الفساد والمخدرات وإيران.. هروب سجناء يفجر أزمة في العراق
05 أغسطس 2019
Share on Facebook
Share on Twitter
Share on WhatsApp
الليلة-العراق-المخدرات
خاص بقناة الحرة
فجر هروب خمسة عشر سجينا في قضايا تتعلق بالمخدرات جدلا لا يهدأ في العراق، خاصة بعد أن بينت كاميرات المراقبة غياب الحراسة في قسم الشرطة في العاصمة بغداد.
وأعادت حادثة فرار السجناء قضية الانتشار غير المسبوق للمخدرات في العراق، والدور الذي تلعبه دول الجوار وبعض الأحزاب المتنفذة في تغذية الظاهرة.
ووثقت كاميرات مراقبة تدافع السجناء للهروب من الباب الرئيسي لقسم الشرطة حيث فر 15 سجينا، فيما استطاع الحراس الذين كانوا حسب ما يظهر الشريط بملابسهم الداخلية، إعادة توقيف 8 منهم .
وخلفت الحادثة عديدا من التساؤلات والتي تركزت على نجاعة الإجراءات العقابية في الحد من حالات الفساد في العراق، إذ قامت السلطات بإقالة ثلاثة قادة للشرطة ببغداد، وحجز العناصر المشرفين على المركز أثناء الهروب.
وتكشف تحقيقات الإعلام العراقي عن دور المعابر الحدودية البرية منها والبحرية في تسلل المخدرات إلى البلاد، لاسيما من الصنف المعروف بـ "الكريستال"، وهو ما أكدته السلطات الأمنية في البصرة، إحدى أكثر المدن العراقية تضررا من ظاهرة تفشي المخدرات، حيث تحول العراق من ممر للاتجار بالمخدرات إلى مستهلك لها.
يقول الدكتور مناف الموسوي٬ مدير مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية في حديثه لبرنامج الحرة الليلة "الظروف التي عاشها العراق في الفترة السابقة، من وجود الدواعش واحتلالهم لأراض عراقية ربما كانت سببا في أن يكون هناك تساهل أو تماهل في هذا الجانب٬ وربما تم استغلال هذا الموضوع من قبل المتاجرين سواء في إيران أو مناطق أخرى".
وأشار إلى أن "إيران في بعض الأحيان تُعتبر ترانزيت للمخدرات فهي تمتلك أكبر خط حدودي مع العراق وبالتالي المتاجرة تأتي من كل دول العالم عبر إيران".
ويرى الموسوي أن هذا يشير إلى مسألتين رئيسيتين، أولا عدم مقدرة إيران على منع مرور هذه التجارة أو تساهل إيران أو تغاضيها عن دخول هذه التجارة إلى العراق، مؤكدا أنه "في كلتا الحالتين أعتقد أن لإيران دورا كبيرا في هذه الإشكالية".
وكان رشيد فليح، قائد شرطة البصرة كشف في تصريحات إعلامية أن 80 في المئة من المخدرات مصدرها إيران، و20 في المئة من الدول الأخرى.
ويذهب الكاتب العراقي علي السومري إلى أن انتشار المخدرات في العراق هي "مشكلة داخلية"، مشيرا إلى أن بعض "المتنفذين والجماعات والأحزاب المتنفذة" لا مصلحة لهم بحل هذه المشكلة التي يستفيدون منها.
وأضاف أن بعض التشريعات القديمة والجديدة ساهمت في انتشار المخدرات في العراق، إذ تم حظر بيع "المشروبات الكحولية" في المحافظات الجنوبية ما أوجد لها سوقا سوداء.
ورغم تشديد إجراءات ضبط الحدود فإن حسم معركة العراق ضد المخدرات يظل محفوفا بالصعوبات، إذ كشف نواب حاليون وسابقون عن دور الفساد ليس في حماية تهريب المخدرات عبر الحدود فحسب، وإنما أيضا في إنتاجها داخل العراق، وألمح بعضهم إلى أن أحزابا دينية تتاجر بالمخدرات المنتجة محليا.
لم تكن فاجعة الحريق الذي أتى على صالة للأفراح في الحمدانية بمحافظة نينوى شمالي العراق، المأساة الأولى من هذا النوع التي تشهدها البلاد في الأعوام القليلة الماضية، وسط مخاوف من أن لا تكون الأخيرة بسبب استمرار الأسباب التي أدت إليها، وفق ما يرى الكثير من الخبراء والمحللين المتخصصين في قضايا الفساد.
