شهد العراق الثلاثاء موجة من العنف الدامي بين قواته العسكرية ومتظاهرين مناهضين لرئيس الوزراء نوري المالكي في محافظة كركوك، قتل فيها 54 شخصا بينهم 13 عسكريا، وتسببت باستقالة وزيرين.
واندلعت أولى الاشتباكات حوالي الساعة الخامسة صباحا بالتوقيت المحلي (02:00 بتوقيت غرينتش) حين اقتحمت قوات من الجيش ساحة اعتصام لمتظاهرين في الحويجة (55 كلم غرب كركوك).
وجاءت عملية الاقتحام بعد انتهاء مهلة حددتها وزارة الدفاع للمتظاهرين لتسليم المسؤولين عن مقتل جندي الجمعة الماضية عند حاجز قريب من ساحة الاعتصام.
وفي تصريح لقناة الحرة، قال قائد القوات البرية الفريق أول ركن علي غيدان، إن دخول القوات الحكومية لساحة اعتصام الحويجة، جاء بعد فشل جهود الوساطة التي قام بها شيوخ عشائر ونواب.
وأعلنت وزارة الدفاع في بيان لها أنه لدى اقتحام قواتها الساحة الثلاثاء "جوبهت بنيران كثيفة من مختلف الأسلحة" وأدى الاشتباكات إلى مقتل عدد من أفراد القوات المسلحة العراقية و"عدد من المسلحين من عناصر القاعدة والبعثيين".
وقالت الوزارة إن الاشتباكات التي بدأت صباحا أسفرت أيضا عن إصابة 130 آخرين بجروح، موضحة أنها بادرت إلى فتح تحقيق عاجل لمعرفة كيفية فتح النيران على القوات المسلحة والتعرض لها.
وأكد البيان أن القوات طالبت المتظاهرين عبر مكبرات الصوت بترك ساحة التظاهر لفسح المجال أمام القطاعات العسكرية للدخول والتفتيش، قبل أن يجابهوا بإطلاق نار كثيف.
وقال ضابط برتبة عميد في الفرقة 12 في الجيش العراقي، المنتشرة إلى الغرب من كركوك (240 كلم شمال بغداد)، لوكالة الصحافة الفرنسية إن "العملية التي نفذتها قواتنا استهدفت جيش الطريقة النقشبندية" وهي جماعة متمردة.
وأضاف أن "قواتنا لم تطلق النار صوب المتظاهرين حتى قيامهم هم بذلك فردت بدورها للدفاع عن نفسها".
وأشار إلى "عثور قوات الأمن على 34 بندقية كلاشنيكوف وأربع أخرى من طراز بي كيه سي"، إضافة إلى قنابل يدوية وسكاكين وآلات جارحة ونماذج وثائق للانتماء إلى جيش النقشبندية، التي تدين بالولاء إلى الرجل الثاني في نظام صدام حسين الهارب عزة الدوري.
رواية المتظاهرين
وقال المتحدث باسم المتظاهرين في كركوك أكرم العبيدي في اتصال مع "راديو سوا"، إن القوات الحكومية كانت قد دخلت ساحة الاعتصام بالقوة مما أسفر عن سقوط قتلى بين المتظاهرين.
وأضاف العبيدي أن رجال الأمن "قاموا بإطلاق نار كثيف من أسلحة ثقيلة وتفتيش خيام المعتصمين ولم يجدوا أي أسلحة".
ويسمع صوت إطلاق نار في مقطع فيديو نشره أحد سكان الحويجة صباح الثلاثاء:
وأفاد العبيدي بأن المواجهات بين الجانبين تجددت في وقت لاحق، وأن عددا من نقاط التفتيس سقطت بيد مسلحين.
وأدان رئيس مجلس محافظة كركوك حسن تروهان في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية "قيام قوات حكومية باقتحام ساحة الاعتصام واستخدام القوة المفرطة".
الولايات المتحدة تستنكر مصادمات الحويجة (17:00 بتوقيت غرينتش)
واستنكرت السفارة الأميركية في بغداد أحداث الحويجة، معتبرة أن التوترات الأخيرة في العراق "سياسية وطائفية"، مشيرة إلى أن مسؤولين أميركيين يتواصلون مع قادة العراق بهدف المساعدة على نزع فتيل هذه التوترات.
