اتفق محللون على أن تصاعد وتيرة الهجمات التي تقوم بها ميليشيات موالية لإيران ضد قوات التحالف في العراق هي محاولة من قبل طهران للضغط في المفاوضات الجارية حول ملفها النووي وقالت خبيرة في الشأن العراقي إنها لا تنفصل عن استحقاقات انتخابية في إيران والعراق.
المحلل السياسي العراقي، إياد الدليمي، قال في تصريح لموقع قناة الحرة إن الهجوم الأخيرة على قاعد بلد يأتي في إطار رسائل التصعيد التي ترسلها إيران عبر أذرعها في العراق، مشيرا إلى أنه قبل أيام، صرح وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، خلال مقابلة تلفزيونية بأنه تم تجميد استهداف البعثات الدبلوماسية، "لكن لاحظنا أنه في الفترة الأخيرة تصاعدت الهجمات ضد قواعد عسكرية لقوات التحالف وجود فيها".
ويرى في الهجوم رغبة في تعزيز موقف إيران خلال المفاوضات الجارية حول عودة العمل بالاتفاق النووي المبرم معها في عام 2015، لافتا إلى تصريحات مسؤولين إيرانيين تحدثوا عن وجود حالة "إبطاء" من الجانب الأميركي لهذه المفاوضات، لذلك فهم يدفعون بالإسراع لإنهاء ملف التفاوض من خلال التصعيد العسكري.
"العراق ساحة لتوجيه الرسائل الإيرانية"
راندا سليم، الخبيرة في شؤون العراق في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، تشير أيضا إلى أنه "طالما لم تأت المفاوضات الجارية حول الملف النووي بنتيجة لصالح (مرشد البلاد علي) خامئني والقوى السياسية المتشددة، والحرس الثوري، يصبح العراق ساحة بعث الرسائل من إيران إلى الولايات المتحدة".
ورأت في الهجوم أيضا محاولة من جانب الميليشيات للتأكيد على فكرة "المقاومة" خاصة مع تراجع شعبيتها بسبب الدور الذي لعبته في قمع التظاهرين.
وهذه الميليشيات ترغب في "تعزيز وجودها في الساحة الداخلية" قبل الانتخابات العراقية المقررة في أكتوبر المقبل.
ولا تنفصل الهجمات الأخيرة أيضا عن الانتخابات الرئاسية الإيرانية، فهناك رغبة لرفع وتيرتها من أجل دعم مواقف بعض المرشحين.
وكان الجيش العراقي قد ذكر في بيان، الاثنين، أن أربعة صواريخ كاتيوشا أصابت قاعدة بلد العسكرية العراقية التي تضم متعاقدين أميركيين دون أن تسفر عن سقوط ضحايا.
والأحد، سقط صاروخان على الأقل، قرب محيط مطار بغداد في العاصمة، استهدفا قاعدة "فيكتوريا" العسكرية التي يتواجد فيها جنود من قوات التحالف.
وفي 18 أبريل، واستهدفت قاعدة "بلد" عدة صواريخ أدت إلى إصابة اثنين من قوات الأمن العراقية، وبعد أيام، استهدفت ثلاثة صواريخ كاتيوشا مطار بغداد، أحدها سقط قرب قاعدة "فيكتوريا".
وبالمجمل، وصل عدد الهجمات التي نفذتها ميليشيات ضد مصالح للتحالف في العراق إلى أكثر من 20 هجوما، سواء بصواريخ أو قنابل، منذ وصول الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى البيت الأبيض أواخر يناير، فيما وقع العشرات غيرها قبل ذلك على مدى أكثر من عام ونصف العام.
وأفاد قائد القيادة المركزية الأميركية، كينيث ماكنزي، في تقرير له صدر الشهر الماضي، بأنه منذ بداية العام، شنت الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا أكثر من 50 هجوما بالعبوات الناسفة ضد القوافل اللوجستية التي تديرها القوات العراقية والمتعاقد عليها مع قوات التحالف، وتسع قوافل لوجستية غير مباشرة ضد المنشآت الدبلوماسية الأميركية أو القواعد العسكرية العراقية التي تستضيف أفراد الولايات المتحدة وقوات التحالف".
