قائمقام الموصل نفى وجود جثث لم تنتشل من تحت الأنقاض بعد
قائمقام الموصل نفى وجود جثث لم تنتشل من تحت الأنقاض بعد

بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على تحرير مدينة الموصل (شمالي العراق) من سيطرة تنظيم "داعش"، لا تزال الجثث تحت أنقاض المدينة التي هدمت بالكامل بفعل المعارك، في ظل اتهامات للحكومة  بالتملص من مسؤوليتها تجاه الكشف عن هوية الجثامين.

"أين عشرات الأسر التي اختفت بأطفالها ونسائها"، بهذه العبارة يعبّر أحد ذوي المفقودين في مدينة الموصل، والذي فضّل عدم الكشف عن اسمه في حديث لموقع "الحرة"، مبيّناً أنّ "الحكومة متمسكة بأنّ كل من تحت المدينة هم من الإرهابيين، ولكن هناك شهداء من المدنيين بينهم أطفال ونساء".

أما سعد، الذي يظهر في الفيديو التالي، فأضاف لموقع "الحرة"، أنّه "حالياً تجرى العديد من الحفريات في المدينة، ما أدى إلى العثور على جثث متحللة ولم يتم نقلها، وتترك دون دفن".

 

 

أحد أهالي الموصل يروى معاناة سكان المدينة القديمة

10 آلاف مفقود في مقبرة واحدة

وفي هذا السياق، أكّد مدير مرصد "أفاد" الإعلامي، الصحفي زياد السنجري، في حديث لموقع "الحرة"، أنّ " الموصل تحتوي على جثث تحت الأنقاض، فضلاً عن أنّه هناك حوالى 85 مقبرة لم تفتح بعد، أكبرها في مدينة الخسفة (15 كيلومتراً جنوبي الموصل)، وفيها جثث أكثر من 10 الآف شخص تم قتلهم على يد التنظيم.

وأوضح أنّه "وفقاً للإفادات القانونية يوجد بين 700 إلى 1000 جثة، لكن هذا العدد يتضاعف إلى الضعفين في حال احتساب الجثث والمواقع التي تحوي رفات مدنيين ولم يتم الإبلاغ عنها".

وأشار مدير المرصد، إلى أنّه "هناك ألف جثة معلومة على الأقل تحت أنقاض مدينة الموصل القديمة، و6 آلاف لأشخاص مجهولين نزحوا إلى موصل أو احتجزوا داخلها أثناء المعارك".

6150 جثة معلومة بينها أطفال ونساء 

وكشف السنجري أنّه تم انتشال 6150 جثة معلومة بينها أطفال ونساء في الموصل، و5000 جثة غير معلومة في نينوى بينها مدنيين ومسلحين لتنظيم داعش، أما الأعداد المتبقية فالحكومة العراقية متهمة بعدم نيتها التقصي بشأنها".

ولفت إلى أنّه "عام 2017، كثّف القصف واستخدمت المليشيات الإيراني بغطاء القوات الاتحادية آنذاك، أسلحة محرمة دولية كالفوسفور الأبيض والصواريخ المصنعة في إيران، وذلك وفقاً لمبدأ سياسة الأرض المحروقة، حيث قتل عشرات الآلاف من أبناء المدينة".

وأضاف أنّ "هناك مئات العوائل التي دفنت وأفرادها على قيد الحياة، ولا تزال جثثهم موجودة تحت الأنقاض"، مشدداً على أنّ "الحكومة العراقية لا تقوم بإزالة هذه الجثث لانها تعلم أنّ الكشف عن أرقام القتلى سيكشف حجم الدمار الذي لحق في المدينة المنكوبة، وعن حجم الإبادة الجماعية".

وختم السنجري بالقول إنّ "الحكومات المتعاقبة والمنظومة السياسية التابعة لإيران، يعمدان إلى التذرع بأنّ الجثث عائدة لمسلحي داعش كي لا يتم الكشف عن حجم الأزمة الإنسانية في الموصل".

ذريعة "داعش"

في المقابل، نفى قائممقام الموصل، زهير الأعرجي، في حديث لموقع "الحرة"، كل هذه الأرقام والمعلومات، قائلاً إنّه "بعد تحرير الموصل، قامت الهندسة العسكرية وأفراد من بلدية الموصل بانتشار الجثث بعد تسوية أوضاعها القانونية، كما عثر على 2193 جثة لعناصر من داعش وتم دفنها أيضاً  بالتنسيق مع الهلال الأحمر".

