عناصر من ميليشيا كتائب حزب الله العراقي
عناصر من ميليشيا كتائب حزب الله العراقي

برز اسم اسمه على الساحة العراقية حتى قبل مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في بغداد في ضربة أميركية، لكنه منذ ذلك الوقت، يبدو أنه أصبح الشخصية المحورية التي تحرك عجلات السياسة في بلاد الرافدين.

القيادي في حزب الله اللبناني الشيخ محمد كوثراني، الذي يقود الفوضى في العراق، بات لاعبا أساسيا يحرك مليشيات إيران في العراق كما تشتهي طهران.

الأسبوع الماضي، رصدت الولايات المتحدة مكافأة تصل إلى عشرة ملايين دولار مقابل "أي معلومات عن نشاطات وشبكات وشركاء" كوثراني، مشيرة الى أن للقيادي اللبناني دورا في "التنسيق السياسي للمجموعات العسكرية الموالية لإيران"، وهو تنسيق كان "تولاه في السابق الجنرال الإيراني قاسم سليماني".

وتؤكد مصادر دبلوماسية عراقية عدة لفرانس برس أن لكوثراني "مونة" على السياسيين العراقيين، لدرجة أنه "طلب مبلغا بملايين الدولارات من العراق لحلحلة الأزمة الاقتصادية في لبنان" قبل أشهر.

 وتم هذا الطلب خارج القنوات الرسمية بين البلدين، ولم يتضح ما إذا كانت تمت تلبيته، بحسب المصادر. إلا أن محيط كوثراني نفى هذا الموضوع تماما.

ويفسر كل هذا الدور المتعاظم القرار الأميركي الجديد حول كوثراني.

ويقول المصدر المقرب من دائرة كوثراني "طلب معلومات عنه الآن قد يكون مقدمة لعملية اغتيال محتملة أو اعتقال".

ويضيف أن ذلك يندرج في سياق الاغتيال السياسي ومحاولة الولايات المتحدة ضبط الأدوار في المرحلة المقبلة، لأنها "غير قادرة على الدخول بمواجهة مع الإيرانيين مماثلة لاغتيال سليماني والمهندس".


ويرى أن "اغتيال قائد فيلق القدس الجديد اسماعيل قآني غير وارد في حسابات واشنطن حاليا، لذلك توجهوا إلى كوثراني لأنه حزبي لا يمثل دولة"، وبالتالي لا يترتب على ذلك أي تبعات دبلوماسية.

القيادي في حزب الله محمد كوثراني

لدى حصول الغارة الأميركية التي قتلت سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس في الثالث من يناير، سرت شائعات عن إمكانية تواجد كوثراني ضمن الموكب. لكن سرعان ما تم نفي الخبر.

لكن ذلك يشكل دليلا على مدى ارتباط القيادي اللبناني بهذا الملف، وبالتالي على الدور الكبير الذي أنيط به بعد تلك الضربة، حتى أن مسؤولا عراقيا يصفه بـ"النسخة الأخرى من سليماني".

وتعتبر واشنطن أن كوثراني يقود الفوضى في العراق "يسهل أنشطة مجموعات تعمل خارج سيطرة الحكومة العراقيّة من أجل قمع المتظاهرين بعنف" أو "مهاجمة بعثات دبلوماسية أجنبية"، ويشارك في "تدريب وتمويل وتقديم دعم سياسي-لوجستي لمجموعات شيعيّة عراقية متمردة".

بعد قرار الإدارة الأميركية، سرت أخبار في وسائل إعلامية محلية عدة عن تواجد كوثراني في بغداد، مشيرة الى أنه يقوم بمفاوضات حول الحكومة الجديدة في المنطقة الخضراء، لكن لم يكن في الإمكان تأكيد ذلك.


"الشيخ" الأجنبي

وكانت مصادر سياسية عدة مقربة من دوائر القرار في العاصمة العراقية أكدت لفرانس برس في وقت سابق أن كوثراني، وهو من مواليد آخر الخمسينات، كان يرافق سليماني في جولات المفاوضات مع القوى السياسية حول اختيار شخصية لرئاسة الحكومة.

ويقول مصدر مقرب من محيط كوثراني لوكالة فرانس برس إن الأخير "هو مسؤول الملف العراقي المرتبط مباشرة بأمين عام حزب الله اللبناني حسن نصرالله منذ العام 2003".

