العراق ثاني أعلى دولة عالميا بإحراق الغاز الطبيعي
العراق ثاني أعلى دولة عالميا بإحراق الغاز الطبيعي

يؤثر قرار الحكومة الإيرانية تقليص تجهيز الغاز الطبيعي للعراق على تجهيزات الطاقة الكهربائية في فصل الشتاء الذي تنخفض به درجات الحرارة بشكل كبير، ما يعني معاناة جديدة للمواطنين تحاول إيران استغلالها عبر ابتزاز بغداد.

خبراء عراقيون وجهوا نقدهم أيضا للحكومات العراقية المتعاقبة لعدم تمكنها من حل أزمة الكهرباء والغاز في البلاد على مدى سنوات طويلة.

وقالت وزارة الكهرباء العراقية، الاثنين، إنها فقدت 7 آلاف ميغاواط من الكهرباء، جراء خفض إيران لواردات الغاز المغذي لمحطات إنتاج الطاقة.

وبحسب البنك الدولي، فإن العراق يحرق نحو 18 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، ويحتل المرتبة الثانية عالميا بعد روسيا وقبل الولايات المتحدة، بإحراق الغاز المصاحب لاستخراج النفط.

لكن فيما تصدر روسيا والولايات المتحدة الغاز، يستورد العراق حوالي 20-35 مليون متر مكعب من الغاز شهريا، أي أقل من مليار متر مكعب بقليل في السنة، بحسب رويترز.

ويقول الخبير العراقي في الشأن الاقتصادي، معتز الراضي، إن "إيقاف إيران للتجهيز بالتزامن مع قرار العراق خفض قيمة عملته، يعني أن إيران غيرت نظرتها تجاه الفوائد الاقتصادية التي كان العراق يوفرها لها".

وأضاف الراضي لـ" موقع الحرة" أن "موازنة إيران لعام 2021 تبلغ 33 مليار دولار، فيما كان تبادلها التجاري مع العراق في عام 2020 نحو 13 مليار دولار، أي نحو 40 بالمئة من موازنتها العامة، لكن هذا لم يعني شيئا لإيران، لأنها تعرف أن الوضع الاقتصادي للعراق تدهور ولن يمكنها الاستفادة منه".

وبحسب الراضي فإن "المبالغ الحقيقية التي تدخل إيران من العملة الصعبة العراقية هي أكبر من مبالغ التبادل التجاري بسبب الفساد الذي يسيطر على العراق"، مضيفا "الجمارك الإيرانية أعلنت أن العراق استورد ورودا من إيران بمبلغ 2 مليون دولار خلال ثلاثة أشهر".

ويعتقد الراضي إن "الرقم سخيف ومبالغ به ويعني إن إيران تبالغ بحجم تجارتها مع العراق من أجل التغطية على الأموال العراقية التي تدخل إليها بطرق مختلفة".

ولم تعلق هيئة الكمارك العراقية على طلب موقع "الحرة" التعليق على هذه الأرقام، لكن تصريحات مسؤول الكمارك الإيرانية منشورة على أكثر من وكالة أنباء إيرانية وعراقية".

الديون

وقال مصدر في وزارة الكهرباء لموقع "الحرة" إن هناك زيارة لوزير الطاقة الإيراني رضا إردكانيان إلى بغداد الثلاثاء، ستركز على "بحث موضوع الطاقة والغاز والديون المترتبة على العراق"، مضيفا أن "العراق سيناقش تراجع إطلاقات الغاز المجهزة للمحطات الكهربائية لكي يضمن عودتها".

وأضاف المصدر أن "المباحثات قد لا تكلل بالنجاح لعدم تمكن العراق من سداد ديونه حاليا بسبب الأوضاع الاقتصادية، مما يجعل تجهيز الطاقة في العراق قليلا إلى درجة كبيرة".

وكان المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أحمد موسى، قال إن "الديون المستحقة لإيران على العراق تبلغ 2.5 مليار دولار أميركي"، مضيفا للوكالة العراقية الرسمية أن العراق سيناقش مع وزير الطاقة الإيراني "تراجع إطلاقات الغاز المجهزة لمحطات الإنتاج والتي تسببت بخروج 7 الاف ميغاواط من المنظومة الوطنية، مما أثر وبشكل كبير على ساعات التجهيز".

