لحظة إسقاط تمثال صدام حسين
لحظة إسقاط تمثال صدام حسين



مرت 10 سنوات على دخول الجيش الأميركي إلى العراق وإسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين الذي اتهمته واشنطن بتطوير أسلحة دمار شامل. عقد من الزمن انقضى دون أن يرى العراقيون خدمات عامة ترقى إلى مستوى الطموح الذي شعروا به إثر سقوط النظام السابق.
 
فعندما دخلت القوات الأميركية بغداد وأسقطت تمثال صدام حسين الشهير في ساحة الفردوس، توقع كثير من العراقيين أن يصبح العراق الولاية الأميركية  الـ51 من حيث الكهرباء والماء وتطور البنى التحتية وقطاعات المال والتجارة، ليصبح العراق منافسا لبعض دول المنطقة، وتحديدا الإمارات.
 
تلك التوقعات والطموحات تلاشت بانفجار أول عبوة ناسفة وسيارة ملغومة وعملية اغتيال بكاتم صوت أدخلت العراق في دوامة عنف لم تنته بعد، فأصبح نبأ مقتل فلان وقطع رأس آخر جزءا من حياة العراقيين اليومية وأمرا طبيعيا بالكاد يولد ردة فعل من المتلقي.
 
أما سياسيا، فقد أثر التنوع العرقي والديني والطائفي على شكل الحكومات المتعاقبة منذ انهيار نظام صدام، فقد اعتمد القائمون على القرار في البلاد نظام المحاصصة الطائفية والقومية في توزيع المناصب الحكومية. ليصبح العراق أشبه بالاتحاد السوفيتي السابق قبيل انهياره وتحوله إلى دول أقيمت على أسس عرقية تتنافس فيما بينها.


العراق 2003-2013

 
تعالت في الفترة الأخيرة أصوات في عدد من المحافظات تطالب برحيل رئيس الوزراء نوري المالكي، بسبب ما وصفته بالتهميش الذي تتعرض له منذ مجيئه إلى السلطة. وتراجعت مستويات التكفل بالمواطنين، وغابت الخدمات الأساسية.
 
هذه الأوضاع المعقدة، جعلت العراقيين يطرحون العديد من الاستفهامات حول ماذا تغير بعد عقد من الزمن على اندلاع الحرب في بلادهم؟ وخصوصا بعد انسحاب القوات الأميركية أواخر 2011، فمن المسؤول عن الوضع الذي آل إليه العراق؟
 
يتفق محللون حول فشل العراق حتى الساعة في الوصول إلى الأهداف التي كانت تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقها من وراء دخولها إلى البلاد، ومنها الوصول بالعراق إلى مجتمع حر عن طريق وسائل ديموقراطية.
 

الولايات المتحدة كان عليها تغيير البرنامج العام لمرحلة ما بعد صدام من قضية نشر الديموقراطية إلى الاستقرار
أحمد الأبيض

ويقول المحلل السياسي العراقي أحمد الأبيض إن الولايات المتحدة "كان عليها تغيير البرنامج العام لمرحلة ما بعد صدام من قضية نشر الديموقراطية إلى الاستقرار".
 
وأضاف في حديث  لموقع "الحرة" أن المساعي الأميركية بجلب الاستقرار للعراق "أدت إلى تنصلها  من الاهتمام  بقضايا أخرى مهمة مثل حقوق الإنسان، والحريات وأعطت الفرصة للسلطة العراقية من أجل أن تتعاطى مع منهج يختلف عن كثير من متطلبات الحرية والديموقراطية".
 
وكنتيجة لذلك، يعتبر الأبيض أن "حالة الاحتقان عادت ووضعت البلد أمام ثلاثة خيارات إما التقسيم أو الحرب الأهلية أو الاتفاق السياسي الشامل الذي لا تؤمن به الكثير من القوى السياسية".
 
التمسك بالسلطة
 
ومن جانبه يرى قيس الشذر، عضو البرلمان العراقي أنه بعد مرور هذه المدة الطويلة أثبتت العملية السياسية في العراق أنه لا تزال لدى النخبة الحاكمة "عقلية التمسك بالسلطة والاستحواذ عليها بالوسائل المشروعة وغير المشروعة"، مشيرا إلى أنه "للأسف لم نستطع أن نضع الأسس لترسيخ فكرة القيادة الجماعية للبلد".
 
