رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي
رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي

قال رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، في ساعة مبكرة من فجر الجمعة، إن العراقيين اليوم "أمام خياري الدولة و اللادولة".

وأضاف عبد المهدي في كلمة تلفزيونية موجهة للشعب العراقي "خضنا تجارب كبيرة إلى أن وصلنا إلى مسيرة ديمقراطية.. ونريد أن نخدم ونعمل بإخلاص".

ودعا رئيس الحكومة العراقية المتظاهرين لعدم الالتفات "إلى دعاة اليأس ودعوات العودة إلى الوراء"، لافتا إلى أن "بعض الشعارات المرفوعة كشفت عن محاولات لركوب المظاهرات وتضييعها"، وأن التصعيد في التظاهر "بات يؤدي إلى خسائر وإصابات".

وتعهد عبد المهدي بأن حكومته لن تعد "وعودا فارغة أو تقدم حلولا ترقيعية"، مؤكدا ضرورة إعادة الحياة للمحافظات واحترام سلطة القانون، وأشار إلى أن "الخيارات الأمنية كحظر التجول لا غنى عنها كالدواء المر".

وطالب عبد المهدي مجلس النواب "بإجراء تعديلات وزارية بعيدا عن المحاصصة السياسية"، وقال "اتفقنا مع مجلس القضاء على إطلاق المحتجزين ممن لم يرتكبوا أعمالا جنائية"، معربا عن أسفه لنجاح البعض في "إخراج المظاهرات عن مسارها السلمي".

 

وقال للمتظاهرين "مطالبكم بالإصلاح ومكافحة الفساد وصلتنا.. حاسبونا عن كل ما نستطيع القيام به في الأجل المباشر ولا توجد حلول سحرية". 

وأضاف أن البطالة "لم نصنعها والبنى التحتية المدمرة ورثناها"، وأن مصالح الحكومة بدأت بتوزيع الأراضي على شرائح الشعب المستحقة.

وتابع رئيس الوزراء العراقي بالقول "يخطىء من يظن أنه بعيد عن المحاسبة ونحن متمسكون بالدستور" معربا عن شكره "للشباب من المتظاهرين والقوات الأمنية الذين حافظوا على سلمية" التظاهرات.

اليوم الأكثر دموية

وكان يوم الخميس الأكثر دموية منذ انطلاق الاحتجاجات المطلبية الثلاثاء والتي راح ضحيتها ما لا يقل عن 30 شخصاً خلال مواجهات عنيفة غير مسبوقة بين المحتجين والقوات الأمنية.

وانطلاقاً من بغداد، امتدت التظاهرات التي تطالب برحيل "الفاسدين" وتأمين فرص عمل للشباب لتطال معظم المدن الجنوبية.

وتدخلت مدرعات القوات الخاصة في بغداد لصد الحشود، فيما أطلقت القوات الأمنية على الأرض الرصاص الحي الذي ارتد على متظاهرين.

وقال المتظاهر علي، وهو خريج عاطل عن العمل يبلغ من العمر 22 عاماً "نحن مستمرون حتى إسقاط النظام".

وأضاف "أنا من دون عمل، أريد أن أتزوج، لدي 250 ديناراً (أقل من ربع دولار) فقط في جيبي، والمسؤولون في الدولة لديهم الملايين"، في بلد يحتل المرتبة 12 في لائحة الدول الأكثر فساداً في العالم، بحسب منظمة الشفافية الدولية.

أما أبو جعفر، وهو متقاعد غزا الشيب رأسه، فقال "أنا أدعم الشباب. لماذا تطلق الشرطة النار على عراقيين مثلهم؟ هم مثلنا مظلومون. عليهم أن يساعدونا ويحمونا".

ويبدو هذا الحراك حتى الساعة عفوياً، إذ لم يعلن أي حزب أو زعيم سياسي أو ديني دعمه له، في ما يعتبر سابقة في العراق.

ومع سقوط 30 قتيلاً، بينهم شرطيان، و18 منهم في محافظة ذي قار الجنوبية وحدها، تحول الحراك الخميس إلى معركة في بغداد على محاور عدة تؤدي إلى ميدان التحرير، نقطة التجمع المركزية الرمزية للمتظاهرين.

 حظر تجول

ووصل المتظاهرون في بغداد على متن شاحنات، حاملين أعلام العراق وأخرى دينية عليها أسماء الأئمة المعصومين لدى الشيعة، وردد المتظاهرون هتافات عدة، بينها "بالروح بالدم نفديك يا عراق".

وفي مواجهتهم، شكلت قوات مكافحة الشغب والجيش حلقات بشرية في محيط الوزارات، خصوصاً وزارة النفط.

وفي ساحة الطيران وسط بغداد، انقض المتظاهرون على آليتين عسكريتين وأضرموا النار فيهما، بحسب فرانس برس.

وأطلقت القوات الأمنية مجدداً الخميس الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين رغم حظر التجول الذي دخل حيز التنفيذ فجراً.

وسيكون يوم الجمعة بمثابة اختبار سياسي مهم لرئيس الحكومة، مع الخطبة التي يُنتظر أن يلقيها المرجع الأعلى آية الله السيد علي السيستاني الذي يُعدّ رأيه حاسماً في عدد كبير من القضايا السياسية العراقية.

