قوات سوريا الديمقراطية حول سجن غويران المركزي في الحسكة الذي تدور فيه الاشتباكات مع عناصر داعش

بعد ثلاث سنوات من انهيار ما يسمى خلافة داعش، يبدو أن التنظيم لا يزال قادرا على خلق العنف والفوضى، متمركزا في مساحات جديدة معتمدا على تكتيكات لا مركزية وأدوات مختلفة. 

فبعد فقدان سيطرته على الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا، عاد التنظيم إلى سيرته الأولى، من حيث بدأ، حيث رجع للعمل كمنظمة، بشكل لا مركزي، مستخدما تكتيكات حرب العصابات والاستنزاف، "وبالتالي كانت هجماته تعتمد على العبوات والكمائن والاغتيالات والقنص، للحفاظ على هيكلته"، بحسب الخبير في الحركات الراديكالية، حسن أبو هنية.

لكن عملية سجن غويران في الحسكة لفتت الأنظار إلى مستوى آخر متقدم من العمليات ذكرنا بعمليات قادها التنظيم مثل "هدم الأسوار"، على شاكلة تخليص وتحرير معتقليه التي أسفرت في 2013 عن تحرير سجناء في أبو غريب، كان منهم أبو عبد الرحمن البيلاوي الذي قاد اقتحام الموصل فيما بعد، ثم السيطرة على هذه المدينة الكبيرة شمالي العراق. 

في الأيام الأخيرة، قاد التنظيم هجوما على سجن في الحسكة في سوريا لتحرير عناصره من داخله، وهو ما اعتبر "أكبر وأعنف وأعقد" عملية للتنظيم منذ خسارته كل مناطق سيطرته في سوريا، في مواجهة قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل الأكراد عمودها الفقري.

وفي العراق، نفذ التنظيم هجوما مؤخرا في ديالى، أسفر عن مقتل 10 جنود وضابط في موقع عسكري تابع للجيش، وقبلها قطع رأس ضابط شرطة أمام الكاميرا.

وقبل ذلك شهدت مناطق في سوريا عمليات اغتيال طالت عشرات القادة المحليين وحالات ابتزاز لشركات نفذها التنظيم لتمويل عملياته. 

وأعلنت وزارة الداخلية الليبية الخميس الماضي، أنّ ثلاثة عناصر من قوات الأمن قتلوا في جنوب غرب البلاد الأربعاء في هجوم شنّه مسلّحون من تنظيم داعش. 

وقالت الوزارة في بيان إنّ الهجوم وقع على بُعد 80 كيلومتراً من بلدة القطرون الواقعة على بعد 700 كلم جنوب العاصمة طرابلس، و"استهدف دورية لواء شهداء أم الأرانب، وأوقع ثلاثة قتلى في صفوف عناصرها".

ويقول الخبير العسكري العراقي، إسماعيل السوداني، في مقابلة مع قناة "الحرة": إنه "منذ 2003 وحتى الآن رأينا أن التنظيمات الإرهابية لديها قدرة على إعادة تنظيم نفسها وتحاول الحصول على موطئ قدم وحاضنات شعبية تساعد التنظيم على إدامة نفسه، وإدارة العمليات التي يريد تنفيذها، وبالتأكيد داعش لديه مخابئ لا يمكن الوصول إليها بشكل كامل". 

ويقول أبو هنية إن "العمليات الأخرى في العديد من المدن العراقية والسورية، هي عمليات مستمرة منذ خسارة التنظيم في مارس 2019 منطقة سيطرته الأخيرة في الباغوث شمال شرقي سوريا"، مشيرا إلى أن التنظيم لم يغب عن المشهد حيث نفذ منذ ذلك الوقت أكثر من خمسة آلاف عملية صغيرة في العراق وسوريا وحدهما. 

المتحدثة الإقليمية للخارجية الأميركية، جيرالدين غريفث، تؤكد في مقابلة لها على قناة "الحرة"، أن هذه الهجمات الأخيرة دليل على أهمية مواصلة الجهود الدولية للحفاظ على هزيمة داعش. 

