عناصر من ميليشيا كتائب حزب الله في بغداد
أصبحت ميليشيا كتائب حزب الله الوكيل الأكثر موثوقية لإيران لتعزيز طموحاتها في العراق

سلط مقال مفصل نشر على موقع "وور أون ذي روك" الضوء على تفاصيل مثيرة تتعلق بالهيكلية التنظيمية لميليشيا كتائب حزب الله في العراق وكيفية تشكيلها من قبل إيران، ومدى قوتها وكيفية الحد من نفوذها، بالإضافة إلى كشفه لحقيقة التسميات التي تطلق على قادة الميليشيا البارزين من أمثال "الخال والشايب والمعلم".

وقال المقال، الذي كتبه حمدي مالك وهو كاتب مساهم في موقع المونيتور و "بي بي سي" باللغة الفارسية، إن "كتائب حزب الله أصبحت الوكيل الإيراني الأكثر خطورة في العراق، فقد شاركت في أنشطة لا تعد ولا تحصى لحماية وتوسيع نفوذ طهران في العراق والمنطقة".

وإضافة لذلك فقد ساعدت هذه الميليشيا في قمع حركة احتجاج عراقية قومية مناهضة لإيران واستخدمت الأراضي العراقية لشن هجمات على دولة مجاورة وقامت علانية بترهيب وتهديد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.

ويشير كاتب المقال، الذي حمل عنوان "التهديد المتنامي من وكيل إيران المفضل في العراق"، إلى أن نفوذ هذه الجماعة توسع بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وأصبحت الوكيل الأكثر موثوقية لإيران لتعزيز طموحاتها في العراق.

ويرى أن هناك العديد من الميليشيات المدعومة من إيران التي تقوم مرارا وتكرارا بعصيان أوامر رئيس الحكومة، لكن كتائب حزب الله كانت الأكثر تكرارا لهذا الأمر، الأمر الذي أدى لتآكل سلطة الدولة العراقية، على الرغم من خضوعها شكليا لمكتب القائد العام كجزء من قوات الحشد الشعبي.

تأسيس "الفيلق السري"

ويقول الكاتب إنه وفي ذروة حملة طهران ضد القوات الأميركية في العراق عام 2007، توصل قاسم سليماني، إلى نتيجة مفادها أن هناك حاجة لتشكيل ميليشيا أكثر مرونة من أجل إلحاق أقصى الضرر بالقوات الأميركية. 

ويتابع أن سليماني خلص إلى أن اثنتين من الميليشيات الرئيسية التابعة لإيران في العراق، وهما منظمة بدر وجيش المهدي والجماعات المنشقة عنهما، لم ولن تكونا عمليتين.

لذا، قرر قائد فيلق القدس السابق، الذي قتل في غارة أميركية مطلع هذا العام، أنه بحاجة إلى نخبة جديدة أفضل تدريبا وتجهيزا، وتخضع لسيطرة إيران بشكل كامل للتصعيد ضد الجيش الأميركي، وفقا لكاتب المقال. 

جمع سليماني، بمساعدة عدد قليل من قادة الميليشيات العراقية واللبنانية (بما في ذلك أبو مهدي المهندس) خمس ميليشيات أصغر لتشكيل كتائب حزب الله، أطلق عليها الكاتب اسم "الفيلق السري".

تمثلت هذه الميليشيات بلواء أبو الفضل العباس وكتائب كربلاء وكتائب زيد بن علي وكتائب علي الأكبر وكتائب السجاد وانضوت تحت راية واحدة وتلقوا أسلحة إيرانية متطورة وتدريبات مكثفة من قادة حزب الله اللبناني، حسب المقال.

ويقول الكاتب إنه منذ نشأتها، حافظت كتائب حزب الله العراقية على علاقات وثيقة مع حزب الله اللبناني وقادته ومن أبرزهم عماد مغنية الذي لعب دورت رئيسيا في تشكيل الميليشيا العراقية.

ومنذ ذلك الحين، نمت كتائب حزب الله من مجموعة نخبوية صغيرة من بضع مئات من المقاتلين إلى واحدة من أكثر الميليشيات العراقية قدرة، حيث تشير التقديرات إلى أن لديها حاليا ما مجموعه 10 آلاف مقاتل، معظمهم داخل العراق وبعضهم في سوريا.

