ظاهريا، ميليشيات مقتدى الصدر انسحبت استجابة لتغريدة الزعيم الشيعي الذي نشر ما أطلق عليه "ميثاق ثورة الإصلاح" الذي لقي كما كبيرا من السخرية والتنديد من المتظاهرين العراقيين ممن واجهوا في الأيام الأخيرة عنفا وقمعا غير مسبوقين ارتكبه عناصر "أصحاب القبعات الزرقاء" المدججين بالسلاح.
تغريدة الصدر التي تضمنت 18 بندا، رفضها المعتصمون في مدن العراق، ونددوا بها، لكن ميليشيات الصدر وجدت فيها فرصة للتحول إلى استراتيجية جديدة للقمع واستهداف المتظاهرين، عبر تنفيذ انسحاب صوري وخلع القبعات الزرقاء، ثم العودة إلى ساحات الاعتصام للترصد متخفين بالمواطنين المشاركين بالتظاهرات، بحسب نشطاء تحدثوا لـ"موقع الحرة".
المتظاهرون في كل المحافظات العراقية أعلنوا عدم انصياعهم لبنود تغريدة الصدر كافة، بل سخروا منها بشدة عبر منشورات على صفحات التواصل مواقع الاجتماعي.
ورفض المعتصمون ما يتعلق بتعليمات الصدر التي تطالب بفصل بين الجنسين أثناء مشاركة الفتيات في التظاهرات.
وردا على الصدر خرجت آلاف الفتيات الأحد إلى ساحات بغداد والنجف وكربلاء والناصرية جنبا إلى جنب مع الرجال في تحد واضح للزعيم الشيعي معتبرين أنهم يقفون يدا واحدة في وجه الفساد والتبعية لإيران.
وانسحب عناصر "القبعات الزرقاء" من بناية المطعم التركي التي احتلوها قبل أيام، كما انسحبوا من مداخل ساحة التحرير، وساحة تظاهر "الأحرار" في النجف، وساحة التربية في كربلاء.
لكن هذا هو الظاهر فقط.
يقول الناشط نور أحمد، وهو معتصم في ساحة التحرير ببغداد منذ أشهر، لـ"موقع الحرة"، إن عناصر الصدر "الموجودين في المطعم التركي نفذوا استعراض الانسحاب بعد قراءة تغريدة الصدر، خلعوا قبعاتهم، وعادوا إلى المطعم"، ما يعني أنهم بدأوا في استخدام أسلوب التخفي لاستهداف التظاهرات.
ويستمر أعضاء القبعات بالسيطرة، أو محاولة السيطرة، على الهتافات التي تبث من مكبرات الصوت الموجودة في المطعم، والتي كانت تدار بنوع من التوافق بينهم وبين المعتصمين من قبل.
"النهار لنا والليل لهم في الساحة"، يقول نور مضيفا "يتجولون بأجهزة الاتصال اللاسلكية قرب الخيم، يحاولون مراقبة كل مجموعة متوسطة الحجم تجتمع أو تتحدث، ويتحركون باستمرار في منطقة نصب الحرية في الساحة وقرب ساحة الطيران والسعدون".
"لكننا نستعيد الساحة مع زيادة الأعداد في الصباح، وخاصة مع تظاهرات الطلاب التي تعطينا دعما وزخما قويين جدا".
ويؤكد نور قوله: "قبل فترة، حاولوا شراء خيمة في شارع السعدون بمبلغ كبير مع تهديد ضمني لصاحبها في حال امتنع عن البيع"، يقول كرار قاسم، وهو معتصم في بغداد لموقع "الحرة".
ويضيف "رفض صاحب الخيمة بيعها، وحذر من عرض عليه السعر من تكرار العرض"، مبينا "بالطبع لا يقولون إنهم صدريون أو قبعات زرق، لكننا نعتصم معا منذ أشهر، وأحدنا يعرف الآخر جيدا".
ومع هذا، يبدو وضع ساحة التحرير أفضل من وضع ساحة التربية في كربلاء.
يقول المعتصم (س.ب) المتظاهر في كربلاء إن "أصحاب القبعات الزرقاء يسيطرون على ساحة المحافظة تماما، يجرون عمليات التحقيق والتفتيش، ويضربون من يخالفهم، ويسيطرون على الهتافات ويمنعون أي هتاف لا يريدونه".
"جاؤوا يحققون مع أحد المتظاهرين في الساعة الرابعة صباحا لأنهم سمعوه يتحدث الإنجليزية في الليلة السابقة، وضربوا متظاهرا قبل ساعات بشدة لأنه جادلهم، وهم يمنعوننا من تصوير هذا، خلعوا القبعات لكنهم مستمرون بالقمع"، يضيف (س.ب).
وبشكل مفاجئ، تبدو حالة ساحة اعتصام النجف أفضل نسبيا من ساحات كربلاء وبغداد.
"مقتدى الصدر قاتل"
والأحد، أصر آلاف الطلاب على الهتاف "مقتدى الصدر قاتل"، و "شلع قلع والكالها وياهم" (شلع قلع والذي قالها معهم) في إشارة لمقتدى الصدر، بالإضافة إلى هتافات أخرى مهينة لميليشيا القبعات الزرقاء، وهتافات لتأبين قتلى الهجوم الذي شنته هذه الميليشيا على الساحة الأربعاء الماضي.
"كان الطلاب يمرون قرب خيم الاعتصام التي يديرها مؤيدو مقتدى الصدر ويهتفون ضد زعيم التيار عمدا وبتحد"، يقول المتظاهر أكرم الياسري من ساحة اعتصام النجف لـ"موقع الحرة".
"وتحدت الفتيات تغريدته التي طالب فيها بعدم الاختلاط، وحضرن بأعداد كبيرة وبملابس بألوان زاهية، كما إن لا وجود بشكل ملحوظ للقبعات الزرقاء في الساحة، فقط هناك القوات الأمنية التي استلمتها بعد خطبة السيستاني".
لكن الخطبة والقوات الأمنية التي يتحدث عنهما أكرم هما ما يقلقان المتظاهر أمير حسن، الذي يقول لـ"موقع الحرة" إن "القوات الأمنية حاولت السيطرة على الهتافات المعادية للصدر لكنها لم تستطع، فلجأت إلى التهديد باعتقال من يطلق الهتافات التي تفرق الاحتجاجات كما وصفتها".
ويتابع أمير "أعتقد إن هذه هي الطريقة الجديدة للسيطرة على الاعتصام، تستغل القوات الأمنية المخترقة من الميليشيات خطبة السيستاني التي دعا فيها تلك القوات لتأمين الساحات، وتقوم بالسيطرة على الهتافات واعتقال الناشطين البارزين".
وكانت مدينة النجف، شهدت خلال الأيام الماضية، اقتحام مسلحين تابعين لميليشيا الصدر ساحة الصدرين، وقاموا بحرق خيم المحتجين ومن ثم فتحوا الرصاص الحي باتجاههم، ما أسفر عن وقوع ثمانية قتلى وعشرات الجرحى وفقا لوكالة رويترز.
كما أكد شهود عيان أن ميلشيا أصحاب القبعات الزرقاء، استخدموا القنابل اليدوية وأسلحة مختلفة، لفض المظاهرات في النجف.
كان الصدر قد حث أتباعه الأسبوع الماضي على مساعدة السلطات في إعادة الحياة اليومية إلى طبيعتها في شوارع العراق بإخلاء الطرق التي أغلقتها الاعتصامات وضمان إمكانية عودة المدارس والشركات للعمل بعد احتجاجات استمرت شهورا وشهدت مقتل نحو 500 شخص في اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن.