قيس الخزعلي (يمين) ومقتدى الصدر (يسار)
الخزعلي كان متحدثا باسم الصدر لكنه انشق عنه في أواخر عام 2005 ليشكل ميليشيا عصائب الحق

تنذر المواجهات المحدودة التي شهدتها مدينة البصرة جنوبي العراق، ليل الأربعاء، بين عناصر من ميليشيات سرايا السلام وعصائب أهل الحق بمزيد من التصعيد بين الطرفين، الذين انخرطا في "حرب غير معلنة" خلال السنوات الماضية عبر موجة اغتيالات متبادلة.

ولعدة ساعات اندلعت اشتباكات بين عناصر سرايا السلام التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من جهة، وعناصر ميليشيا عصائب أهل الحق، بزعامة قيس الخزعلي، بعد مقتل عنصرين من سرايا السلام.

وحاولت السلطات الأمنية العراقية التهدئة عبر نشرها بيانا، الأربعاء، قالت فيه إن ما جرى "هو عبارة عن وجود حادث جريمة قتل في مركز المحافظة وإصابة آخر".

وأضافت، في بيان نشرته خلية الإعلام الأمني، أن "القوات الأمنية ألقت القبض على عدد من المشتبه بهم وتقوم بواجباتها والتحقيق في هذا الحادث"، مشيرة إلى أن "الأوضاع الأمنية مسيطر عليها.. وهناك هدوء أمني وانتشار تام للقوات الأمنية في المحافظة".

الموقف "سيئ وقد يتصاعد"

لكن مصدرا أمنيا أبلغ وكالة فرانس برس أن الاشتباكات أسفرت عن مقتل أربعة مقاتلين، اثنان من "سرايا السلام" ومثلهما من "عصائب أهل الحق".

وقال المصدر، طالبا عدم الكشف عن اسمه، إن عنصرين من سرايا السلام قُتلا على أيدي عصائب أهل الحق، ما أدى إلى اندلاع مواجهات.

وأضاف أن السيارة التي كان يستقلها عنصران من سرايا السلام، استُهدفت فيما كانا يتجولان على مقربة من مقر عصائب أهل الحق، أحد الفصائل الأكثر نفوذا في قوات الحشد الشعبي التي تشكل جزءا من القوات العراقية الحكومية.

وأوضح أن مواجهات اندلعت بين الفصيلين وأدت إلى مقتل عنصرين من عصائب أهل الحق.

وصباح الخميس، أكد محافظ البصرة، أسعد العيداني، في تصريح نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع)، أن "الوضع في محافظة البصرة تحت السيطرة وآمن، والقوات الأمنية منتشرة".

في المقابل نقلت وكالة رويترز عن مسؤول أمني، طلب عدم نشر اسمه لأنه ليس مصرحا له الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام، قوله إن الموقف الأمني في البصرة سيئ وقد يتصاعد.

وذكرت رويترز أن مسلحين هاجموا صباح الخميس بنايات حكومية في البصرة، حيث توجد قوات أمنية وجماعات شبه عسكرية لها صلات بإيران.

وأضافت أن المسؤولين لم يتمكنوا من التعرف بعد على المسلحين الذين أطلقوا النار على المباني الحكومية، لكنهم قالوا إنهم يعتقدون أنهم من أنصار الصدر.

"خنجر في خاصرة الصدر"

وتنذر أحداث البصرة بمزيد من التصعيد بين الطرفين، اللذين تربطهما عداوة متأصلة منذ عدة سنوات، حيث استنكر صالح محمد العراقي المقرب من الصدر، بشدة مقتل عنصرين من سرايا السلام وشن هجوما علنيا غير مسبوق ضد زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي.

ونشر العراقي تغريدة على تويتر قال فيها "أحذرك يا قيس، إذا لم تكبح جماح مليشياتك الوقحة، وإذا لم تتبرأ من القتلة والمجرمين التابعين لك أو تثبت أنهم لا ينتمون إليك، فأنت أيضا وقح".

ورد قيس الخزعلي على نفس المنصة مطالبا أنصاره بغلق مكاتب "عصائب أهل الحق"، وعدم الرد على "الإساءات" التي توجه إليه بهدف تجنب تصعيد العنف.