لا تقتصر أنشطة كتائب حزب الله على العمليات العسكرية والأمنية، إذ تدير الجماعة المتشددة منافذ إعلامية ولديها مراكز ثقافية وأنشأت مراكز بحثية.

وتطرق المقال إلى نفوذ كتائب حزب الله داخل هيئة الحشد الشعبي، حيث تلقت معاملة خاصة مستغلة منصب أحد أبرز مؤسسيها المتمثل بأبو مهدي المهندس عندما كان يشغل منصب نائب رئيس الحشد قبل مقتله رفقة سليماني.

وبعد وفاة المهندس، أصرت ميليشيا حزب الله على أن يتم شغل منصبه من قبل قائد آخر في كتائب حزب الله، على الرغم من معارضة مجموعات مختلفة داخل قوات الحشد الشعبي، لكن الميليشيا فرضت "أبو فدك المحمداوي" أحد كبار قادتها، لتولي منصب رئيس أركان قوات الحشد الشعبي بالإنابة في فبراير الماضي.

كما تسيطر كتائب حزب الله على مديريات مهمة داخل قوات الحشد الشعبي، من أبرزها مديرية الأمن، التي تتطور بسرعة وتتحول إلى قوة شؤون داخلية متنفذة ذات قدرات استخباراتية ولديها قوات خاصة بها. 

ويشير الكاتب إلى أن "الميليشيا تسيطر إضافة لذلك، على مديرية الصواريخ داخل هيئة الحشد، وهذا مهم بشكل خاص، لأن إيران أرسلت صواريخ باليستية إلى كتائب حزب الله وتعمل على نقل تكنولوجيا الصواريخ إلى الجماعة، وهو امتياز لم يمنح للميليشيات الأخرى الموالية لإيران في العراق".

ولتعزيز خططها دون أي تدقيق من الحكومة، قامت كتائب حزب الله بتحويل منطقة استراتيجية جنوب بغداد تسمى جرف الصخر إلى منطقة محظورة. 

حتى عام 2014، كانت المنطقة مأهولة بالسكان العرب السنة، لكن بعد تحريرها من قبضة تنظيم داعش، منعت كتائب حزب الله السكان من العودة. 

لا يسمح لأي قوة عراقية أخرى بدخول جرف الصخر، وتعتبر حاليا ملاذا لأنشطة كتائب حزب الله، بما في ذلك تطوير الصواريخ، حيث لم تذهب أي ميليشيا مدعومة من إيران إلى هذا الحد في انتهاك سيادة الدولة كما تفعل هذه الميليشيا، وفقا للكاتب.

"الخال والشايب والمعلم"

وتبنت كتائب حزب الله تسلسلا هرميا فريدا لضمان أقصى درجات السرية حول أنشطتها.

يقول الكاتب إن أعضاء سابقون في كتائب حزب الله أخبروه أن الجماعة المسلحة تقسم مقاتليها إلى فئتين رئيسيتين يطلق على أعضاء الفئة الأولى اسم "الأجسام"، وهم المقاتلون الذين تم اختبارهم واكتسبوا ثقة قادتهم.

أما أعضاء الفئة الثانية، التي تتكون من غالبية المقاتلين فتسمى "الأرقام" وهم من الذين يطلعون على القليل من المعلومات حول أنشطة كتائب حزب الله وتسلسلها القيادي، لدرجة أنهم في بعض الأحيان لا يعرفون حتى الأسماء الحقيقية لقادتهم المباشرين، ويعرفون فقط بدلا من ذلك أسماءهم المستعارة.

كما أنشأت كتائب حزب الله نظاما داخليا خاصا لأعضائه، فالأجسام لديهم مرشدون خاصون بهم يطلق عليه اسم "المعلمون".

المعلمون أو المرشدون ليسوا مجرد قادة عسكريين، فمن خلال أنشطتهم "الجهادية"، يُفترض أنهم اكتسبوا حكمة فريدة يمنحونها بدورهم للمتدربين، حسب المقال.

المنصب الآخر الذي يحمل اسما مستعارا في التسلسل الهرمي لكتائب حزب الله هو "الخال"، وينقل الكاتب عن مصادر داخل الحشد الشعبي قولهم إن هذا الاسم المستعار مخصص لعدد قليل من القادة رفيعي المستوى، حسب كاتب المقال.