وكانت وزارة الصحة العراقية قد أفادت بمقتل نحو 100 شخص وإصابة أكثر من 150 آخرين، إصابات بعضهم شديدة الخطورة، إثر الحريق الذي قال مسؤولون حكوميون إنه حدث بسبب نقص تدابير السلامة والأمان واستخدام مواد سريعة الاشتعال في المبنى.
وذكر المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، في بيان، الخميس، نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع)، أن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تابع ميدانياً، تقديم العلاج للمصابين في حادثة حريق قضاء الحمدانية"، ووجه بتوفير "جميع مستلزمات العلاج دون تلكؤ، ونقل الحالات الحرجة على الفور إلى خارج العراق للتشافي".
وأضاف البيان أن رئيس الوزراء "عقد اجتماعاً، وأكد فيه توجيهاته بمواصلة تفتيش المباني العامة وقاعات المناسبات والمطاعم والفنادق، وفحص شروط السلامة العامة والاحتياطات وإجراءات الوقاية من الحرائق والحوادث المحتملة".
وشدد السوداني "على تحمل مديري الوحدات الإدارية مسؤولية التأكد من سلامة هذه الإجراءات"، موجها بـ"إنزال أقصى العقوبات القانونية بحق المقصرين والمهملين المتسببين بحادثة الحريق الأليمة".
وغداة حريق الحمدانية، أفاد مسؤولون حكوميون باعتقال 14 شخصا، من بينهم أصحاب قاعة المناسبات، ووعدوا بإجراء تحقيق سريع وإعلان النتائج خلال 72 ساعة، وفق رويترز.
مآس تتكرر
وكان العراق قد شهد العديد من المآسي في الأعوام الأخيرة، من بينها حرائق كبيرة خلّفت عشرات القتلى ومئات المصابين، كحادثة حريق مستشفى "ابن الخطيب" في بغداد شهر أبريل عام 2021، الذي أسفر عن مقتل نحو 80 شخصا وأكثر من 100 جريح.
كما أسفر حريق مستشفى "الحسين" في محافظة ذي قار جنوبي العراق في العام نفسه، عن مقتل أكثر من 90 شخصاً وإصابة ما يزيد عن 110 آخرين.
وكان انعدام شروط السلامة والمباني المخالفة والإهمال، من العوامل الرئيسية لاندلاع هذه الحرائق.
وفي اتصال هاتفي مع موقع "الحرة"، تحدث رئيس لجنة الصحة والبيئة في البرلمان العراقي، النائب ماجد شنكالي، عن وجود أسباب "مباشرة وغير مباشرة" فيما يتعلق تحديدا بـ"فاجعة الحمدانية".
وأوضح: "العوامل المباشرة كانت تتمثل في بناء صالة الأفراح من مواد سريعة الاشتعال، وهي مواد محظورة بالأساس، كما أنه جرى استخدام ألعاب نارية داخل القاعة، والتي كانت مرخصة للاستعمال في الهواء الطلق وليس في أماكن مغلقة".
وتابع: "ما حدث بهذا الشأن نجم عن أخطاء فادحة وكارثية، وكان يجب ألا يتم إعطاء الموافقات لإدارة الصالة، بحيث جرى تجاوز القوانين واللوائح التي تضمن السلامة العامة".
وفي نفس السياق، رأى الرئيس الأسبق للجنة النزاهة الحكومية، موسى فرج، في تصريحات إلى موقع "الحرة"، أن "الكثير من التجاوزات وشبهات الفساد تقف وراء تلك الحوادث التي تكررت في العراق، وتسببت في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة".
وأردف: "العراق شهد آلاف الحرائق مؤخرا، لكن يتم فقط تسليط الضوء على الكوارث التي تسببت في وفاة عشرات الضحايا، كما في حصل في حادثة الحمدانية الأخيرة، وقبلها بعض الحرائق المفجعة في مستشفيات".
19 ألف حريق
وكانت مديرية الدفاع المدني العراقي قد أحصت، في بيان، "عدد حوادث الحريق في العراق منذ بداية العام الجاري حتى تاريخ 13 أغسطس 2023، وكشفت عن وقوع أكثر من 19 ألف حريق".
وهو رقم يقل كثيراً، كما جاء في البيان، عن إحصاء عام 2022، الذي وصلت فيه الحرائق إلى "أكثر من 32 ألفاً في عموم المحافظات، عدا إقليم كردستان".
وفيما يتعلق بالأسباب، أوضح البيان أنها تنوعت "ما بين التماس كهربائي، إذ إن 13 ألفاً و297 حادثاً وقع نتيجة تذبذب التيار الكهربائي الوطني والشبكات العنكبوتية للأسلاك الكهربائية المتدلية للمولدات الأهلية، لتشكل 47 في المئة من مسبّبات اندلاع حوادث الحريق في العراق".