ويقول أستاذ العلاقات الدولية، هيثم الهيتي، إن "الطرفين على عداء عميق منذ سنوات، وإن كان هذا العداء صامتا، لكنه اليوم بات علنيا".

ويضيف الهيتي، لموقع "الحرة"، أن "الصراع بين الصدريين وعصائب أهل الحق ربما يتحول لحرب صامتة مجددا، لكنه لن ينتهي أبدا لصعوبة بناء صلة وتواصل بين الطرفين".

ويرى الهيتي أن "حركة الخزعلي تمثل خنجرا في خاصرة الصدر، لعدة أسباب منها، أن زعيم العصائب لا يمتلك تاريخا دينيا أو سياسيا أو عائليا مثل الصدر وإنما هو كان أحد أتباع الصدر البسطاء ومن ثم انشق من داخل التيار الصدري لتشكيل مجموعة مسلحة معادية لتوجهات الصدر".

ويقول الهيتي إن هذه الخطوة كانت "أشبه بالخيانة للعائلة الصدرية والتيار بشكل عام كما يعتقد الصدر".

ويبين الهيتي أن "التيار الصدري هو تيار اجتماعي ولديه علاقات وثيقة مع تيارات من طوائف أخرى مثل السنة والكرد وعانى ما عانى من النظام السابق، بالمقابل الخزعلي كمجموعة نفذت عمليات قتل على أساس طائفي مما ساهم بتشويه صورة التيار الصدري وبث الخلاف بينه وبين المجموعات الأخرى".

واعتبر الصدريون هذه التحركات "طعنة في الظهر" لتيارهم الذي يقدم نفسه كمجموعة بتوجهات وطنية عراقية قبل أن تكون مجموعة شيعية، وفقا للهيتي.

وكان الخزعلي، المولود في عام 1974 بمدينة الصدر الفقيرة في بغداد، متحدثا باسم الصدر، لكنه انشق عن جيش المهدي (سرايا السلام حاليا) في أواخر عام 2005 ليشكل ميليشيا عصائب الحق.

ونفى الخزعلي مرارا تورط جماعته في الاقتتال الطائفي الذي أودى بحياة الآلاف في عامي 2006 و2007.

لكن الصدر كان قد أشار، في رد نشر على موقعه على الإنترنت في 2012 على سؤال بشأن التكهنات الخاصة بانضمام عصائب الحق إلى الحكومة، أن "أياديهم جميعا مخضبة بدماء العراقيين ويجب تحميلهم المسؤولية واستئصال شأفتهم".

ومنذ انفصال الخزعلي، الذي كان دائم الظهور خلف مقتدى الصدر، بدأ زعيم التيار الصدري بتوجيه نقد لاذع للفصائل الشيعية المسلحة المقربة من إيران، وأطلق عليها مرارا وصف "الميليشيات الوقحة" في إشارة إلى ميليشيا "عصائب أهل الحق".

وفي ديسمبر 2017، ظهر الخزعلي في لقطات تلفزيونية وهو يستهزئ بتوصيفات الصدر، وقال "نعم نحن الميليشيات الوقحة، لكن وقاحتنا مع الحق ضد الباطل".

وترى الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية، لهيب هيجل، أن "عمليات القتل الانتقامية والاشتباكات التي وقعت في مدينة البصرة الجنوبية هي استمرار لما حدث في بغداد، لكنها أيضا مؤشر على صراع شخصي" بالمقام الأول.

وتضيف هيجل، في تغريدة على تويتر، أن محافظة ميسان، على سبيل المثال، شهدت بعد الانتخابات الماضية التي جرت في أكتوبر، اغتيالات متبادلة بين التيار الصدري وعصائب أهل الحق.

الجنوب ساحة للاغتيالات المتبادلة

ويشهد العراق منذ عدة أشهر، عقب إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة التي جرت في أكتوبر، توترات سياسية حادة رافقتها أعمال عنف.

وزادت تصفية الحسابات السياسية الوضع تعقيدا في بلد ترتبط فيه غالبية التيارات السياسية بفصائل مسلحة. ففي يناير الماضي، عثر على قيادي في التيار الصدري مقتولا.

