يوم دام جديد في العراق سقط خلاله ما لا يقل عن أربعين متظاهرا وأصيب نحو ألفين آخرين، مع تجدد الاحتجاجات المطالبة بتغيير الطبقة الحاكمة في البلاد منذ 16 عاما.
كالعادة انطلقت الاحتجاجات من ساحة التحرير وسط بغداد منذ ليل الخميس، وسرعان ما امتدت إلى محافظات جنوبية أخرى وبلغت ذروتها ظهر الجمعة و لاتزال مستمرة.
وعلى الرغم من تأكيد رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي، في كلمة وجهها إلى الأمة في الساعات الأولي من الجمعة، أن المحتجين لهم حق التظاهر السلمي داعيا قوات الأمن إلى حماية الاحتجاجات، إلا أن سيناريو ما حصل في الأسبوع الأول من هذا الشهر تكرر من جديد.
فخلال ستة أيام فقط، بدأت في مطلع أكتوبر، قتل أكثر من 157 متظاهرا وأصيب نحو ستة آلاف آخرين في بغداد ومدن الجنوب، بعدما استخدمت قوات الأمن العراقية الرصاص الحي لتفريق المحتجين.
كذلك استهدف قناصة تابعون لميليشيات مدعومة من إيران، المتظاهرين في ساحة التحرير ومناطق وسط بغداد، من بينها سرايا الخراساني وكتائب سيد الشهداء وفقا لناشطين.
والجمعة تكرر المشهد في بغداد ومدن أخرى، فقد أظهرت مقاطع فيديو بثها ناشطون لقطات صادمة من بينها ما يوثق لحظة قتل متظاهر بعدما أصيب إصابة مباشرة بقنبلة مسيلة للدموع اخترقت رأسه.
كما نشر ناشطون مقطع فيديو يظهر لحظة إصابة متظاهر برصاصة مباشرة في الرأس في مدينة العمارة التي شهدت عمليات اقتحام وحرق مقار تابعة لأحزاب ومليشيات مدعومة من إيران.
وفي البصرة أقدمت سيارة تابعة لوزارة الداخلية العراقية على دهس محتجين كانوا يرمون الحجارة على القوات الأمنية.
دهس المتظاهرين بالعمد في البصرة !#نازل_اخذ_حقي pic.twitter.com/OSHQZl4C0N
— Firas W. Alsarray ⭕️ (@firasalsarrai) October 25, 2019
ووفقا لوكالة فرانس برس فقد قتل 10 متظاهرين بالرصاص الحي في مدينتي الناصرية والعمارة بجنوب العراق، خلال محاولة اقتحام مقر ميليشيا عصائب أهل الحق المدعومة من إيران.
وقتل متظاهران آخران خلال إضرام النيران في مقر لأحد الأحزاب في السماوة بجنوب البلاد أيضاً.
وأفادت مصادر للحرة بأن مقرات الأحزاب والميليشيات التي تعرضت للحرق في عدد من المحافظات الجنوبية شملت حزب الدعوة ومنظمة بدر وسرايا الخراساني وعصائب أهل الحق.

كما أظهرت مقاطع فيديو وصور نشرها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة من المحتجين العراقيين وسط بغداد وهم يلقون القبض على شخص كان يطلق النار على المتظاهرين.
وتظهر اللقطات رجلا بزي عسكري وهو يمسك بالمسلح الذي كان محاطا بمجموعة من المتظاهرين يقومون بضربه، فيما أظهرت لقطات أخرى المسلح قبل اعتقاله وهو يقوم بإطلاق النار من مسدس.

وأصدرت السلطات العراقية بيانا أقرت فيه باعتقال المسلح، وقالت إنه "كان يطلق النار على القوات الأمنية والمتظاهرين" في شارع السعدون وسط بغداد. ونشر ناشطون صورا للهوية التعريفية للمسلح وتظهر أنه يعمل في وزارة الداخلية العراقية.
ودان الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش الجمعة "الانتهاكات الكبيرة" من قبل قوات الأمن لحقوق الانسان خلال التظاهرات في العراق دون تحديد كيفية معاقبتها.
خلية القمع
وكان "معهد واشنطن" نشر مقالة للكاتب المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج مايكل نايتس تحدث فيها عن الجهات التي تقود عمليات القمع ضد المتظاهرين العراقيين.
ويقول نايتس إنه وفقا لوكالة رويترز ووكالات إعلامية أخرى، انضمت مجموعة من الميليشيات العراقية وقادة الأمن العراقيين إلى ضباط في الحرس الثوري الإيراني لتشكيل خلية أزمة في بغداد في الثالث من أكتوبر.
ويضيف أن هذه الخلية عملت "من غرفتي عمليات، هما منزل آمن سري في الجادرية ومبنى لهيئة تابعة لقوات الحشد الشعبي بالقرب من مستشفى إبن سينا وسط العاصمة".