وقال رجال أعمال عراقيون إن تدفق العملة الأجنبية من العراق إلى إيران انخفض بشكل كبير مؤخرا.

وقال س.أ وهو رجل أعمال يمتلك شركة لتداول الأوراق المالية في العراق إن "تدفق العملة الصعبة نحو إيران انخفض بشكل كبير مؤخرا بسبب تخفيض قيمة الدولار الأميركي"، مضيفا أن "السوق العراقية تمكنت من احتواء أزمة خفض العملة بدون آثار مدمرة حتى الآن، إن الكثير من العملة الأجنبية لم تكن فعلا تذهب للاقتصاد العراقي وإنما إلى اقتصادات أخرى".

وأكد أن "عملاءه المعتادين على أخذ الدولار بكميات ضخمة لشراء بضائع من إيران توقفوا بشكل كبير عن طلب هذه العملة".

ورغم أن العراق صرف نحو 60-80 مليار دولار على الكهرباء خلال سنوات، بحسب الأرقام الرسمية، إلا أن مشكلة الكهرباء لا تزال مستمرة فيه وهو غير قادر على انتاج طاقة كهربائية كافية لاستهلاك مواطنيه.

ويقول علي عبد الرسول، وهو مسؤول سابق في وزارة الكهرباء العراقية إن "العراق كان يمكن أن يصل إلى الاكتفاء الذاتي بنحو 20 مليار دولار وخمس سنوات عمل".

ويضيف عبد الرسول إن "الفساد الإداري، والسلطة السياسية التي يمنحها ملف الكهرباء للدول المجهزة للعراق يجعل من تمكين العراق من الاكتفاء كهربائيا أمرا غير مرغوب فيه بالنسبة لأصحاب القرار".

ويقول عبد الرسول إن "العراق يمتلك احتياطيات غاز ضخمة جدا، لكنه يحرقها ويشتري الغاز من دول أخرى".

العراق

يضع تذبذب أسعار النفط عالميا العراق على صفيح ساخن اقتصاديا، بسبب اعتماده بشكل شبه كامل في موازنته المالية السنوية على ما يصدره من النفط الخام.

وحدد العراق تصدير النفط بسعر 70 دولارا للبرميل في الموازنة المالية الثلاثية للسنوات المالية (2023،2024،2025) التي أقرها مجلس النواب العراقي قبل عامين.

ورغم أن أسعار النفط شهدت، الثلاثاء الماضي، ارتفاعا طفيفا، لكن سبق ذلك تراجع سريع لأسعار النفط خلال الأسبوعين الماضيين، حيث وصل فيهما سعر البرميل الى عتبة 60 دولارا، الامر الذي وضع العراق على موعد مع ظروف مالية معقدة، فيما إذا استمر هذا التراجع خلال الأشهر المقبلة.

ويعتبر مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الاقتصادية، مظهر محمد صالح، أزمة أسواق النفط العالمية "أزمة مؤقتة"، لافتا إلى أن العراق يتحصن باحتياطيات من النقد الأجنبي ما زالت ساندة للاقتصاد الوطني، وستساعده كثيرا على مواجهة أزمة أسواق النفط العالمية.

ويؤكد صالح لموقع "الحرة"، "على المستوى الوطني، الخطط المالية الحالية والمستقبلية آخذة بالاعتبار الاحتمالات كافة بالتحوط لهذه الأحداث، مع تدابير مالية مختلفة ضامنة للنفقات الضرورية في مقدمتها تأمين رواتب الموظفين والمعاشات التقاعدية والرعاية الاجتماعية وتنفيذ المشاريع الخدمية وفق البرنامج الحكومي بشكل مرن دون توقف بالشراكة بين الدولة والقطاع الخاص".

وتزامن انخفاض أسعار النفط عالميا مع تأخر المصادقة على مخصصات عام 2025 في الموازنة الثلاثية، ويعزو خبراء اقتصاديون تحدث معهم موقع "الحرة"، التأخير الحكومي في إرسال جداول الموازنة إلى مجلس النواب للتصويت عليها إلى محاولات الحكومة لتكييف الإيرادات والنفقات لتفادي حدة الأزمات الاقتصادية التي قد تعصف بالعراق مع استمرار تقلبات الأسواق العالمية.

