قتلت الميليشات الموالية لإيران عشرات المحتجين في العراق منذ انطلاق التظاهرات في اكتوبر 2019
قتلت الميليشات الموالية لإيران عشرات المحتجين في العراق منذ انطلاق التظاهرات في اكتوبر 2019

عاد مسلسل الاغتيال، الذي تقف وراءه مجاميع مرتبطة بإيران، إلى الواجهة من جديد بعد اغتيال الصحفي في قناة دجلة أحمد عبد الصمد في مدينة البصرة جنوب العراق، في جريمة سبقتها حملات تهديد طالت صحفيين ومراسلي قنوات محلية وعربية.

وتزامنت جريمة اغتيال عبد الصمد وزميله المصور صفاء غالي مع حملات تحريض تقودها ماكينات إعلامية مرتبطة بطهران وتستهدف وسائل إعلام وصحفيين، يشاركون في تغطية الاحتجاجات المناهضة للحكومة والنفوذ الإيراني.

ومنذ انطلاق التظاهرات في العراق في الأول من أكتوبر، تعرض العديد من الصحفيين والقنوات الفضائية للمضايقة والاعتداء والحرق من قبل من سمتهم الحكومة العراقية "الطرف الثالث"، لكن ناشطين يؤكدون أن هذه الاعتداءات تنفذها ميليشيات مرتبطة بإيران.

ويقول الصحفي عمر الشاهر إن "عمليات الاغتيال أصبحت جزءا من أدوات التعامل مع حركة الاحتجاج منذ لحظتها الأولى، والحديث أن هذه المجاميع مجهولة أو غير معروفة أصبح مضحكا".

ويضيف الشاهر لموقع الحرة أن "هذه المجاميع تستخدم أدوات وسلاح الدولة التي باتت مرتهنة لمجموعات مسلحة تسيرها كما تشاء".

ويؤكد الشاهر أن "حادثة اغتيال الزميل أحمد عبد الصمد أثبتت بما لا يقبل الشك أن الطرف الثالث هذا هو نفسه الطرف الأول" في إشارة إلى الحكومة العراقية.

وكان عبد الصمد قد تطرق في مقطع فيديو نشره قبل اغتياله بساعات إلى الطرف الثالث، وقال "إنه انكشف الآن"، في إشارة منه إلى الميليشيات المدعومة من إيران، ليتلقى بعدها عدة رصاصات أفقدته حياته رفقة زميله المصور في قناة دجلة صفاء غالي.

وسبقت عملية استهداف هذين الصحفيين حملات انطلقت على وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات محلية مرتبطة أو ممولة من قبل إيران، تحرض على قنوات إعلامية معروفة بتغطيتها للتظاهرات وتهدد العاملين فيها بالقتل في حال لم يقدموا استقالاتهم.

ويؤكد الشاهر أن "هذه الحملات انطلقت بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، إذ تصاعدت حدة الاتهامات والحملات ضد الصحفيين ووسائل الإعلام إذا خالفتهم الرأي".

ويضيف أن مقتل سليماني استغل لجلد كل الخصوم المفترضين، وكل من يختلف معهم في الرأي اعتبروه عدوهم".

وقتل سليماني في ضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد الجمعة الماضي، وقتل معه أيضا نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس وهو أيضا قيادي في كتائب حزب الله الموالية لإيران.

وسبق ذلك قيام عناصر من ميليشيا الحشد الشعبي بالاعتداء على مبنى السفارة الأميركية في بغداد على خلفية قصف الولايات المتحدة مواقع تابعة لميليشيا كتائب حزب الله ردا على مقتل متعاقد أميركي في قاعدة "K1" بعد استهدافها بنحو 30 صاروخا.

ويقول الشاهر إن الميليشيات المرتبطة بإيران بدأت "جولة جديدة من عمليات القمع ضد الصحفيين والناشطين حتى يستعيدوا أجواء ما بعد اغتيال سليماني عندما خف تسليط الضوء على الاحتجاجات".

ويضيف أن "لحظة اغتيال سليماني اعتبرت تراجعا لصوت الاحتجاجات وكان هؤلاء يخططون لإدامة هذه اللحظة".

ويستدرك "لكن الذي حدث اليوم من عودة لزخم التظاهرات أرعب هؤلاء، فأقدموا على عملية اغتيال صحفي بارز في وضح النهار في البصرة في حماقة جديدة ومؤشر على الارتباك الكبير والتداعي الهائل الذي وصلت اليه هذه المجاميع المسلحة".

