بغداد تحاول تطبيق قرار إدارة ملف الطاقة الذي يعارضه إقليم كردستان
بغداد تحاول تطبيق قرار إدارة ملف الطاقة الذي يعارضه إقليم كردستان

نددت حكومة إقليم كردستان العراق، الأربعاء، بـ"الضغوط غير العادلة" التي اعتبرت أن وزارة النفط الاتحادية تقوم بممارستها ضدّها، بعد أيّام من قرار قضائي قضى بإبطال عقود شركات نفطية مع الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي. 

وأبطلت محكمة تجارية، الإثنين، في بغداد إثر دعوى مقدّمة من وزارة النفط العراقية، عقوداً موقّعة بين حكومة الإقليم وشركات كندية وبريطانية وأميركية ونروجية. 

ويعدّ هذا القرار فصلاً جديداً من فصول النزاع بين الإقليم وبغداد حول كيفية إدارة ملفّ النفط. وفي فبراير الماضي، ألزمت المحكمة الاتحادية العليا الإقليم تسليم كامل النفط المنتج على أراضيه للحكومة الاتحادية، مانحاً إياها الحقّ بمراجعة كافة العقود النفطية في الإقليم وبالتالي إبطالها. 

وتحاول بغداد مذّاك تطبيق هذا القرار الذي يعارضه إقليم كردستان الراغب في الحفاظ على استقلالية في قطاع الطاقة.

وخلال اجتماع، الأربعاء، استعرض مجلس وزراء إقليم كردستان "الخطوات الدستورية والقضائية والقانونية المتعلقة بحكومة إقليم كردستان إزاء الضغوط غير العادلة وغير الدستورية التي تمارسها وزارة النفط العراقية الاتحادية"، بحسب بيان. 

وأضاف البيان أن المجلس شدّد "على عدم التنازل عن الحقوق والمستحقات الدستورية لشعب إقليم كردستان بأي شكل من الأشكال". 

وقال مسؤول رفيع في قطاع النفط في بغداد لوكالة فرانس برس إن العقود الملغاة هي لشركات WesternZagros الكندية وDNO النروجية وHKN Energy المتواجدة كذلك في تكساس، وGenel التي تملك حضوراً في البورصة في لندن. 

وأوضح المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن هويته أن "المحكمة التجارية تبطل جميع العقود المبرمة التي لا تتوافق مع قرار المحكمة الاتحادية". 

وأشار إلى أن الحكومة رفعت دعاوى بحقّ سبع شركات بالمجمل، عاملة في إقليم كردستان، كما بحقّ وزير الموارد الطبيعية الحالي والسابق في الإقليم، في إطار هذا الملفّ. 

وفي هذا السياق، أعلنت شركات شلمبرجيه Schlumberger وبيكرهيوز Baker Hughes، وهاليبرتون Halliburton بأنها لن تقدم "على مشاريع جديدة في إقليم كردستان امتثالاً لقرار المحكمة الاتحادية"، وفق بيان لوزارة النفط العراقية الاثنين. 

وأضاف البيان أن الشركات "هي الآن في طور تصفية وإغلاق المناقصات والعقود القائمة".

من جهته، يطالب الإقليم بالتفاوض على حلّ مع الحكومة الاتحادية بخصوص هذا الملف وقام برفع دعوتين قضائيتين أحدهما ضدّ وزير النفط. 

وكانت واشنطن قد دعت حكومتي العراق وإقليم كردستان، في أواخر يونيو الماضي، إلى التفاوض بشأن الخلاف في ملف النفط، والاستفادة من بعثة الأمم المتحدة المكلفة بالمساعدة في هذه القضية. 

وقال متحدث في الخارجية الأميركية لـ"الحرة" حينها إنه "على حكومة العراق وحكومة إقليم كردستان الجلوس إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل لقضية النفط يكون مقبولاً للطرفين وتجنب اتخاذ خطوات تؤجج التوترات". 

وأضاف المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن "التفويض الجديد لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي" يكلفها على وجه التحديد بمساعدة الأطراف على تحقيق ذلك". 

واستطرد: "لذا فإننا نشجع حكومتي إقليم كردستان والعراق على تحقيق أقصى استفادة من مساعي بعثة الأمم المتحدة الحميدة".

يملك العراق موارد نفطية هائلة تمثّل 90 في المئة من عائداته، لكن ملفّ النفط غالباً ما يشكّل مصدراً للتوتر بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية. 