وتقول غريفث: رغم هزيمة خلافة داعش على الأرض، لا تزال هناك تحذيرات أمنية وبالتالي تم تكريس الجهود الأميركية في إطار التحالف الدولي لمزيد من الشراكة مع قوات الأمن العراقية بالإضافة إلى قوات البشمركة وقسد ومنع هجمات داعش على المدنيين الإرهابيين". 

ويشير أبو هنية إلى أن "كل التقارير الاستخبارية تتحدث عن عودة التنظيم خاصة أنه لا يزال لديه عشرة آلاف عنصر فاعل و20 ألف آخرين عبارة عن خلايا نائمة ويمتلك تمويلات بقيمة 300 مليون دولار واحتياطات مالية فضلا عن أنه يحصل على إتاوات، فلا يمكن أن يمر النفط أو الغاز يمر بسهولة، حيث يعمل مثل المافيا وهي جزء من مصادر دخله الأساسية". 

ويقول "التنظيم لم يغب وإنما كان يعمل بطريقة حرب استنزاف بمعدل ثابت 1600 هجوم في العراق وسوريا سنويا، وبتبني تكتيكات الاقتحامات والانتحاريين والعربات المفخخة والإعدامات". 

أفريقيا.. مساحات خارج السيطرة

تشير التقارير الأممية والأميركية، عن تقدم كبير للتنظيم في قارة أفريقيا سواء في غرب القارة مثل سيطرة بوكو حرام على مساحات واسعة في شمال شرق نيجيريا، فضلا عن إمارة الصحراء والساحل، التي تسيطر على مساحات واسعة في مالي وتشاد والنيجر وموريتانيا، وكذلك في وسط أفريقيا، "حيث شاهدنا العام الماضي العديد من الهجمات مثل الكونغو الديمقراطية وموزمبيق وكذلك في شرق أفريقيا في الصومال، وعادت في ليبيا بالذات في مناطق الجنوب، وكذلك ولاية تونس"، بحسب أبو هنية. 

ويضيف: "كذلك في جنوب شرق آسيا، شاهدنا ولاية خراسان التي عادت بقوة مع الانسحاب الأميركي، والتي يجب أن نستحضر تجربتها في اقتحام سجن ننجرهار العام الماضي، مما أدى إلى تحرير نحو ألف من عناصره". 

اقتحامات السجون

وحذر التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، الأربعاء الماضي، من أن تنظيم داعش لا يزال يشكل خطرا "وجوديا" للمنطقة، مشيدا بقوات سوريا الديمقراطية خلال الهجوم الذي تعرض له سجن الحسكة من قبل عناصر في التنظيم.

وكان سجن الصناعة في حي غويران بمدينة الحسكة يضم نحو 3500 معتقل منتمين إلى التنظيم قبل تعرضه لهجوم في 20 يناير الجاري بدأ بتفجير شاحنتين مفخختين.

وتضم السجون الواقعة في المناطق الواسعة التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا نحو 12 ألف جهادي من نحو 50 جنسية، وفق السلطات الكردية. 

وارتفعت حصيلة قتلى الاشتباكات، داخل السجن وخارجه، الأحد، إلى 332 بينهم 246 من التنظيم و79 من قوات الأمن الكردية وقوات سوريا الديموقراطية، وسبعة مدنيين، بحسب حصيلة جديدة أعلنها المرصد السوري لحقوق الإنسان.

ورغم إعلان قوات سوريا الديمقراطية، الأربعاء، استعادة السيطرة على السجن، وأن نحو 3500 من المهاجمين والسجناء التابعين للتنظيم استسلموا لها، إلا أن العشرات من مقاتلي التنظيم ما زالوا يتحصنون، وفق المرصد، داخل أقبية "يصعب استهدافها جوا أو اقتحامها برا".

ويحذر أبو هنية أنه "مع المستقبل ستتكاثر محاولات اقتحام السجون، سواء في العراق أو سوريا، كما حدث في الحسكة، لإنقاذ عائلاتهم في المخيمات أو المقاتلين في السجون، فضلا عن أنه تمكن من تهريب عدد لا بأس به من سجن الحسكة وربما يصل عددهم إلى 800 شخص". 

