متظاهرون يحاولون إنقاذ مصاب خلال التظاهرات في العراق
مظاهرات عنيفة بالعراق

ليلة دامية شهدتها مدينة الصدر شرقي العاصمة العراقية بغداد، أسفرت عن سقوط ضحايا، ودفعت السلطات للإقرار بـ"استخدام مفرط" للقوة بعد أسبوع أسود قتل فيه أكثر من 100 شخص، معظمهم من الشباب الذين كانوا يحتجون على الفساد.

"موقع الحرة" تواصل، عبر الهاتف، مع أحد سكان مدينة الصدر، الذي تحدث عن تفاصيل هذه الليلة الدامية قائلا إن "قوات الجيش العراقي كانت في البداية تطلق الرصاص الحي في الهواء.. لكن فجأة قام أحد عناصر الجيش بإطلاق الرصاص الحي من سلاح متوسط باتجاه المتظاهرين مباشرة".

وأكد الشاهد أن "جميع وحدات الأمن العراقي المكلفة بالتعامل مع التظاهرات يرافقها عناصر ملثمون ويرتدون ملابس سوداء يقول المتظاهرون إنهم يتبعون لميليشات مرتبطة بإيران.."، وهي ليست المرة الأولى التي توجه أصابع الاتهام لهذه الجهات.

وفي تسجيلات مصورة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، كان ممكنا سماع أصوات إطلاق رصاص متواصل، وأحياناً بالسلاح الثقيل، فيما بدا المتظاهرون وهم يشعلون الإطارات ويحاولون الاحتماء في تلك المنطقة التي يصعب دخولها على القوات الأمنية ووسائل الإعلام.

واعترفت القيادة العسكرية العراقية، الاثنين، بـ"استخدام مفرط للقوة" خلال مواجهات مع محتجين في مدينة الصدر ذات الغالبية الشيعية شرقي بغداد أسفرت عن مقتل 13 شخصاً ليلاً، بحسب مصادر أمنية وطبية.

بعيد ذلك، أعلن رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، فالح الفياض، الاثنين أن فصائله، وغالبتها شيعية بعضها مقرب من إيران، جاهزة للتدخل لمنع أي "انقلاب أو تمرد" في العراق، في حال طلبت الحكومة ذلك.

وأكد ناشط لموقع الحرة أن أمس الأحد كان يوما داميا بعد تجدد المظاهرات، ولجوء السلطات العراقية إلى الحل الأمني مجددا رغم سقوط 104 قتيل وأكثر من ستة آلاف جريح في الأيام الماضية. وتشير أصابع الاتهام إلى "قناصة" و"ملثمين" يعمدون إلى قتل المحتجين، دون تفاصيل عن هوياتهم.

شوقي أبو أحمد، منسق في المظاهرات وصف يوم أمس باليوم العنيف، قائلا إن القوات الأمنية واجهت المتظاهرين بالرصاص الحي، بعدما اندلعت المتظاهرات في مدينة الصدر.

وقال الناشط العراقي إن ما تروج له الحكومة بخصوص مفاوضات مع المتظاهرين يظل مجرد كلام، إذ لم تجر أي مفاوضات أو محادثات مع الشباب الغاضب من تفشي الفساد حتى الآن.

وأضاف شوقي إن العراق اليوم يشهد هدوءا نسبيا ومستقرا، لكن الأجواء، يضيف، تبدو كالقنبلة الموقوتة، إذ إن الوضع مهدد بالانفجار في أي لحظة.

أما دولفان برواري، ناشط مدني وصحفي، فقد نفى ما يروج من جهات، لم يسمها، لربط المظاهرات بأطراف سياسية، قائلا إن عدد القتلى بالأمس ينفى عن المظاهرات "تهمة التسييس".

وأشار برواري إلى استخدام الرصاص في مواجهة المتظاهرين الغاضبين من الفساد، قبل أن يقول إن القوات الأمنية أقرت اليوم بحصول تجاوزات، وأن بعض عناصرها تجاوز الحدود في مواجهة المتظاهرين.

من جهته، قال رئيس المرصد العراقي للحريات، هادي جلو مرعي، إن بعض القوات الأمنية "تتعامل بشكل غير مهني ولم تحترم المعايير الموصي بها في حالات التظاهر..".

وقال إن "اليوم شهد صدور أوامر بتوقيف واعتقال ضباط أمن أخلوا بالتزاماتهم المهنية وتعاملوا بشكل غير مهني مع المتظاهرين".

وأكد أن إعلان الحكومة حزمة الإصلاحات، ووعدها بتغير الروتين الحكومي ساهم في تهدئة الوضع نسبيا عما كان عليه قبل يومين، مضيفا أن بعض الإجراءات الأمنية ساهمت في التهدئة.

أما الناشط والباحث السياسي، هيوا محمد عثمان، فقال إن الوضع اليوم في العراق متدهور وقابل للانفجار في كل لحظة، كما "لا نعرف رد فعل السلطات تجاه المظاهرات، ولا نستطيع توقع ما يمكن أن تفعله السلطات في كل يوم يخرج فيه الشباب إلى الشارع". 

وأضاف أن "الحكومة العراقية كل يوم تحضر للمتظاهرين مفاجآت، فتارة تواجه الشباب المحتج بالقناصة، وطورا بإطلاق القنابل الحية تجاههم".

وأردف عثمان، في حديثه للحرة، قائلا إن السلطات تلجأ إلى قطع الإنترنيت كخيار لمنع نشر الصور والفيدوهات، وأحيانا تلجأ إلى غلق المحلات التجارية.
 

إنبوب النفط العراقي

رغم حالة الغموض التي تكتنف مسار العلاقات بين العراق وسوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي، يبرز بين حين وآخر حديث عن محاولات لفتح صفحة جديدة من التعاون بين البلدين.

إحدى أهم الخطوات في هذا المجال المساعي لإحياء خط أنابيب النفط العراقي المار عبر سوريا.

وبدأت الحكومة العراقية رسميا، في أبريل الماضي، محادثات مع الجانب السوري لاستئناف تصدير النفط عبر ميناء بانياس السوري المطل على البحر المتوسط. وقد زار وفد عراقي رفيع المستوى دمشق لمناقشة خطط إعادة تأهيل الخط الذي ظل معطلا لعقود بسبب الحروب والإهمال.

وفي 25 أبريل، أعلن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي أن وفدا حكوميا برئاسة حميد الشطري، رئيس جهاز المخابرات، وصل إلى دمشق بتوجيه من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، والتقى بالرئيس السوري أحمد الشرع وعدد من المسؤولين السوريين.

وذكر البيان أن المباحثات شملت قضايا متعددة من بينها مكافحة الإرهاب، تعزيز أمن الحدود، والأهم من ذلك، بحث إمكانية إعادة تشغيل خط أنابيب النفط الواصل بين كركوك وبانياس.

مصالح استراتيجية مشتركة

يقول مظهر محمد صالح، مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الاقتصادية، لقناة "الحرة" إن بغداد ودمشق تتشاركان الرغبة في استئناف تشغيل الخط، الأمر الذي سيعود بالنفع على البلدين وعلى لبنان أيضا.

"المناقشات بين الحكومتين مستمرة منذ فترة، وقد شهدت مؤخرا تقدما ملموسا على مستوى اللجان الفنية".

ويضيف صالح أن التركيز الحالي منصب على الجوانب اللوجستية والفنية والقانونية، لا سيما إعادة تأهيل البنية التحتية وضمانات الأمان اللازمة لتشغيل الخط بشكل مستدام.

ويؤكد أن إعادة تشغيل الخط ستسهم في تسريع خطة العراق لتنويع مسارات تصدير النفط، خصوصا نحو الأسواق الأوروبية:

"خط كركوك–بانياس يمنح العراق مرونة استراتيجية وتكلفة أقل، خاصة في ظل التحول الإقليمي نحو الاستقرار والتنمية المستدامة".

ويشير صالح إلى أن هذا المشروع يمكن أن يعزز الاستثمار في قطاع النفط العراقي ويساعد البلاد على الوصول إلى هدف إنتاج 6 ملايين برميل يوميا، تماشيا مع الطلب العالمي المتزايد في أوروبا وآسيا وأميركا الشمالية.

خلفية تاريخية

أُنشأ خط أنابيب العراق–سوريا عام 1934، بطول نحو 900 كيلومتر، ويمتد من حقول كركوك شمالي العراق مرورا بالأراضي السورية. وكان ينقسم إلى فرعين: أحدهما ينتهي في بانياس، والآخر في ميناء طرابلس في لبنان.

وقد شكل هذا الخط مسارا حيويا لتصدير النفط خلال القرن العشرين، حتى أوقفه النظام السوري عام 1982 أثناء الحرب العراقية–الإيرانية. ومنذ ذلك الحين، اعتمد العراق على مسارات أخرى مثل خط العراق–تركيا (ITP).

