احتشد عشرات الآلاف من العراقيين في ساحة التحرير الثلاثاء في خامس يوم على التوالي من احتجاجات بعد تقارير عن قتل قوات الأمن لمحتجين في كربلاء ليل الاثنين ورفض رئيس الوزراء الدعوة لانتخابات مبكرة.
وهذا هو أكبر تجمع في العاصمة منذ بدء الموجة الثانية من المظاهرات المناوئة لحكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي والنخبة الحاكمة الجمعة.
وأطلقت قوات الأمن المتمركزة على جسر الجمهورية القريب الغاز المسيل للدموع على المحتجين الذين حاولوا اقتحام المنطقة الخضراء شديدة التحصين والتي تضم المباني الحكومية والبعثات الأجنبية.
وردد المحتجون هتافات "بالروح بالدم نفديك يا عراق".
التحرير اليوم ! pic.twitter.com/dzLMv619Zh
— Firas W. Alsarray ⭕️ (@firasalsarrai) October 29, 2019
وغالبية المحتجين من الشبان الذين لف كثيرون منهم علم العراق حول أجسادهم. واكتظت الشوارع المحيطة بالسيارات الخاصة وسيارات الأجرة والدراجات النارية ومركبات التوك توك مع تدفق مزيد من الأشخاص صوب الساحة.
وكانت نقابات عمالية أعلنت أنها ستدعو لإضرابات لتحذو بذلك حذو نقابتي المحامين والمعلمين.
وخرجت أحدث مظاهرات بعد أن قالت مصادر طبية وأمنية إن قوات الأمن قتلت ما لا يقل عن 14 شخصا في مدينة كربلاء أثناء الليل بعدما فتحت النار باتجاه محتجين.
وذكرت المصادر أن 865 شخصا على الأقل أصيبوا، لكن محافظ كربلاء وقائد شرطتها ورئيس الوزراء العراقي والجيش نفوا جميعا سقوط أي قتلى.
ووصل العدد الإجمالي للقتلى منذ بدء الاضطرابات في أول أكتوبر إلى ما لا يقل عن 250 شخصا في بغداد ومحافظات جنوبية.
وقال أحد المحتجين، ويدعى صالح السويدي، في ساحة التحرير "نحن نريد حل الحكومة. لو استقال عبد المهدي هذا ليس مطلبنا. الأحزاب تستقيل. البرلمان يستقيل".
وفي جنوب العراق، قال موظفون بميناء أم قصر الذي يتعامل مع السلع قرب البصرة ومسؤولون محليون إن العمليات في الميناء تقلصت بنسبة 80 في المئة تقريبا يوم الثلاثاء بعد إغلاق محتجين مدخل الميناء.
مصاعب وفساد
وكسرت الاضطرابات المدفوعة باستياء من المصاعب الاقتصادية والفساد المترسخ استقرارا نسبيا دام قرابة عامين في العراق بعد دحر تنظيم داعش.

وعلى الرغم من الثروة النفطية الضخمة في البلد العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) فإن الكثير من العراقيين يعيشون في فقر أو لا يحصلون على ما يكفي من المياه النقية والكهرباء والرعاية الصحية والتعليم.
ومعظم المحتجين شبان يريدون في المقام الأول وظائف. ونحو 58 في المئة من أهل العراق دون 24 عاما أي أن أعمارهم لا تجعلهم يتذكرون حكم صدام، وهو ما يقلص شرعية المدعين بأنهم ساهموا في الإطاحة به.

وقال ريناد منصور من مؤسسة تشاتام هاوس البحثية في لندن إن "المحتجين صغار في السن. هم من الطلبة والخريجين الذين لا يرون أن مستقبلا بانتظارهم. لا يعرفون العراق قبل عام 2003. لم يعد بوسع النخبة ذكر مقولة حررناكم من صدام التي دأبوا على ترديدها".
ويلقي عراقيون كثيرون باللوم على النخبة السياسية التي يقولون إن أفرادها خاضعون إما للولايات المتحدة أو لإيران، الحليفتين الرئيسيتين للعراق.
ويقولون كذلك إن هاتين القوتين تستغلان العراق في صراعهما على النفوذ في المنطقة دون أن تكترثا باحتياجات المواطن العادي.
ورغم الإصلاحات الواعدة وإصداره أمرا بإجراء تعديل وزاري واسع، لم ينجح عبد المهدي في تهدئة المتظاهرين.
ودعا رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الذي يدعم أكبر كتلة برلمانية وساهم في وصول حكومة عبد المهدي الائتلافية إلى السلطة، يوم الاثنين لإجراء انتخابات مبكرة بعد إعلان حظر التجول في بغداد.
وردا على ذلك قال عبد المهدي يوم الثلاثاء إن ليس بوسعه منفردا الدعوة لانتخابات مبكرة وإن على البرلمان التصويت بغالبية كاسحة على أن يحل نفسه.
وقال عبد المهدي في رسالة إلى الصدر "لا يكفي ذهاب رئيس مجلس الوزراء إلى البرلمان لإعلان الانتخابات المبكرة ليتحقق الأمر، بل هناك سياقات دستورية (المادة 64) يجب علي رئيس مجلس الوزراء الالتزام بها... هذا لن يتحقق إلا بتصويت مجلس النواب على حل المجلس بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه".
وأضاف "إذا كان هدف الانتخابات تغيير الحكومة فهناك طريق أكثر اختصارا وهو أن يتفق سماحتكم (الصدر) مع الأخ (الزعيم الشيعي هادي) العامري لتشكيل حكومة جديدة، وعندها يستطيع رئيس مجلس الوزراء تقديم استقالته واستلام الحكومة الجديدة مهامها خلال أيام إن لم نقل ساعات من تحقق هذا الاتفاق".

وأقر البرلمان الاثنين عددا من الإجراءات بهدف تهدئة المحتجين لكن كثيرين اعتبروها لا تكفي.
ومن بين الإجراءات تقليص رواتب المسؤولين وتشكيل لجنة لإجراء تعديلات دستورية وحل جميع مجالس المحافظات والمجالس المحلية باستثناء إقليم كردستان شبه المستقل.
مشكلات طائفية
ويرى محللون ونشطون أن السبب الأساسي للمشكلات هو نظام تقاسم السلطة القائم على أساس طائفي والذي جرى إقراره في العراق بعد عام 2003.
وبعد الإطاحة بصدام، قسم عدد كبير من جماعات المعارضة العائدة من المنفى المناصب الحكومية فيما بينها بعد تفكيك نظام الخدمة المدنية تحت شعار "اجتثاث البعثيين" أو التخلص من رجال صدام.
وأدى ذلك إلى وجود شبكات نفوذ مترامية الأطراف، ليس فقط في إطار النخب السياسية الجديدة الحاكمة ذات الأغلبية الشيعية، لكن أيضا في كردستان.
وفي بداية الأمر قاطعت النخب السنية، التي كانت لا تزال تترنح من أثر طردها من السلطة، هذه العملية لكنها انخرطت فيها في نهاية المطاف.
واستغلت كل هذه النخب المشكلات الطائفية والعرقية، وهو ما يرفضه العراقيون الآن، بما في ذلك الغالبية الشيعية التي تحكم منذ 16 عاما.
وقال منصور إن "الفجوة بين النخبة والناس أصبحت أكثر وضوحا".