ويشير مسؤولون يعرفون كوثراني عن قرب إلى أنه شخصية تمتلك "خبرة كبيرة جدا، ولعله الأجنبي الوحيد بعد سليماني العارف بتفاصيل المشهد العراقي".

و"الشيخ" كما يصطلح على تسميته بسبب عمامته البيضاء، هو من القيادات التي تربت في العراق، ويحمل الجنسية العراقية، بحسب شخصية إسلامية في بيروت.

ويقول المصدر أن كوثراني "من الجيل الأول في حزب الله. هو من عائلة علمائية وعلمية معروفة في لبنان، وكان من الذين رشحهم حزب الله للمجلس النيابي في العام 1996".

درس كوثراني الفقه في شبابه في حوزة النجف حيث ولد بجنوب العراق حيث كان يقيم والداه اللبنانيان، وهو متزوج من عراقية ولهما أربعة أولاد، ويتكلم بلهجة البلد، بحسب مقربين.

وهي ليست المرة الأولى التي يدرج فيها اسم كوثراني في لوائح سوداء أميركية.

ففي العام 2013، وضعت وزارة الخزانة الأميركية كوثراني على لائحة الإرهاب مع ثلاثة لبنانيين آخرين بتهمة مجموعات متطرفة في العراق وتقديم دعم مالي لـ"فصائل" مختلفة في اليمن، ولـ"قادة عسكريين مسؤولين عن أعمال ارهابية" في كل من مصر والأردن وقبرص وإسرائيل. 

ويقول المحلل السياسي والعسكري العراقي هشام الهاشمي أن "أهمية كوثراني" خلال السنوات السبع الماضية باتت تكمن في "أنه يلعب أكثر من دور".

ويضيف لوكالة فرانس برس أن كوثراني اليوم هو "ضابط إيقاع البيت السياسي الشيعي الولائي"، أي الأحزاب السياسية الشيعية العراقية التي تعتبر مرشد الجمهورية الإيرانية آية الله علي خامنئي مرجعها الفقهي والعقائدي.

ويشير الهاشمي إلى أن كوثراني "عمل بعد العام 2014 على تيسير لقاءات ومصالحات بين العرب السنة الذين كان لهم موقف ضد السلطة الشيعية في بغداد"، وأن "دوره تعاظم بعد مقتل سليماني والمهندس، وأصبح منسقا بين المكونات السياسية" من سنة وشيعة وأكراد.
 

الزيارة هي المحطة الخارجية الأولى للرئيس الإيراني منذ انتخابه
الزيارة هي المحطة الخارجية الأولى للرئيس الإيراني منذ انتخابه

في أول رحلة خارجية له، اختار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان العراق ليكون أولى محطاته خارج البلاد، في وقت تشهد المنطقة تحولات في التحالفات وتحديات إقليمية متزايدة، حيث يسعى البلدان إلى تعزيز العلاقات في مختلف القطاعات.

استمرت زيارة بزشكيان، التي بدأت الأربعاء، ثلاثة أيام استهلها بلقاء رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الذي أعلن مكتبه الإعلامي أن البلدين وقعا 14 مذكرة تفاهم في مجالات مختلفة منها التجارة والرياضة والزراعة والتعاون الثقافي والتعليم والإعلام والاتصالات والسياحة.

والخميس، التقى الرئيس الإيراني مسؤولين أكرادا في إقليم كردستان بشمال العراق، حيث دعا إلى "توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري" والأمني، قبل أن يتوجه للنجف وكربلاء لزيارة العتبات المقدسة، ويختتم جولته في العراق بزيارة البصرة، الجمعة.

ويُعد العراق "ثاني أكبر وجهة للصادرات الإيرانية" وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 12 مليار دولار، بحسب وسائل إعلام إيرانية.

كذلك لا يزال العراق يعتمد على الكهرباء والغاز الطبيعي الإيراني لتلبية احتياجاته المحلية من الطاقة، وتعتبر إيران هذه الشراكة ضرورية لاستقرارها الاقتصادي.

وفي سبتمبر 2023، أطلق البلدان "مشروع ربط البصرة-الشلامجة" للسكك الحديد، وهو خط سيربط المدينة الساحلية الكبيرة في أقصى جنوب العراق بمعبر الشلامجة الحدودي على مسافة أكثر من 32 كيلومترا.