لكن أجزاء كبيرة من خط كركوك–بانياس تعرضت للدمار والسرقة، خاصة في المناطق السورية المتأثرة بالحرب، ولم يضخ العراق أي نفط عبر الأنبوب منذ أكثر من 40 عاما.

تحديات

يرى خبير الطاقة غوفيند شيرواني أن محاولات إحياء خط كركوك–بانياس مدفوعة حاليا باعتبارات سياسية أكثر من كونها اقتصادية أو تقنية.

وفي حديثه لـ"الحرة"، يحدد شيرواني ثلاثة عوائق رئيسية:

أولها الأمن، إذ يمر الخط عبر مناطق لا تزال خارج سيطرة الحكومة السورية، حيث تنشط خلايا داعش وجماعات مسلحة أخرى".

ويحذر شيرواني من أن ضمان الأمن الكامل على طول المسار شرط أساسي لأي تقدم.

العائق الثاني يتجسد في الحالة الفنية. ويشير خبير الطاقة إلى أن الخط الحالي "قديم، متآكل، وتعرض للتلف في عدة مناطق بشكل لا يمكن إصلاحه". هناك حاجة لإنشاء خط جديد كليا أو تعديل المسار بناء على الوضع الميداني.

وأخيرة العائق المالي، فبناء خط جديد بطول 800 كيلومتر سيستغرق من سنتين إلى ثلاث سنوات، وسيتطلب ميزانية تتراوح من 4 إلى 5 مليارات دولار، تشمل الأنابيب ومحطات الضخ ومراكز المراقبة والأمن.

خيارات بديلة

تزامنت عودة الاهتمام العراقي بالمسار السوري مع استمرار المفاوضات بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان والشركات الدولية لاستئناف صادرات النفط عبر تركيا، والتي توقفت منذ أكثر من عامين بقرار من محكمة التحكيم الدولية في باريس لصالح العراق في نزاعه مع تركيا بشأن صادرات نفط الإقليم.

وأوضح شيرواني أن مقارنة خطي بانياس وجيهان التركي أمر طبيعي، لكنه أضاف: "خط جيهان جاهز من الناحية الفنية، والعوائق أمامه محدودة تقنيا وماليا، أما خط بانياس فهو مشروع جديد تماما ويتطلب دراسة جدوى اقتصادية كاملة".

ومع ذلك، يرى شيرواني أن كلا المسارين مهمان ويتوافقان مع سياسة العراق الرامية إلى تنويع منافذ التصدير وتقليل الاعتماد على الممرات المهددة في منطقة الخليج، خاصة مع التوترات المستمرة بين إيران والولايات المتحدة وحلفائهما الإقليميين.

وبحسب خبراء اقتصاديين تحدثوا إلى "الحرة"، فإن إعادة تشغيل خط كركوك–بانياس قد تحقق عوائد مالية كبيرة لسوريا، من خلال خلق آلاف من فرص العمل، والمساهمة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب، إضافة إلى دعم سوق الوقود المحلي عبر تكرير النفط العراقي بأسعار مخفضة في مصفاة بانياس.

العقبة الإيرانية

يؤكد المستشار الاقتصادي السوري، أسامة القاضي، أن المشروع اقتصادي في جوهره، لكنه معقد سياسيا وأمنيا، خاصة بسبب النفوذ الإيراني في العراق.

يقو القاضي إن المشكلة لا تتعلق بالبنية التحتية فقط، بل بوجود فصائل داخل العراق تعارض الحكومة السورية الجديدة، وتعتبرها دمشق أدوات إيرانية.

"طالما بقيت هذه الأطراف نشطة، لا أعتقد أن المشروع سيمضي قدما، حتى وإن تم توقيع الاتفاق".

ويرى القاضي أن على بغداد اتخاذ موقف واضح ضد التدخلات الخارجية. ويلفت إلى أن التوترات الطائفية ما زالت تعيق التعاون الإقليمي.

تفاؤل حذر

رغم أن إعادة إحياء خط كركوك–بانياس يمثل فرصة استراتيجية واقتصادية وجيوسياسية لكلا البلدين، لا تزال العقبات أمام تحقيقه كبيرة. ويعتمد التقدم في هذا المشروع على حلول هندسية واستثمارات مالية، إلى جانب تحسين الوضع الأمني وتسوية النزاعات السياسية العالقة.

في الوقت الراهن، يُعد المشروع اختبارا لإمكانية الاندماج الاقتصادي الإقليمي، وقدرة الدول الخارجة من النزاعات على التحول نحو تعاون مستدام.