صدّر العراق في حزيران/يونيو أكثر من 101 مليون برميل من النفط، بعائدات بلغت 11,5 مليار دولار، وفق أرقام حكومية أولية. 

وينتج إقليم كردستان أكثر من 400 ألف برميل في اليوم.

حزب العمال

لن يضع قرار حزب العمال الكردستاني التركي (PKK) حل نفسه نهاية لحرب دامت أكثر من 4 عقود، فحسب، بل نهاية لحقبة شكلت الديناميكيات الأمنية والسياسية في إقليم كردستان ـ العراق، أيضا.

وأعلن حزب العمال الكردستاني في 12 مايو الحالي، عن حل بنيته التنظيمية وإنهاء الكفاح المسلح، والأنشطة التي كانت تجري تحت لواء "PKK"، استجابة لنداء أطلقه زعيم الحزب ومؤسسه المعتقل في تركيا عبدالله أوجلان نهاية فبراير الماضي.

وطالب العمال الكردستاني، في بيان، تركيا بمنح زعيمه أوجلان حق إدارة المرحلة المقبلة، والاعتراف بحقه في العمل السياسي، وتوفير ضمانات قانونية شاملة في هذا الشأن.

وأشار البيان إلى أن الحزب نظم مؤتمره الثاني عشر في ظروف صعبة، مع استمرار الاشتباكات، وتواصل الهجمات البرية والجوية للجيش التركي.

وأضاف أن "المؤتمر أُنجز بنجاح وبشكل آمن، حيث أُجري في منطقتين مختلفتين بشكل متزامن لأسباب أمنية. وشارك فيه ما مجموعه 232 مندوبا. واتخذ خلاله قرارات تاريخية تعبر عن الدخول في مرحلة جديدة لحركتنا من أجل الحرية".

ويشير خبير العلاقات الدولية، حسن أحمد مصطفى، إلى أن قرار حزب العمال الكردستاني بحل نفسه يمكن أن يؤدي إلى انخفاض كبير في الاشتباكات المسلحة في إقليم كردستان، خاصة في منطقة بهدينان ومحافظة أربيل، ويقلل من الغارات الجوية في مناطق قنديل وشاربازير والسليمانية، التي يتمتع فيها العمال الكردستاني بحضور قوي.

ويضيف مصطفى لـ"الحرة" قوله: "أنشأت تركيا بعد عام 2019، قواعد عسكرية دائمة في كردستان العراق، في مناطق من محافظة دهوك وبالقرب من جبل قنديل، لذلك حل حزب العمال الكردستاني قد يخفض من مبررات العمليات العسكرية التركية عبر الحدود".

وبين أن أنقرة أشارت إلى أنها ستراقب امتثال العمال الكردستاني لقرار الحل وإلقاء السلاح عن كثب قبل سحب قواتها من كردستان العراق.

ويلفت مصطفى إلى أن الصراع المسلح بين العمال الكردستاني وتركيا تسبب خلال السنوات الماضية بنزوح آلاف من مواطني كردستان العراق من قراهم وبلداتهم وأصبحت نحو 700 قرية في إقليم كردستان إما خالية تماما من سكانها أو معرضة للخطر.

وعلى الرغم من تأكيده على أن السلام الدائم سيسهل عودة النازحين إلى قراهم ومناطقهم، يلفت مصطفى إلى أن استمرار الوجود العسكري التركي قد يُؤخّر إعادة التوطين الكاملة.

ولعل من تداعيات حل العمال الكردستاني التي يتوقعها مصطفى، هي أن تدعو إيران إلى إنهاء المعارضة المسلحة الكردية الإيرانية بشكل كامل.

وتسعى طهران منذ نحو عامين عبر الاتفاق الأمني الذي ابرمته مع الحكومة العراقية إلى إنهاء المعارضة الكردية الإيرانية الموجودة في إقليم كردستان منذ أكثر من 4 عقود، وقد بدأت السلطات العراقية حسب الاتفاق بإبعاد الأحزاب الكردية المعارضة عن الحدود الإيرانية، ونزعت أسلحتهم.

وأصدرت مستشارية الأمن القومي العراقية، التابعة لمجلس الوزراء، في 24 أبريل الماضي، قرارا يحظر جميع أنشطة الأحزاب والجماعات الإيرانية المعارضة الموجودة على الأراضي العراقية.

ورغم إعلان حل الحزب والتخلي عن السلاح، لم تحدد آلية تنفيذ القرارين بعد، خاصة لجهة كيفية إلقاء السلاح والجهة تتسلمه من مقاتلي حزب العمال.

