أكثر من 56 ألف منزل دمر وتم تسجيل أسماء 11 ألف مفقود خلال معارك تحرير الموصل
أكثر من 56 ألف منزل دمر وتم تسجيل أسماء 11 ألف مفقود خلال معارك تحرير الموصل

خمسة أعوام مرت على إعلان تحرير مدينة الموصل من سيطرة تنظيم داعش ولا تزال مشاهد الدمار التي خلفتها معارك طرد التنظيم من المدينة قائمة من دون أن تكون هناك "إرادة حقيقية" لإعادة إعمار ما دمرته الحرب.

وكانت وزارة التخطيط العراقية أعلنت في وقت سابق أن كلفة الدمار الذي خلفه احتلال تنظيم داعش لأجزاء واسعة من العراق بلغت أكثر من 88 مليار دولار، كان نصيب الموصل منها كبيرا، بعد تدمير أكثر من 56 ألف منزل، وتسجيل أسماء 11 ألف مفقود.  

وتقدر الحكومة العراقية أن الموصل تحتاج إلى ملياري دولار على الأقل كمساعدات لإعادة الإعمار الذي سيشمل إعادة فتح الشوارع وبناء المنازل المهدمة والمتضررة وأمورا أخرى.

لكن، كل هذا لم يحدث وفقا للناشطة المدنية من مدينة الموصل سرور الحسيني التي ضربت مثالا بالمدينة القديمة وسط الموصل.

وأصبحت المدينة القديمة، الغنية بتراث عمره ألف عام، ركاما، لا سيما حي محلة الميدان الشهير، الذي دمر بشكل كامل نتيجة تمركز المعارك حوله.

وتقدر مصادر حكومية أن أكثر من 80 في المئة من بناها التحتية وأبنيتها لا يزال مدمرا.

أكثر من 56 ألف منزل دمر وتم تسجيل أسماء 11 ألف مفقود خلال معارك تحرير الموصل

تقول الحسيني لموقع "الحرة" إن "المدينة مدمرة بالكامل ولا تزال الجثث تحت الأنقاض في المدينة القديمة حيث تنبعث الروائح الكريهة وحتى في بعض الأحيان نرى بقايا عظام بشرية واضحة في العراء".

وتضيف الحسيني، التي شاركت مع فريق مدني في إخراج بعض الجثث، "لا نمتلك تقديرات عن عدد الجثث التي لا تزال هناك، نحن كمنظمات ساهمنا برفع عدد منها والدفاع المدني كذلك، ونعتقد أن ما تبقى عدد قليل جدا".

وإضافة لذلك تقول الحسيني إن "هناك بطءا في إعادة إعمار الجسور الرئيسية ف الموصل، وخاصة الجسر العتيق حيث تم بناء جسر مؤقت محاذٍ له والأعمار فيه لا يزال بطيئا"، مشيرة إلى أن الجسرين الخامس والرابع شهدا حلولا ترقيعية ولا يزالان غير منجزين".

كذلك مطار المدينة، تبين الحسيني أن "هناك يوميا حديث عن ذلك من دون تحرك حقيقي، وأيضا الفنادق الكبيرة في المدينة لا تزال مهدمة"، لافتة إلى أن أهالي الموصل "سمعوا عن تخصيصات بمليارات الدولار لإعمار المدينة، لكننا لم نر أي شيء على الأرض".

في صيف العام 2017، أقيمت احتفالات رسمية لمناسبة تحرير الموصل التي كانت تعتبر بمثابة "عاصمة" تنظيم داعش، لكن أهالي المدينة وجدوا أنفسهم بعد ذلك وسط ركام منازلهم ومحلاتهم.

ويشعر أهالي المدينة عموما بوجود إهمال حكومي لهم بسبب ما يرون أنه مركزية شديدة تؤخر وصول الأموال وصرف حصصهم من الموازنة وبالأخص، صرف التعويضات عن الأضرار التي تسببت فيها الحرب.