يقول الباحث والمحلل السياسي العراقي عقيل عباس إن "بزشكيان يريد أن يصنع فارقا في الوضع الاقتصادي، لأن الإشكالية الأساسية التي يواجهها هي الحصول على الأموال، وخاصة ما يتعلق بالديون المترتبة على العراق من جراء بيع الغاز وتصل لنحو 10 مليارات دولار".

ويضيف عباس في حديث لموقع "الحرة" أن "الرئيس الإيراني يحاول الحصول على الأموال بطريقة أخرى اقترحتها إيران، لكن العراق رفضها لأنها ممكن أن تعرض بغداد لعقوبات أميركية".

ويعتقد عباس أن زيارة بزشكيان لإقليم كردستان "هي إعلان تصالح مع أربيل بعد التوتر الذي شاب العلاقات بين الطرفين بسبب تواجد جماعات الكردية معارضة ونشاطها داخل الإقليم".

وتتهم طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة الى أراضيها انطلاقا من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

وفي مارس 2023، وقّع العراق وإيران اتفاقا أمنيا بعد أشهر قليلة على تنفيذ طهران ضربات ضد مجموعات كردية معارِضة في شمال العراق. ومنذ ذلك الحين، اتفق البلدان على نزع سلاح المجموعات المتمرّدة الكردية الإيرانية وإبعادها من الحدود المشتركة.

وكان بزشكيان أول رئيس إيراني يزور، وفق مسؤولين، الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي، وذلك في انعكاس لتحسن العلاقات بين طهران وأربيل.

ويرى مدير المركز العربي للدراسات الايرانية محمد صادقيان أن زيارة بزشكيان تمكنت من الحفاظ على ما جرى الاتفاق عليه قبل عدة أشهر من أجل البدء بمرحلة جديدة.

ويقول صادقيان لموقع "الحرة إن "زيارة رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني لإيران في مايو الماضي ولقائه مع كبار المسؤولين الإيرانيين هي التي أعادت تنظيم بوصلة العلاقات بين طهران وأربيل".

ويضيف صادقيان أنه "بعد الزيارة تم تفكيك المعسكرات للحركات الكردية داخل العراق وجرى تنفيذ التفاهمات الأمنية بين طهران وبغداد وأربيل".

وكان السوداني قال الأربعاء إن بغداد أكدت "موقفها المبدئي والدستوري والقانوني بعدم السماح لأي جهة بارتكاب عدوان أو عمل مسلح أو تهديد عابر للحدود ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية يتخذ منطلقا من الأراضي العراقية".

وتوجد في العراق عدة أحزاب وفصائل مسلحة متحالفة مع إيران حيث تعزز طهران بشكل مطرد من نفوذها في الدولة المنتجة الرئيسية للنفط منذ أن أطاح الغزو الذي قادته الولايات المتحدة بصدام حسين في عام 2003.

ويستضيف العراق 2500 جندي أميركي، وهناك أيضا فصائل مدعومة من إيران مرتبطة بالقوات الأمنية العراقية.

وعانى العراق من تصاعد الهجمات بين الجانبين منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة في أكتوبر.

لكن مع ذلك يعتقد عباس أن زيارة بزشكيان لم تبحث مثل هكذا ملفات "لأن الرئيس الإيراني عادة لا يتعاطى مع قضايا الأمن في العراق لأنها خارج اختصاصه ومن اختصاص الحرس الثوري الإيراني".

ويسعى العراق إلى تعزيز تحالفه مع طهران، لكنه يحتفظ في الوقت نفسه بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة.

وكان بزشكيان تعهد إعطاء "الأولوية" لتعزيز العلاقات مع الدول المجاورة في إطار سعيه إلى تخفيف عزلة إيران الدولية وتخفيف تأثير العقوبات الغربية على اقتصاد الجمهورية الإسلامية.

كذلك، تعهّد خلال حملته الانتخابية السعي لإحياء الاتفاق الدولي لعام 2015 الذي أتاح رفع عقوبات اقتصادية عن طهران لقاء تقييد أنشطتها النووية. وانسحبت الولايات المتحدة أحاديا من الاتفاق في 2018 معيدة فرض عقوبات قاسية خصوصا على صادرات النفط.