قلق وسط المليشيات العراقية الموالية لإيران بعد فصل أولوية النجف عن الحشد الشعبي
قلق وسط المليشيات العراقية الموالية لإيران بعد فصل أولوية النجف عن الحشد الشعبي

تشعر المليشيات العراقية الموالية لإيران بقلق بالغ مع ظهور بوادر انقسام في الحشد الشعبي الذي تشكل بموجب فتوى المرجع الشيعي علي السيستاني عام 2014 لمقاتلة تنظيم داعش.

وهناك فجوة متنامية داخل "هيئة الحشد الشعبي" بين جناح موال لإيران وأربعة فصائل مرتبطة بالمرجعية الشيعية في مدينتي كربلاء والنجف، هي فرقتا "الإمام علي القتالية" و"العباس القتالية" ولواءا "علي الأكبر" و"أنصار المرجعية".

وتتجمع تلك الفصائل تحت اسم "حشد العتبات" وتضم حوالي عشرين ألف عنصر. وقد عقدت أول مؤتمر لها بين الأول والثالث من ديسمبر تحت شعار "حشد العتبات: حاضنة الفتوى وبناة الدولة" في مدينتي كربلاء والنجف الواقعتين جنوبي بغداد.

على امتداد ثلاثة أيام، حاول المشاركون إبراز مصدرين لشرعية هذه الفصائل، وهما "عراقيتها" والتزامها الصارم بتوجيهات المرجعية الدينية الشيعية ممثلة في المرجع علي السيستاني.

واعتبر المتحدث باسم المؤتمر حازم صخر في تصريح لوكالة فرانس برس أن "حشد العتبات هو أصل الحشد". وأضاف أنهم "ملتزمون بالقانون العراقي ووصايا المرجعية الدينية" ويعملون وفق "توجيهات الوكيلين الشرعيين في العتبتين الحسينية والعباسية".

وتحدث قائد أكبر هذه الفصائل فرقة "العباس القتالية"، ميثم الزيدي بخطاب يظهر نزعة وطنية وإصلاحية. وقال إن "الأسباب الرئيسية لتشكيل حشد العتبات هي خدمة الوطن وتصحيح المسير والمسار".

أما آمر لواء "علي الأكبر" علي الحمداني فأشار إلى أن المؤتمر "معني فقط" بالفصائل التي "التزمت منذ صدور فتوى الجهاد الكفائي بتوصيات المرجع السيستاني".

وقدّر الباحث المتخصص بالتنظيمات المسلحة الشيعية، حمدي مالك، أن فصائل "حشد العتبات" تعمل حاليا على تسريع انفصالها عن "الحشد الشعبي" الأوسع.
وأضاف في تصريح لفرانس برس أنها "تصعّد عبر هذا المؤتمر، وترغب في تسريع ذلك المسار".

قلق الميليشيات

وتجلى قلق المليشيات الموالية لإيران في الهجوم الذي شنه زعيم ميلشيا العصائب، قيس الخزعلي، على ألوية العتبات، إذ اتهمها خلال مقابلة تلفزيونية، بأنها من صناعة أميركا وإسرائيل.

ويعتقد الباحث العراقي رمضان البدران، في حديث لموقع الحرة، بأن هجوم الخزعلي على حشد العتبات "ناجم عن خوف من أن تفقد الفصائل الولائية مكانها  لصالح فصائل العتبات التي تضع العراق أولا، وليس إيران،" خصوصا في ظل التقارير التي تشير إلى سعي السيستاني لعزل ألوية الحشد عن الميليشيات الموالية لإيران.

"السيستاني ينتمي لمدرسة الأمة ويؤمن بشرعية الدولة العراقية وفقا لفلسفة المدرسة النجفية،" يتابع البدران، "على عكس المليشيات التابعة لإيران التي تؤمن بالدولة العقائدية، وأسست على مرجعية دولة الفقيه التي لا تعترف بشرعية الدولية العراقية".

ويرى البدران أن المليشيات الموالية لإيران استغلت هيئة الحشد لتعزيز نفوذها في العراق "والحصول على شرعية من خلال خلط أوراقها بفتوى السيد السيستاني" لمواجهة تنظيم داعش.

ويضيف "المليشيات أصبحت تشكل خطورة على العراق، لذلك سعى السيستاني للعزل بين الحشدين لسحب الغطاء الشرعي منها".

ثلاثة محاور اختلاف

وأدت دعوة السيستاني إلى توحد تنظيمات مسلحة قائمة مع أخرى حديثة التشكيل، كان من بينها فصائل "حشد العتبات". وقاتلت تلك الشبكة الواسعة من الفصائل المسلحة إلى جانب الجيش العراقي ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

لكن بدأت منذ 2016 تظهر خلافات داخل "الحشد الشعبي" وأشار مالك إلى تركزها حول ثلاثة محاور اختلاف.

