النووي الإيراني
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يتحدث مع أعضاء في الوفد الإيراني المفاوض في مسقط. الصورة لترويترز.

دخلت الولايات المتحدة وإيران مرحلة جديدة من المفاوضات بالغة الدقة، بهدف إحياء أو إعادة صياغة "الاتفاق النووي الإيراني" الذي أبرم مع الغرب عام 2015.

ويُطلق مراقبون على الحراك الدبلوماسي الجديد اسم "الاتفاق النووي 2.0"، الذي يواجه حقائق جيوسياسية متغيرة بشكل كبير، وتعقيدات تقنية، وانعدام ثقة متبادل تراكم على مدى ما يقرب من عقد من الزمان.

حقائق جديدة.. مخاوف قديمة 

منذ انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2018، وسّعت إيران برنامجها النووي وتجاوزت الخطوط الحمر التي حددها اتفاق 2015.

"جمعت إيران ما يكفي من اليورانيوم المخصب لإنتاج عدة أسلحة نووية بسرعة إذا اختارت ذلك"، وفقا لما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين غربيين".

وفي حديث مع موقع "الحرة"، قال الكاتب، المحلل السياسي، عقيل عباس إن العودة لاتفاق 2015 غير ممكنة الآن "ليس فقط لأن (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب كان قد رفض الاتفاق عام 2018 لأنه لم يكن كافيا. ترامب يريد أن يتضمن الاتفاق برنامج إيران الصاروخي وكذلك تفكيك نفوذ إيران في المنطقة". 

وأكدت تقارير دولية أن قدرة إيران على صناعة أسلحة نووية بلغت مستويات عالية وبالتالي، سيحتاج الاتفاق الجديد، وفق خبراء ودبلوماسيين غربيين، إلى شروط جديدة - وهذا ليس سيناريو نسخ ولصق".

وتُشكل هذه التطورات تحديا جوهريا: كيف يُمكن لاتفاق جديد أن يُعيد فرض قيود مجدية على برنامج إيران دون التراجع عما أصبح الآن لا رجعة فيه من الناحية التقنية؟ 

يعتقد عباس إن الرئيس ترامب يسعى إلى تفكيك قدرة إيران التقنية والعلمية "التي تمكنها من تجاوز حدود التخصيب للأغراض السلمية والذهاب نحو إنتاج الأسلحة النووية".

زخم وسط انعدام الثقة

على الرغم من ارتفاع منسوب عدم الثقة بين واشنطن وطهران، اتفق الجانبان حديثا على مواصلة المحادثات بعد جولة أولية من المفاوضات غير المباشرة في عُمان.

وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي للتلفزيون الرسمي، الاثنين، "أعتقد أننا قريبون للغاية من التوصل إلى أساس للمفاوضات وإذا تمكنا من التوصل إلى هذا الأساس الأسبوع المقبل فإننا سنكون قد قطعنا شوطا طويلا وسنكون قادرين على بدء مناقشات حقيقية بناء على ذلك".

ونقلت وكالة "أنسا" الإيطالية للأنباء عن وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، قوله الاثنين إن من المقرر أن تستضيف روما جولة ثانية من المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران.

وكان موقع أكسيوس الإخباري قد نقل في وقت سابق عن مصدرين مطلعين لم يكشف عنهما أن الجولة الثانية من المحادثات الأميركية الإيرانية ستعقد في روما السبت.

رغم ذلك، لا يزال خيار الحل العسكري قائما. فقد شدد الرئيس ترامب على الدبلوماسية، لكنه حذر من "خطر كبير" في حال فشل المحادثات.

لماذا وافق خامنئي على المفاوضات؟

يرى مطلعون على المحادثات، أن الاتفاق المؤقت قد يكون المسار الأكثر جدوى للمضي قدما.

ونقل أكسيوس عن مصادر قولها إن الإيرانيين يعتقدون أن التوصل إلى اتفاق نووي معقد وعالي التقنية في غضون شهرين أمر غير واقعي، ويريدون الحصول على مزيد من الوقت لتجنب التصعيد".

وقال علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، لموقع أكسيوس إن الإيرانيين "يبدو أنهم يعتقدون أن التوصل إلى اتفاق مستدام أمر غير مُرجّح ضمن الإطار الزمني المُحدّد".

في غضون ذلك، يواجه كلا البلدين تحديات سياسية داخلية. ففي إيران، أقنع مسؤولون كبار المرشد الأعلى علي خامنئي بالموافقة على المفاوضات لتجنب ما يُطلق عليه معهد دراسات الحرب "حربًا على جبهتين": ضد الولايات المتحدة وضد الشعب الإيراني. 

وفي واشنطن، تواجه إدارة ترامب ضغوطًا من الكونغرس وحلفائه الإقليميين الرئيسيين لضمان ألا يقتصر أي اتفاق على معالجة المخاوف النووية فحسب، بل يحد أيضًا من نفوذ إيران الأوسع في الشرق الأوسط.

