واشنطن - مصطفى هاشم
عقب تهديدات أطلقها نواب عراقيون موالون لإيران بـ"تخوين" من يعارض التصويت على خروج القوات الأميركية من العراق، صوت البرلمان العراقي الأحد لصالح قرار "يلزم الحكومة العراقية بإنهاء وجود أي قوات أجنبية على الأراضي العراقية لأي سبب كان".
إلى جانب "الإرباك القانوني" الذي أثاره قرار البرلمان، بحسب رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي، هناك شكوك حول إمكانية تنفيذ القرار.
ويقدر عديد القوات الأميركية الموجودة في العراق، منذ 2014 ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش بنحو 5000 جندي.
"ليس قرارا ملزما"
قال الخبير القانوني العراقي حيدر الصوفي إن مجلس النواب ليس من صلاحياته أن يصدر قرارات سياسية وإنما مهمته إصدار التشريعات والقوانين، ولذا فإن القرار الصادر اليوم هو في حكم التوصية أو الاقتراح.
وأضاف الصوفي في حديث مع "موقع الحرة"، أن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال أي أن مهمتها تسيير الأمور اليومية للبلد وليس اتخاذ قرارات بإلغاء الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأميركية".
ولفت الخبير القانوني العراقي طارق حرب إلى أن قرار البرلمان ليس له أي أثر قانوني لأنه لم يقيد تنفيذه بزمن وترك الأمر للحكومة، وهو أمر أشبه بمسرحية هزلية من أجل امتصاص الغضب.
وأضاف في تصريحات لـ"موقع الحرة" "أن رئيس البرلمان لم يوضح عدد المصوتين وعدد من قالوا نعم وعدد من قالوا لا، كما أنه كان يجب إصدار قانون وليس قرار".
وانتقد رئيس حزب الشعب فائق الشيخ علي من جلسة مجلس النواب، قائلا إن "قرار البرلمان لا يعني شيئا وليس ذا أثر قانوني أو سياسي".
واعتبر القرار بمثابة "استعراض فارغ وتهديدات جوفاء لمنفعلين ينعون أنفسهم للعالم"، واصفا الجلسة بأنها "حضور مهين ومسيء بحق هذه المؤسسة المهمة".
"ماذا يقصدون؟"
وأشار رئيس المجموعة العراقية للسياسات الاستراتيجية، واثق الهاشمي في حديث مع "موقع الحرة"، إلى "إرباك قانوني. هل قرار البرلمان يتعلق بالتحالف الدولي أم اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين حكومتي العراق والولايات المتحدة؟".
وأضاف أن "قرار إخراج القوات الأجنبية المتواجدة في العراق كان يحتاج إلى قرار حكومي وليس قرارا من البرلمان"، وأردف قائلا: "بما أن عادل عبد المهدي هو مستقيل ورئيس حكومة تصريف أعمال، ربما ظن أن عليه أن يحيل الكرة إلى البرلمان".
ويشير محللون إلى أن مصدر الإرباك في قرار البرلمان يكمن في أن القوات الأميركية كانت قد جاءت بناء على دعوة من الحكومة العراقية التي سمحت للتحالف الدولي منذ 2014 بالقتال على الأراضي العراقية للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي، فضلا عن أن هناك اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تم توقيعها في 2008 بين الرئيس الأميركي جورج بوش الابن ورئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، وتم تفعيلها في 2011 بعد انسحاب القوات الأميركية بكاملها في 2011.
اتفاقية الإطار الاستراتيجي
يوضح أستاذ الأمن الوطني بجامعة النهرين حسين علاوي لـ"موقع الحرة" أن الاتفاقية تتحدث عن أدوار أمنية وسياسية واقتصادية وثقافية وتكنولوجية، وتدعو للتعاون على دعم النظام الديمقراطي في العراق ودعم الجهاز الحكومي وإحياء القطاع الخاص العراقي والشراكة الاقتصادية مع الحكومة الأميركية وكذلك الشركات الأميركية والتركيز على تطوير القدرات الفنية للقوات المسلحة العراقية من خلال التدريب وتبادل المعلومات والتنسيق في عمليات مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى التبادل التكنولوجي والبعثات الثقافية في المجال التعليمي لذهاب الطلاب العراقيين للدراسة في الجامعات الأميركية".
"القوات الأميركية قد لا تنسحب قبل عام"
وأضاف علاوي أن الاتفاقية أشارت إلى أنه يمكن تطويرها في إطار التعاون والتباحث بين البلدين وكذلك يمكن الانسحاب منها بعد انسحاب أحد أطراف هذه الاتفاقية من خلال تقديم طلب خطي من الحكومة العراقية أو الحكومة الأميركية خاصة بالانسحاب من الاتفاقية وعلى إثر إيداع الرسالة الخطية لدى إحدى الحكومتين سيتم الانسحاب بعد مرور سنة على تقديم الطلب الخطي من قبل أي من الحكومتين".
ويشير علاوي أنه بناء على هذه الاتفاقية فإن "القوات الأميركية قد لا تنسحب قبل عام من الآن، فضلا عن أن الحكومة الحالية هي "حكومة تصريف أعمال ولا يوجد لها وصف في الدستور العراقي وبالتالي فهي لا تمتلك الأهلية لتقديم طلب خطي، ولذلك رحلت القضية على البرلمان العراقي".
التحالف الدولي
وأكد التحالف الدولي الذي يتشكل من نحو ثمانية آلاف جندي أجنبي منهم 5200 أميركي، مرارا أن قواته موجودة في العراق بدعوة من حكومته، لهزيمة فلول تنظيم داعش، بعد أن انضم العراق للتحالف الدولي في 2014.
