الكاظمي شدد على ضرورة "وضع السلاح تحت سلطة الدولة في العراق"
الكاظمي شدد على ضرورة "وضع السلاح تحت سلطة الدولة في العراق"

أثارت الأحداث المتلاحقة التي شهدها العراق خلال الأيام الماضية، الحديث عن أزمة "السلاح المنفلت" في البلاد، وهو ما دفع الحكومة العراقية لتأكيد ضرورة "وضع السلاح في يد الدولة"، في ظل انتشار المليشيات المسلحة، وهو ما يصفه خبراء بـ"معضلة بلا حل".

وعلى خلفية التصعيد المسلح الذي شهده العراق، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال في العراق، مصطفى الكاظمي، تشكيل لجنة تحقيق لتحديد المسؤولين عن وضع السلاح بيد من فتحوا النار على المتظاهرين.

وقال الكاظمي "منذ أكثر من عامين ونحن نتبنى سياسة حصر السلاح بيد الدولة رغم كل الاتهامات والطعون والصواريخ التي وجهت إلينا".

وأشار الكاظمي إلى ضرورة "وضع السلاح تحت سلطة الدولة"، متحدثا عن أزمة تشهدها العراق بسبب "السلاح المنفلت"، وفقا لوكالة الأنباء العراقية "واع".

لكن قبل ذلك، قال مسؤول في الحكومة العراقية لـ"رويترز" إن السلطات لا تستطيع فرض سيطرتها على الفصائل المسلحة المتناحرة، مؤكدا أن الحكومة لا حول لها ولا قوة لوقف هذا، لأن الجيش منقسم بين موالين (لإيران) وأتباع الصدر.

صراع نفوذ

مقاتلو سرايا السلام التابعة للصدر في المنطقة الخضراء ببغداد في 30 أغسطس 2022

وتسببت الاشتباكات التي اندلعت، الاثنين، واستمرت قرابة 24 ساعة، بين جماعة مسلحة موالية لزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وفصائل شيعية منافسة تدعمها إيران، في مقتل 30 شخصا وإصابة حوالي 600 آخرين، وفقا لـ"فرانس برس".

وبعد الاشتباكات، أمر الصدر أتباعه، الثلاثاء، بإنهاء احتجاجاتهم وسط بغداد لتهدئة التوتر الذي أدى إلى أكثر أعمال العنف دموية في العاصمة العراقية منذ سنوات.

وجاءت الاشتباكات بين الفصائل المتنافسة بعد عشرة أشهر من الجمود السياسي الذي تشهده البلاد منذ الانتخابات البرلمانية في أكتوبر الماضي.

وبسبب الانقسامات الحادة بين الأطراف السياسية، لم يتم تعيين رئيس وزراء جديد ولا تشكيل حكومة بعد الانتخابات، وفشل البرلمان في انتخاب رئيس جمهورية جديد لبلد يعد بين أغنى دول العالم في موارده النفطية، لكنه غارق في أزمات اقتصادية واجتماعية.

ويتفق مقتدى الصدر وأبرز خصومه في الإطار التنسيقي وبينهم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، على نقطة واحدة لحل الأزمة، هي الحاجة إلى انتخابات مبكرة جديدة، لكن الصدر يصر على حل البرلمان أولا، بينما يريد خصومه تشكيل الحكومة قبل البرلمان.

ويمثل الإطار التنسيقي الواجهة السياسية للحشد الشعبي الذي يتعرض ولاءه المطلق لإيران إلى "انتقادات حادة" من شريحة واسعة من العراقيين،  وفقا لوكالة "فرانس برس".

ومن الواضح أن الأزمة مستمرة، لعدم توصل الكتلتين الشيعيتين الرئيسيتين إلى توافق، وهو ما دفع خبراء للتأكيد أن "الدولة هي الخاسر الأكبر لأنها تراقب (فقط) فريقين مسلحين قويين يتقاتلان على السلطة"، وفقا للوكالة.

تلك الوقائع تثير تساؤلا بشأن قدرة الدولة على مواجهة معضلة السلاح المنفلت.

"دولة المليشيات"

أنصار الحشد الشعبي يتجمعون لإحياء الذكرى الثانية لمقتل قاسم سليماني ببغداد في 1 يناير 2022

تحدث مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي حسين، عن "انتشار ظاهرة السلاح المنفلت في العراق بسبب المليشيات الطائفية المرتبطة بجهات خارجية"، واصفا ذلك بـ"الأزمة المعقدة".

وفي حديثه لموقع "الحرة"، أشار إلى ارتباط أغلب تلك المليشيات عسكريا بـ"الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس".

"ويبلغ عدد تلك المليشيات قرابة 34 وتتلقى التدريب والتسليح والدعم المالي من إيران، ما منح طهران نفوذا واسعا داخل الأراضي العراقية"، وفقا لحديث حسين.

ويتابع: "تمثل تلك المليشيات دولة عميقة داخل الدولة في العراق، وتمتلك قدرات اقتصادية ومالية وسياسية، ولديها مصانع للسلاح والصواريخ والطائرات المسيرة" داخل بعض المناطق في البلاد.

