قال مركز السياسة الدولية الأميركي في تقرير له إنه وبالرغم من هزيمة تنظيم داعش إقليميا، إلا أن التنظيم لا يزال يحتفظ بنوع من وجوده الذي تراجع من فكرة الجماعات الكبيرة المؤيدة علنا للتنظيم إلى أفراد قد يتجمعون على نطاق ضيق، رغم احتفاظه بالقدرة على شن هجمات إرهابية عابرة للقارات.
وبحسب المركز، فإن تحركات داعش على مدى الأشهر الأخيرة في العراق أبرزت مرونة وديناميكية التنظيم الذي لا يزال متمتعا بنوع من الحرية في المدن والأرياف.
وتظهر تحركات داعش فهمه للبيئة العراقية واستغلاله الصراع السياسي في البلاد، والذي يغذيه الضعف الاقتصادي والبيئة الأمنية الهشة.
فرص ثمينة
واستغل التنظيم الوضع في البلاد كفرص لا يريد تفويتها لعملياته الإرهابية، لا سيما في ظل الاحتجاجات المشتعلة على نطاق واسع منذ أكتوبر 2019، واستقالة الحكومة، إلى جانب الصراع الداخلي الناجم عن قتل الولايات المتحدة لنائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، وسحب جزء من القوات الأميركية من العراق.
واغتنم التنظيم الفرصة بشن هجماته في كل من ديالى وصلاح الدين ونينوى وكركوك ومناطق واقعة شمال العاصمة العراقية بغداد.
وتمت الهجمات الإرهابية على يد مجموعات مكونة من 9 إلى 11 رجلا، استغلت في معظمها إعادة تمركز وانتشار القوات الأمنية في وسط وجنوبي العراق لاحتواء التظاهرات المناهضة للحكومة.
وواصل التنظيم هذا العام استهدافه لقوات الحشد الشعبي والحشد العشائري في غربي صلاح الدين وشمالي شرقي ديالى.
واتبع التنظيم تكتيكا جديدا بتحريك خلاياه النائمة لتنفيذ هجمات في مناطق ريفية جنوبي سامراء وشمالي بغداد.
ويعني هذا أن التنظيم لم يكتف بترك عدد كافٍ من المقاتلين في الموصل انتقاما لتحريرها فحسب، بل حافظ على وجود مقاتلين أكثر خبرة لاستخدامهم في التمرد الذي تشهده العراق حاليا.
مناطق استراتيجية وموارد
ويشير المركز في تقريره إلى وجود داعش في مناطق استراتيجية، فهو متواجد في المناطق المحاذية لسوريا غربا ولإيران شرقا.
ويمنح تواجد داعش الحدودي التنظيم القدرة على استهداف الطرق السريعة الواصلة ما بين محافظات الغرب والشمال والشرق، بالإضافة إلى استهداف خطوط التجارة والنفط وشاحنات الغاز وأنابيب الطاقة وشبكات الكهرباء والاتصالات والإنترنت.
وبحسب اعترافات سجلتها القوات الأمنية العراقية، ترفد هذه الخطوط التنظيم بمبلغ يصل حتى 3 ملايين دولار شهريا.
ويجمع داعش المال بفرضه ضرائب أو إتاوات على شركات النقل والأدوية والأسلحة والسجائر، بالإضافة إلى مهربي النفط والأغذية والممنوعات.
ويلفت التقرير إلى استثمارات لداعش في العراق لا تقل قيمتها عن 100 مليون دولار، تؤمن للتنظيم دخلا شهريا يصل إلى 4 ملايين دولار.
وتساعد تلك الأموال التنظيم على إبقاء علاقة مع خلاياه النائمة، فهو يدفع شهريا 200-250 دولار للجندي، و500-600 دولار للقائد.
كما يشير التقرير إلى تركيز التنظيم على عمقه الاستراتيجي وتأمين ملاذ آمن لنفسه، حيث ينشط بإحياء القرى المهجورة شمالي ووسط العراق، التي تساعده تضاريسها الطبيعية وجبالها ووديانها على التحصن بها من العمليات العسكرية التقليدية، كما تساعده كهوفها وأنفاقها على تدريب افراده.
وبحسب التقرير، يشكل استهداف داعش للمناطق المحيطة بالمدن والقرى الكبيرة عاملا أساسيا في وجوده حتى اليوم.
ويشير التقرير إلى أن تلك المناطق غير مستقرة بسبب الصراع ما بين القوى المختلفة كالحشد العشائري والحشد الشعبي والقوى المحلية.
ويرى المركز أن دوريات داعش باتت جغرافيا قادرة على العمل في مناطق ريفية تتبع لكل من صلاح الدين وكركوك وديالى ومناطق شمال بغداد.
أولويات التنظيم
ويضع التقرير ثلاث أولويات استراتيجية محتملة، يحللها من نشاط التنظيم.
أولى الاستراتيجيات هي تحطيم معنويات القوات القبلية السنية الموالية للحكومة والمخاتير، ووصف داعش شيوخ القبائل والمخاتير بأنهم "مرتدين"، حيث يرى التنظيم فيهم تهديدا وجوديا لبقائه، ومارس داعش في الأشهر الأخيرة عنفا كبيرا ضد من يراهم متعاونين مع الحكومة من السنة، تضمن اغتيالات واختطافات وعمليات ضد شخصيات في الحشد العشائري. وقام بقصف القرى وحرق المزارع.
أما ثاني أولويات التنظيم فستكون المناورة في المناطق الخالية والقرى المهجورة مع محاولة اختراق الأحزمة الريفية حول المدن، بما في ذلك حزام بغداد وضواحي تكريت وسامراء والموصل وكركوك.
ويرى التقرير أن ثالث الأولويات للتنظيم يتمثل بإعاقة عودة الحياة الطبيعية في المناطق المحررة من قبضته، بما يشمل جهود تحقيق الاستقرار وإعادة بناء الاقتصاد وإعادة توطين النازحين.
حرب استنزاف
ركز داعش في 2020 عملياته بمناطق ديالى وصلاح الدين وشمال بغداد وكركوك ونينوى، ما يشكل قوسا يعبر شرقي وشمالي العراق. وفي شهر أبريل وحده، نفذ داعش 87 هجمة إرهابية في تلك المناطق، تاركة 183 قتيلا خلفها.
وأكدت السلطات العراقية وقوع 23 هجمة منها في الأسبوع الأول من شهر أبريل وحده.
ويرى التقرير في نشاط داعش في تلك المناطق، لا سيما الأرياف، أمرا يشابه حرب الاستنزاف التي يسعى التنظيم للبقاء من خلالها، ويبقي الفرصة أمام خلاياه النائمة لتستيقظ وتستهدف ما يعبر تلك المناطق من شاحنات تجارية ونفطية وقوافل أمنية ومجموعات سياحية تتنقل ما بين العراق وإيران.