وأوضح الشذر أنه خلال هذه الفترة "كل من يصل إلى الحكم يحاول أن يحتفظ بالسلطة أكبر فترة ممكنة والناخب العراقي أصبحت تتقاذفه الأهواء والدعايات والحملات الإعلامية ولا يستطيع التركيز على ما ينفعه وما يضره".
 
أما عضو البرلمان حامد المطلك،  فاختصر السنوات الـ10 الماضية في صورة سوداوية. وقال "الآن بعد 10 سنوات قدم العراقيون مزيدا من الدماء والتدمير في كل مجالات الحياة وليس فقط على المستوى البشري".
 

هناك عراق ضائع وتائه
حامد المطلك

وأضاف المطلك لموقع "الحرة" أن البطالة وصلت إلى مستويات مرتفعة والخدمات معدومة والفساد المالي والرشوة والتدخلات الخارجية الإيرانية وغيرها على أعلى مستوى. هناك عراق ضائع وتائه".
 
تدهور أمني
 
وتمر الذكرى العاشرة لدخول القوات الأميركية إلى العراق وسط تضارب في عدد قتلى أعمال العنف، غير أن منظمة  "إيراك بادي كاونت" البريطانية المعنية بجمع إحصائيات ضحايا أعمال العنف في العراق قالت إن نحو 112 ألف مدني على الأقل قتلوا في البلاد منذ دخول القوات الأميركية إلى العراق في 19 مارس/آذار 2003.
 
ومع استمرار أعمال العنف، يرى المحللون أن الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة ما زالت قائمة.
 
ويعتبر قيس الشذر أن الجانب الأمني "هش لأن الشأن العراقي أصبح مستباحا لكل التدخلات الإقليمية، وأيضا بسبب الانسحاب غير المدروس للقوات الأميركية".
 
أما الأبيض فيرجع التدهور الأمني إلى كون إنشاء الأجهزة الأمنية يتم وفقا للإرادات السياسية التي تخضع للعديد من قادة الأحزاب، مضيفا أن العديد من قيادات حزب البعث عادت لإدارة الملف الأمني.
 
وأوضح أن بنية الأجهزة الأمنية كان "على أساس العدد وليس الكفاءة إضافة إلى الجانب الاقتصادي المعطل والمشلول الذي ينعكس على توعية الناس وتلبية حاجاتهم حتى تجعلهم مؤمنين بالنظام السياسي الحالي".
 
ومن جانبه، أوعز المطلك السبب في الانهيار الأمني إلى طريقة تعامل الجيش الأميركي مع الملف. وقال إن "الجيش الأميركي حينما انسحب لم يعتمد على أناس مهنيين. قام بحل الجيش العراقي وأتى بمن هب ودب على رأس هذه المؤسسات من المليشيات والمرتزقة واللصوص".

وأضاف أن الجهاز الأمني أصبح عرضة للفساد المالي والرشوة وانعدام المهنية واعتمادها على جهات معينة دون  أخرى.

جدير بالذكر، أن القوات الأميركية انسحبت من البلاد تنفيذا لاتفاقية أمنية وقعها رئيس الحكومة نوري المالكي مع الرئيس الأميركي جورج بوش عام 2008.

كما أن الجدل بين القوى السياسية العراقية منتصف عام 2011 بشأن تمديد مهمة القوات الأميركية في العراق من عدمه انتهى بتأكيد الحكومة على أن القوات العراقية قادرة على تحمل مسؤولياتها وتوفير الأمن للعراقيين، وبالتالي فإنها لم تعد بحاجة إلى القوات الأميركية.
 
صراع طائفي
 
ويرى مراقبون أن العراق يواجه مشكلة تجاذبات طائفية أثرت بشكل مباشر على الصراع السياسي، وساهمت في انتشار أعمال العنف.
 
ويعتقد الأبيض أن المشكلة الطائفية نتجت عن أخطاء سياسية "ارتكبتها الأحزاب الإسلامية لأنها أحزاب طائفية ووجودها في السلطة يرسخ فكرة الطائفية السياسية".
 
وأضاف أن الطائفية أصبحت إقليمية بحكم تواجد العراق ضمن المحور الإيراني- السوري بسبب عدة عوامل منها مقاطعة الدول العربية للعراق منذ 2003.
 
