحرة" إنه لا يمكن التعويل على التصريحات الإيرانية التي تتحدث عن سلمية برنامجها النووي، إذ أن استخدامات اليورانيوم المخصب بالنسب الكبيرة لا تعني إلا أنها للأسلحة.

وأضاف أن طهران عليها أن تثبت جديتها "في قلب صفحة جديدة مع الولايات المتحدة"، ولا يمكن القبول بتخفيض العقوبات التي قد تمنحها فرصة لتمويل أنشطة فيلق القدس التابع للحرس الثوري.

ويؤكد رول وهو مستشار أول لمنظمة "متحدون ضد إيران النووية" أن إدارة ترامب تريد محادثات مباشرة، بينما تريد إيران محادثات غير مباشرة لأنها بطيئة وتماطل في المفاوضات.

وتأتي هذه المحادثات في الوقت الذي تدرس فيه بريطانيا وفرنسا وألمانيا ما إذا كانت ستطلق عملية لإعادة فرض عقوبات على إيران في الأمم المتحدة قبل انتهاء أمد الاتفاق النووي لعام 2015 في أكتوبر المقبل.

وأقر مجلس الأمن الدولي الاتفاق في قرار صدر في يوليو 2015.

وتقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة إن إيران تسرع "بشدة" في تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء تصل إلى 60 في المئة، أي قريبا من مستوى النقاء البالغ 90 في المئة المستخدم في صنع الأسلحة.

ترامب يهدد باستخدام القوة العسكرية ضد إيران . أرشيفية

وتقول الدول الغربية إنه لا توجد حاجة لتخصيب اليورانيوم إلى هذا المستوى العالي للاستخدامات المدنية، وإنه لا توجد دولة أخرى فعلت ذلك دون إنتاج قنابل نووية. وتقول إيران إن برنامجها النووي سلمي.

بموجب اتفاق 2015، هناك عملية تُعرف باسم "العودة السريعة" تعيد بها الأمم المتحدة فرض العقوبات على إيران.

وإذا لم تتمكن الأطراف من حسم اتهامات "التقاعس الكبير لإيران عن الأداء" يمكن تفعيل هذه العملية في مجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 عضوا.

وبمجرد بدء العملية، يتعين أن يصوت مجلس الأمن في غضون 30 يوما على قرار لمواصلة رفع العقوبات عن إيران، ويتطلب ذلك تسعة أصوات مؤيدة وعدم استخدام الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين أو بريطانيا أو فرنسا لحق النقض "الفيتو" لاعتماد القرار.

ترامب كشف أنه أرسل رسالة إلى الزعيم الإيراني يقترح فيها التفاوض المباشر (رويترز)
كيف يمكن إعادة فرض عقوبات أممية على إيران؟
من المقرر أن تجري الولايات المتحدة وإيران محادثات مباشرة يوم السبت بشأن برنامج طهران النووي في الوقت الذي تدرس فيه بريطانيا وفرنسا وألمانيا ما إذا كانت ستطلق عملية لإعادة فرض عقوبات على إيران في الأمم المتحدة قبل انتهاء أمد الاتفاق النووي لعام 2015 في أكتوبر .

وإذا لم يتم اعتماد القرار، فسيتم إعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران ما لم يتخذ مجلس الأمن إجراءات أخرى.

إذا حدث إعادة فرض للعقوبات، فستعود كل التدابير التي فرضها مجلس الأمن على إيران في ستة قرارات من 2006 إلى 2010.

ومن هذه التدابير: حظر على الأسلحة، حظر على تخصيب وإعادة معالجة اليورانيوم، حظر على عمليات الإطلاق والأنشطة الأخرى المتعلقة بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية، وأيضا حظر على نقل تكنولوجيا الصواريخ الباليستية والمساعدة التقنية، تجميد عالمي مستهدف للأصول وحظر السفر على أفراد وكيانات من إيران، السماح للبلدان بتفتيش شحنات شركة إيران آير للشحن الجوي وخطوط الشحن التابعة لجمهورية إيران بحثا عن بضائع محظورة.