وتشير المحللة السياسية العراقية، لينا مظلوم، إلى "إشكالية مستمرة منذ سنوات بسبب رفض غالبية تلك المليشيات تسليم سلاحها الثقيل للحكومة والانضواء تحت مظلة الجيش العراقي".

وتقول مظلوم لموقع "الحرة": "خلال السنوات الماضية، استطاعت تلك المليشيات تحويل العراق إلى ساحة خلفية للصراعات الدولية، مستهدفة المصالح الغربية والدبلوماسية لخدمة المصالح الإيرانية".

وتحدث الباحث الاستراتيجي العراقي، مخلد حازم الدرب، عن "أزمة متجذرة في البلاد منذ سنوات بسبب المحاصصة الطائفية المتشعبة داخل الدولة العراقية".

ويشير في حديثه لموقع "الحرة"، إلى ولاء بعض القيادات العسكرية التي تأتمر بأوامر الأحزاب والكتل "ما أفشل الجهود الأمنية لاستعادة الأمن في العراق"، وخلق مليشيات ذات ولاءات غير وطنية.

وتمتلك تلك المليشيات "قاعدة عسكرية وسياسية ومالية" وتمارس أعمال منافية للقانون مثل "تهريب المخدرات والسلاح"، وفقا لحديث الدرب.

وأكد الدرب استحالة السيطرة على ظاهرة "انفلات السلاح" لأن تلك المليشيات "أقوى من الحكومة" ولديها "أحزاب سياسية" داخل البرلمان، واستطاعت السيطرة على "جميع مفاصل الدولة العراقية".

ما الحل؟

مقاتلو سرايا السلام التابعة للصدر يطلقون نيران أسلحتهم خلال الاشتباكات ببغداد في 30 أغسطس 2022

تلك المعطيات دفعت الخبراء الذين تحدث معهم موقع "الحرة"، للتأكيد على "عدم وجود حلول داخلية للأزمة المتجذرة".

ويستعبد غازي حسين إمكانية حل أزمة السلاح المنفلت عبر "المواجهة العسكرية" بين الجيش العراقي والمليشيات التي تقدر أعدادها بعشرات الآلاف لأن ذلك سوف يتسبب في "مجزرة حقيقية".

ويرى أن تدخل المجتمع الدولي سواء "دبلوماسيا أو سياسيا أو عسكريا" قد يكون الحل الأمثل لمواجهة ظاهرة "العنف المنظم" في المجتمع العراقي، وحل تلك المليشيات التي تمثل "دولة مسلحة داخل الدولة".

ويتحدث مخلد الدرب عن عدم إمكانية مواجهة تلك المليشيات المسلحة وحل أزمة السلاح المنفلت، سوى بتدخل "خارجي دولي أممي".

وتتفق مع ذلك لينا مظلوم التي تؤكد "ضرورة تدخل المجتمع الدولي" لوقف نزيف دماء العراقيين على يد المليشيات المسلحة، في ظل عدم وجود "حلول داخلية للأزمة".

وتشير مظلوم إلى "تهديد تلك المليشيات لآمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط بأكملها وليس العراق فقط".

الحشد الشعبي شارك في معارك تحرير جرف الصخر من داعش عام 2015 - أرشيف (رويترز)

رغم تكرار تعهداتها بحماية مستشاري قوات التحالف الدولي والمصالح الأميركية والغربية في العراق، فإن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تتمكن خلال السنوات الماضية من إيقاف هجمات وتهديدات المليشيات الموالية لإيران على هذه المصالح.

وذكر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي في بيان، الأحد الماضي، أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني جدد خلال اتصال هاتفي مع وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث "التزام العراق بحماية مستشاري التحالف الدولي الذين يتواجدون في العراق بناءً على دعوة من الحكومة العراقية لدعم جهود مكافحة داعش، كما شدد على التزام العراق بحصر استخدام القوة بيد الدولة وتعزيز الاستقرار الداخلي".

وقال رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، إحسان الشمري، لموقع "الحرة" إن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تستطع وقف التهديدات والهجمات التي طالت المصالح الأميركية في العراق، لعدم قدرتها على حصر السلاح بيد الدولة.

وأضاف أن الحكومات لم تتمكن أيضا "من الوصول إلى تفاهمات سياسية مع هذه الفصائل، وأيضا لعدم قدرتها على التأثير على بيئتها السياسية المتمثلة بالإطار التنسيقي الائتلاف السياسي الحاكم في العراق"، وفق رأي الشمري.

وأردف قائلا: "حاولت الحكومة ممارسة تأثير خارجي على هذه الفصائل بالحديث مع إيران، لكن لم تحقق تقدما ملموسا".

ولفت إلى أن التهدئة الحالية التي فرضت على هذه الفصائل نتيجة حسابات معينة قد تنتهي وتستأنف هذه الفصائل هجماتها، خاصة إذا ما استشعرت أن هناك هجوم وشيك عليها وحتى على إيران.