وتعرض في الشهر التالي حسام العلياوي، وهو مسؤول في الشرطة، للاغتيال. وقتل قبل ذلك شقيقاه في العام 2019، أحدهما قيادي في عصائب أهل الحق.

وإثر ذلك، دعا الخزعلي، في تغريدة، زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى "إعلان البراءة من هؤلاء القتلة".

ودعا الصدر إلى وقف العنف ووجه بتشكيل لجنة من قياديي تياره للتفاوض مع أطراف من عصائب أهل الحق لإعادة الهدوء.

ويرفض المحلل السياسي عدنان السراج فكرة ربط ما جرى بالبصرة وبين الأحداث والاشتباكات التي شهدتها المنطقة الخضراء ببغداد قبل ذلك بيومين.

ويقول السراج، لموقع "الحرة"، إن "هناك فارق كبير بين ما حصل في بغداد وما جرى في البصرة، الأولى كانت محاولة من قبل سرايا السلام للسيطرة على الخضراء على خلفية صراع سياسي، بينما في البصرة الحادث جنائي".

ويضيف السراج أن "الأمر تطور بعد ذلك لتصادم بين سرايا السلام والعصائب في منطقة محدودة تم تطويقها بشكل سريع".

يبين السراج أن "الصراع بين الطرفين سياسي، وهو ليس بجديد"، مضيفا "نحتاج لضبط النفس وعدم الإنجرار للتصعيد، وهو ما يحاول الخزعلي القيام به عندما أمر بغلق مكاتب عصائب أهل الحق".

ويؤكد السراج أن "جميع القوى السياسية، بما فيها قوى الإطار التنسيقي، لا تريد التصعيد في المرحلة الحالية، والتيار الصدري أيضا يجب أن يخطو نفس الخطوة لإن الوضع حساس".

ويحذر السراج من أن جنوب العراق "منطقة حساسة وبؤرة ملتهبة وهناك أطراف عدة إقليمية وداخلية لن تسمح بتحولها إلى ساحة صراع، منها المرجعية الدينية في النجف والقوى العشائرية إضافة لإيران التي تعتبر المنطقة الجنوبية عمقا استراتيجيا لها".

لكن الهيتي يبدو أكثر تشاؤما إذ يرجح أن الصراع بين الصدر والخزعلي متجه نحو ما وصفه بعمليات "القتل الناعم".

ويتوقع الهيتي استمرار عمليات القتل والانتقام بين الطرفين على الرغم من استبعاده تحولها لمواجهة مباشرة ومفتوحة.

ويختتم بالقول "الفترة المقبلة ستشهد المزيد من عمليات الصراع الناعم ولفترة طويلة، وقد يعاني الجنوب من وضع صعب وقد نواجه أزمات فيما يتعلق بتصدير النفط".

العراق

في زوايا معتمة تحت الأرض، وفي مناطق عسكرية مغلقة لا تدخلها حتى الدولة، تتوسع بصمت إمبراطورية تسليح تقودها إيران من قلب العراق.

ليست مجرد شحنات تمر عبر الحدود، بل مصانع متكاملة، وخبراء تحت غطاء دبلوماسي، وتكنولوجيا حربية متقدمة تُبنى وتُختبر داخل الأراضي العراقية ـ وكل ذلك تحت مظلة هيئة الحشد الشعبي.

من الطائرات المسيّرة الانتحارية إلى صواريخ "رعد 1" بعيدة المدى، لم تعد هذه الأسلحة تُصنع في طهران فحسب، بل أيضا في جرف الصخر والزعفرانية وعين التمر والنهراون، لتغذي صراعات في اليمن، وسوريا، ولبنان. 

والنتيجة؟ عراق محاط بالاتهامات، غارق في شبكات السلاح، ومهدد بالتورط في حروب لا تعنيه.

ورغم محاولات الحكومة العراقية التأكيد على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، يظهر الواقع على الأرض عكس ذلك، مع عشرات الميليشيات التي لا تزال تحتفظ بترسانتها من الأسلحة وتعمل كذراع إقليمي لطهران.