"لاعب يثير المشاكل"
وأشار ماكنزي كذلك إلى أن إيران تستخدم الميليشيات بهدف إخراج القوات الأميركية من العراق لكن "المناورات السياسية الإيرانية فشلت في تحقيق هذه الغاية حتى الآن".
وأفاد تقييم استخباراتي أميركي صدر مؤخرا بأن "إيران ستظل لاعبا يثير المشكلات في العراق، الذي سيكون ساحة المعركة الرئيسية لنفوذ إيران... وستستمر الميليشيات المدعومة من إيران في تشكيل التهديد الأساسي للأفراد الأميركيين في العراق" .
وأضاف التقرير: "من شبه المؤكد أن الحكومة العراقية ستواصل الكفاح من أجل السيطرة على الميليشيات" التي ستواصل هجماتها "ضد أهداف أميركية للضغط على القوات الأميركية للانسحاب إذا لم تتوصل الحكومة العراقية إلى اتفاق مع واشنطن بشأن جدول زمني للانسحاب".
ودعا البرلمان العراقي إلى انسحاب القوات الأجنبية من البلاد، بعد غارة أميركية، في يناير 2020، أدت إلى مقتل قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، والقيادي في الحشد الشعبي العراقي، مهدي المهندس.
وعلى إثر تلك التطورات، دخلت بغداد وواشنطن في حوار استراتيجي ركز في المقام الأول على مستقبل وجود تلك القوات في البلاد.
وكان عديد القوات الأميركية في العراق، قد انخفض في ديسمبر 2020 إلى نحو 2500 بناء على قرار من الرئيس السابق، دونالد ترامب.
وقال ماكنزي في تصريحات بتاريخ 22 أبريل الماضي إن "إيران لا تزال تنتهج سياسة محاولة إخراج الولايات المتحدة، وكذلك شركائنا وحلفائنا من المنطقة أيضا، وهذا هو الأساس الذي خاضت معارك أجله في العراق". وأضاف: "خلال معظم عام 2020، اعتقدوا أن لديهم حلا سياسيا لإجبار الولايات المتحدة على الخروج من العراق... لم يعد الأمر كذلك، إنه واضح من الحوار الاستراتيجي الأخير ومن الإشارات الأخرى التي نتلقاها من حكومة العراق".
وقبل أيام، أكد ماكنزي مجددا في تصريحات لقناة الحرة بقاء القوات الأميركية في العراق، وقال: "نحن في العراق بناء على طلب الحكومة العراقية، ومستمرون في القتال ضد داعش بالتعاون مع التحالف.. هذه المعركة لم تنته بعد".
"صراع داخلي"
واعتبر الدليمي في تصريحاته لموقع الحرة أن تصاعد الهجمات لا ينفصل عن التصريحات التي تخرج من وقت لآخر لأطراف مرتبطة بإيران بضرورة سحب القوات الأميركية من العراق.
لكنه لفت إلى أن "الجميع يعلم، بمن فيهم، تلك الأطراف التي تطلب سحب القوات الأميركية، أن أي تراخ من قبل قوات التحالف سيؤدي إلى عودة داعش وإلى حالة عدم الاستقرار الكامل في العراق" مشيرا إلى الهجمات الأخيرة لداعش في العراق.
ويشير إلى أنه بعد مقتل سليماني والمهندس، خفضت القوات الأميركية طلعاتها الجوية في العراق "وكان هناك نوع من الإرباك على الساحة الداخلية في العراق" وشاهدنا بالفعل عودة لـ"داعش".
وتشير راند سليم، إلى أن أغلبية القوى السياسية العراقية، ما عدا "الحشد الشعبي"، تدعم الوجود العسكري الأميركي لتدريب وتمكين القوات العراقية من أجل محاربة "داعش"، وترى أن الهجمات التي تقوم بها القوات الموالية لإيران تأتي في إطار عملية الضغط على باقي القوى السياسية العراقية في هذا الشأن.
وتنبه سليم إلى وجود "صراع داخلي في إيران بين الحرس الثوري وجهاز الاستخبارات حول العراق، حيث يدعم كل طرف قوى سياسية عراقية مختلفة، وتذكر بدعم جهاز الاستخبارات لمصطفى الكاظمي لرئاسة الوزراء، في حين أيد الحرس الثوري مرشحين آخرين وينظر بعين الريبة للكاظمي بالنظر إلى علاقته بالولايات المتحدة".