وأشار إلى أن تركيبة المجتمع العراقي الديموغرافية مقسمة إلى جنوب شيعي وغرب سني ومناطق مختلطة كانت تعيش تعايشا سلميا تحت ضغط الدكتاتورية، معتبرا أن الفوضى جعلت بعض الخلايا التي تتربح  من الصراع الطائفي تشيع هذه الظاهرة.

لدى تكوين العملية السياسية أريد بها أن تشكل على أسس طائفية
قيس الشذر

 
كذلك، اعتبر الشذر أن الطائفية من المشاكل الكبيرة التي يعاني منها الجسد العراقي، مضيفا أن الظاهرة ليست متجذرة لدى العراقيين، وأنه "لدى تكوين العملية السياسية أريد بها أن تشكل على أسس طائفية".
 
واتهم المتحدث السياسيين المتعاقبين على تسيير العراق بترسيخ الأمر "للاحتفاظ بمواقعهم التي اكتسبوها نتيجة هذا التقسيم للعملية السياسية، وليس على أساس المنجز أو من يستطيع أن يدير البلد في الصورة المثلى".

أما المطلك، فيعتبر أن من يسير وراء الطائفية ويدعمها سيدمر البلد بالكامل، مشيرا إلى أن "الواضح أن الذي يزرع بذور الطائفية في الحقيقة هو القرار الإيراني، إضافة إلى التوجهات والأصوات التي تنادي بالتطرف".
 
تراجع حقوق الإنسان
 
وفي مجال حقوق الإنسان وجهت منظمات دولية انتقادات كثيرة للعراق، مشيرة إلى أن هذا الملف ما زال في عداد الملفات التي لم تتمكن الحكومة العراقية من حلها بعد 10 سنوات من سقوط نظام صدام حسين.
 
ومن بين هذه الانتقادات تلك التي وجهتها منظمة العفو الدولية التي قالت إن العراق لا يزال يشهد انتهاكات.
 
وأوضحت المنظمة في تقرير أصدرته في الآونة الأخيرة أن البلاد لا تزال "عالقة في حلقة رهيبة من انتهاكات حقوق الإنسان"، منها الهجمات ضد المدنيين وتعذيب المعتقلين والمحاكمات الجائرة.

واتهم التقرير السلطات العراقية بعجزها المستمر عن مراعاة التزاماتها باحترام حقوق الإنسان وحكم القانون في مواجهة الهجمات المميتة المستمرة من قبل الجماعات المسلحة، التي "تظهر ازدراءا لحياة المدنيين".
 

وقالت نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للمنظمة حسيبة الحاج صحراوي، إنه "بعد مرور 10 سنوات على نهاية حكم صدام حسين القمعي، يتمتع العديد من العراقيين اليوم بحريات أكبر من تلك التي كانوا يتمتعون بها في ظل نظام حزب البعث، ولكن المكتسبات الأساسية لحقوق الإنسان، التي كان ينبغي تحقيقها خلال العقد المنصرم، فشلت فشلا ذريعا في التجسد".

ويقدم التقرير المعنون بـ "عقد من الانتهاكات" عرضا زمنيا لتعذيب وإساءة معاملة المعتقلين على أيدي قوات الأمن العراقية والقوات الأجنبية في أعقاب دخول الجيش الأميركي العراق في عام 2003.
 
وأوضحت حسيبة الحاج صحراوي أن أحكام الإعدام تستخدم على نطاق "مرعب" في العراق، وأشارت إلى أنه حكم على العديد من السجناء بالإعدام إثر محاكمات جائرة وعلى أساس اعترافات قالوا إنهم أرغموا على الإدلاء بها تحت وطأة التعذيب.
 
مسؤولية أميركية أم تدخل إيراني؟
 
ويوجه المطلك اتهامات مباشرة للولايات المتحدة التي، تعد حسب قوله، المسؤول المباشر والأول "الذي أدى بالبلد إلى هذا المستوى من التدني" في مجالات مختلفة.
 
ويضيف قائلا إن "التقييم الواقعي للمرحلة هو أن الاحتلال الأميركي كان احتلالا فاشلا بعيدا عن القيم الإنسانية والأخلاقية والقانونية. للأسف بعض العراقيين استبشروا به خيرا عندما قال الأميركيون إننا جئنا لنحرر ونعزز الديموقراطية. كنا نأمل أن يتغير الوضع لكن للأسف الوضع يزداد سوءا".