ويتابع أن كل الصحفيين والقنوات الإعلامية المعارضة لرأي الميليشيات المرتبطة بإيران "أصبحت الآن مشروع قتل، والتحريض بات بشكل علني عبر حسابات معروفة ومجاميع على واتساب وقنوات فضائية".

ويشير الشاهر إلى "وجود توجه لدى هذه الجهات أن الجميع يجب أن يصمتوا، ويجب أن لا يعلو أي صوت على صوت الجماعات المسلحة التي استولت على السلطة في بغداد وباقي مدن العراق ويجب أن يتعايش الجميع معهم".

واستأنف آلاف العراقيين، الجمعة، تظاهراتهم في أنحاء العراق حيث أعادوا إحياء الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة المناهضة للحكومة، مع دخولها يومها المئة منذ انطلاقها في الأول من أكتوبر الماضي.

وخرج المتظاهرون إلى الساحات الرئيسة في بغداد والديوانية والناصرية والبصرة والنجف، وكربلاء التي شهدت مواجهات ليلاً بين المتظاهرين والقوات الأمنية.

وأسفرت أعمال العنف التي شهدتها التظاهرات في أنحاء البلاد عن مقتل نحو 460 شخصا غالبيتهم من المحتجين، وإصابة أكثر من 25 ألفا بجروح. وتعرض الناشطون أيضا لحملات تخويف وعمليات خطف واغتيال في محافظات عدة.

ويحتل العراق المرتبة 156 من بين 180 دولة على لائحة "مراسلون بلا حدود" لمؤشر حرية الصحافة في العالم للعام 2019.

وانتقدت "مراسلون بلا حدود" في وقت سابق القيود التي تفرضها السلطات العراقية على الصحفيين باعتبارها "تقييداً غير متناسب وغير مبرر للحق في الإعلام".

مقاتلون من المعارضة في ريف حمص.
مقاتلون من المعارضة في ريف حمص. Reuters

يكتنف الغموض حول مشاركة المليشيات العراقية الموالية لإيران في الحرب السورية، التي عادت لدائرة الضوء مجددا منذ بدء فصائل المعارضة هجوما واسعا ضد نظام بشار الأسد والمليشيات الإيرانية وسيطرتها على مدينتي حلب وحماة واستمرار زحفها باتجاه العاصمة دمشق.

ويؤكد الموقف الرسمي العراقي على عدم السعي للتدخل العسكري بسوريا، وجدد الناطق باسم الحكومة، باسم العوادي، الجمعة، تأكيده على ذلك الموقف، مضيفا في بيان أن "العراق يعمل بقوة على إيجاد حل سياسي متوازن للتداعيات الأخيرة".

لكن موقف هيئة الحشد الشعبي وكذلك المليشيات العراقية غير واضح حتى الآن، رغم أنها أكدت عدم المشاركة في الحرب السورية الا بموافقة رسمية من الحكومة.

ويتزامن غموض موقف المليشيات العراقية من المشاركة في الحرب مع دعوة زعيم التيار الوطني الشيعي (التيار الصدري سابقا) مقتدى الصدر، الخميس الماضي، الحكومة والفصائل العراقية المسلّحة إلى "عدم التدخل" فيما يحصل بسوريا.

وشدّد الصدر في منشور على منصة "إكس" على "ضرورة عدم تدخل العراق حكومة وشعبا وكل الجهات والميليشيات والقوات الأمنية في الشأن السوري كما كان ديدن بعضهم فيما سبق"، داعيا "الحكومة إلى منعهم من ذلك ومعاقبة كل من يخرق الأمن السلمي والعقائدي."

ويوضح المحلل السياسي المقرب من التيار الوطني الشيعي،عصام حسين، لـ"الحرة"، "يرى مقتدى الصدر أن الأحداث في سوريا صراع دولي، بمجرد أن يتدخل العراق سينتقل هذا الصراع الدولي إلى العراق الذي يشهد أمانا."

ويشير حسين الى أن الفصائل العراقية التي كانت في منطقة البوكمال السورية الحدودية مع العراق انسحبت، الجمعة، مستبعدا مشاركة الفصائل العراقية في الحرب السورية هذه المرة لامتلاكها مصالح سياسية واقتصادية وارتباطات دولية.

وعلى نقيض الصدر أعلنت مليشيا "أبو الفضل العباس" بزعامة أوس الخفاجي، الخميس، عن إعادة تشكيل قواتها، وأنها ستتجه بعد استكمال العدد والعدة إلى دمشق وستتمركز بجوار مرقدي "السيدة زينب" و"السيدة رقية" دون المشاركة في أي عمليات عسكرية خارج محيط المرقدين التزاما بقرارات الحكومة العراقية والمرجعية الشيعية.