وينقل الكاتب عن آخرين قولهم إن الشخص الوحيد الذي يتمتع بهذا الاسم هو أبو فدك، أما المهندس فيلقب بـ"الشايب" ومعناها الرجل الأشيب.

ويرى المقال أن استقطاب الشباب لقضيتها يعتبر أولوية لكتائب حزب الله، حيث لم يقتصر الأمر على قيامهم بتأسيس جمعية "كشافة الإمام الحسين" للقيام بأنشطة اجتماعية وسياسية مختلفة وتجنيد "هيئات" موالية وجديرة بالثقة في المستقبل، بل قاموا بتجنيد الشباب للتجسس على القوات الأميركية.

ويضيف أن "صابرين نيوز" وهي قناة إخبارية على منصة تليغرام تابعة لكتائب حزب الله كانت قد طلبت من العراقيين الانضمام إلى "خلية الظل" التابعة لكتيبة حزب الله. 

الرسالة التي نشرت في 21 أغسطس وتمت إزالتها لاحقا طلبت من العراقيين إرسال صور أو مقاطع فيديو أو معلومات عن كل تحركات القوات الأميركية، وكانت هذه مهمه "خلية الظل".

وتعمل كتائب حزب الله جاهدة لتشكيل رأي عام يخدم مصالحها، ولتحقيق هذا الهدف، أنشأت مجموعة متنوعة من المنافذ الإخبارية.

"مراكز ثقافية"

الكتائب لديها قنوات فضائية وراديو وصحف ووكالات أنباء وقنوات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي. 

كما أنشأت الجماعة المتشددة عدة مراكز ثقافية، بشكل رئيسي في بغداد، وأيضا في المدن ذات الأغلبية الشيعية في الجنوب، للنساء وطلاب الجامعات والأكاديميين وعائلات مقاتلي كتائب حزب الله الذين فقدوا حياتهم في المعارك.

يقول الكاتب إن الترويج لفكرة ولاية الفقيه، هو أحد المجالات الرئيسية التي تركز عليها المؤسسات المرتبطة بكتائب حزب الله.

ويضيف أن "مشكلة كتائب حزب الله هي أن كبار مراجع الدين الشيعة في النجف، لا يؤمنون بهذه العقيدة، حيث عبر المرجع الأعلى آية الله علي السيستاني بوضوح عن معارضته لنظام سياسي يحكمه رجال الدين". 

ويتابع الكاتب "لقد أدركت كتائب حزب الله والجماعات المشابهة المدعومة من إيران أن هذا يمثل مشكلة رئيسية لدفع خطط إيران في العراق وخارجه"، ولذلك تعمل مؤسساتهم على نشر فكرة ولاية الفقيه.

يتابع كاتب المقال "من الفروق الرئيسية بين أيديولوجية ولاية الفقيه ومدرسة النجف أن الأولى لها أطماع عالمية، فبينما سارعت الميليشيات العراقية الموالية لإيران، بما في ذلك كتائب حزب الله، إلى الدفاع عن نظام بشار الأسد تحت قيادة فيلق القدس بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011".

ويضيف: بالمقابل "عارض السيستاني إرسال مقاتلين إلى سوريا للقتال إلى جانب نظام الأسد". 

ومن أجل الحفاظ على مستقبلها في العراق وتوسيع نفوذها في المنطقة، تحتاج كتائب حزب الله والجماعات المماثلة إلى نشر ولاية الفقيه لتأمين الشرعية الدينية لطموحاتهم.

وبالإضافة إلى وجودها في سوريا، أبدت كتائب حزب الله استعدادها للقيام بدور أكبر في مغامرات إيران الإقليمية، "حيث يشتبه في أنها وراء الهجوم الذي استهدف منشآت نفطية سعودية في مايو من العام الماضي، كما أن قادة الميليشيا يدعون علانية إلى شن هجمات إرهابية"، داخل السعودية.

وتتجنب معظم الجماعات الموالية لإيران في العراق تبني مثل هذه الاستراتيجية، ومنها على سبيل المثال منظمة بدر بزعامة هادي العامري.