وأشار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الاثنين الماضي، خلال ترأسه اجتماعاً لرؤساء الدوائر الخدمية في محافظة ذي قار جنوب العراق، الى أن حكومته شهدت ظهور العجز فعلياً في الموازنة، لتحقيقها الإنجاز، لافتا الى وجود كفاءة في الصرف والأداء والعمل، فيما كان العجز سابقاً تخطيطياً.

ونقل الموقع الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء العراقي عن السوداني قوله خلال الاجتماع، "حكومتنا رتبت آلية الإنفاق وفق مبدأ الأهم ثم المهم، وعملنا في الكثير من القطاعات وحققنا نتائج إيجابية".

ويلفت الخبير في قطاع النفط والغاز، كوفند شيرواني، الى أن تراجع أسعار النفط إلى 65 دولارا للبرميل أو 60 دولارا سيؤدي إلى تراجع إيرادات العراق، وبالتالي زيادة العجز الموجود في الموازنة الذي يقارب 49 مليار دولار لعامي 2023 و 2024.

ويستبعد أن يتسبب هذا الانخفاض، بأي تأثير على الرواتب والمعاشات، لأن الرواتب والمعاشات بمجملها لا تصل إلى 80 ترليون دينار من موازنة تبلغ سنويا 200 ترليون دينار.

ويضيف شيرواني لموقع "الحرة"، "تراجع الإيرادات سيؤدي إلى استقطاع جزء من الموازنة الاستثمارية التي تختص بإنشاء المشاريع الجديدة التي تدر إيرادات إضافية، وكذلك ستتأثر عملية توفير فرص عمل جديدة، وربما سيؤدي استمرار التراجع إلى تقليل النفقات التشغيلية للدولة".

ووفق شيرواني، سيكون لأي انخفاض في أسعار النفط تأثير كبير على العراق بالذات مقارنة بالدول الأخرى المصدرة للنفط، في إشارة إلى مجموعة أوبك.

ويوضح شيرواني سببين لكون العراق الأكثر تأثرا بالانخفاض، أولهما الإنتاج العالي للعراق الذي يتجاوز 4 ملايين برميل يوميا، ويصدر منها حسب مقررات "أوبك +" نحو 3.3 برميل يوميا.

ويكمن السبب الثاني بحسب شيرواني في اعتماد الاقتصاد العراقي بنسبة تتجاوز 90% على إيرادات النفط، فأي تقلبات في الأسعار تجعله يتأثر بدرجة أكبر، داعيا الدولة العراقية إلى تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للإيرادات العامة، وتنشيط القطاعات الأخرى من الزراعة والصناعة والسياحة وتحسين نظام الضرائب والجمارك لزيادة الإيرادات.

وأكدت الحكومة العراقية الحالية في منهاجها الوزاري، على إجراء إصلاحات اقتصادية للنهوض بالواقع الاقتصادي للبلاد ومواجهة الأزمات.

وحددت ستة محاور من المنهاج للنمو الاقتصادي، تمثلت بالعمل على إحداث تحوّل تدريجي من الاقتصاد الريعي الحالي المعتمد على النفط كمصدر رئيس للدخل إلى اقتصاد متنوع الدخل، ودعم القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في المجالات الزراعية والصناعية وتكنولوجيا المعلومات والخدمات والبيئة، التي من شأنها توفير فرص عمل واستقطاب الاستثمارات محليا ودوليا.

ووفق مراقبين للشأن الاقتصادي العراقي تحدثوا لموقع "الحرة"، ما زالت خطوات الحكومة لتنويع الاقتصاد تسير ببطء، بينما يتطلب الوضع الاقتصادي للبلد إصلاحات سريعة لتفادي أي أزمة مالية مرتبطة بأسعار النفط.

ويحذر الخبير المالي إبراهيم علي من ظروف مالية معقدة قد يشهدها العراق إثر تذبذب أسعار النفط وتقلبات الأسعار في الأسواق العالمية ما سيؤثر بشكل كبير على استقراره الاقتصادي والاجتماعي.

ويبين علي لموقع "الحرة"، أن الوضع المالي في العراق "يتطلب تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة سريعة لتعزيز الإيرادات غير النفطية، وهذه الخطوة بحاجة الى جهود من الحكومة لتعزيز القطاعات الإنتاجية وتحسين بيئة الاستثمار".