حرب النظام ضد الشعب

تواجه القيادة الإيرانية اضطرابات داخلية متصاعدة، إلى جانب ضغوط خارجية من الولايات المتحدة. وقد أدت سنوات من العقوبات المشددة على النظام الإيراني إلى انهيار اقتصادي كبير، وتضخم، وارتفاع معدلات البطالة، مما أجج غضبا شعبيا واسع النطاق.

وتعكس الاحتجاجات الكبرى، بما في ذلك انتفاضة مهسا أميني عام 2022 واحتجاجات الوقود عام 2019، إحباطا عاما يعيشه المواطن الإيراني إلى جانب مواجهة القمع والفساد والتشدد الديني.

وتميل الأجيال الإيرانية الشابة نحو العلمانية في التفكير والسلوك لكنها تشعر بخيبة الأمل، مما يُوسع الفجوة بين المجتمع والنظام.

ويبدو أن طهران تسعى إلى نوع من الاتفاق ليس فقط لتجنب المواجهة مع الولايات المتحدة، ولكن أيضا لتخفيف العقوبات، وبالنتيجة خفض التوترات الداخلية التي تُهدد بقاء النظام السياسي القائم.

كيف سيبدو "الاتفاق 2.0"؟ 

من المُرجّح ألا يكون الاتفاق الجديد في حال إبرامه، نسخة متطابقة مع خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية.

وقبل انطلاق محادثات عمان، لفتت رابطة الحد من الأسلحة إلى أن تقدم البرنامج النووي الإيراني الذي لا رجعة فيه، يمنع إعادة صياغة جدول زمني لقدرة إيران على صناعة قنبلة نووية، في صيغة الـ 12 شهرا التي حققتها خطة العمل الشاملة المشتركة.

ومع ذلك، تقول الرابطة "قد لا نكون قادرين على تقييد برنامج إيران النووي كما كان حصل في اتفاق عام 2015، ولكن على الاتفاق الجديد، على الأقل، أن يتمكن من إبطائهم بما يكفي حتى لا يتمكنوا من صناعة عدة قنابل بسرعة.

يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه المحادثات المُستأنفة ستُسفر عن اتفاق مستدام - أم ستُؤجل مجرد تصعيد حتمي. لكن هناك أمر واحد مؤكد: إن معالم الدبلوماسية بين واشنطن وطهران تُشكل الآن في ظل مشهد عالمي أكثر تعقيدا وتقلبا مما كان عليه الحال عندما أُبرم الاتفاق الأصلي عام 2015.

FILE PHOTO: Military personnel stand guard at Iran's Isfahan nuclear facility
جنود إيرانيون يحرسون محطة أسفهان النووية.

نشرت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة قاذفات من طراز بي-2 على مقربة من إيران، في إشارة قوية للجمهورية الإسلامية بما قد يحدث لبرنامجها النووي إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق يحد من نشاطه.

وقاذفات بي-2 هي الطائرات الوحيدة القادرة على إسقاط أقوى القنابل الخارقة للتحصينات.

لكن خبراء عسكريين ونوويين يقولون إنه حتى مع وجود مثل هذه القوة النارية الهائلة، فإن أي عمل عسكري أميركي -إسرائيلي لن يؤدي على الأرجح إلا لتعطيل مؤقت لبرنامج يخشى الغرب أن يكون هدفه بالفعل إنتاج قنابل نووية ذات يوم، وهو ما تنفيه إيران.

والأسوأ من ذلك، أن يدفع أي هجوم إيران إلى طرد مفتشي الأمم المتحدة النوويين، والتحرك لجعل البرنامج المدفون جزئيا تحت الأرض مدفونا بالكامل، والإسراع نحو التحول إلى دولة مسلحة نوويا، مما يضمن ويُعجل في الوقت نفسه بتلك النتيجة المخيفة.

وقال جاستن برونك، وهو باحث بارز في مجال القوة الجوية والتكنولوجيا في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز بحثي دفاعي بريطاني "في نهاية المطاف، وباستثناء تغيير النظام أو الاحتلال، من الصعب جدا تصور كيف يمكن لضربات عسكرية أن تدمر مسار إيران نحو امتلاك سلاح نووي".

وأضاف برونك "سيكون الأمر في جوهره محاولة لإعادة فرض قدر من الردع العسكري، وإلحاق خسائر والعودة بزمن الاختراق إلى ما كنا عليه قبل بضع سنوات".

ويشير زمن الاختراق إلى المدة التي قد يستغرقها إنتاج مواد انشطارية بكميات كافية لإنتاج قنبلة نووية، ويتراوح هذا الزمن حاليا بين أيام أو أسابيع بالنسبة لإيران. لكن إنتاج قنبلة بالفعل، إذا قررت إيران ذلك، سيستغرق وقتا أطول.

وفرض الاتفاق النووي التاريخي لعام 2015 بين إيران والقوى الكبرى قيودا صارمة على أنشطة إيران النووية مما أطال زمن الاختراق إلى عام على الأقل. لكن الاتفاق انهار بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب عام 2018، وهو ما جعل إيران تتخلى كثيرا عن قيوده.

والآن يريد ترامب التفاوض على قيود نووية جديدة في محادثات بدأت في الأيام القليلة الماضية. وقال أيضا قبل أسبوعين "إذا لم يتوصلوا إلى اتفاق، فسيكون هناك قصف".