وعند عرض إفادات من ذوي المدنيين المفقودين،  أجاب الاعرجي بأنّ "جميع البلاغات من ذوي المدنيين تمت معالجتها، وأنّه يتم العثور على بعض الجثث بأرقام منفردة في المدينة القديمة، إلا أنّ جميعها تعود لتنظيم داعش".

ورداً على سؤال حول مقبرة الخسفة، برر قائممقام الموصل بأنّ "هذه المنطقة هي الوحيدة التي تحتوي على جثث لم يتم انتشالها، وذلك بسبب صعوبة التضاريس الطبيعية، حيث رمي عناصر داعش مدنيين في حفرة عميقة لا نهاية لها داخل بلدة الخسفة".

خوف لدى أهالي الموصل

ولفت متابعون للملف إلى أنّ "سكان المدينة القديمة يعانون من روائح كريهة مع كل نسمة هواء أو تساقط أمطار،  وكل هذه المشاهد تثير الرعب لدى االأهالي والأطفال".

 

 

أحد سكان الموصل يروى لموقع الحرة معاناة الأهالي

كما ناشد عزيز عادل، أحد سكان مدينة الموصل، في فيديو أرسل إلى موقع "الحرة"، القوات الأمنية والبلدية برفع الجثث من تحت الأنقاض، معرباً عن مخاوفه من الإصابة بأمراض جلدية ونفسية على حد سواء.

الحشد الشعبي شارك في معارك تحرير جرف الصخر من داعش عام 2015 - أرشيف (رويترز)

رغم تكرار تعهداتها بحماية مستشاري قوات التحالف الدولي والمصالح الأميركية والغربية في العراق، فإن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تتمكن خلال السنوات الماضية من إيقاف هجمات وتهديدات المليشيات الموالية لإيران على هذه المصالح.

وذكر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي في بيان، الأحد الماضي، أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني جدد خلال اتصال هاتفي مع وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث "التزام العراق بحماية مستشاري التحالف الدولي الذين يتواجدون في العراق بناءً على دعوة من الحكومة العراقية لدعم جهود مكافحة داعش، كما شدد على التزام العراق بحصر استخدام القوة بيد الدولة وتعزيز الاستقرار الداخلي".

وقال رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، إحسان الشمري، لموقع "الحرة" إن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تستطع وقف التهديدات والهجمات التي طالت المصالح الأميركية في العراق، لعدم قدرتها على حصر السلاح بيد الدولة.

وأضاف أن الحكومات لم تتمكن أيضا "من الوصول إلى تفاهمات سياسية مع هذه الفصائل، وأيضا لعدم قدرتها على التأثير على بيئتها السياسية المتمثلة بالإطار التنسيقي الائتلاف السياسي الحاكم في العراق"، وفق رأي الشمري.

وأردف قائلا: "حاولت الحكومة ممارسة تأثير خارجي على هذه الفصائل بالحديث مع إيران، لكن لم تحقق تقدما ملموسا".

ولفت إلى أن التهدئة الحالية التي فرضت على هذه الفصائل نتيجة حسابات معينة قد تنتهي وتستأنف هذه الفصائل هجماتها، خاصة إذا ما استشعرت أن هناك هجوم وشيك عليها وحتى على إيران.

وكثفت الميليشيات العراقية الموالية لإيران المنضوية في ما يطلف عليها "المقاومة الإسلامية في العراق" خلال العامين الماضيين من هجماتها بالصواريخ والطائرات المسيرة على البعثات الدبلوماسية وقواعد التحالف الدولي والمصالح الأميركية في إقليم كردستان ومناطق عراقية أخرى. 

وشنت هجمات أيضا على إسرائيل وقواعد أميركية في سوريا، انطلاقا من الأراضي العراقية.

ويتفق الخبير الاستراتيجي، علاء النشوع، مع الشمري في عدم قدرة الحكومة العراقية على السيطرة على هذه الميليشيات وسلاحها.