غير أن للأميركيين نظرة مختلفة للأوضاع، فهم رغم اقرارهم بالصعوبات التي واجهت الولايات المتحدة في العراق، يرون أن تدخلهم العسكري خلص العراقيين من "طغيان" نظام صدام حسين، وأدخل مبادئ الحرية والديمقراطية وأسهم في بناء نظام سياسي يضمن حق الجميع.

كما أن واشنطن اعتمدت في قرارها بسحب قواتها على عدة معطيات، منها داخلية تتعلق بالاوضاع الاقتصادية والسياسية، وأخرى تتعلق بتحسن الوضع الأمني في العراق آنذاك، مقارنة بـ 2006 و 2007، علاوة على مطالبات بعض السياسيين العراقيين بإخراج القوات الأميركية من العراق.
 

جندي أميركي يغطي تمثال صدام حسين قبل إسقاطه

​​ويذهب أحمد الأبيض إلى إلقاء جزء من المسؤولية فيما آل إليه العراق على الأميركيين أيضا.
 
وقال إن الأميركيين "مسؤولين مسؤولية تاريخية باعتبارهم أصحاب هذه التجربة. غزوا البلاد وأسقطوا النظام السابق ووعدوا الشعب العراقي ببناء تجربة ديموقراطية. اليوم بعد 10 سنوات المؤشرات تقول إنه ليس هنالك في الأفق ما يعطينا الأمل أن هذا سوف يتحقق عن قريب".

وفي المقابل، قال وزير الدفاع الأميركي السابق بيل غيتس إنه من المبكر إطلاق الأحكام بالنسبة لسياسات الولايات المتحدة في العراق. وأضاف في تصريحات صحافية أن الأمر قد يحتاج إلى 20 عاما لمعرفة آثار ذلك التدخل.
 
وأشار أحمد الأبيض إلى أن انسحاب القوات الأميركية فتح الأبواب أمام التدخل الإيراني والقوى السياسية الحاكمة من التيار الشيعي التي عاشت في إيران طيلة 30 عاما.
 
وقال الأبيض إنه من الطبيعي أن تكون هذه القوى تحت المظلة الإيرانية وتعمل بنفس المنهج الذي يتوافق مع السياسات الإيرانية في المنطقة.

ومن جانبه، أكد المطلك أن التدخل الإيراني في العراق صار واضحا. وقال إن إيران أصبح لها "اليد الطولى"، مما ساهم في سوء الوضع.
 
الكهرباء حلم العراقيين
 
ويضاف إلى الجانب الأمني مشاكل أخرى كثيرة ما زالت تؤرق حياة العراقيين، تتمثل في تدني مستوى الخدمات العامة بشتى أنواعها.
 
وتبقى أزمة إمداد المدن العراقية بالكهرباء من أكبر المطالب التي لم تتمكن الحكومة العراقية من تلبيتها، رغم إعلانها في مطلع 2012 أن أزمة الكهرباء ستحل بشكل كبير خلال العامين المقبلين.

غير أن تقارير أخرى تشير إلى أن الأموال التي أنفقتها الولايات المتحدة لإعادة إعمار العراق لم تنجح في تحسين قطاعات الخدمات، ومنها الكهرباء.
 
وجاء في تقرير للكونغرس نشر في بداية مارس/آذار الجاري أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 60 مليار دولار في العراق بعد دخول قواتها، إلا أن النتائج كانت دون مستوى هذه المبالغ بكثير.
 
وأشار المفتش العام المتخصص في إعادة إعمار العراق في تقريره النهائي إلى أن مختلف الميزانيات التي خصصت للنهوض بقوات الأمن وإصلاح شبكات الكهرباء وتوزيع المياه "كانت أقل فائدة بكثير من المنشود".
 
وتشير التقارير المختلفة التي أعدتها الحكومة العراقية، ومنها تقرير خطة التنمية الوطنية للسنوات 2010-2014 إلى أن انخفاض حجم القدرات الإنتاجية من الطاقة الكهربائية يعود إلى عمليات التخريب والتدمير التي لحقت بالمنظومة الكهربائية والمنشآت التابعة لها بعد 2003.

تصورات المستقبل

 
وقد طرحت هذه الأوضاع بدورها تساؤلات حول مستقبل العراق في ظل الاحتقان السياسي واستمرار أسباب الأزمة المتعددة الأقطاب.
 
