انتاب الرعب سكان محافظة صلاح الدين العراقية (شمال بغداد)، السبت، بعد استيقاظهم على خبر يفيد باختطاف جهة مسلحة 12 شخصا من ناحية الفرحاتية التابعة لقضاء بلد، وما هي إلا ساعة حتى عثرت الشرطة على جثث ثمانية منهم اتضح "إعدامهم ميدانيا".
وتحت وسم (هاشتاغ) #مجزرةـالفرحاتية و#مجزرةـصلاح الدين تداول المغردون العراقيون صورا للحظة العثور على جثث الضحايا، معلقين عليها بكتابات غاضبة، وسط اتهامات لمجموعات مسلحة بالوقوف ورائها. وكان وسم مجزرة صلاح الدين أكثرهم استخداما.
وفي أول تعليق له، قال محافظ صلاح الدين، عمار جبر، من موقع الحادث، بعد أخذ شهادات من أهالي المنطقة عن الجهة التي اختطفت الشباب: "أصابع الاتهام تشير إلى جهة معروفة متواجدة على الأرض".
وأوضح المحافظ، في تصريحات خاصة لقناة "الحرة"، أن جميع المختطفين من مكون واحد وعشيرة واحدة ومن نفس البلدة، مضيفا أن الجهة المتواجدة على الأرض سيوجه لها الاتهام.
وأحال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي المسؤولين من القوات "الماسكة للأرض في موقع الجريمة إلى التحقيق، بسبب التقصير في واجباتهم الأمنية".
من يتواجد على الأرض؟
حدثت الواقعة في منطقة تسيطر عليها عناصر تابعة لميليشيا الحشد الشعبي وأخرى تابعة لوزارة الداخلية العراقية أو ما يعرف بـ"قوات المغاوير".
وتقول إحدى الناشطات في المجتمع المدني بالفرحاتية: "توجد شرطة محلية وجيش، لكنهما بلا أي دور مقابل الميليشيات المتنفذة في جميع أرجاء محافظه صلاح الدين".
وعن ناحية الفرحاتية التي شهدت الواقعة، قالت: "هي منطقة صغيرة تبعد عن مركز قضاء بلد بنحو ثلاثة كيلومترات، وقريبة جدا من سرية للجيش (تبعد عنها بنحو ألف متر)".
وأضافت: "لا توجد أي خلافات مع أي جهة أمنية. المجتمع هنا مسالم ومغلوب على أمره. لا يستطيع فعل أي شيء".
لواء 42
وأكدت أن "الجهة المنفذة التي تقبض سيطرتها على محافظه صلاح الدين هي الميليشيات"، مشيرة بالاسم إلى عصائب أهل الحق التي تتواجد في قضاء بلد.
وتحدثت الناشطة، ومصدر قانوني عراقي آخر لموقع "الحرة" عن معلومات تفيد أن الجهة التي تقف وراء هذه الجريمة هي "لواء 42"، التابع لعصائب أهل الحق، مشيرين إلى أخبار أولية تفيد بإلقاء القبض على عناصر من اللواء، بينما لم يصدر أي بيان رسمي عراقي يفيد بذلك.
وبحسب الناشطة، فإن من بين المعدومين، فتاة بعمر 13 عاما، فيما لا يزال مصير أربعة مختطفين مجهولا. وأضافت أن عوائل الضحايا، وهم من أبناء عشيرة الرفيعات وعشيرة الجيسات، نزحوا من المنطقة بعد دفن ذويهم خوفا من قتل المزيد.
وتحدثت الناشطة لموقع "الحرة" شريطة عدم الكشف عن هويتها خوفا من الانتقام، قائلة: "هذا الحادث ليس الأول في محافظه صلاح الدين، ذات الأغلبية السنية، وخصوصا أطراف قضاء بلد مثل ناحية يثرب.. هذه الحوادث مستمرة منذ عودة النازحين لمناطقهم".
"مخطط طائفي"
وكانت تقارير دولية اتهمت ميليشيات الحشد الشعبي بإعاقة عودة النازحين إلى مناطقهم السنية بعد تحريرها من تنظيم داعش.
وتقول الناشطة: "قبل أربع سنوات، قامت الميليشيات بالقتل والنهب والسلب، وقتلت شبابا بعمر الزهور، لا ذنب لهم سوى أنهم من الطائفة السنية".
وفيما يتعلق باتهام البعض لتنظيم داعش بالوقوف وراء الإعدامات، قالت: "لا تواجد هنا لعناصر داعش، المنطقة محصنة ومؤمنة تماما".
وترى الناشطة أن ما تشهده صلاح الدين ما هو إلا تنفيذ لمخطط إيراني "لإنهاء السنة"، مضيفة "هذا واقع نعيشه. المحافظة بها خيرات وميزات كثيرة. والميليشيات تفرض الضرائب على المحال التجارية والمناطق الزراعية وغير ذلك".
ومساء السبت، كتب الكاظمي على تويتر، يقول: "لا عودة إلى التناحر الطائفي أو استعداء العراقي ضد العراقي لمآرب سياسية. تجاوزنا تلك المرحلة معا، ولن نعود إلى الوراء. جريمة بلد مرفوضة".
وفي صباح الأحد، ذهب الكاظمي إلى محافظة صلاح الدين، بصحبة رئيس ميليشيا الحشد الشعبي فالح الفياض، ورئيس أركان الجيش، ونائب قائد العمليات المشتركة.
ومن هناك شدد الكاظمي على "ابتعاد القادة الأمنيين عن الانجرار نحو أي شأن سياسي".
والمثير في الأمر أيضا أن عملية الاختطاف والإعدام الميداني جاءت بعد ساعات من تعرض منطقة سيد غريب، القريبة من قضاء الدجيل، شمالي بغداد، لهجوم شنه عناصر تنظيم داعش، أسفر عن مقتل عنصر من لواء 41، التابع لميليشيا عصائب أهل الحق.
إخراج الحشد الشعبي
وتعليقا على ذلك، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكوفة العراقية، إياد العنبر، إن "توقيت الحادثة يجعل جميع الاحتمالات مفتوحة، لا سيما في ظل وجود تصريحات من بعض السياسيين تطالب بانسحاب فصائل الحشد الشعبي من المحافظات التي تم تحريرها من تنظيم داعش.
وأضاف لموقع الحرة: "كذلك استراتيجية الخطف والقتل استخدمها تنظيم داعش لخلط الأوراق أكثر من مرة في هذه المحافظات".
ويرى العنبر أن السؤال الأهم يجب أن يكون حول توقيت الجريمة، وكيفية تعامل الحكومة معها.
وقال: "عدم وضع حد لهذه الجرائم التي تكررت أكثر من مرة، يعني جعل الأبواب مفتوحة أمام من يريد استغلالها لعودة التحشيد الطائفي، وسيتحول بعض السياسيين السنة إلى مدافعين عن أبناء المذهب، ويطالبون بإخراج قوات الحشد الشعبي من مناطقهم".
وفي المقابل، سيستغل بعض السياسيين الشيعة وفصائل الحشد الشعبي هذه المطالب لاعتبار ذلك نكران جميل لتضحياتهم. ومن ثم يتم استثمار هذه المواقف في الانتخابات المقبلة، حسبما يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكوفة.
ويعتقد العنبر أن الخطورة الحقيقة ستتمثل في "متاجرة السياسيين بدماء الأبرياء، والعودة إلى خطابات المهاترات السياسية".