وكان العراق قد سمح للقوات الأجنبية بالمجئ إلى العراق للعمل من خلال القواعد العسكرية العراقية بالتعاون مع القوات المسلحة العراقية لضرب ومكافحة الإرهاب، وتنسيق العمليات العسكرية، وكذلك التدريب للقوات والتعاون الاستخباري، وبناء القدرات والإسناد الجوي القريب والبعيد، "وعلى أثرها بقيت القوات الأميركية كقوات استشارية تدريبية"، بحسب علاوي الذي أشار إلى تصعيد ايراني وتزايد استهداف هذه القوات منذ ثلاثة أشهر من قبل فصائل مسلحة موالية لإيران".
تساؤلات أمنية فنية
ويرى الهاشمي وعلاوي أن قرار البرلمان كان انفعاليا وعاطفيا ومتسرعا، بعد ضغط إيراني ومن قادة الميليشيات العراقية الموالية لإيران، لأنه سيكون له تداعيات كبيرة على الأمن القومي العراقي.
كان رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي قد دعا إلى إنهاء التواجد الأجنبي.
وقبل تصويت البرلمان على قرار إخراج القوات الأجنبية من العراق، أعرب نواب عراقيون عن قلقهم من تداعيات خروج القوات الأميركية من العراق، ووجه أحدهم أسئلة إلى عبد المهدي حول ما إذا كانت القوات العراقية قادرة على حفظ الأمن في العراق وضمان عدم عودة تنظيم داعش الذي استطاعت قوات التحالف هزيمته، وما إذا كانت الحكومة العراقية تضمن أن دول الجوار لن تتسيد العراق حين تخرج القوات الأجنبية من البلاد، في إشارة إلى إيران.
وذهب الخبير واثق الهاشمي إلى أن "انسحاب القوات الأميركية خصوصا يعني تزايد التغلغل الإيراني في الدولة العراقية".
وقال المسؤول الأميركي السابق والباحث في مركز "أتلانتيك كاونسيل" للأبحاث توم واريك لفرانس برس "إذا انسحبت القوات الأميركية، فإن ذلك يمنح سليماني انتصارا بعد مماته"، لأن هذا كان هدفه.
وأعلنت واشنطن بعد التصعيد الأخير نشر نحو 3500 جندي إضافي في المنطقة.
ما الذي سيخسره العراق إذا رحلت القوات الأجنبية؟
يرى الهاشمي أن القوات العراقية ستفقد التدريب والاستشارات والغطاء الجوي خصوصا، لدينا مشكلة في الغطاء الجوي، فطائرات F-16 التي لدينا لا تكفي لسد احتياجاتنا، قواتنا تحتاج إلى تدريب ومعدات".
ويؤكد المحلل الأمني حسين علاوي أستاذ الأمني الوطني بجامعة النهرين، أن العراق سيخسر كثيرا إذا انسحبت القوات الأجنبية.
وقال لـ"موقع الحرة" إن "العراق سيخسر من ناحية المعلومات الاستخبارية ومن ناحية الاستطلاع العميق التي تقدمه الولايات المتحدة مجانا للعراق، وكذلك برامج التدريب الخاصة بالقوات العراقية والتي هي ضمن منحة لبرنامج المبيعات الخارجية للأسلحة الأميركية للعراق، وكذلك بالمقابل سيؤثر على عملية إصلاح القطاع الأمني من حيث الخبرات الجديدة في بناء القدرات والاستعانة بالنماذج الجديدة، وهذا بالتالي سيطور القوات المسلحة، لكن سنفقد هذه الفرصة في حال خروج القوات الاستشارية الأجنبية".
ويعتقد الباحث في معهد واشنطن مايكل نايتس أن انسحاب القوات الأجنبية من العراق سيكون له "عواقب وخيمة ، سواء بشكل مؤقت أو على المدى الطويل".
وأضاف "قد يتوقف التعاون الأمني ضد تنظيم داعش عموما، وستتراجع أهمية العراق الدبلوماسية بشكل كبير، وقد يتوقف التعاون الاقتصادي أيضا (على سبيل المثال، حماية الولايات المتحدة للأصول العراقية من الدعاوى القضائية؛ وقدرة العراقيين على إجراء معاملات بالدولار الأميركي).
ورجح نايتس الذي أجرى أبحاثا مكثفة على الأرض في العراق إلى جانب قوات الأمن والوزارات الحكومية، أن تزداد العقوبات مع وجود سبب أقل للحد منها، كما ستزداد الخيارات العسكرية ضد وكلاء إيران، ليس فقط أمام الولايات المتحدة إنما أمام إسرائيل أيضا، ما يجعل العراق ساحة حرب أكثر شبها بسوريا.
وأضاف "سيصبح الأفراد الناشطين في السياسة العراقية الذين صنفتهم الولايات المتحدة ضمن قائمة الإرهاب أكثر عرضة للاستهداف الحركي".
وقبل قرار البرلمان بوقت قليل، كان التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة قد أعلن الأحد أنه سيعلق عمليات تدريب القوات العراقية والقتال ضد تنظيم داعش، بسبب "الالتزام بحمایة القواعد العراقیة التي تستضیف قوات التحالف".
وجاء قرار البرلمان العراقي لإخراج القوات الأجنبية بمثابة رد على مقتل قائد فيلق القدس الإيراني ونائب رئيس الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس بغارة أميركية في بغداد، الجمعة.
وتصاعدت في الشهرين الأخيرين الهجمات على مصالح أميركية في العراق لتصل إلى 13 هجوما، مستهدفة بصوة خاصة قواعد عسكرية، ردت عليها واشنطن بضربات لموقع تابعة لكتائب حزب الله العراقية الموالية لإيران، أسفرت عن مقتل وإصابة عشرات المقاتلين.