يقول الأستاذ في جامعة الموصل موفق الويسي إن "من الأمور الإيجابية التي حصلت بعد التحرير، هو أن أهالي المدينة مسكوا زمام المبادرة وبدأوا بعمليات إعادة إعمار المدينة وسط غياب شبه كلي للجهد الحكومي المركزي وضعف الحكومة المحلية".

ويضيف الويسي أن "من الملاحظ أنه لا توجد خطة حقيقية وإرادة لإعادة إعمار المدينة، ومثال على ذلك مطار الموصل الذي لا يزال مجرد حبر على ورق".

ويرى الويسي أن "القائمين على صرف الأموال غير جديين ولم يضعوا خطة حقيقية وأولويات للبدء، ولهذا نرى أن هناك مبالغ كبيرة صرفت لكنها لم تأخذ بنظر الاعتبار احتياجات الناس الحقيقية مثل المستشفيات والجسور والطرق الرئيسية والمدارس المدينة القديمة وغيرها".

الحكومة العراقية تقدر أن الموصل تحتاج إلى ملياري دولار على الأقل كمساعدات لإعادة الإعمار

ويشير الويسي إلى أن "المدينة القديمة هي أيقونة الموصل وقلب نينوى وتعتبر رمزا من رموز العراق بشكل عام باعتبارها منطقة أثرية عتيقة، لكنها لا تزال مدمرة بعد مرور خمس سنوات على معارك التحرير".

دفع البطء في عملية إعادة الإعمار رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي إلى زيارة الموصل في أغسطس الماضي، معلنا من هناك تشكيل "لجنة إعمار الموصل" لرسم "خريطة شاملة وخطة عمل".

ومع ذلك لا تزال المشاكل ذاتها قائمة، من تأخر في معاملات تعويض المتضررين إلى تنفيذ مشاريع الإعمار وانتهاء بالإجراءات البيروقراطية التي تعرقل كل ذلك.

ويقول عضو مجلس محافظة نينوى حسام الدين العبار إن "المدينة تعرضت لدمار هائل نتيجة عمليات التحرير"، مضيفا أنه "حصلت جهود من قبل منظمات دولية ومحلية والحكومتين المحلية والمركزية، لكن حجم الدمار لا يوازي حجم المبالغ المخصصة للمحافظة".

ويضيف العبار لموقع "الحرة" أن "هناك أيضا ملفات مهمة متأخرة لم تحسم لحد اللحظة، ومنها ملف التعويضات حيث هناك شكاوى من الاجراءات الإدارية المعقدة، التي أخرت إنجاز نحو 50 ألف معاملة".

مصادر حكومية تقدر أن أكثر من 80 في المئة من البنى التحتية في الموصل القديمة وأبنيتها لا يزال مدمرا

أيضا، يشير العبار إلى أن "بعض المشاريع ومنها إعمار الجسور تحتاج لجهد وموافقات من قبل الحكومة المركزية، فيما يؤكد أن "أغلب المستشفيات في الجانب الأيمن لا يزال نسبة إعادة إعمارها صفر في المئة".

يعزو العبار بعض أسباب التلكؤ أيضا إلى "التدخلات التي تقوم بها جهات سياسية من خارج محافظة نينوى، وخاصة فيما يتعلق بقضايا إحالة المشاريع للشركات والمشاريع".

رفض العبار الكشف عن أسماء هذه الجهات، لكنه قال إنها "معروفة ولديها نواب في البرلمان وبعضها تمتلك أجنحة مسلحة".

وفيما يتعلق بالمدينة القديمة، يقول العبار إنها "تعرضت لدمار هائل ولا تزال الألغام منتشرة فيها، وهو ما جعل العمل بها صعبا جدا لأن البيوت متداخلة بعضها بالبعض".

أما ملف المطار، فيشير العبار إلى أن قضيته "شائكة جدا لإن فيه جانب إداري وسياسي في الوقت ذاته"، مبينا أن "الموافقات على تخصيص مبالغ له حصلت لكن المسائل السياسية تعيق العمل والتقدم به".