لكن الخبير العسكري العراقي، رغيف أبو فاضل يقول في حديثه مع موقع "الحرة" إن "العراق الآن مختلف في طبيعته وبنيويته عما هو عليه في سوريا وما كان عليه في 2014، نظرا لما لديه حاليا من المناعة والقوة فضلا عن المكون السني الذي كان في يوم ما قبل ستة سنوات ربما كان يمثل حاضنة، أما الآن فهو مشترك في الحكومة ومشترك في التصدي لداعش"، حسب تعبيره.

عجز القوات

لكن هذه العملية تكشف أيضا عجز القوات المحلية، خاصة عندما نرى أن قوات سوريا الديمراطية لم تسيطر لأكثر من أسبوع بشكل كامل على السجن، وهناك مئات فروا من السجن، كما أنها لم تتمكن من دخول السجن لولا تدخل القوات الأميركية. 

ويقول "هذا يكشف أنه لو انسحبت أميركا سيعود التنظيم ويتمكن من السيطرة، وهذا بسبب تنامي قوة داعش وضعف القوات المحلية، مع استمرار وجود الأسباب الجذرية التي تسببت في ظهور وصعود داعش، وعدم وجود تقدم وإيجاد حل للصراع في سوريا وفساد وسوء حوكمة وطائفية في العراق، وهو ما يستثمره التنظيم".

ويضيف: "التنظيمات تعتمد على تعدد الملاذات واستغلال الفرص، وأفغانستان قد تكون أرضا خصبة الآن في جنوب شرق آسيا وكذلك آسيا الوسطى وأفريقيا.. لا تزال الظاهرة منتشرة لكن مركز التنظيم، حتى لو حصل تقدم هنا أو هناك، سيبقى قيادته ومركزه في العراق وامتداده في سوريا". 

واعتبر أبو هنية أنه "من دون جهد التحالف الدولي والطائرات من دون طيار والاستخبارات سيحدث كثيرا مثلما حدث في الحسكة، لأن القوات العراقية غير مؤهلة بغض النظر عن قوات مكافحة الإرهاب المدربة نوعا ما، لكن بقية القوات مثل الإسناد والحشد الشعبي غير مؤهلة، والخروج الأميركي سيجرأ التنظيم وستتنامى عملياته". 

النائب السابق لوزير الدفاع الأميركي، مايكل مولروي، قال في مقابلة مع قناة "الحرة" إن "داعش قام بهجمات في الرقة والحسكة وديالى وذلك يظهر أنه لو لم نستمر في هذه المهمة، ورأيي أن نعود إلى زيادة عدد القوات، ومزيد من التعاون بين الولايات المتحدة والقوات العراقية". 

وفي وقت يرى أبو هنية أن تنظيم داعش قد يتمكن من السيطرة على بعض الأراضي في العراق في غضون ستة أشهر من خروج القوات الأميركية كما حدث في عامي 2010 و2011، وكما حدث في أفغانستان، فإن أبو رغيف يستبعد أن يحدث هذا السيناريو مرة أخرى ويقول: "بالمعطيات التي أمتلكها لا أعتقد أن التنظيم سينجح في العودة والسيطرة على مساحات كبيرة، لأنه بات متفرقا ولا يمتلك القوة لذلك، بدليل أنه أخفق في أن يصدر أي فيديو له من العراق إذا استثنينا الأسبوعين المنصرمين". 

"جيش في الانتظار"

ويحذر أبو هنية من جيل جديد من المقاتلين، مشيرا إلى أنه "كل عشر سنوات نرى تجدد الأجيال، وما كانوا يسمون بأشبال الخلافة أصبحوا شبابا حاليا". 

وأوضح: "نتحدث حاليا أيضا عن 12 ألف مقاتل في السجون منهم ألفان من الأوروبيين، ولا يتعامل أحد مع الأمر بجدية، فضلا عن 70 ألف من عوائل داعش في مخيمات مثل الهول وغيره، وهو ما أعتبره "جيشا في الانتظار". 

وعقب الإعلان السياسي بإنهاء خلافة داعش، اتخذت الإدارة الأميركية قرارا بسحب القوات من سوريا ثم بضغط من البنتاغون خفض عدد القوات إلى 900 بعد أن كانت 2500، مما أدى إلى تخفيض المهمات القتالية. 