"من الصعب على جماعة لها وجود مكثف في العملية السياسية أن تخاطر بمصالحها من خلال الدعوة إلى شن هجمات على دول أجنبية، لكن جماعة مثل كتائب حزب الله تمتلك القدرة على التصرف كميليشيا راديكالية محظورة، وهي حالة يمكن أن تستغلها إيران عندما تتعرض للضغط"، حسب كاتب المقال.

إنهاء النفوذ

ويقول الكاتب "يبدو أن السبب وراء عدم اتخاذ رئيس الوزراء العراقي إجراءات حاسمة ضد كتائب حزب الله هو الخوف من مزيد من زعزعة الاستقرار في البلاد".

ويتوقع كاتب المقال أن البلاد قد تتجه إلى الفوضى "بهذه الوتيرة والمسار الذي تتبعه كتائب حزب الله".

ويعتقد العديد من السياسيين الشيعة العراقيين أنه إذا فشلت الحكومة في إخضاع الجماعات شبه العسكرية لسيطرة الدولة العراقية، فإن البلاد ستشهد حربا أهلية أخرى، هذه المرة بين الشيعة أنفسهم. 

ومن أجل تجنب هذا السيناريو القاتم، تحتاج الحكومة إلى البدء في الحد من نفوذ كتائب حزب الله في قوات الحشد الشعبي. 

وعبرت الوحدات الموالية للسيستاني بوضوح عن استيائها من الهيمنة الإيرانية داخل قوات الحشد الشعبي، وهذه الهيمنة يتم تسهيلها بشكل أساسي من قبل كتائب حزب الله. 

وأعلنت هذه الوحدات انشقاقها عن الحشد الشعبي واستعدادهم لتسهيل المزيد من الانشقاقات، وهذا هو أكثر ما تخشاه الميليشيات الموالية لإيران. 

ويحتاج رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى الاستفادة من التهديد المتمثل في زيادة الانشقاقات لتنويع تسلسل قيادة قوات الحشد الشعبي من خلال تعيين قادة أكثر وطنية، حسب ما يقترح كاتب المقال.

وكذلك على الكاظمي، وفقا للكاتب، أن يحد من الأنشطة الاقتصادية لكتائب حزب الله التي تعمل على زيادة وتنويع مصادر إيراداتها من خلال اختراق مختلف القطاعات الاقتصادية، مثل البناء والزراعة والنفط ومن خلال الانخراط في تجارة غير مشروعة عبر الحدود مع سوريا والابتزاز واستغلال مزاد العملة سيئ السمعة للبنك المركزي.

واتخذ الكاظمي بعض الخطوات للحد من الفساد عند المنافذ الحدودية لحرمان جماعات مثل كتائب حزب الله من عائداتها غير القانونية، ولكن هذه الخطوة لم تحقق الكثير بعد، وفقا للكاتب.

ويضيف أن "حرمان كتائب حزب الله من ملاذاتها هو أيضا مفتاح لتقليص قبضة الجماعة على البلاد، فهي تحرص على منع وصول الحكومة العراقية إلى مناطق في بغداد، وجرف الصخر والحدود العراقية السورية.

وفقا للكاتب "يجب أن ينتهي هذا" وإلا فإن كتائب حزب الله ستكون قادرة على استخدام هذه المناطق لمواصلة بناء قوة موازية يمكنها أن تتحدى بشكل كبير قوات الأمن العراقية وتجر العراق إلى مزيد من الصراعات الإقليمية المدمرة.

ومن المرجح أن تقاوم كتائب حزب الله هذه التحركات وتلجأ إلى العنف من أجل حماية مصالحها، ولكن إذا تم إجراؤها بعناية ومناقشة الأمر مع جميع اللاعبين الرئيسيين، فيمكن تخفيف الضرر. 

ويحتاج الكاظمي إلى التشاور ليس فقط مع الشركاء السنة والأكراد والتحالف الدولي ضد داعش، ولكن الأهم من ذلك الفصائل الشيعية، بما في ذلك تلك الموالية للسيستاني. 

من المرجح أن تدعم مجموعة من القوى السياسية والجماعات شبه العسكرية الشيعية الحكومة في جهودها لبسط سلطتها، خاصة إذا تم تنفيذها خطوة بخطوة، والبدء بالوسائل السلمية.