صورة أرشيفية لرئيس الجمهورية العراقية عبد اللطيف رشيد- تعبيرية
صورة أرشيفية لرئيس الجمهورية العراقية عبد اللطيف رشيد- تعبيرية

أقام رئيس الجمهورية، عبد اللطيف جمال رشيد، دعوى قضائية أمام المحكمة الاتحادية العليا ضد كل من رئيس مجلس الوزراء الاتحادي، ورئيس مجلس النواب، ووزيرة المالية الاتحادية، إضافة إلى وظائفهم.

وتضمنت الدعوى 4 مطالب لرشيد في ما يخصّ رواتب موظفي إقليم كردستان، أولها "إصدار أمر ولائي عاجل، يُلزم وزارة المالية الاتحادية بصرف رواتب موظفي إقليم كردستان بجميع فئاتهم، سواء للأشهر السابقة أو اللاحقة، مع التأكيد على عنصر الاستعجال في هذه القضية".

وثانيها: "ضمان الاستمرارية، بإلزام وزارة المالية بصرف الرواتب دون توقف أو تأخير، وعدم ربطها بأي متطلبات إدارية أو فنية مثل ميزان المراجعة أو الإجراءات الرقابية الأخرى".

وثالثها: "توطين الرواتب وفق تعليمات البنك المركزي العراقي، والسماح للموظفين باختيار المصرف الذي يفضلونه، بالتنسيق بين وزارة المالية الاتحادية ونظيرتها في حكومة الإقليم".

ورابع هذه المطالب في دعوى الرئيس العراقي "تعديل قانون الموازنة"، حيث طالب مجلس النواب بتعديل البند (12) الفقرة (ج) من قانون الموازنة العامة لعام 2023. وضمان تنفيذ تعهدات الإقليم بتمويل الخزينة العامة بإيراداته النفطية بشكل عادل وشفاف".

أيضاً دعا رشيد لإلغاء شرط تخصيص 6 دولارات أميركية لكلفة إنتاج النفط في الإقليم، باعتباره "تعسفياً" ويضر بالمصلحة الاقتصادية للدولة.

تظاهرات وإضراب طعام

وتأتي دعوى رشيد بالتزامن مع استمرار التظاهرات والإضراب عن الطعام في إقليم كردستان؛ تنديدا باستمرار مشكلة رواتب الموظفين.

كما يستمر الجدل بشأن آلية صرفها، ومساعي الحكومة الاتحادية لإيجاد حلول تضمن استقرار التمويل والعدالة في توزيع الموارد.

ونقل نشطاء في مواقع التواصل صوراً ومقاطع فيديو يزعمون فيها أن القوات الأمنية في الإقليم قمعت المحتجين واعتدت عليهم بالضرب أو بالغاز المسيل للدموع.

بعضهم تساءل عن دور المحافظات التابعة للحكومة الاتحادية في دعم هذه التظاهرات، أسوة بما جرى في "انتفاضة تشرين" خريف 2019.

وعلقت رئيسة كتلة "حراك الجيل الجديد" النيابية سروة عبد الواحد، على ما يجري في كردستان: "السلطة التي لا تريد سماع مطالب شعبها لا تستحق البقاء".

وأوضحت في منشور على حسابها في منصة إكس، الأحد، أن القوات الأمنية التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني منعت المتظاهرين من دخول أربيل.

وأضافت عبد الواحد "السلطة التي تغلق آذانها ولا تريد سماع مطالب شعبها لا تستحق البقاء، ولن يكون مصيرها أفضل من غيرها من دكتاتوريات المنطقة".

رد الحكومة الكردية

وقالت وزارة الداخلية في حكومة كردستان العراق، الأحد، إن تلبية مطالب الموظفين والمواطنين كانت ولا تزال ضمن أولوياتها.