وفي مقابلة متلفزة بُثت، في مارس الماضي، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إن حكومته تمكنت من رفع نسبة الإيرادات غير النفطية خلال العامين والنصف الماضيين إلى %14 بعد أن كانت 7% خلال السنوات الماضية".

وتابع السوداني "وضعنا هدفا في قانون الموازنة وهو رفع الإيرادات غير النفطية إلى %20 خلال 3 سنوات"، مؤكدا مضي حكومته باتجاه تحقيق هذه النسبة.

وأشار السوداني إلى أن العراق قادر على تجاوز هذه النسبة لكنه بحاجة إلى مجموعة من الخطوات، وحددها بوجود حاضنة سياسية للقرارات دون مزايدات، وقبول شعبي، وتشريع قوانين تساهم في رفع الإيرادات غير النفطية.

ويرى الخبير الاقتصادي دريد العنزي أن الاقتصاد العراقي هش ويتأثر بأي أزمة اقتصادية خارجية لأنه مرتبط بالأسواق العالمية، نتيجة عدم وجود إنتاج محلي متنوع يسد حاجات المواطن.

ويؤكد العنزي لموقع "الحرة" أن "الحلول مطروحة وموجودة، لكن ليس هناك جدية من قبل حكومة اعتمدت على النفط وتكاسلت فكريا وليس إداريا، لذلك واقع الاقتصاد العراقي متهالك لا يمكن إدارته ومتحول إلى استهلاكي حكومة وشعبا".

ويسعى العراق وبحسب الهيئة الوطنية للاستثمار، إلى جذب الاستثمارات النوعية، وتنمية ثقة الشركات الدولية بالبيئة الاستثمارية في البلاد.

وقال رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار، حيدر محمد مكية، في تصريح نشره موقع الهيئة في 8 أبريل الحالي، إن "مشاركة ممثلين عن 60 شركة أميركية تعمل في مجالات حيوية ومهمة في زيارة العراق، يعد مؤشرًا واضحًا على تنامي ثقة الشركات الأميركية ببيئة الاستثمار في العراق"، مشيرا إلى أن العراق يشهد تطورات إيجابية في إطار الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية.

وأكد مكية على أن فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي في مجالات الطاقة والطاقة المتجددة، والتحول الرقمي، والخدمات المصرفية، يشكل محورًا مهمًا في توجهات الحكومة الحالية نحو تنويع الاقتصاد الوطني وتحسين بيئة الأعمال.

وأعلنت السفارة الأميركية في بغداد، في 7 أبريل، وصول وفد تجاري أميركي مكون من 60 شركة إلى بغداد، مبينة أن غرفة التجارة الأميركية ستوقع خلال هذه الزيارة على مذكرة تفاهم مع اتحاد غرف التجارة العراقية لتعزيز العلاقات بين القطاع الخاص الأميركي ونظيره العراقي.

وقالت السفارة في بيان، إن "غرفة التجارة الأميركية برئاسة ستيف لوتس تقود وفدًا مكونًا من 101 عضو من حوالي 60 شركة أميركية في قطاعات الطاقة والتكنولوجيا والصحة إلى العراق"، لافتة إلى أن هذه أول مهمة تجارية معتمدة من وزارة التجارة الأميركية إلى العراق وأكبر وفد تجاري أميركي إلى العراق خلال تاريخ الغرفة.

ويعاني العراق من آثار الأزمات التي شهدها خلال العقود الأربعة الماضية نتيجة الحروب التي خاضها والصراعات السياسية الداخلية والأزمات الدولية إثر تذبذب أسعار النفط، التي أثرت على الواقع الاقتصادي للبلاد.

ولعل أبرز ما يعمق من أزمة الاقتصاد العراقي هو الفساد الإداري والمالي الذي يعيق الإصلاحات الحكومية.

وتؤكد الحكومة العراقية الحالية في منهاجها الوزاري أن مكافحة الفساد الإداري والمالي والحد من هدر المال العام تأتي في مقدمة أولوياتها، عبر دعم وتفعيل الهيئات الرقابية ومتابعة ملفات الفساد الكبيرة التي سبق إعدادها من قبل الجهات الرقابية، وبعضها بالتعاون والشراكة مع جهات دولية مختصة بمكافحة الفساد في فترة الحكومات السابقة.