زواج الأطفال هو أي زواج بين طفلٍ تحت سن 18 عاماً وشخص بالغ أو طفل آخر.

خطف الزواج القسري طفولة سميرة حين كانت تبلغ من العمر 13 عاما فقط، لتبدأ بعدها رحلة عذاب لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا مع رجل يكبرها بربع قرن تقريبًا.

سميرة، وهو اسم مستعار، نشأت في بيئة ريفية جنوب العراق ضمن أسرة مكونة من 11 فردًا، وكان عمرها 13 عامًا فقط حين قرر والدها، دون الرجوع إليها، تزويجها بمالك الأرض الذي يعمل لديه فلاحًا.

"العريس"، إن صحت التسمية في هذه الحالة، كان يكبر سميرة بـ25 عامًا، ولم تكن قد بلغت بعد، حيث جاءت الدورة الشهرية لأول مرة وهي في منزل زوجها، حسب ما قالت لموقع "الحرة".

وبعد عام من زواجها، حملت بطفل ذكر.

وتقول سميرة إن الأطباء نصحوها بإجراء عملية إجهاض بسبب الخطر الذي كان يهدد صحتها نتيجة الحمل.

لكن زوجها رفض إجهاض الجنين، لتبدأ معاناتها منذ الأشهر الأولى للحمل. ومع وصولها إلى الشهر السادس، تدهورت حالتها الصحية بشكل كبير وسط إهمال زوجها لها، مما أدى إلى تعرضها لنزيف حاد.

بعد مضاعفات صحية ووفاة الجنين، تغير سلوك زوجها وأصبح يهجرها، قبل أن يبدأ بتهديدات مستمرة بالطلاق، مما جعلها تشعر بالعزلة والظلم.

ولم تعد تعتبر نفسها شريكة في الحياة الزوجية، بل مجرد عاملة دون أجر، تقضي يومها بأداء مهام منزلية بالإضافة إلى أعمال الزراعة التي كانت تشارك فيها أيضًا.

جسد غير جاهز لحمل المستقبل

وتقول الأخصائية في الأمراض النسائية والتوليد، وفاء صالح، إن القصور لدى الفتاة لا يتعلق بالعمر والنضج العقلي فقط، بل يشمل أيضًا النضج والبلوغ الجنسي والجسدي.

بمعنى أن يصل الجهاز التناسلي الأنثوي، بما في ذلك الرحم والمبايض والمهبل، إلى مرحلة البلوغ، بحيث ينتج بويضات بشكل سليم ويتيح فرصة لحمل ناجح.

وتوضح أن أبرز الأمراض العضوية التي تصيب الفتيات اللاتي يتزوجن في سن مبكرة، لا سيما اللواتي لم يصلن إلى عتبة البلوغ الجنسي، تبدأ منذ اليوم الأول من الزواج.

وحسب الأخصائية، فإن الليلة الأولى من الزواج تسفر عادة عن نزيف وجروح وأحيانًا تمزق العضو التناسلي لديهن لصغر حجمه.

ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى هبوط الرحم، إضافة إلى التهابات حادة قد تستغرق فترة طويلة للعلاج، مما يحد من إمكانية المعاشرة الزوجية، وفقًا لصالح.

وتضيف أنه في حال حدوث حمل، فإن أرحام الفتيات تكون غير مكتملة النضج، ما يؤدي إلى مضاعفات طبية مثل الإجهاض المبكر، الذي قد يتكرر في بعض الحالات.

وفي حال تجاوزت الفتاة هذه المرحلة، فإن عدم نضج الأعضاء التناسلية الأنثوية يعيق توسع الرحم بشكل كافٍ، مما يصعب على الجنين إتمام فترة الحمل كاملة. 

وبالتالي يؤدي ذلك إلى ولادة مبكرة، خصوصًا في الشهر السابع، وفقًا للأخصائية في الأمراض النسائية والتوليد.

وتشير إلى أن مرحلة البلوغ الجنسي والجسدي لدى الفتيات تكون في عمر 18 عامًا، وحدوث الإحاضة لا يعني بالضرورة أن الفتاة قد نضجت جنسيًا أو أصبحت مؤهلة للحمل والولادة.