في خضم الحرب ضد تنظيم داعش قبل بعض سنوات، استطاعت إيران نقل جزء من تكنولوجيتها العسكرية إلى العراق، وأسست بنية تحتية لصناعة الأسلحة وتخزينها، بالتعاون مع الفصائل العراقية المسلحة الموالية لطهران.

تنتج مصانع السلاح التابعة لمديرية الإنتاج الحربي في هيئة الحشد الشعبي طائرات مسيرة وصواريخ بالستية متنوعة المديات، وتطور دبابات ومدرعات روسية وأنظمة اتصالات رقمية وغرف تحكم وسيطرة، إلى جانب مدافع ثقيلة وقذائف وقطع غيار وأسلحة متوسطة وخفيفة وذخائر.

ورغم حديث هيئة الحشد الشعبي عن تطوير قدرات تسليحية أحيانا، اعتذر العديد من السياسيين وحتى الخبراء العراقيين المقربين من أحزاب السلطة والمعارضين أيضا، من الحديث عن الموضوع.

ويرجح خبراء وسياسيون تحدث معهم موقع "الحرة" التكتم عن الموضوع ناتج الخوف من التعرض للاستهداف أيدي مخابرات الحرس الثوري الإيراني التي تتولى "بالتنسيق مع المليشيات العراقية ملف حماية الخبراء الإيرانيين ومواقع صناعة الأسلحة والصواريخ.

ولمعرفة تفاصيل الصناعات الحربية في هيئة الحشد الشعبي، تواصل موقع "الحرة"، 

واعتذر  كريم الكناني، مسؤول العلاقات في هيئة الحشد، عن التصريح، قائلا إنه "ليس مخولا" التصريح عن هذا الموضوع، بينما لم يجب المتحدث الرسمي للهيئة، مؤيد الساعدي، على أسئلة "الحرة".

في المقابل، يشير القيادي في حزب الحرية الكردستاني الإيراني المعارض، خليل نادري، إلى أن إيران ما زالت تواصل تزويد مليشياتها في العراق بالسلاح، وترسل عبر العراق السلاح وقطع الغيار إلى ميليشياتها في اليمن ولبنان.

ويضيف نادري لموقع "الحرة" أن "الحرس الثوري يتبع طريقتين لتزويد المليشيات في العراق والمنطقة بالسلاح: الأولى هي إرسال الأسلحة بشكل مباشر، والثانية إرسال قطع الغيار والخبراء المختصين بصناعة الأسلحة إلى هذه البلدان".

ويلفت نادري إلى أن قطع غيار الأسلحة تصل على شكل قطع متفرقة كي لا تثير الشكوك بينما يدخل الخبير الإيراني تحت غطاء موظف دبلوماسي وينتقل فيما بعد إلى موقع صناعة الأسلحة.

ويشير نادري إلى أن الأسلحة التي يصنعها الحشد  الشعبي في العراق، وخاصة الطائرات والصواريخ، لم تكن خاصة بتسليح المليشيات داخل العراق فحسب، بل زود الحرس الثوري مليشيات الحوثي وحزب الله اللبنانية بها.

وتتوزع مصانع سلاح الحشد الشعبي، وفقا لنادري، في مناطق متفرقة من العراق، منها مصانع تحت الأرض مخفية تمام عن الأنظار، وأخرى في مناطق عسكرية مغلقة لا تستطيع حتى الجهات الحكومية العراقية دخولها، ومنها المصانع الواقعة في بلدة جرف الصخر جنوب غربي العاصمة بغداد.

ويضيف نادري "تحتضن بلدة جرف الصخر مواقع رئيسية لصناعة الصواريخ ومحركاتها وإنتاج وقودها. وتنتج هذه المواقع صواريخ قصيرة المدى إلى جانب إنتاج الصواريخ البالستية واختبارها، بينما تتمركز في بلدة الزعفرانية جنوب شرقي بغداد صناعة صواريخ أرض ـ أرض وقذائف الهاون الثقيلة".

ويشير نادري إلى أن بلدات عين التمر في محافظة كربلاء، والنهراون في بغداد، تحتضن هي الأخرى مصانع صواريخ ومخازن خاصة بتخزين هذه الصواريخ إلى جانب مصانع خاصة بالذخائر ومخازنها أيضا.