ويبدو أن المليشيات العراقية تسعى لتقاسم الأدوار في المرحلة الحالية تجاه الأحداث في سوريا، حيث تعلن قسم منها أنها ستدخل الأراضي السورية لممارسة دورها في حماية دمشق من السقوط بيد فصائل المعارضة، التي يعتبرها العراق"جماعات إرهابية"، بينما تشير مليشيات أخرى الى أنها تتطلع إلى حل سياسي وأنها ملتزمة بالموقف الحكومي الرسمي.

ويرى الخبير السياسي إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، أن تقاسم الأدوار قد يكون في المرحلة الأولى، على اعتبار أن الحكومة العراقية أو حتى الفصائل بحاجة إلى مسار دبلوماسي ومسار آخر عسكري.

ويبين الشمري لـ"الحرة"، "لكن إذا كان هناك تهديد بسقوط الحكومة السورية أو حتى بشار الأسد، أتصور ان الفصائل قد تنخرط بشكل كامل ومن ثم ينتهي الحد الفاصل في المناورة وتبادل الأدوار"، مشيرا الى أنه ورغم إعلان الفصائل الاستعداد للانخراط في الحرب السورية، إلا أنها في نفس الوقت متمركزة في بعض النقاط داخل سوريا.

وتحتضن سوريا نحو 20 فصيلا من المليشيات العراقية منذ عام 2012، وكانت تتمركز جزء كبير من هذه المليشيات حتى نوفمبر الماضي في حلب وحماة قبل انسحابها مع المليشيات الإيرانية الأخرى وجيش النظام السوري من هاتين المدينتين، اللتين سيطرت عليها الفصائل المعارضة السورية إلى جانب بلدات أخرى ضمن عملياتها الواسعة ضد الجيش السوري والمليشيات المتحالفة معها.

ويشير الشمري الى أن إيران تطرح فكرة إرسال مستشارين إلى سوريا، معربا عن اعتقاده بأن هذه الفكرة "قد تدفع جميع الفصائل إلى الاشتراك إذا ما كان هناك قرار بهذا المستوى، لكن مع ذلك لا يزال الرأي المطروح بأن الذهاب إلى سوريا مع انسحاب كامل للجيش السوري من بعض المحافظات والمدن قد يكون ذا كلف وأثمان باهظة جدا."

وتظهر تصريحات قادة المليشيات العراقية حتى المنخرطة منها في العملية السياسية، أنها ستدخل الى الأراضي السوريا فيما إذا اشتد حصار المعارضة على نظام الأسد.

وأكد هادي العامري، الأمين العام لمنظمة بدر أقدم المليشيات العراقية الموالية لإيران، السبت، خلال مشاركته في مهرجان "أبناء المجاهدين"، أنه "إذا هُدد أمننا القومي يجب أن ندخل للقتال في سوريا"، مشددا "الهجوم خير وسيلة للدفاع ومن غير الصحيح أن نبقى نترقب التصعيد من بغداد".

لكن الخبير السياسي الناصر دريد، يعتبر الفصائل العراقية كلها غير متشجعة وغير راغبة في دخول أجواء المعركة في سوريا هذه المرة.

ويسلط دريد الضوء على أبرز الأسباب التي تجعل الفصائل غير راغبة بدخول الأراضي السورية، موضحا لـ"الحرة"، "الوضع الحالي لم يعد شبيه بالأوضاع الطائفية، التي كانت سائدة خلال السنوات الماضية عندما دخلت الفصائل في معارك سورية للدفاع عن مرقد السيدة زينب، ومنها أن المعارضة الحالية في سوريا استطاعت إلى حدما أن تطرح بشكل مختلف الشكل الطائفي الذي ظهرت فيه في المرة الأولى، إلى جانب ضعف القبضة الإيرانية بعد المعارك التي أعقبت 7 أكتوبر 2023."

ومن أبرز المليشيات العراقية المتمركز في سوريا حاليا، هي مليشيا النجباء ومنظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراق، لواء أبو الفضل العباس، التي كانت اول مليشيات عراقية تشكل في سوريا لحماية مرقد السيدة زينب، وكتائب سيد الشهداء وكتائب الإمام علي.

كما أن هناك عددا آخر  من المليشيات التي شكلها الحرس الثوري الايراني من مجندين شباب عراقيين تلقوا تدريباتهم في العراق وانضموا للحرب في سوريا، وتتمركز المليشيات العراقية حاليا في العاصمة دمشق ومطارها وفي محيط مرقد السيدة زينب، وريف دمشق وحمص وريفها والقلمون والغوطة الشرقية واللاذقية.