كما أظهرت الإحصائيات العالمية أن الحمل في سن مبكرة يعرض الفتاة لخطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم غير المسيطر عليه، وقد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل الصرع الولادي، وفقًا لما أوضحته صالح.

ويسفر الحمل المبكر أيضًا عن تشنجات عضلية قد تفقد الفتاة وعيها بالكامل، مما يشكل مضاعفات خطيرة للجهاز العصبي واحتمالية الإصابة بالعجز الكلوي، بالإضافة إلى الإصابة بارتفاع نسبة السكر في الدم.

وتؤكد صالح أن جسم الفتاة القاصر غير مهيأ لاستقبال كائن حي آخر بكل مكوناته واحتياجاته، فضلًا عن صعوبة الولادة بسبب ضيق الحوض الذي يكون صغيرًا في هذه المرحلة.

وتشير إلى أن معالجة ظاهرة زواج القاصرات تتطلب اتخاذ عدة إجراءات، أبرزها التعليم الإلزامي وتوعية الفتيات بأهمية إكمال دراستهن لضمان مستقبلهن.

طفولة ضائعة في زواج مفروض

وكما هو الحال مع سميرة، اختبرت نجود مرارة الزواج المبكر، إلا أن زواجها لم يستمر، وانتهى بشابة محملة بآلام نفسية وعبء تربية ثلاثة أطفال.

نجود، وهو أيضًا اسم مستعار، اقترنت رغم إرادتها عام 2011، حين كان عمرها 15 عامًا فقط، قبل أن تنفصل في 2019، وفق ما تروي لموقع "الحرة".

وتقول إن القرار الذي اتخذته أسرتها بحكم العادات والتقاليد دفعت هي وحدها ثمنه طيلة ثماني سنوات، اختبرت خلالها كافة صنوف الظلم والتعنيف، وطمس شخصيتها على يد زوج "أمي"، يكبرها بسبع سنوات.

وتضيف أنها نشأت في عائلة مكونة من تسعة أفراد، وكان رب الأسرة يعمل أجيرًا يوميًا، وحالتهم المادية كانت أقل من متوسطة.

وكانت تطمح، هي الطالبة المتفوقة، أن تصبح مهندسة، لكن قرارًا اتُخذ رغمًا عنها ودون استشارتها سرق أحلامها.

فقد أجبرها زوجها على التخلي عن الدراسة بذريعة أن الأعراف الاجتماعية تحتم على المرأة رعاية زوجها وأطفالها على حساب دراستها.

واعتبرت نجود أن زواجها كان فاشلًا بسبب غياب التفاهم، بالإضافة إلى افتقار الاحترام لها كامرأة، فقد تعرضت للضرب على مدار سنوات.

وأمام تعنيفها، كانت عائلتها تحاول دائمًا إصلاح الوضع خوفًا من الطلاق، إذ يُعتبر الطلاق أمرًا معيبًا للمرأة، حيث كانت تشعر أنها مجرد جارية، تُستخدم فقط للفراش وأعمال المنزل، تروي نجود بحسرة.

وبعد أن تحولت حياتها إلى جحيم حقيقي بسبب إهمال زوجها لمسؤولياته وعدم امتلاكه عملاً ثابتًا، قررت نجود أن تبحث عن عمل.

إلا أنها لم تتمكن من الحصول على وظيفة لعدم امتلاكها شهادة إعدادية، وحاولت العودة إلى الدراسة لتحسين فرصتها في الحصول على وظيفة، لكن عائلة زوجها منعتها من ذلك، مما دفعها إلى اتخاذ قرار الانفصال.

وتحذر نجود من الإقدام على الزواج المبكر، فتجربتها تشير إلى أن ظلمًا كبيرًا وقع عليها من عائلتها، خاصة وأن حياتها تغيرت جذريًا، وفرص ارتباطها تقلصت بشكل كبير بعد أن أصبحت مطلقة وأمًا لثلاثة أطفال وهي في نهاية العشرينات من عمرها.

طفولة مسروقة وراء ستار الزواج

يُعدِّد أستاذ علم الاجتماع، ولي الخفاجي، في حديث مع موقع "الحرة"، أبرز التداعيات الاجتماعية الناجمة عن زواج القاصرات، ومنها ترك الفتيات للتعليم أو إجبارهن عليه لعدم قدرتهن على مواكبة الدراسة وتحمل مسؤوليات الزواج.