وفي هذا السياق، يقول حامد المطلك إن تصور مستقبل أفضل للعراق يمر عبر تعزيز موقع القضاء، وإرساء قانون عادل، واتخاذ القرار السياسي دون التأثر بالتدخلات الخارجية، ومحاسبة مجموعات الفساد الموجودة في السلطة والفصل بين المؤسسات الثلاث القضائية والتنفيذية والتشريعية.
 
أما الشذر، فيؤكد أن العراق يحتاج إلى نخب سياسية تتعامل مع العراقيين على أساس المواطنة و"إذا لم نصل إلى إيجاد نماذج من هذا النوع، فإن الحال سيبقى على حاله، أعتقد أن الأمور ربما تسوء".
 
ويرهن الأبيض تحسن المناخ السياسي والأمني في البلاد بمدى وعي القوى السياسية الموجودة لأنه "لا يجوز ولا يمكن الاستمرار في التسلط دون إنجاز، وهو ما أعتقد أنه بعيد عن مدركات القوى السياسية".
 
ويتوقع الأبيض عدة سيناريوهات لمستقبل العراق في ظل الظروف الحالية، من ضمنها أن "يثور الشعب العراقي ثورة عارمة على حال ثورات الربيع العربي وبالتالي سنعيش تجربة مغايرة للمقاسات الموجودة"، أو يحصل انقلاب عسكري و"هذا يحتاج إلى موافقات دولية".
 
 وأوضح أن السياسيين العراقيين مجبرين على تطوير العمل السياسي من خلال انتخابات، غير أن هذا الأمر يبقى مقيدا بإرادة القوى السياسية التي تخلق الأزمات خلال أربع سنوات.

الحشد الشعبي شارك في معارك تحرير جرف الصخر من داعش عام 2015 - أرشيف (رويترز)

رغم تكرار تعهداتها بحماية مستشاري قوات التحالف الدولي والمصالح الأميركية والغربية في العراق، فإن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تتمكن خلال السنوات الماضية من إيقاف هجمات وتهديدات المليشيات الموالية لإيران على هذه المصالح.

وذكر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي في بيان، الأحد الماضي، أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني جدد خلال اتصال هاتفي مع وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث "التزام العراق بحماية مستشاري التحالف الدولي الذين يتواجدون في العراق بناءً على دعوة من الحكومة العراقية لدعم جهود مكافحة داعش، كما شدد على التزام العراق بحصر استخدام القوة بيد الدولة وتعزيز الاستقرار الداخلي".

وقال رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، إحسان الشمري، لموقع "الحرة" إن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تستطع وقف التهديدات والهجمات التي طالت المصالح الأميركية في العراق، لعدم قدرتها على حصر السلاح بيد الدولة.

وأضاف أن الحكومات لم تتمكن أيضا "من الوصول إلى تفاهمات سياسية مع هذه الفصائل، وأيضا لعدم قدرتها على التأثير على بيئتها السياسية المتمثلة بالإطار التنسيقي الائتلاف السياسي الحاكم في العراق"، وفق رأي الشمري.

وأردف قائلا: "حاولت الحكومة ممارسة تأثير خارجي على هذه الفصائل بالحديث مع إيران، لكن لم تحقق تقدما ملموسا".

ولفت إلى أن التهدئة الحالية التي فرضت على هذه الفصائل نتيجة حسابات معينة قد تنتهي وتستأنف هذه الفصائل هجماتها، خاصة إذا ما استشعرت أن هناك هجوم وشيك عليها وحتى على إيران.

وكثفت الميليشيات العراقية الموالية لإيران المنضوية في ما يطلف عليها "المقاومة الإسلامية في العراق" خلال العامين الماضيين من هجماتها بالصواريخ والطائرات المسيرة على البعثات الدبلوماسية وقواعد التحالف الدولي والمصالح الأميركية في إقليم كردستان ومناطق عراقية أخرى. 

وشنت هجمات أيضا على إسرائيل وقواعد أميركية في سوريا، انطلاقا من الأراضي العراقية.

ويتفق الخبير الاستراتيجي، علاء النشوع، مع الشمري في عدم قدرة الحكومة العراقية على السيطرة على هذه الميليشيات وسلاحها.