وأطلقت إسرائيل تهديدات مماثلة. وقال وزير الدفاع يسرائيل كاتس بعد توليه منصبه في نوفمبر إن "إيران معرضة أكثر من أي وقت مضى لقصف منشآتها النووية. لدينا الفرصة لتحقيق هدفنا الأهم وهو إنهاء التهديد الوجودي لدولة إسرائيل ومحوه".

عملية كبرى محفوفة بالمخاطر

يتوزع برنامج إيران النووي على العديد من المواقع، ومن المرجح أن يستهدف أي هجوم معظمها أو جميعها. وحتى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الهيئة الرقابية النووية التابعة للأمم المتحدة، لا تعرف أين تحتفظ إيران ببعض المعدات الحيوية مثل قطع غيار أجهزة الطرد المركزي التي تُخصب اليورانيوم.

ويقول خبراء عسكريون إن إسرائيل قادرة على تدمير معظم هذه المواقع بنفسها، لكنها ستكون عملية محفوفة بالمخاطر تشمل هجمات متكررة، وستضطر إلى التعامل مع أنظمة مضادة للطائرات مقدمة من روسيا. وسبق أن نجحت إسرائيل في القيام بذلك عندما نفذت ضربات محدودة على إيران العام الماضي.

ويُعد تخصيب اليورانيوم جوهر البرنامج النووي الإيراني، وأكبر موقعين للتخصيب لديها هما منشأة تخصيب الوقود في نطنز الواقعة على عمق ثلاثة طوابق تقريبا تحت الأرض، لحمايتها على ما يبدو من القصف، ومنشأة فوردو المقامة في عمق أحد الجبال.

ولدى الولايات المتحدة مستوى جاهزية أعلى بكثير لضرب هذه الأهداف الصعبة باستخدام أقوى قنبلة خارقة للتحصينات لديها، وهي القنبلة الضخمة التي تزن 30 ألف رطل (14 ألف كيلوغرام)، والتي لا تستطيع إطلاقها حاليا إلا قاذفات بي-2 مثل تلك التي تم نقلها في الآونة الأخيرة إلى دييغو غارسيا في المحيط الهندي والتي لا تمتلكها إسرائيل.

وقال الجنرال المتقاعد في سلاح الجو الأميركي تشارلز والد، الذي يعمل حاليا في المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي، "إسرائيل لا تملك ما يكفي من القنابل عيار 5000 رطل" لتدمير فوردو ونطنز. ويدعم هذا المعهد جهود تعزيز علاقات دفاعية وثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وكان الجنرال المتقاعد يشير إلى أكبر قنبلة خارقة للتحصينات في الترسانة الإسرائيلية. وقال إن مشاركة الولايات المتحدة ستجعل الهجوم أسرع وتزيد من احتمالات نجاحه لكنه توقع أن يستغرق الأمر أياما.

ماذا سيحدث في اليوم التالي؟

قال إريك بروير من مبادرة التهديد النووي، وهو محلل استخبارات أميركي سابق "ربما تسبب ضربة أميركية ضررا أكبر من ضربة إسرائيلية، ولكن في كلتا الحالتين، الأمر يتعلق بكسب الوقت، وهناك خطر حقيقي في أن تدفع (أي ضربة) إيران نحو القنبلة بدلا من إبعادها عنها".

وأضاف "يمكن للضربة أن تعرقل البرنامج وتؤخره، لكنها لا تستطيع تدميره".

ومن الممكن تدمير المواقع النووية، لكن خبرة إيران المتقدمة في تخصيب اليورانيوم لا يمكن تدميرها. وقال محللون ومسؤولون إن منعها من إعادة بناء المواقع سيكون مستمرا وصعبا للغاية.

وقالت كيلسي دافنبورت من رابطة الحد من انتشار الأسلحة "ماذا سيحدث في اليوم التالي؟ سترد إيران على الهجمات على برنامجها النووي بتحصين منشآتها وتوسيع برنامجها".

وبعد إلغاء رقابة إضافية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أقرت بموجب اتفاق 2015، يرى كثير من المحللين خطرا يتمثل في أن إيران، في حال تعرضها لهجوم، ستطرد مفتشي الوكالة الذين يعملون بمثابة عيون للعالم في مواقع مثل نطنز وفوردو.

وقال علي شمخاني، المسؤول الأمني الإيراني البارز والمستشار الحالي للزعيم الأعلى علي خامنئي، على موقع التواصل أكس الأسبوع الماضي "استمرار التهديدات الخارجية ووجود إيران في حالة ترقب هجوم عسكري قد يؤدي إلى إجراءات رادعة، بما في ذلك طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووقف التعاون".

وتلك الخطوة لم تتخذها دولة غير كوريا الشمالية التي أجرت بعد ذلك تجربتها النووية الأولى.

وقال جيمس أكتون من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي "إذا قصفتم إيران فمن شبه المؤكد، في اعتقادي، أن إيران ستطرد المفتشين الدوليين وتندفع نحو إنتاج قنبلة".