فقد تذمرت فصائل "حشد العتبات" من حرمانها من الإمكانيات وحملت مسؤولية ذلك إلى أبو مهدي المهندس، نائب رئيس "هيئة الحشد الشعبي" الذي قُتل في ضربة جوية أميركية في يناير رفقة الجنرال الإيراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد.

واتهم "حشد العتبات" المهندس بإعطاء الأولية في تقسيم الموارد التي تشمل معدات عسكرية ورواتب من الدولة، إلى الفصائل الموالية لطهران.

ويشير حمدي إلى شرخ ثان أكثر عمقا، يتمثل في "انقسام أيديولوجي حقيقي" حول الروابط مع إيران المجاورة التي توفر دعما لعدد من التنظيمات حتى قبل تأسيس الحشد عام 2014.  

ويطلق على تلك الفصائل وصف "الحشد الولائي" لارتباطاتها بطهران وتبجيلها على الولاء لبغداد.

حرص المشاركون في مؤتمر "حشد العتبات" على التعبير عن رفضهم الولاء للخارج.
وقال حازم صخر إن "التدخل الخارجي موضوع خطير (...) من يتبع إلى جهات خارجية أو جهات خارجة عن إطار الدولة بعيد عن توجهاتنا".

ولم يعلن السيستاني علنا دعمه للمؤتمر. لكن مالك أشار إلى أن عقد الفعالية لم يكن ممكنا دون ضوء أخضر منه.

وقدر الباحث في "ذي سانشري فاوندايشن" ساجد جياد أنه "من المهم لهم وللسيستاني أن يرتّب بيته ما دام حيا".
أما محور الاختلاف الثالث فيتعلق بالانخراط في العمل السياسي.

"نهاية الحشد"؟

أعربت الفصائل المرتبطة بالعتبات الشيعية المقدسة عن رفضها لانخراط "الحشد الشعبي" في العمل السياسي.

وأوضح حمدي مالك أن "السيستاني أعطى توجيهات واضحة بألا ينخرط أعضاء الحشد في السياسة. لكن الفصائل الموالية لإيران في الحشد أنشأت تحالف الفتح وشاركت في الانتخابات التشريعية عام 2018".

وشكّل "تحالف الفتح" ثاني أكبر كتلة في البرلمان وصار يتمتع بنفوذ واسع داخله وفي عدة وزارات.

مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة المقررة في يونيو 2021، أعادت فصائل "حشد العتبات" التأكيد على عدم انخراطها في السياسة تنفيذا لتوصيات السيستاني.

وقال رئيس قسم العلاقات والإعلام في "العتبة العباسية" في كربلاء مشتاق عباس معن، إن عناصرهم ممنوعون من "الدخول في النشاط السياسيّ أو الارتباط الحزبيّ"، ويسمح لهم "بالاشتراك في العمليّة الانتخابيّة كناخبين حصراً وليس كمرشّحين".

واستبعد جياد حصول نزاع عنيف بين جناحي الحشد، لكن من المرجح أن يفرز الانفصال بينهما تداعيات يُجهل حتى الآن حجمها.

يفتقد "حشد العتبات" إلى إطار قانوني لإدارة قواته خارج قوانين "هيئة الحشد الشعبي"، كما يوجد تأخير في تنفيذ أمر حكومي يربطه برئاسة الوزراء.

ووجه معن دعوة إلى رئيس الوزراء خلال المؤتمر من أجل "إتمام خطوات هذا الارتباط وبشكل عاجل"، وبالتالي إنهاء صلاتهم بـ"هيئة الحشد الشعبي".

لكن مالك أشار  إلى وجود مخاوف من أنه في حال انسحاب فصائل "حشد العتبات"، يمكن للأخرى "الولائية" احتكار موازنة الهيئة وإمكاناتها العسكرية وثقلها السياسي.

وأثارت تحركات "حشد العتبات" قلق الفصائل المرتبطة بإيران التي رفض قادتها التفاعل مع طلبات تعليق وجهتها لهم، حسب فرانس برس.

لكن صرح زعيم فصيل "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي إلى تلفزيون عراقي عام الشهر الماضي أن انفصال التنظيمات المرتبطة بالمرجعية الدينية الشيعية يمكن أن يقود أيضا إلى انسحاب فصائل "الحشد العشائري" المشكل أساسا من مقاتلي عشائر سنية، ما سيؤدي إلى "نهاية الحشد".