ووفق القيادي الكردي الإيراني، أنشأ الحرس الثوري مصنعا لإنتاج الصواريخ ومنها صاروخ "رعد1"، وهو من فئة الصواريخ بعيدة المدى الذي يعرف بإمكانياته الكبيرة في تجنب الدفاعات الجوية.

واستعرضت هيئة الحشد الشعبي طائرات مسيرة قالت إنها من صناعاتها الحربية، خلال الاستعراض العسكري الذي نظمته بمناسبة الذكرى السابعة لتأسيسها عام 2021.

وأشارت "قناة العالم" الإيرانية في تقرير مصور عن الاستعراض، إلى أن الطائرات المسيرة التي استعرضها الحشد كانت إحداها شبيهة بطائرات "سايا" الإيرانية وطائرات "صماد 3"، التي تستخدمها مليشيات الحوثي اليمنية في هجماتها، وهي طائرات انتحارية.

وفي استعراض لها عام 2022، كشفت هيئة الحشد عن أسلحة جديدة ومتطورة، وأشارت مواقع عراقية وأخرى إيرانية قريبة من الحرس الثوري، إلى أن أبرز الأسلحة التي استعرضها الحشد شملت منظومة حسيب والراصد للقيادة والتحكم في الطائرات المسيرة، ودبابات 72T الروسية، التي أجرت عليها شركة كرار الإيرانية تعديلا تمثل بإضافة الدروع الجانبية لها، إلى جانب استعراض أجهزة تشويش، وأبراج اتصالات متنقلة حديثة.

وتكشف معلومات دقيقة حصل عليها موقع "الحرة" من حزب الحرية الكردستاني المعارض، عن وجود العديد من الشركات الإيرانية المختصة بالصناعات العسكرية مرتبطة بالحشد الشعبي، وتعمل فرق مهندسيها وخبرائها داخل مصانع أسلحة الحشد.

من تلك الشركات شركة "رستافن ارتباط" التي تشكل جزءا من الصناعات الدفاعية الإيرانية، وهي مختصة بتوفير خدمات الاتصال والمعدات المختصة بالاتصالات والمنظومات الإلكترونية وقطع غيار الأسلحة للقوة الجوية التابعة للحرس الثوري ومجموعة صناعات الصواريخ البحرية الإيرانية، إلى جانب الرادارات.

وإلى جانب "رستافن ارتباط"، تنشط في هذا المجال شركة "فناور موج خاور"، المعروفة بـ"فناموج"، المختصة بصناعة الصواريخ وتجربتها وهي شركة تصميم وصناعة كافة أنواع الصواريخ ومكوناتها.

وتشير معلومات "حزب الحرية" الكردستاني الإيراني إلى أن شركة شاهد لصناعات الطيران موجودة أيضا في العراق، وهي شركة إيرانية مختصة بتصميم وصناعة المروحيات والطائرات المسيرة، وتنقل هذه الشركة طائراتها المسيرة من طراز "شاهد101" و"شاهد136" على شكل قطع إلى داخل العراق ليتم تجميعها داخل مصانع الحشد الشعبي.

وضمن متابعته لملف صناعة السلاح الإيراني في العراق، تواصل موقع "الحرة" مع قيادي في أحد الأحزاب العراقية القريبة من الإطار التنسيقي، الذي اشترط عدم الإشارة الى اسمه أو اسم حزبه مقابل الحديث عن ملف صناعات الحشد الشعبي الحربية.

وفي عام 2018، نقلت رويترز في تقرير استقصائي عن مصادر إيرانية وعراقية وغربية "أن طهران قدمت صواريخ باليستية لجماعات شيعية تقاتل بالوكالة عنها في العراق، وإنها تطور القدرة على صنع مزيد من الصواريخ هناك لدرء الهجمات المحتملة على مصالحها في الشرق الأوسط ولامتلاك وسيلة تمكنها من ضرب خصومها في المنطقة".

وخلال السنوات الماضية، تسببت أسلحة المليشيات بإحراج العراق دوليا عبر هجماتها المتكررة على قواعد عسكرية ومصالح أميركية في إقليم كردستان ومناطق العراق الأخرى وسوريا، واستهدافها للداخل الإسرائيلي.

وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية تؤكد باستمرار سعيها لحصر السلاح بيدها، بما في ذلك سلاح المليشيات المسلحة، لكن دون جدوى فهذه المليشيات ما زالت متمسكة بأسلحتها.

وقال مستشار رئيس الوزراء العراقي للعلاقات الخارجية، فرهاد علاء الدين، في تصريح لموقع "الحرة" في أبريل الماضي، إن رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، أكد في أكثر من مناسبة التزام العراق الثابت بحصر السلاح بيد الدولة، وضمان خضوع جميع التشكيلات المسلحة، بما في ذلك هيئة الحشد الشعبي، بشكل كامل للقائد العام للقوات المسلحة.

وأوضح علاء الدين أن "الحكومة تمضي بخطى مدروسة نحو استكمال هيكلة المنظومة الأمنية، من خلال حوارات بنّاءة مع مختلف الأطراف الوطنية، بهدف تعزيز سلطة الدولة، وحماية السلم والاستقرار، ومنع أي محاولات لزجّ العراق في صراعات إقليمية لا تخدم مصالحه".

ويرى السياسي العراقي المستقل، مثال الآلوسي، أن هدف إيران من تصنيع المسيرات والصواريخ محليا بأيادي عراقية داخل العراق هو إطلاق يد المليشيات فوق الدولة والقيام بإرهاب الأطراف العراقية لغرض ابتزازها أو السيطرة عليها، وابعاد مسؤولية هذا الإرهاب عن طهران.

ويضيف الآلوسي لموقع "الحرة"، "ينبغي فهم أن عمليات تصنيع السلاح الإيراني خارج إيران تجري ضمن شراكة كبرى تعتمد على المال العراقي والغطاء والنقل بمساهمة عراقية وكذلك العاملين والمصنعين، والجميع شركاء في رسم صورة تحكم طهران بالإرهاب الإقليمي".

وأضاف أن "إيران تعمل بأصابعها العراقية لتنفيذ أهدافها ومنها إعادة تسليح حزب الله اللبناني والجماعات الأخرى الموالية لها في المنطقة".

وتنضوي تحت جناح الحشد الشعبي أكثر من 70 ميليشيا مسلحة معروفة، إلى جانب عشرات من الميليشيات غير المعروفة، التي أشرف الحرس الثوري الإيراني عبر جناحه الخارجي "فيلق القدس" على تأسيسها في أوقات مختلفة، وقد شاركت غالبية هذه الفصائل خلال السنوات الماضية في الحرب الأهلية في سوريا ضمن صفوف المليشيات الإيرانية.

وأعلنت مساندتها لحزب الله اللبناني وشنت العديد من الهجمات الصاروخية على أهداف داخل إسرائيل خلال عامي 2023 و2024 قبل إعلانها إيقاف الهجمات مؤقتا في نهاية العام الماضي 2024.

ويعتقد المحلل السياسي في مركز "رامان" للبحوث والاستشارات، شاهو قرداغي، أن خطاب قيادات الحشد الشعبي وذهابهم سابقا للقتال خارج العراق يبين أن جزءا من هذه الأسلحة، رغم ادعاء استخدامها للدفاع عن العراق فقط، انتهت بيد فصائل موالية لإيران خارج العراق، سواء في سوريا أو غيرها.

ويوضح قرداغي لموقع "الحرة" أن "وصول هذه الأسلحة إلى فصائل غير عراقية خطر حقيقي يهدد بتوريط العراق في صراعات ومشاكل خارجية هو في غنى عنها خاصة في ظل حالة الهدوء والاستقرار وتوفير الخدمات التي يعيشها البلد خلال الفترة الحالية".

ويؤكد قرداغي على أن إيران تستغل الأراضي العراقية كقاعدة خلفية لتسليح وتمويل أذرعها المسلحة في المنطقة، فهي تُدخل خبراء وسلاح عبر حدود غير خاضعة لسيطرة الدولة، وتستخدم الفصائل كغطاء لتمرير السلاح إلى مليشياتها في سوريا ولبنان واليمن، مما يورط العراق في صراعات إقليمية لا ناقة له فيها ولا جمل.