وأكدت "استمرار" التنسيق مع الحكومة الاتحادية لإيجاد حلول مناسبة، مشيرة لتحقيق "تقدم ملموس" بهذا الشأن، بحسب بيان رسمي.

وقالت الوزارة إنها "تعمل بروح المسؤولية لمعالجة القضايا العالقة، ملتزمةً بالحوار والتفاوض ضمن الأطر القانونية للوصول إلى حلول مستدامة".

وحذرت الوزارة من محاولات بعض الأطراف، سواء داخل العراق أو خارجه، لاستغلال المطالب المشروعة "لأغراض أخرى" وفق تعبيرها.

واتهمت حزب العمال الكردستاني ( بي كي كي) وجماعات وصفتها بـ"الخارجة عن القانون"، بأنها تسعى إلى "الإخلال بأمن واستقرار مناطق في الإقليم" في إشارة إلى أنها من يقف خلف التظاهرات.

كما جاء في بيان وزارة الداخلية الكردية أنها "تحترم حق التظاهر السلمي"، مشددةً على أنها "لن تتهاون مع أية محاولات تهدف لزعزعة الأمن أو تجاوز القانون".

وقالت إن "أي تصرفات غير قانونية ستواجه بالإجراءات القانونية اللازمة".

في سياق متصل، قال محافظ أربيل أوميد خوشناو، الأحد، إن المحافظة لم تتلق أي طلبات رسمية لتنظيم تظاهرات أو اعتصامات، محذراً من أن أي تظاهرة غير قانونية ستواجه بالقانون.

وأضاف خوشناو في مؤتمر صحفي أن "أي جهة ترغب في إقامة تظاهرة أو اعتصام من دون الحصول على التقديرات أو الموافقات القانونية، سنقف أمامها باسم القانون وقوانين تنظيم التظاهرات".


قرار سابق "بتوطين الرواتب"

وفي فبراير 2024، أمرت المحكمة الاتحادية حكومة في بغداد، بدفع رواتب موظفي كردستان مباشرةً، دون إرسالها إلى سلطات الإقليم، في ظلّ تأخير تسليم جزء من الرواتب على مدى أشهر.

وألزم رئيس المحكمة جاسم العميري في الحكم الذي بثّه التلفزيون الرسمي الحكومة في بغداد "بتوطين رواتب" جميع موظفي الإقليم بكافة الوزارات والمؤسسات العامة، فضلاً عن المتقاعدين والمستفيدين من الرعاية الاجتماعية، "لدى المصارف الحكومية الاتحادية العاملة خارج الإقليم".

وأوضح أن هذه المدفوعات "تخصم من حصة الإقليم المحددة بموجب قانون الموازنة لهذه السنة وللسنوات القادمة".

وأضاف القاضي أنه ينبغي على كل الجهات المعنية بهذه الآلية الجديدة "تنفيذ" القرار "دون الرجوع" إلى سلطات الإقليم.

ويلزم القرار كذلك أربيل "بتسليم جميع الإيرادات النفطية وغير النفطية إلى الحكومة الاتحادية"، فارضاً كذلك تدقيقاً على البيانات الخاصة بتلك الايرادات.

وكان لإقليم كردستان مصادر تمويل مستقلة لسنوات متأتية من صادراته النفطية.

لكن منذ مارس 2023، توقّفت تلك الصادرات نتيجةً لقرار هيئة التحكيم في غرفة التجارة الدولية في باريس التي حكمت لصالح العراق في نزاعه مع تركيا بشأن صادرات النفط من كردستان.

وينبغي إثر هذا القرار أن تمرّ مبيعات نفط الإقليم عبر الحكومة الاتحادية في بغداد، مقابل نسبة في الموازنة الاتحادية تخصص لإقليم كردستان.

وتشهد العلاقات بين بغداد والإقليم الذي حصل على حكم ذاتي عام 1991، توتراً متواصلاً لا سيما حول قضية رواتب الموظفين التي تسمم العلاقات بين الطرفين بشكل متكرر.