وأشار إلى أن إحصائية عام 2022 "تعتبر الأعلى إذا ما قورنت مع السنوات الثلاث السابقة، إذبلغ عددها خلال عام 2020، 29658 حادثاً، فيما كان عددها عام 2021 31533 حادثاً".
وطالت تلك الحرائق "مستشفيات ومبان ومخازن تجارية ومجمعات سكنية، فضلا عن مئات من الهكتارات الزراعية، وخصوصا حقول القمح شمالي وجنوبي البلاد".
أما عدد الوفيات التي حصدتها حوادث الحرائق خلال السنوات الثلاث، فبلغ حوالي 855 شخصاً.
أسباب وعوامل
وتعليقا على ما سبق، يتفق الإعلامي والكاتب السياسي العراقي، مازن صاحب، في حديثه إلى موقع "الحرة"، في أن الأسباب دائما "تتمثل في قلة الامتثال لشروط السلامة من الحرائق في الأماكن العامة".
وأضاف: "هناك عدم امتثال لقانون الدفاع المدني ما دامت إدارة مثل هذه الأماكن تخضع لجماعات سياسية مسلحة.. هذا ما حصل في غرق العبارة وسط نهر دجلة في الموصل، وما حصل في هذه القاعة".
وعلى نفس المنوال، طالب النائب شنكالي بإجراء "تحقيق إداري معمق في حادثة الحمدانية وغيرها، ومنع التجاوزات لأي من الجهات والفصائل السياسية، ومن ثم العمل على تجاوز أمثال تلك المخالفات، خاصة أنني أعتقد أن جهات متنفذة ساهمت في الحادثة الأخيرة"، حسب تعبيره.
وأضاف "يجب أن يكون تحقيق إداري معمق بعيدا عن توجيه الاتهامات المسبقة لهذا الطرف السياسي أو ذاك، وبعد ذلك فرض سيادة القانون والاستفادة من الخطأ الكارثي الأخير".
من جانبه، رأى فرج أن "شبهات فساد مؤكدة تقف وراء تلك الحوادث".
وأردف: "هناك حرائق ناجمة عن الفساد المتعلق بالإهمال والرشاوى، لتجاوز الكثير من شروط السلامة الصارمة التي كان يجب مراعاتها عند تشييد الأبنية، سواء مستشفيات أو صالات أفراح أو مبان حكومية أو مراكز تجارية".
وأضاف شنكالي: "لا شك بأن الفساد مستشر ومتغول في العديد من مفاصل الوزارات والمؤسسات الحكومية، وبالتالي لا مناص عن تطبيق القوانين والإجراءات التي تكافح هذه الظواهر السلبية، التي تهدد حياة الناس وصحتهم وأحوالهم المعيشية".
وعن تلك الشبهات، أوضح الإعلامي صاحب، المتخصص أيضا في قضايا الفساد: "شبهات الفساد تبدأ في إجازة أي مبنى من دون خضوعه لشروط السلامة من الحرائق، ناهيك عن شروط السلامة العامة".
وتابع: "ما دام الفساد السياسي والمجتمعي ينتج الفساد الإداري والمالي، فإن الآمال المرتقبة في تفادي مثل هذه الكوارث تبقى من الآمال البعيدة، لأن أسباب وجودها متوفرة".
وختم بالقول: "المطلوب هو القيام بحملات شعبية للتحشيد والمناصرة في محاسبة الجهات التنفيذية، والتأثير على الجهات الرقابية والسياسية، لعكس اتجاه عقارب الأحداث نحو الحد من هذه الكوارث".
وفي سياق متصل، أكد فرج الذي كان له باع طويل في مكافحة الفساد خلال فترة ترؤسه لجنة النزاهة، : "ضروري أن يكون هناك خبراء وموظفون مؤهلون، لديهم خبرات واضحة في كشف مكامن الخلل والفساد في كافة دوائر الدولة".
وتابع: "لدينا قوانين تقر وتساعد على مكافحة الفساد، رغم الحاجة إلى إقرار المزيد منها، لكن نحن أيضا بحاجة إلى الأدوات المناسبة لتنفيذها، حتى لا ندور في حلقة مفرغة، أو أن يصبح الأمر مثل خزان ماء فيه مدخل ومخرج، وبالتالي إن كانت مكافحة الفساد بكمية 10 لترات، إن صح التشبيه، يكون قد دخل الخزان 20 لترا، فتضيع كل الجهود هباء".