وقال النشوع، لموقع "الحرة"، إن هذه الميليشيات التي يسميها بـ"قوى اللادولة" تمتلك قدرات أكبر من كل المؤسسات العسكرية والأمنية العراقية من ناحية الأسلحة والمعدات كالصواريخ، والطائرات المسيرة والمدفعية الثقيلة.

وأضاف: "لا يمكن مواجهة قوى اللادولة ومعالجتها من قبل أي قوة عسكرية عراقية حكومية، إضافة إلى أن القرار السياسي والعسكري والأمني العراقي محدود الصلاحيات، نظرا للتأثير المباشر لهذه القوى على القرار الحكومي، وأي قرار قد يصدر ضد إرادتها لن يكون مجديا".

ولفت النشوع الى أن العراق لا يستطيع اتخاذ أي قرار يخالف الأجندة الإيرانية، لأن إيران عبر نفوذها وأذرعها انتشرت في مفاصل الدولة العراقية. 

وبيّن أن "إيران تتحكم بكل مقدرات العراق ضمن قواعد اللعبة التي تديرها في المنطقة من خلال مفهوم وحدة الساحات، حتى بعد انهيار الساحتين اللبنانية والسورية ومضي الساحة اليمنية نحو الانهيار، لاتزال إيران تحتفظ بالساحة العراقية وتعتبرها مجالها الحيوي المؤثر على الوضع الإقليمي والدولي".

وأعلنت المليشيات العراقية في نوفمبر الماضي، عن إيقاف هجماتها ضد المصالح الأميركية وإسرائيل، عقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني. 

لكن قادة هذه المليشيات أكدوا في تصريحات صحفية، في الشهرين الماضيين، أن قرار إلغاء عملياتهم لا يعني إلغائها بالمطلق.

وأعرب الكاتب المحلل السياسي، علي البيدر، عن اعتقاده، أن الدولة العراقية بدأت تفرض نفسها في المشهد خصوصا في الجوانب الأمنية.

وقال البيدر، لموقع "الحرة"،  إنه "لا يمكن الحديث عن حماية مطلقة، لا للوجود الأميركي المسلح ولا للمصالح الغربية بشكل عام، لوجود تحديث مستمر للجماعات المسلحة والخطط الأمنية، حتى على مستوى المسميات، ففي كل يوم يظهر اسم وجماعة مسلحة وفصيل جديد وعملية جديدة، لكن الواقع الأمني اليوم أفضل، فضلا عن وجود رادع دولي قد يقلل من نسبة استهداف تلك المصالح".

ورأى البيدر أن عملية حصر السلاح بيد الدولة في العراق تحتاج إلى سنوات طويلة وإلى وعي مجتمعي وثقافة شعبية. 

وأضاف: "ما زلنا خارج الحسابات في هذا الجانب، يمكن أن يحصر السلاح عندما توفر بيئة مناسبة لذلك، قد تكون القوة المفرطة، أو الذهاب إلى خيار السلام الشامل".

وتنضوي الميليشيات العراقية الموالية لإيران في هيئة الحشد الشعبي، ووصل عددها إلى أكثر من 70 ميليشيا مسلحة معروفة، إلى جانب العشرات من الميليشيات غير المعروفة، التي أشرف الحرس الثوري الإيراني عبر جناحه الخارجي "فيلق القدس" على تأسيسها في أوقات مختلفة.

وكان وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، قال لرويترز، في يناير الماضي، إن العراق يحاول إقناع الفصائل المسلحة الموالية لإيران بإلقاء أسلحتها أو الانضمام إلى قوات الأمن الرسمية.

وتأتي هذه الخطوة على خلفية التحولات في الشرق الأوسط التي شهدت تدهور حلفاء إيران المسلحين في غزة ولبنان، والإطاحة بنظام بشار الأسد أكبر حلفاء طهران.

ويتوعد الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب - بعد تسلمه السلطة - بتكثيف الضغوط على طهران التي دعمت منذ فترة طويلة عددا من الأحزاب السياسية ومجموعة من الفصائل المسلحة في العراق.

ويشعر بعض المسؤولين في بغداد بالقلق من أن الوضع الراهن هناك قد ينقلب رأسا على عقب بعد ذلك، لكن حسين قلل من أهمية هذا الأمر في مقابلة مع رويترز خلال زيارة رسمية إلى لندن.