وكثفت الميليشيات العراقية الموالية لإيران المنضوية في ما يطلف عليها "المقاومة الإسلامية في العراق" خلال العامين الماضيين من هجماتها بالصواريخ والطائرات المسيرة على البعثات الدبلوماسية وقواعد التحالف الدولي والمصالح الأميركية في إقليم كردستان ومناطق عراقية أخرى. 

وشنت هجمات أيضا على إسرائيل وقواعد أميركية في سوريا، انطلاقا من الأراضي العراقية.

ويتفق الخبير الاستراتيجي، علاء النشوع، مع الشمري في عدم قدرة الحكومة العراقية على السيطرة على هذه الميليشيات وسلاحها.

وقال النشوع، لموقع "الحرة"، إن هذه الميليشيات التي يسميها بـ"قوى اللادولة" تمتلك قدرات أكبر من كل المؤسسات العسكرية والأمنية العراقية من ناحية الأسلحة والمعدات كالصواريخ، والطائرات المسيرة والمدفعية الثقيلة.

وأضاف: "لا يمكن مواجهة قوى اللادولة ومعالجتها من قبل أي قوة عسكرية عراقية حكومية، إضافة إلى أن القرار السياسي والعسكري والأمني العراقي محدود الصلاحيات، نظرا للتأثير المباشر لهذه القوى على القرار الحكومي، وأي قرار قد يصدر ضد إرادتها لن يكون مجديا".

ولفت النشوع الى أن العراق لا يستطيع اتخاذ أي قرار يخالف الأجندة الإيرانية، لأن إيران عبر نفوذها وأذرعها انتشرت في مفاصل الدولة العراقية. 

وبيّن أن "إيران تتحكم بكل مقدرات العراق ضمن قواعد اللعبة التي تديرها في المنطقة من خلال مفهوم وحدة الساحات، حتى بعد انهيار الساحتين اللبنانية والسورية ومضي الساحة اليمنية نحو الانهيار، لاتزال إيران تحتفظ بالساحة العراقية وتعتبرها مجالها الحيوي المؤثر على الوضع الإقليمي والدولي".

وأعلنت المليشيات العراقية في نوفمبر الماضي، عن إيقاف هجماتها ضد المصالح الأميركية وإسرائيل، عقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني. 

لكن قادة هذه المليشيات أكدوا في تصريحات صحفية، في الشهرين الماضيين، أن قرار إلغاء عملياتهم لا يعني إلغائها بالمطلق.

وأعرب الكاتب المحلل السياسي، علي البيدر، عن اعتقاده، أن الدولة العراقية بدأت تفرض نفسها في المشهد خصوصا في الجوانب الأمنية.

وقال البيدر، لموقع "الحرة"،  إنه "لا يمكن الحديث عن حماية مطلقة، لا للوجود الأميركي المسلح ولا للمصالح الغربية بشكل عام، لوجود تحديث مستمر للجماعات المسلحة والخطط الأمنية، حتى على مستوى المسميات، ففي كل يوم يظهر اسم وجماعة مسلحة وفصيل جديد وعملية جديدة، لكن الواقع الأمني اليوم أفضل، فضلا عن وجود رادع دولي قد يقلل من نسبة استهداف تلك المصالح".

ورأى البيدر أن عملية حصر السلاح بيد الدولة في العراق تحتاج إلى سنوات طويلة وإلى وعي مجتمعي وثقافة شعبية. 

وأضاف: "ما زلنا خارج الحسابات في هذا الجانب، يمكن أن يحصر السلاح عندما توفر بيئة مناسبة لذلك، قد تكون القوة المفرطة، أو الذهاب إلى خيار السلام الشامل".

وتنضوي الميليشيات العراقية الموالية لإيران في هيئة الحشد الشعبي، ووصل عددها إلى أكثر من 70 ميليشيا مسلحة معروفة، إلى جانب العشرات من الميليشيات غير المعروفة، التي أشرف الحرس الثوري الإيراني عبر جناحه الخارجي "فيلق القدس" على تأسيسها في أوقات مختلفة.

وكان وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، قال لرويترز، في يناير الماضي، إن العراق يحاول إقناع الفصائل المسلحة الموالية لإيران بإلقاء أسلحتها أو الانضمام إلى قوات الأمن الرسمية.

وتأتي هذه الخطوة على خلفية التحولات في الشرق الأوسط التي شهدت تدهور حلفاء إيران المسلحين في غزة ولبنان، والإطاحة بنظام بشار الأسد أكبر حلفاء طهران.

ويتوعد الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب - بعد تسلمه السلطة - بتكثيف الضغوط على طهران التي دعمت منذ فترة طويلة عددا من الأحزاب السياسية ومجموعة من الفصائل المسلحة في العراق.

ويشعر بعض المسؤولين في بغداد بالقلق من أن الوضع الراهن هناك قد ينقلب رأسا على عقب بعد ذلك، لكن حسين قلل من أهمية هذا الأمر في مقابلة مع رويترز خلال زيارة رسمية إلى لندن.