وقال باتريك فينتريل، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، لـ"راديو سوا" إن "الولايات المتحدة تدين بشدة الإجراءات التي أدت إلى مقتل وإصابة مدنيين ورجال أمن في الحويجة في العراق، ونأسف لوقوع تلك الأعمال قبل بدء جهود للتوصل إلى تسوية سلمية للوضع، وندعو الجميع إلى ضبط النفس وتجنب أعمال العنف، وفتح تحقيقات شفافة وشاملة".
استقالة تميم والسامرائي
وقدم وزير التربية محمد تميم استقالته من الحكومة. وأوضح أن استقالته احتجاجا على "الضحايا الأبرياء من أبناء المنطقة الذين سقطوا في الاشتباكات".
كما أعلن رئيس البرلمان أسامة النجيفي استقالة وزير العلوم والتكنولوجيا عبد الكريم السامرائي.
وقال السامرائي في حوار مع "راديو سوا" إن اقتحام ساحات الاعتصام وعدم تجاوب الحكومة مع مطالب المتظاهرين، أجبراه على الاستقالة وترك الحكومة، ووصف الاقتحام بـ"المجزرة" التي خلفت العديد من الضحايا الأبرياء.
واستهجن السامرائي إصرار السلطات على اقتحام الساحة رغم المفاوضات التي كانت جارية بين النواب والمعتصمين، واستنكر استخدام الأجهزة الأمنية القوة في هذا الاقتحام، معربا عن أسفه لتعرض قوات الجيش للاعتداء وإدانته لقتل الجنود أيضا.
وطلب من عناصر الجيش أن لا تقتل المعتصمين فهم "إخوانهم ولهم الحق في المطالبة بحقوقهم التي يصونها الدستور".
وأعلنت قناة "العراقية" أن نوري المالكي "رفض استقالة وزير التربية".
وجاءت استقالة الوزيرين السنيين بعد استقالة وزيرين سنيين آخرين هما وزير المالية رافع العيساوي والزراعة عز الدين الدولة في مارس/آذار الماضي احتجاجا أيضا على ما اعتبروه "قمعا للتظاهرات المناهضة للمالكي، الذي يحكم البلاد منذ 2006.
13 قتيلا في هجومين على مسجدين سنيين في العراق (13:32 بتوقيت غرينتش)
وأشعلت عملية اقتحام الاعتصام شرارة هجمات انتقامية في أنحاء عدة من العراق، إذ قتل 13 شخصا وأصيب 39 بجروح الثلاثاء في هجومين استهدفا مسجدين سنيين في العراق، حسب مصدر شرطي.
وقال ضابط برتبة عقيد في الشرطة إن "تسعة أشخاص قتلوا وأصيب 25 بجروح إثر سقوط قذائف هاون في باحة مسجد محمد رسول الله السني في المقدادية" (25 كلم شمال شرق بعقوبة).
وفي وقت سابق، أعلن مصدر في وزارة الداخلية لوكالة الصحافة الفرنسية أن "أربعة أشخاص قتلوا وأصيب 14 آخرين بجروح جراء انفجار عبوتين فجر اليوم" قرب مسجد جنوب غرب بغداد.
وأضاف أن "الانفجارين وقعا لدى خروج المصلين من مسجد الأرقم بن الأرقم الواقع في حي الميكانيك التابع لمنطقة الدورة".
وأكد مصدر طبي في مستشفى اليرموك (غرب) حصيلة الضحايا.
وهذه خريطة توضح موقع المقدادية شمال شرق بعقوبة:
مقتل 13 مسلحا (10:28 بتوقيت غرينتش)
وردا على اشتباكات الحويجة كذلك، قام مسلحون بمهاجمة نقاط تفتيش، ما أدى إلى مقتل 13 مسلحا، ستة في ناحية الرشاد وسبعة في ناحية الرياض، حسبما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية نقلا عن ضابط في الجيش.
ودفعت تطورات كركوك ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق مارتن كوبلر إلى زيارة المنطقة وعقد اجتماع فور وصوله مع رئيس مجلس المحافظة وقادتها لبحث تداعيات الحادث.
ودعا كوبلر في مؤتمر صحافي عقده بعد الاجتماع إلى إجراء تحقيق شفاف وفوري في أحداث الحويجة.
وحث المسؤول الأممي القادة السياسيين في بغداد وكركوك إلى التهدئة "لأن الوضع في المحافظة بات صعبا، إذ يمكن أن يتصاعد، ومسؤولية الجميع منع مثل هذا التصعيد".