وأوضح وزير الداخلية في حكومة إقليم كردستان، ريبر أحمد، في مؤتمر صحفي عقده في أربيل مطلع الأسبوع، أنه "مازال من المبكر الحديث عن كيفية إلقاء السلاح وأين سيسلم هذا السلاح ولمن؟ جميعنا نراقب هذه العملية، المهم أن تنتهي العمليات العسكرية والاشتباكات المسلحة في مناطق كردستان، ويتمكن مواطنونا من العودة الى مناطقهم ويحل السلام والاستقرار".

ولا يقتصر وجود العمال الكردستاني في جبل قنديل والسلاسل الجبلية والمناطق الحدودية بين إقليم كردستان وتركيا، بل تتمركز وحدات مقاومة سنجار "اليبشة" التابعة لـ(PKK) في قضاء سنجار غربي الموصل أيضا.

واعتبر سياسيون في إقليم كردستان العراق خلال تصريحات سابقة لـ"الحرة"، هذه الوحدات وفصائل الحشد الشعبي سببا في عدم استقرار الأوضاع في سنجار، وأبرز عائق أمام تنفيذ اتفاقية سنجار التي وقعتها بغداد وأربيل عام 2020 برعاية دولية لتطبيع الأوضاع في تلك المنطقة وإعادة النازحين إليها.

لذلك من المتوقع أن يساهم قرار الحزب بإلقاء السلاح في تطبيق اتفاقية سنجار وعودة الاستقرار إلى المدينة، التي شهدت خلال السنوات الماضية العديد من الغارات الجوية التركية التي استهدفتها بسبب وجود مواقع للعمال الكردستاني فيها. 

ويرى رئيس منظمة كردستان لمراقبة حقوق الإنسان، هوشيار مالو، أن قرار حل حزب العمال الكردستاني بإلقائه السلاح سينهي مبررات الدولة التركية في التدخل في دول المنطقة ومنها العراق وسوريا بحجة وجود مقاتلي وأعضاء العمال الكردستاني.

ويوضح مالو لـ"الحرة"، "بعد قرار الحل، ستنهي تركيا وجودها العسكري في العراق، أو على الأقل ستبدأ مرحلة جديدة من العلاقات مع بغداد وإقليم كردستان، لذلك على السياسيين العراقيين بالدرجة الأساس التهيئة للتفاوض والتفاهم من أجل انسحاب القوات التركية من الأراضي العراقية".

ويعتقد مالو أن جزءا من مقاتلي العمال الكردستاني أو مجاميع أخرى تابعة له قد ينشقون عن الحزب ويرفضون إلقاء السلاح، لكنه يرى أنهم لن يؤثروا على عملية السلام، لأن المرجع الفكري للحزب والمجموعات المرتبطة به قرروا تغيير مصيره.

ولفت إلى أن "قرار الحزب بإلقاء السلاح سيلقي بظلال إيجابية على المنطقة بأسرها".

وبحسب إحصائيات شبه رسمية، أنشأت تركيا خلال السنوات الماضية أكثر من 87 قاعدة عسكرية داخل الأراضي العراقية على طول 200 كيلومتر من الحدود بين البلدين. منها 7 قواعد جديدة، أنشأتها خلال عملياتها العسكرية التي انطلقت في يونيو الماضي ضمن حدود منطقة برواري بالا في محافظة دهوك، بينما بلغ عمق توغلها 15 كيلومتراً، وهو أكثر بسبعة كيلومترات مقارنة بالعملية البرية السابقة التي كانت في عام 2021.

وكشفت إحصائية صادرة عن منظمة فرق صناع السلم المجتمعي (CPT) الأميركية في إقليم كردستان العراق، حصل موقع "الحرة" عليها في مارس الماضي، عن مقتل وإصابة 721 مدنيا في إقليم كردستان منذ يناير 1991، إثر القصف والعمليات العسكرية التركية ضد مقاتلي PKK.

وأشارت المنظمة في بيان، مساء الخميس، إلى أن الجيش التركي ما زال يواصل هجماته داخل أراضي كردستان العراق، رغم إعلان العمال الكردستاني حل نفسه.

وأضافت المنظمة أن "القوات التركية نفذت منذ 12 مايو وحتى الآن، 31 هجوما وقصفا على إقليم كردستان"، وبلغت الهجمات المسلحة ذروتها الخميس، بحسب البيان.