FILE PHOTO: Military personnel stand guard at Iran's Isfahan nuclear facility
جنود إيرانيون يحرسون محطة أسفهان النووية.

نشرت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة قاذفات من طراز بي-2 على مقربة من إيران، في إشارة قوية للجمهورية الإسلامية بما قد يحدث لبرنامجها النووي إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق يحد من نشاطه.

وقاذفات بي-2 هي الطائرات الوحيدة القادرة على إسقاط أقوى القنابل الخارقة للتحصينات.

لكن خبراء عسكريين ونوويين يقولون إنه حتى مع وجود مثل هذه القوة النارية الهائلة، فإن أي عمل عسكري أميركي -إسرائيلي لن يؤدي على الأرجح إلا لتعطيل مؤقت لبرنامج يخشى الغرب أن يكون هدفه بالفعل إنتاج قنابل نووية ذات يوم، وهو ما تنفيه إيران.

والأسوأ من ذلك، أن يدفع أي هجوم إيران إلى طرد مفتشي الأمم المتحدة النوويين، والتحرك لجعل البرنامج المدفون جزئيا تحت الأرض مدفونا بالكامل، والإسراع نحو التحول إلى دولة مسلحة نوويا، مما يضمن ويُعجل في الوقت نفسه بتلك النتيجة المخيفة.

وقال جاستن برونك، وهو باحث بارز في مجال القوة الجوية والتكنولوجيا في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز بحثي دفاعي بريطاني "في نهاية المطاف، وباستثناء تغيير النظام أو الاحتلال، من الصعب جدا تصور كيف يمكن لضربات عسكرية أن تدمر مسار إيران نحو امتلاك سلاح نووي".

وأضاف برونك "سيكون الأمر في جوهره محاولة لإعادة فرض قدر من الردع العسكري، وإلحاق خسائر والعودة بزمن الاختراق إلى ما كنا عليه قبل بضع سنوات".

ويشير زمن الاختراق إلى المدة التي قد يستغرقها إنتاج مواد انشطارية بكميات كافية لإنتاج قنبلة نووية، ويتراوح هذا الزمن حاليا بين أيام أو أسابيع بالنسبة لإيران. لكن إنتاج قنبلة بالفعل، إذا قررت إيران ذلك، سيستغرق وقتا أطول.

وفرض الاتفاق النووي التاريخي لعام 2015 بين إيران والقوى الكبرى قيودا صارمة على أنشطة إيران النووية مما أطال زمن الاختراق إلى عام على الأقل. لكن الاتفاق انهار بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب عام 2018، وهو ما جعل إيران تتخلى كثيرا عن قيوده.

والآن يريد ترامب التفاوض على قيود نووية جديدة في محادثات بدأت في الأيام القليلة الماضية. وقال أيضا قبل أسبوعين "إذا لم يتوصلوا إلى اتفاق، فسيكون هناك قصف".

وأطلقت إسرائيل تهديدات مماثلة. وقال وزير الدفاع يسرائيل كاتس بعد توليه منصبه في نوفمبر إن "إيران معرضة أكثر من أي وقت مضى لقصف منشآتها النووية. لدينا الفرصة لتحقيق هدفنا الأهم وهو إنهاء التهديد الوجودي لدولة إسرائيل ومحوه".

عملية كبرى محفوفة بالمخاطر

يتوزع برنامج إيران النووي على العديد من المواقع، ومن المرجح أن يستهدف أي هجوم معظمها أو جميعها. وحتى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الهيئة الرقابية النووية التابعة للأمم المتحدة، لا تعرف أين تحتفظ إيران ببعض المعدات الحيوية مثل قطع غيار أجهزة الطرد المركزي التي تُخصب اليورانيوم.