هل ينجح حشد العتبات في إنهاء الميليشيات الموالية لإيران؟

يرى البدران أن خطوة السيستاني "سيكون لها تأثير وبمثابة مقدمة لنسف مستقبل المليشيات، وإن كانت صحوة متأخرة".

وأشار المحلل  العراقي كاتو سعد إلى أن تأثير  خطوة السيستاني على مليشيات إيران"حتما سيكون كبيرا جدا".

وأضاف لموقع الحرة "كلمة السيستاني أعلى من البرلمان، ودون شك أن الخطوة التي أقدم عليها لعزل العتبات النجفية عن الحشد، سيكون لها أثر سلبي كبير على المليشيات  الموالية لإيران".

ويوضح الخبير العراقي رمضان البدران أن عزل ألوية النجف عن الحشد هو "تنبوء مستقبلي بأن هذه التشكيلات الولائية هي عتبة عسكرية متقدمة لإيران لخلق صدام داخل المنطقة. فالصدام إن لم يكن مباشرا مع العتبات، قد يكون مع جهة أخرى، مثل السعودية أو إسرائيل، بدعوى الحفاظ على الأمن العراقي".

لكن البدران يرى أن اقتلاع المليشيات الموالية لإيران من العراق "صعب، لأن ذلك يحتاج إلى قرار من البرلمان، وهي تسيطر عليه بل تسعى لتعزيز هيمنتها بعد ميول التيار الصدري إليها مؤخرا".
 

صورة أرشيفية لرئيس الجمهورية العراقية عبد اللطيف رشيد- تعبيرية
صورة أرشيفية لرئيس الجمهورية العراقية عبد اللطيف رشيد- تعبيرية

أقام رئيس الجمهورية، عبد اللطيف جمال رشيد، دعوى قضائية أمام المحكمة الاتحادية العليا ضد كل من رئيس مجلس الوزراء الاتحادي، ورئيس مجلس النواب، ووزيرة المالية الاتحادية، إضافة إلى وظائفهم.

وتضمنت الدعوى 4 مطالب لرشيد في ما يخصّ رواتب موظفي إقليم كردستان، أولها "إصدار أمر ولائي عاجل، يُلزم وزارة المالية الاتحادية بصرف رواتب موظفي إقليم كردستان بجميع فئاتهم، سواء للأشهر السابقة أو اللاحقة، مع التأكيد على عنصر الاستعجال في هذه القضية".

وثانيها: "ضمان الاستمرارية، بإلزام وزارة المالية بصرف الرواتب دون توقف أو تأخير، وعدم ربطها بأي متطلبات إدارية أو فنية مثل ميزان المراجعة أو الإجراءات الرقابية الأخرى".

وثالثها: "توطين الرواتب وفق تعليمات البنك المركزي العراقي، والسماح للموظفين باختيار المصرف الذي يفضلونه، بالتنسيق بين وزارة المالية الاتحادية ونظيرتها في حكومة الإقليم".

ورابع هذه المطالب في دعوى الرئيس العراقي "تعديل قانون الموازنة"، حيث طالب مجلس النواب بتعديل البند (12) الفقرة (ج) من قانون الموازنة العامة لعام 2023. وضمان تنفيذ تعهدات الإقليم بتمويل الخزينة العامة بإيراداته النفطية بشكل عادل وشفاف".

أيضاً دعا رشيد لإلغاء شرط تخصيص 6 دولارات أميركية لكلفة إنتاج النفط في الإقليم، باعتباره "تعسفياً" ويضر بالمصلحة الاقتصادية للدولة.

تظاهرات وإضراب طعام

وتأتي دعوى رشيد بالتزامن مع استمرار التظاهرات والإضراب عن الطعام في إقليم كردستان؛ تنديدا باستمرار مشكلة رواتب الموظفين.

كما يستمر الجدل بشأن آلية صرفها، ومساعي الحكومة الاتحادية لإيجاد حلول تضمن استقرار التمويل والعدالة في توزيع الموارد.

ونقل نشطاء في مواقع التواصل صوراً ومقاطع فيديو يزعمون فيها أن القوات الأمنية في الإقليم قمعت المحتجين واعتدت عليهم بالضرب أو بالغاز المسيل للدموع.

بعضهم تساءل عن دور المحافظات التابعة للحكومة الاتحادية في دعم هذه التظاهرات، أسوة بما جرى في "انتفاضة تشرين" خريف 2019.

وعلقت رئيسة كتلة "حراك الجيل الجديد" النيابية سروة عبد الواحد، على ما يجري في كردستان: "السلطة التي لا تريد سماع مطالب شعبها لا تستحق البقاء".

