عاد مسلسل الاغتيال، الذي تقف وراءه مجاميع مرتبطة بإيران، إلى الواجهة من جديد بعد اغتيال الصحفي في قناة دجلة أحمد عبد الصمد في مدينة البصرة جنوب العراق، في جريمة سبقتها حملات تهديد طالت صحفيين ومراسلي قنوات محلية وعربية.
وتزامنت جريمة اغتيال عبد الصمد وزميله المصور صفاء غالي مع حملات تحريض تقودها ماكينات إعلامية مرتبطة بطهران وتستهدف وسائل إعلام وصحفيين، يشاركون في تغطية الاحتجاجات المناهضة للحكومة والنفوذ الإيراني.
ومنذ انطلاق التظاهرات في العراق في الأول من أكتوبر، تعرض العديد من الصحفيين والقنوات الفضائية للمضايقة والاعتداء والحرق من قبل من سمتهم الحكومة العراقية "الطرف الثالث"، لكن ناشطين يؤكدون أن هذه الاعتداءات تنفذها ميليشيات مرتبطة بإيران.
ويقول الصحفي عمر الشاهر إن "عمليات الاغتيال أصبحت جزءا من أدوات التعامل مع حركة الاحتجاج منذ لحظتها الأولى، والحديث أن هذه المجاميع مجهولة أو غير معروفة أصبح مضحكا".
ويضيف الشاهر لموقع الحرة أن "هذه المجاميع تستخدم أدوات وسلاح الدولة التي باتت مرتهنة لمجموعات مسلحة تسيرها كما تشاء".
ويؤكد الشاهر أن "حادثة اغتيال الزميل أحمد عبد الصمد أثبتت بما لا يقبل الشك أن الطرف الثالث هذا هو نفسه الطرف الأول" في إشارة إلى الحكومة العراقية.
وكان عبد الصمد قد تطرق في مقطع فيديو نشره قبل اغتياله بساعات إلى الطرف الثالث، وقال "إنه انكشف الآن"، في إشارة منه إلى الميليشيات المدعومة من إيران، ليتلقى بعدها عدة رصاصات أفقدته حياته رفقة زميله المصور في قناة دجلة صفاء غالي.
وسبقت عملية استهداف هذين الصحفيين حملات انطلقت على وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات محلية مرتبطة أو ممولة من قبل إيران، تحرض على قنوات إعلامية معروفة بتغطيتها للتظاهرات وتهدد العاملين فيها بالقتل في حال لم يقدموا استقالاتهم.
ويؤكد الشاهر أن "هذه الحملات انطلقت بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، إذ تصاعدت حدة الاتهامات والحملات ضد الصحفيين ووسائل الإعلام إذا خالفتهم الرأي".
ويضيف أن مقتل سليماني استغل لجلد كل الخصوم المفترضين، وكل من يختلف معهم في الرأي اعتبروه عدوهم".
وقتل سليماني في ضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد الجمعة الماضي، وقتل معه أيضا نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس وهو أيضا قيادي في كتائب حزب الله الموالية لإيران.
وسبق ذلك قيام عناصر من ميليشيا الحشد الشعبي بالاعتداء على مبنى السفارة الأميركية في بغداد على خلفية قصف الولايات المتحدة مواقع تابعة لميليشيا كتائب حزب الله ردا على مقتل متعاقد أميركي في قاعدة "K1" بعد استهدافها بنحو 30 صاروخا.
ويقول الشاهر إن الميليشيات المرتبطة بإيران بدأت "جولة جديدة من عمليات القمع ضد الصحفيين والناشطين حتى يستعيدوا أجواء ما بعد اغتيال سليماني عندما خف تسليط الضوء على الاحتجاجات".
ويضيف أن "لحظة اغتيال سليماني اعتبرت تراجعا لصوت الاحتجاجات وكان هؤلاء يخططون لإدامة هذه اللحظة".
ويستدرك "لكن الذي حدث اليوم من عودة لزخم التظاهرات أرعب هؤلاء، فأقدموا على عملية اغتيال صحفي بارز في وضح النهار في البصرة في حماقة جديدة ومؤشر على الارتباك الكبير والتداعي الهائل الذي وصلت اليه هذه المجاميع المسلحة".
ويتابع أن كل الصحفيين والقنوات الإعلامية المعارضة لرأي الميليشيات المرتبطة بإيران "أصبحت الآن مشروع قتل، والتحريض بات بشكل علني عبر حسابات معروفة ومجاميع على واتساب وقنوات فضائية".
ويشير الشاهر إلى "وجود توجه لدى هذه الجهات أن الجميع يجب أن يصمتوا، ويجب أن لا يعلو أي صوت على صوت الجماعات المسلحة التي استولت على السلطة في بغداد وباقي مدن العراق ويجب أن يتعايش الجميع معهم".
واستأنف آلاف العراقيين، الجمعة، تظاهراتهم في أنحاء العراق حيث أعادوا إحياء الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة المناهضة للحكومة، مع دخولها يومها المئة منذ انطلاقها في الأول من أكتوبر الماضي.
وخرج المتظاهرون إلى الساحات الرئيسة في بغداد والديوانية والناصرية والبصرة والنجف، وكربلاء التي شهدت مواجهات ليلاً بين المتظاهرين والقوات الأمنية.
وأسفرت أعمال العنف التي شهدتها التظاهرات في أنحاء البلاد عن مقتل نحو 460 شخصا غالبيتهم من المحتجين، وإصابة أكثر من 25 ألفا بجروح. وتعرض الناشطون أيضا لحملات تخويف وعمليات خطف واغتيال في محافظات عدة.
ويحتل العراق المرتبة 156 من بين 180 دولة على لائحة "مراسلون بلا حدود" لمؤشر حرية الصحافة في العالم للعام 2019.
وانتقدت "مراسلون بلا حدود" في وقت سابق القيود التي تفرضها السلطات العراقية على الصحفيين باعتبارها "تقييداً غير متناسب وغير مبرر للحق في الإعلام".