ويقول خبراء عسكريون إن إسرائيل قادرة على تدمير معظم هذه المواقع بنفسها، لكنها ستكون عملية محفوفة بالمخاطر تشمل هجمات متكررة، وستضطر إلى التعامل مع أنظمة مضادة للطائرات مقدمة من روسيا. وسبق أن نجحت إسرائيل في القيام بذلك عندما نفذت ضربات محدودة على إيران العام الماضي.

ويُعد تخصيب اليورانيوم جوهر البرنامج النووي الإيراني، وأكبر موقعين للتخصيب لديها هما منشأة تخصيب الوقود في نطنز الواقعة على عمق ثلاثة طوابق تقريبا تحت الأرض، لحمايتها على ما يبدو من القصف، ومنشأة فوردو المقامة في عمق أحد الجبال.

ولدى الولايات المتحدة مستوى جاهزية أعلى بكثير لضرب هذه الأهداف الصعبة باستخدام أقوى قنبلة خارقة للتحصينات لديها، وهي القنبلة الضخمة التي تزن 30 ألف رطل (14 ألف كيلوغرام)، والتي لا تستطيع إطلاقها حاليا إلا قاذفات بي-2 مثل تلك التي تم نقلها في الآونة الأخيرة إلى دييغو غارسيا في المحيط الهندي والتي لا تمتلكها إسرائيل.

وقال الجنرال المتقاعد في سلاح الجو الأميركي تشارلز والد، الذي يعمل حاليا في المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي، "إسرائيل لا تملك ما يكفي من القنابل عيار 5000 رطل" لتدمير فوردو ونطنز. ويدعم هذا المعهد جهود تعزيز علاقات دفاعية وثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وكان الجنرال المتقاعد يشير إلى أكبر قنبلة خارقة للتحصينات في الترسانة الإسرائيلية. وقال إن مشاركة الولايات المتحدة ستجعل الهجوم أسرع وتزيد من احتمالات نجاحه لكنه توقع أن يستغرق الأمر أياما.

ماذا سيحدث في اليوم التالي؟

قال إريك بروير من مبادرة التهديد النووي، وهو محلل استخبارات أميركي سابق "ربما تسبب ضربة أميركية ضررا أكبر من ضربة إسرائيلية، ولكن في كلتا الحالتين، الأمر يتعلق بكسب الوقت، وهناك خطر حقيقي في أن تدفع (أي ضربة) إيران نحو القنبلة بدلا من إبعادها عنها".

وأضاف "يمكن للضربة أن تعرقل البرنامج وتؤخره، لكنها لا تستطيع تدميره".

ومن الممكن تدمير المواقع النووية، لكن خبرة إيران المتقدمة في تخصيب اليورانيوم لا يمكن تدميرها. وقال محللون ومسؤولون إن منعها من إعادة بناء المواقع سيكون مستمرا وصعبا للغاية.

وقالت كيلسي دافنبورت من رابطة الحد من انتشار الأسلحة "ماذا سيحدث في اليوم التالي؟ سترد إيران على الهجمات على برنامجها النووي بتحصين منشآتها وتوسيع برنامجها".

وبعد إلغاء رقابة إضافية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أقرت بموجب اتفاق 2015، يرى كثير من المحللين خطرا يتمثل في أن إيران، في حال تعرضها لهجوم، ستطرد مفتشي الوكالة الذين يعملون بمثابة عيون للعالم في مواقع مثل نطنز وفوردو.

وقال علي شمخاني، المسؤول الأمني الإيراني البارز والمستشار الحالي للزعيم الأعلى علي خامنئي، على موقع التواصل أكس الأسبوع الماضي "استمرار التهديدات الخارجية ووجود إيران في حالة ترقب هجوم عسكري قد يؤدي إلى إجراءات رادعة، بما في ذلك طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووقف التعاون".

وتلك الخطوة لم تتخذها دولة غير كوريا الشمالية التي أجرت بعد ذلك تجربتها النووية الأولى.

وقال جيمس أكتون من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي "إذا قصفتم إيران فمن شبه المؤكد، في اعتقادي، أن إيران ستطرد المفتشين الدوليين وتندفع نحو إنتاج قنبلة".