كما تتعرض الفتيات القاصرات للعنف الأسري نتيجة صعوبة تكيفهن مع عائلة الزوج، خاصة إذا كانت العائلة ممتدة، مما يجعلهن يشعرن وكأنهن خادمات، خصوصًا أنهن في سن صغيرة لا يُسمح لهن بالعيش في سكن مستقل.

ويقع الزوجان في دوامة من المشاكل المستمرة، نتيجة لصعوبة تحمل مسؤولية الزواج، خصوصًا إذا كانا في مراحل عمرية صغيرة.

زيجات الأطفال سبب أساسي.. عواقب كارثية للزواج "غير الرسمي" في العراق
رغم أنّ الزواج خارج إطار "محكمة الأحوال الشخصيّة"، التي تُنظّم جميع الشؤون الأسرية للمسلمين في العراق، ممنوع بموجب المادة العاشرة من "قانون الأحوال الشخصيّة" لسنة 1959، فإن هذا النوع من الزواج لا يزال يتم على نطاق واسع، مما يؤدي إلى عواقب كارثية تؤثر على قدرة النساء والفتيات على الحصول على خدمات حكومية واجتماعية، فضلا عن آثار لاحقة على أطفالهن، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش. 

ويعاني الزوجان من غياب التوافق الفكري بينهما، لأن هذا الزواج غالبًا ما يُبنى على رضا العائلتين ومظاهر اجتماعية أخرى، بدلًا من أن يكون مبنيًا على اختيار سليم، وقد يؤدي إلى الانفصال، وفقًا لقول الخفاجي.

ويواجه الزوجان مشاكل تتعلق بغياب الاستقرار، حيث تفتقر الفتيات في هذه الأعمار إلى الوعي الكافي بمؤسسة الزواج.

وقد تؤدي تلك المشاكل إلى تصرفات خاطئة، مثل الخيانة الزوجية، نتيجة للتأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي وضغوط أخرى، فيما يتسبب هذا الزواج في حرمان الفتيات من فرصة العمل، ويحد من حرياتهن.

ويشير الخفاجي إلى أن أسباب انتشار زواج القاصرات تشمل القلق الأسري في ظل الظروف الاقتصادية، والفقر والحاجة اللذين يعززان انتشار مثل هذه الزيجات.

كما تلعب العادات والتقاليد الشرقية دورًا في هذه الظاهرة، فيما يسهم ترك الفتيات لمقاعد الدراسة في تسهيل زواجهن في سن مبكرة.

وللحد من ظاهرة زواج القاصرات، يؤكد الخفاجي على أهمية نشر الوعي بمخاطر هذا الزواج وآثاره السلبية، وتعريف المجتمع بأسس الزواج الناجح، حيث تقع المسؤولية على عاتق المؤسسات الدينية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني، بهدف بناء جيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل.

وأكد أستاذ علم الاجتماع على ضرورة وجود تشريعات قانونية جديدة لمكافحة زواج القاصرات، مثل منع عقد القران خارج المحاكم، وتحديد سن الزواج، بعيدًا عن رؤى المذاهب السُني والشيعي، ليكون القانون موحدًا يهدف إلى حماية المجتمع.

ويضيف الخفاجي أنه على الرغم من وجود القانون الذي يمنع زواج القاصرات في العراق، فإن هذه الزيجات تعقد بعيداً عن الدوائر الرسمية وتحديداً على يد رجال دين معللين ذلك بأن الزواج قد تم شرعاً، لكن في واقع الحال لايضمن هذا الزواج أي حقوق مدنية للزوجة.

زواج القاصرات.. أحلام مبتورة في مهب الريح

أخصائية الطب النفسي، داليا طه محمود، تقول إن المرحلة العمرية قبل سن الـ18 تعتبر فترة تحول بين مرحلتي المراهقة والبلوغ عند الإنسان، إذ تتخللها تغيرات نفسية وفيزيولوجية غير مستقرة.

بالتالي، فإن الفتيات اللاتي يتزوجن في هذه المرحلة العمرية يكنّ غير مستعدات نفسيًا للزواج بصورته العامة، وأيضًا لممارسة العلاقة الحميمة وسط تقلبات هذه المرحلة، ما يؤدي إلى شعورهن بالنفور والقلق، وفق ما تقول محمود.