وتابع أن "ضباط اتصال إيرانيين قدموا المشورة بناء على خبرتهم في محاربة النشطاء في إيران، بالإضافة إلى توفيرهم مواد استخبارية عن النشطاء والاتصالات الآمنة للقناصة".
وذكر نايتس أسماء 10 أشخاص قال إنهم من بين الأفراد الذين تم تحديدهم على أنهم يعملون في خلية الأزمة، وهم كل من:
*قاسم سليماني: قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري المصنف على لائحة الإرهاب في الولايات المتحدة، وصل إلى بغداد في الرابع من أكتوبر لضبط أنشطة الحكومة المناهضة للاحتجاجات.
*أبو مهدي المهندس: (اسمه الحقيقي جمال جعفر ابراهيم) وهو قائد عمليات قوات الحشد الشعبي، صنفته الحكومة الأميركية إرهابياً في عام 2009.
*فالح الفياض: مستشار الأمن القومي العراقي ورئيس هيئة الحشد الشعبي، عاد الفياض إلى بلاده في الرابع من أكتوبر بعد اجتماعه مع مسؤولين أميركيين في واشنطن.
وبعدها، عمل مباشرة مع الخلية الإيرانية في وقت وفر فيه مساعده الإداري حميد الشطري الدعم.
*أبو جهاد (اسمه الحقيقي محمد الهاشمي) وهو مدير مكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، بدأ العمل مع الخلية بعد عودته من زيارة لبريطانيا في الخامس من أكتوبر.
*قيس الخزعلي: الأمين العام لميليشيا "عصائب أهل الحق"، كان قد دعم بشكل كامل حملة القمع والتشهير بالمتظاهرين بمساعدة الحرس الثوري الإيراني بوصفهم محرِّضين مدعومين من الخارج.
*أبو زينب اللامي: (اسمه الحقيقي حسين فالح اللامي) قام بتنسيق عمليات القناصة ضد المتظاهرين، في وقت ساهم فيه اثنان من مساعديه، هما أبو بكر (مدير مديرية الأمن المركزي لمنطقة الرصافة ببغداد وحجي غالب رئيس قسم التحقيقات في مديرية الأمن المركزي في إدارة عمليات القمع.
*أبو منتظر الحسيني: (اسمه الحقيقي تحسين عبد مطر العبودي) وهو رئيس العمليات السابق في قوات الحشد الشعبي والمستشار الحالي لرئيس الوزراء عبد المهدي لشؤون الحشد الشعبي.
وكان أبو منتظر شخصية رئيسية في جمع كافة الجهات الفاعلة معا في خلية الأزمة.
*أبو تراب: (اسمه الحقيقي ثامر محمد اسماعيل) وهو عضو منذ وقت طويل في منظمة بدر المدعومة من إيران، ويرأس حاليا فرقة الرد السريع التابعة لوزارة الداخلية (التي تعرف أيضا باسم "قسم الاستجابة لحالات الطوارئ").
وخلال المظاهرات، نشر قناصين لاستهداف المدنيين.
*حامد الجزائري: قائد سرايا طليعة الخراساني (اللواء 18 في قوات الحشد الشعبي)، ساعد في تنسيق الهجمات على محطات التلفزيون.
*أبو آلاء الولائي: (اسمه الحقيقي هاشم بنيان السراجي) وهو قائد ميليشيا "كتائب سيد الشهداء" المدعومة من إيران (اللواء 14 في قوات الحشد الشعبي)، عمل مع خلية الأزمة وقدم قناصين لعملية القمع.
*أبو إيمان الباهلي: وهو رئيس مديرية الاستخبارات في قوات الحشد الشعبي، ومسؤول الارتباط مع مسؤولي الاستخبارات السيبرانية في الحرس الثوري الإيراني وقد أعد قوائم أهداف من نشطاء المجتمع المدني والصحفيين.
كما تطرق كاتب المقال إلى الهجمات التي استهدفت وسائل اعلام محلية وعربية كانت تبث صورا للتظاهرات.
وأشار إلى أن عناصر في ميليشيا "سرايا طليعة الخراساني وحركة "حزب الله النجباء" قاموا بالاعتداء على مجموعة من وسائل الاعلام ومن بينها محطة "أن أر تي" بسبب استمرارها في نقل مشاهد من الاحتجاجات.
ويضيف "عندما بدا أن بناية قناة الفرات (محلية تابعة لتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم) محصنة جيدا بحيث يصعب اقتحامها، قامت ميليشيا عصائب أهل الحق بقصف المبنى في السادس من أكتوبر إما بواسطة متفجرات وضعت يدوياً أو بطائرة بدون طيار، مما أدى إلى إتلاف سيارات ومبان أخرى في المنطقة".