الخبير العسكري العراقي، إسماعيل السوداني: قال في مقابلة مع قناة "الحرة" إن "هناك ظروفا تلائم داعش ليظهر ما بين فترة وأخرى، بعضها يرتبط بالوضع السياسي والأمني والاقتصادي والخلافات السياسية، وهناك عوامل داخل المؤسسة العسكرية"، مشيرا إلى أنه "من الواضح أن هناك ضعفا في التدريب والقيادة والسيطرة والاستخبارات والقضايا اللوجستية". 

واعتبر أن "الخطط التي يواجه بها الجيش العراقي أو القوات الأمنية الإرهاب في الوقت الحاضر أغلبها دفاعية احترازية نطلق عليها إجراءات سلبية"، مشيرا إلى أن "الحرب ضد الإرهاب يجب أن تعتمد بالأساس على استخبارات قوية وخطط إجهاض العمليات قبل أن تحدث، ولذلك هناك قلق على الوضع الأمني". 

لكن أبو رغيف يقول إن "التنظيم تحت السيطرة في الوقت الراهن، نعم قد يفلح في تنفيذ بعض الهجمات، لكن سرعان ما تتم ملاحقته واختراقه من خلال المعلومات التي توفرها الأجهزة الاستخبارية، وآخرها اليوم توجيه ضربة لستة في أحد مناطق الموصل بناء على معلومات استخبارية بضربة جوية، وأمس كان هناك استهداف لتسعة مما نفذوا عملية ديالى التي راح ضحيتها عشرة من الجنود وضابط، فالملاحقة مستمرة". 

وتقول المتحدثة الإقليمية للخارجية الأميركية، جيرالدين غريفث، إن "التحالف الدولي يعمل على جميع الأصعدة مثل تجفيف منابع تمويل داعش وبناء شبكة دولية لمكافحة الفروع الناشطة في كافة انحاء العالم بالإضافة إلى محاربة الأفكار المتطرفة. ندرك أن هناك صعوبات إضافية لذلك نواصل جهودنا الدولية مع الشركاء في المنطقة لهزيمة داعش بشكل تام". 

صورة تعبيرية لركاب على الخطوط الجوية العراقية
صورة تعبيرية لركاب على الخطوط الجوية العراقية

أعلنت وزارة النقل العراقية، الأحد، عن إيقاف مؤقت للرحلات الجوية بين بغداد وبيروت، وذلك بسبب التطورات الأمنية الراهنة في الأجواء السورية.

وذكر بيان للوزارة، أنه  الشركة العامة للخطوط الجوية العراقية أعلنت إيقاف مؤقت للرحلات الجوية بين بغداد وبيروت، بما في ذلك الرحلات المجانية المخصصة لنقل ضيوف العراق من اللبنانيين الراغبين بالعودة طوعاً إلى بلدهم".

وأوضحت الوزارة أن "هذا القرار يأتي بسبب التطورات الأمنية الراهنة في الأجواء السورية التي تُعد الممر الجوي الرئيسي لهذه الرحلات، مع الاستمرار في مراقبة المستجدات والتنسيق مع الجهات المختصة لتقييم الوضع بشكل دوري".

ودعا البيان، "المسافرين المتأثرين بهذا الإجراء إلى التواصل مع مكاتبنا للحصول على مزيد من المعلومات حول الخيارات المتاحة، بما في ذلك إعادة جدولة الرحلات أو استرداد التذاكر من مكاتبنا دون فرض أي غرامات".

وتابع "نعتذر عن أي إزعاج قد يسببه هذا القرار"، مؤكداً أن "الأولوية هي سلامة الجميع وسيتم متابعة الأوضاع عن كثب وإعادة تشغيل الخط عند استقرار الأوضاع الأمنية".

في سياق متصل، ذكرت وكالة الأنباء العراقية الرسمية، أن بغداد أخلت سفارتها في سوريا ونقل موظفيها إلى لبنان بعد ساعات من إطاحة فصائل من المعارضة برئيس بشار الأسد، وإعلانهم السيطرة على العاصمة.

ولم تتطرق الوكالة لأسباب الخطوة.