وهذا النفور قد يعتبره بعض الأزواج عدم رغبة من جانب الزوجة، ما قد يدفعهم إلى تعنيف زوجاتهم بطريقة قاسية تصل إلى حد الضرب والإهانة.

وتشير محمود إلى أن زواج القاصرات يحدث غالبًا في المناطق الريفية بشكل كبير، بالإضافة إلى المدن، وتحديدًا في المناطق الشعبية والأحياء الفقيرة.

كما يحدث أيضًا في الأسر التي تعاني من الفقر والعوز، وفي العائلات التي تضم عددًا كبيرًا من الأفراد، إذ يلجأ أولياء أمور الفتيات إلى تزويجهن في سن مبكرة للتخلص من الأعباء المادية والاجتماعية.

وأوضحت أن من أبرز الأمراض التي تتعرض لها الفتيات اللاتي يتزوجن بعمر مبكر هي الأمراض النفسية، ومنها الاكتئاب المزمن والقلق النفسي، إضافة إلى أمراض الذُهان النفسي الشديد بسبب التعنيف.

كما تؤكد أيضًا تعرض الفتيات الحوامل أو الأمهات الجدد لأمراض أخرى تتمثل في التوتر المزمن وعدم الاستقرار النفسي، نتيجة الشعور بمسؤولية كبيرة لم يعهدنها من قبل، تتعلق بتربية الطفل.

وهذا الشعور قد يرافقه أيضًا إحساس بأن حياتهن ستقتصر على المهام الأسرية، بعيدًا عن تحقيق أحلامهن.

وتقول محمود إن الأزمات النفسية الناتجة عن زواج القاصرات قد تمتد لسنوات عديدة.

وأصغر حالة زواج مبكر عرفتها محمود كانت لفتاة تزوجت في عمر الـ8 سنوات، وظلت في منزل زوجها لمدة عامين دون أي علاقة شرعية حتى وصلت سن البلوغ.

جريمة مخفية وراء ستار الشريعة والسياسة

تصف الناشطة في مجال حقوق المرأة، تونس أحمد، زواج القاصرات بأنه جريمة ضد الإنسانية، لما يترتب عليه من ظلم للفتيات وتدمير لحياتهن وأحلامهن.

إضافة إلى أن هذا الزواج ينتج أطفالًا ينشأون في بيئات مليئة بالمشاكل النفسية، ما يعمق هذه المشكلات في شخصياتهم ويؤثر سلبًا على سلوكياتهم في المستقبل، وفق الناشطة.

وتشير إلى أن بعض الكتل السياسية الإسلامية تسعى لتعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي، حيث يتضمن التعديل تشريع زواج الفتيات في سن 9 سنوات وفقًا للشريعة الإسلامية.

ويُعتبر هذا التعديل، حسب أحمد، جزءًا من المساومات السياسية بهدف الضغط على كتل أخرى لتمرير ما تريده من قوانين.

كما يشكل التعديل مصدر قلق لشريحة واسعة من العراقيين، الذين يضغطون على الحكومة لرفضه بشكل قاطع.

وتؤكد أحمد أن هناك جهودًا كبيرة تُبذل من قبل الناشطين لرفع مستوى التوعية والتثقيف للقضاء على ظاهرة زواج القاصرات.

إلا أن هناك عقبات تتمثل في مقاومة هذه الجهود من قبل أتباع بعض الأحزاب الإسلامية، الذين يبررون مواقفهم بأنها تتوافق مع الشريعة والدين، حسب ما قالت أحمد.

وأكدت أن الجهود ستبقى مستمرة ضد تحركات الأحزاب.

وتتابع الناشطة الحقوقية أن الحملات المضادة التي تقودها هذه الأحزاب وصلت إلى التخوين والطعن في الأعراض.

وتوضح أن بعض الناشطات تعرضن للتهديد بالقتل جراء نشاطهن المناهض لتعديل قانون الأحوال الشخصية، الذي يدفع إلى تجهيل المجتمع واستمرار انتهاك حقوق المرأة.

وتشمل التعديلات الأخرى حرمان المرأة المطلقة من بعض حقوقها ومنح حضانة الأطفال للأب.