وأوضحت في منشور على حسابها في منصة إكس، الأحد، أن القوات الأمنية التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني منعت المتظاهرين من دخول أربيل.

وأضافت عبد الواحد "السلطة التي تغلق آذانها ولا تريد سماع مطالب شعبها لا تستحق البقاء، ولن يكون مصيرها أفضل من غيرها من دكتاتوريات المنطقة".

رد الحكومة الكردية

وقالت وزارة الداخلية في حكومة كردستان العراق، الأحد، إن تلبية مطالب الموظفين والمواطنين كانت ولا تزال ضمن أولوياتها.

وأكدت "استمرار" التنسيق مع الحكومة الاتحادية لإيجاد حلول مناسبة، مشيرة لتحقيق "تقدم ملموس" بهذا الشأن، بحسب بيان رسمي.

وقالت الوزارة إنها "تعمل بروح المسؤولية لمعالجة القضايا العالقة، ملتزمةً بالحوار والتفاوض ضمن الأطر القانونية للوصول إلى حلول مستدامة".

وحذرت الوزارة من محاولات بعض الأطراف، سواء داخل العراق أو خارجه، لاستغلال المطالب المشروعة "لأغراض أخرى" وفق تعبيرها.

واتهمت حزب العمال الكردستاني ( بي كي كي) وجماعات وصفتها بـ"الخارجة عن القانون"، بأنها تسعى إلى "الإخلال بأمن واستقرار مناطق في الإقليم" في إشارة إلى أنها من يقف خلف التظاهرات.

كما جاء في بيان وزارة الداخلية الكردية أنها "تحترم حق التظاهر السلمي"، مشددةً على أنها "لن تتهاون مع أية محاولات تهدف لزعزعة الأمن أو تجاوز القانون".

وقالت إن "أي تصرفات غير قانونية ستواجه بالإجراءات القانونية اللازمة".

في سياق متصل، قال محافظ أربيل أوميد خوشناو، الأحد، إن المحافظة لم تتلق أي طلبات رسمية لتنظيم تظاهرات أو اعتصامات، محذراً من أن أي تظاهرة غير قانونية ستواجه بالقانون.

وأضاف خوشناو في مؤتمر صحفي أن "أي جهة ترغب في إقامة تظاهرة أو اعتصام من دون الحصول على التقديرات أو الموافقات القانونية، سنقف أمامها باسم القانون وقوانين تنظيم التظاهرات".


قرار سابق "بتوطين الرواتب"

وفي فبراير 2024، أمرت المحكمة الاتحادية حكومة في بغداد، بدفع رواتب موظفي كردستان مباشرةً، دون إرسالها إلى سلطات الإقليم، في ظلّ تأخير تسليم جزء من الرواتب على مدى أشهر.

وألزم رئيس المحكمة جاسم العميري في الحكم الذي بثّه التلفزيون الرسمي الحكومة في بغداد "بتوطين رواتب" جميع موظفي الإقليم بكافة الوزارات والمؤسسات العامة، فضلاً عن المتقاعدين والمستفيدين من الرعاية الاجتماعية، "لدى المصارف الحكومية الاتحادية العاملة خارج الإقليم".

وأوضح أن هذه المدفوعات "تخصم من حصة الإقليم المحددة بموجب قانون الموازنة لهذه السنة وللسنوات القادمة".

وأضاف القاضي أنه ينبغي على كل الجهات المعنية بهذه الآلية الجديدة "تنفيذ" القرار "دون الرجوع" إلى سلطات الإقليم.

ويلزم القرار كذلك أربيل "بتسليم جميع الإيرادات النفطية وغير النفطية إلى الحكومة الاتحادية"، فارضاً كذلك تدقيقاً على البيانات الخاصة بتلك الايرادات.

وكان لإقليم كردستان مصادر تمويل مستقلة لسنوات متأتية من صادراته النفطية.

لكن منذ مارس 2023، توقّفت تلك الصادرات نتيجةً لقرار هيئة التحكيم في غرفة التجارة الدولية في باريس التي حكمت لصالح العراق في نزاعه مع تركيا بشأن صادرات النفط من كردستان.

وينبغي إثر هذا القرار أن تمرّ مبيعات نفط الإقليم عبر الحكومة الاتحادية في بغداد، مقابل نسبة في الموازنة الاتحادية تخصص لإقليم كردستان.

وتشهد العلاقات بين بغداد والإقليم الذي حصل على حكم ذاتي عام 1991، توتراً متواصلاً لا سيما حول قضية رواتب الموظفين التي تسمم العلاقات بين الطرفين بشكل متكرر.