وشكل مجلس الوزراء لجنة وزارية لتقصي الحقائق، برئاسة نائب رئيس الوزراء صالح المطلك وعضوية نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني ووزير الدفاع سعدون الدليمي ووزير الدولة لشؤون المحافظات صفاء الدين الصافي.
وأرسل مجلس النواب بدوره وفدا من لجنة الأمن والدفاع للاتصال بالجيش والعشائر والدعوة إلى الهدوء.
وقال المجلس في بيان أصدره "إن هيئة الرئاسة (في البرلمان) قررت خلال الاجتماع اتخاذ عدد من الإجراءات العاجلة لإيقاف نزيف الدم في المدينة وذلك من خلال إرسال وفد إلى القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء نوري المالكي لإصدار أوامره بإيقاف إطلاق النار والحث على ضبط النفس بالإضافة إلى التحرك سياسيا للاتصال مع المراجع وقادة الكتل والأحزاب لتدارك ما يجري من أحداث وتلافي أي تفاعلات سلبية".
وأظهر فيديو نشر على يوتيوب قوات مكافحة الشغب وهي تخاطب جمعا من المتظاهرين:
اشتباكات في محافظات أخرى
وفي حادث آخر، قتل ستة أشخاص هم نقيب في الجيش وأربعة جنود ومسلح في هجوم
منسق استهدف عدة نقاط تفتيش للجيش في منطقة سليمان بيك في صلاح الدين، وفقا لعضو
المجلس البلدي أحمد عزيز.
وقتل اثنان من عناصر الشرطة في هجومين ضد نقطتي تفتيش في الفلوجة (60 كلم غرب بغداد).
وفي الأنبار، قتل ستة جنود عراقيين وأسر سابع على أيدي متظاهرين مسلحين قرب مركز اعتصام في الانبار، وإحراق آليتين عسكريتين، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وقال عضو اللجان التنسيقية محمد الجميلي، إن عددا من مناطق محافظة الأنبار شهدت تظاهرات للتنديد بمقتل متظاهرين في الحويجة بنيران قوة من الجيش.
وأضاف الجميلي في اتصال مع "راديو سوا"، أن أبناء عشائر الأنبار طلبوا من قوات الأمن المنتشرة في المحافظة، البقاء داخل مقراتها، وأكد أن رجال دين وشيوخ العشائر يعقدون اجتماعا لمناقشة أحداث الحويجة، وسيصدرون بيانا عقب الاجتماع ضد حكومة المالكي التي يحملونها مسؤولية اقتحام ساحة الحويجة.
دعوات لنصرة الحويجة
وفي مدينة تكريت دعا أئمة المساجد والجوامع عبر مكبرات الصوت متظاهري ومعتصمي المدينة إلى التوجه نحو الحويجة "لنصرة معتصمي وأهالي الحويجة والانضمام إليهم في تصديهم للهجمات التي تشن ضدهم".
وأفاد مصدر أمني للوكالة الوطنية العراقية للأنباء أن قوات الأمن أغلقت الجسر الرابط بين تكريت وكركوك وجسر الفتحة في الشرقاط لمنع خروج المتظاهرين والمعتصمين وللحفاظ على "سلامة المتظاهرين والمعتصمين من أبناء تكريت"، وفرضت السلطات حظرا للتجوال في تكريت وضواحيها.
ويواصل مئات المتظاهرين المناهضين لرئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي اعتصامهم منذ أشهر في مناطق قريبة من كركوك بالتزامن مع اعتصامات مماثلة في مناطق أخرى تسكنها غالبية سنية.
ولم تكن مواجهات اليوم الأولى بين القوات الأمنية والمتظاهرين المناهضين للمالكي، ولكنها كانت الأكثر دموية، اذ وقعت في الأشهر الأربعة الماضية، منذ بداية موجة الاحتجاجات في ديسمبر/كانون الأول، اشتباكات في عدة مناطق بين الجانبين، بينها الفلوجة (60 كلم غرب بغداد) حيث قتل ثمانية متظاهرين، والموصل (350 كلم شمال بغداد) حيث قتل متظاهر.
ويتهم المعتصمون رئيس الوزراء بـ"التفرد بالحكم وتهميش السنة"، مطالبين إياه بالاستقالة وإلغاء بعض مواد قانون مكافحة الإرهاب وبينها المادة الرابعة التي تشمل الحكم بالإعدام.