وقال النشوع، لموقع "الحرة"، إن هذه الميليشيات التي يسميها بـ"قوى اللادولة" تمتلك قدرات أكبر من كل المؤسسات العسكرية والأمنية العراقية من ناحية الأسلحة والمعدات كالصواريخ، والطائرات المسيرة والمدفعية الثقيلة.

وأضاف: "لا يمكن مواجهة قوى اللادولة ومعالجتها من قبل أي قوة عسكرية عراقية حكومية، إضافة إلى أن القرار السياسي والعسكري والأمني العراقي محدود الصلاحيات، نظرا للتأثير المباشر لهذه القوى على القرار الحكومي، وأي قرار قد يصدر ضد إرادتها لن يكون مجديا".

ولفت النشوع الى أن العراق لا يستطيع اتخاذ أي قرار يخالف الأجندة الإيرانية، لأن إيران عبر نفوذها وأذرعها انتشرت في مفاصل الدولة العراقية. 

وبيّن أن "إيران تتحكم بكل مقدرات العراق ضمن قواعد اللعبة التي تديرها في المنطقة من خلال مفهوم وحدة الساحات، حتى بعد انهيار الساحتين اللبنانية والسورية ومضي الساحة اليمنية نحو الانهيار، لاتزال إيران تحتفظ بالساحة العراقية وتعتبرها مجالها الحيوي المؤثر على الوضع الإقليمي والدولي".

وأعلنت المليشيات العراقية في نوفمبر الماضي، عن إيقاف هجماتها ضد المصالح الأميركية وإسرائيل، عقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني. 

لكن قادة هذه المليشيات أكدوا في تصريحات صحفية، في الشهرين الماضيين، أن قرار إلغاء عملياتهم لا يعني إلغائها بالمطلق.

وأعرب الكاتب المحلل السياسي، علي البيدر، عن اعتقاده، أن الدولة العراقية بدأت تفرض نفسها في المشهد خصوصا في الجوانب الأمنية.

وقال البيدر، لموقع "الحرة"،  إنه "لا يمكن الحديث عن حماية مطلقة، لا للوجود الأميركي المسلح ولا للمصالح الغربية بشكل عام، لوجود تحديث مستمر للجماعات المسلحة والخطط الأمنية، حتى على مستوى المسميات، ففي كل يوم يظهر اسم وجماعة مسلحة وفصيل جديد وعملية جديدة، لكن الواقع الأمني اليوم أفضل، فضلا عن وجود رادع دولي قد يقلل من نسبة استهداف تلك المصالح".

ورأى البيدر أن عملية حصر السلاح بيد الدولة في العراق تحتاج إلى سنوات طويلة وإلى وعي مجتمعي وثقافة شعبية. 

وأضاف: "ما زلنا خارج الحسابات في هذا الجانب، يمكن أن يحصر السلاح عندما توفر بيئة مناسبة لذلك، قد تكون القوة المفرطة، أو الذهاب إلى خيار السلام الشامل".

وتنضوي الميليشيات العراقية الموالية لإيران في هيئة الحشد الشعبي، ووصل عددها إلى أكثر من 70 ميليشيا مسلحة معروفة، إلى جانب العشرات من الميليشيات غير المعروفة، التي أشرف الحرس الثوري الإيراني عبر جناحه الخارجي "فيلق القدس" على تأسيسها في أوقات مختلفة.

وكان وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، قال لرويترز، في يناير الماضي، إن العراق يحاول إقناع الفصائل المسلحة الموالية لإيران بإلقاء أسلحتها أو الانضمام إلى قوات الأمن الرسمية.

وتأتي هذه الخطوة على خلفية التحولات في الشرق الأوسط التي شهدت تدهور حلفاء إيران المسلحين في غزة ولبنان، والإطاحة بنظام بشار الأسد أكبر حلفاء طهران.

ويتوعد الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب - بعد تسلمه السلطة - بتكثيف الضغوط على طهران التي دعمت منذ فترة طويلة عددا من الأحزاب السياسية ومجموعة من الفصائل المسلحة في العراق.

ويشعر بعض المسؤولين في بغداد بالقلق من أن الوضع الراهن هناك قد ينقلب رأسا على عقب بعد ذلك، لكن حسين قلل من أهمية هذا الأمر في مقابلة مع رويترز خلال زيارة رسمية إلى لندن.