وإذ يبدو الحراك عفوياً، قرر الزعيم الشيعي مقتدى الصدر وضع ثقله في ميزان الاحتجاجات داعياً أنصاره الذين سبق أن شلوا مفاصل البلاد في العام 2016 باحتجاجات في العاصمة، إلى تنظيم "اعتصامات سلمية" و"إضراب عام"، ما أثار مخاوف من تضاعف التعبئة في الشارع.

وفي أماكن أخرى من العاصمة وفي مدن عدة، يواصل المحتجون إغلاق الطرقات أو إشعال الإطارات أمام المباني الرسمية في النجف أو الناصرية جنوباً.

"قوة مفرطة"

ويبدو أن الحكومة التي اتهمت "معتدين" و"مندسين" بالتسبب "عمداً بسقوط ضحايا بين المتظاهرين"، قد اتخذت خيار الحزم.

ودعت منظمة العفو الدولية بغداد في بيان إلى "أمر قوات الأمن على الفور بالتوقف عن استخدام القوة، بما في ذلك القوة المفرطة المميتة"، وإعادة الاتصالات.

ومنذ مساء الأربعاء أيضاً، بدا صعباً الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي مع بطء شديد في شبكة الإنترنت.

وسجل انقطاع واسع للإنترنت في العراق وصل الخميس إلى نحو 75 في المئة، بحسب ما أفادت منظمة متخصصة.

وسعى المحتجون في بغداد للتوجه إلى ساحة التحرير التي يفصلها عن المنطقة الخضراء جسر الجمهورية حيث ضربت القوات الأمنية طوقاً مشدداً منذ الثلاثاء.

وطالت التظاهرات محافظات عدة في جنوب البلاد، كمدينة البصرة النفطية التي شهدت العام الماضي احتجاجات دامية.

لكن رغم ذلك، لم تمتد التحركات إلى المحافظات الغربية والشمالية، خصوصاً المناطق السنية التي دمرتها الحرب ضد تنظيم داعش، وإقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي.

ويعاني العراق الذي أنهكته الحروب، انقطاعا مزمنا للتيار الكهربائي ومياه الشرب منذ سنوات.

وتشير تقارير رسمية إلى أنه منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، اختفى نحو 450 مليار دولار من الأموال العامة، أي أربعة أضعاف ميزانية الدولة، وأكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي للعراق.

 

احتجاجات سابقة في إقليم كردستان العراق
احتجاجات سابقة في إقليم كردستان العراق

شهدت محافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق، الأحد، احتجاجات واسعة، نظمها معلمون وموظفون حكوميون للمطالبة بصرف رواتبهم المتأخرة وتحسين أوضاعهم المعيشية.

وحاول العشرات من المحتجين التوجه إلى مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، بهدف تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر الأمم المتحدة، لكن محاولتهم قوبلت بإجراءات أمنية مشددة.

ومع وصول المتظاهرين إلى المداخل الرئيسية لمدينة أربيل، فرضت القوات الأمنية الكردية طوقا مشددا، وأقامت حواجز أمنية لمنع المحتجين من الدخول إلى المدينة.

وكتب الناشط الكردي محمود ياسين على حسابه في منصة (أكس): "رغم استخدام أسايش (أمن) أربيل الغاز المسيل للدموع ومنع دخول معلمي السليمانية إلى أربيل، لكنّ المعلمين عبروا سيطرة ديگلة بين المحافظتين".

 

ووفقا لنشطاء، فإن القوات التابعة لحكومة أربيل، استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، ما أسفر عن وقوع إصابات وحالات اختناق بين المتظاهرين.

ويطالب المحتجون، ومعظمهم من المعلمين والموظفين الحكوميين، بصرف رواتبهم المتأخرة بشكل منتظم، إلى جانب تحسين ظروفهم المعيشية.

وكتب القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري على حسابه في منصة (أكس): "حركة الاعتصام التي نظمت مؤخرا في السليمانية، مسيسة بامتياز".

وأضاف: "الأجدر بالإخوة المعتصمين، أن يحولوا خيمهم واعتصاماتهم وإضرابهم عن الطعام، إلى ساحة التحرير أو شارع الإمام القاسم أمام وزارة المالية للمطالبة بدفع استحقاقاتهم المالية بانتظام، سيما وأن حكومة الإقليم حسمت الأمر مع بغداد".

كما عبّر المتظاهرون، عن رفضهم للإجراءات الحكومية التي وصفوها بغير العادلة في توزيع الرواتب، مشيرين إلى أن استمرار الأزمة المالية، أثر بشكل مباشر على قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة.

يأتي هذا التصعيد، في ظل تزايد الاستياء الشعبي من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في إقليم كردستان، حيث يرى المحتجون أن الحكومة لم تتخذ خطوات جدية لحل أزمة الرواتب.

لكن السلطات في حكومة كردستان العراق، تقول إن الأزمة المالية مرتبطة بالتأخر في تحويل المخصصات المالية من الحكومة الاتحادية في بغداد.

وكتب الناشط الكردي مراد كردستاني على حسابه في (أكس): "القوات الأمنية التابعة للحزب الديمقراطي الكوردستاني، منعت المتظاهرين من الدخول، واستخدمت القمع ضدهم، والرصاص الحي. هنا نعلم بأن أربيل، أصبحت مدينة بوليسية، لا يمكن لأي شخص الخروج بتظاهرات، إلا بموافقة أمنية".