مرت ثلاث سنوات على أحداث تشرين عندما خرج العراقيون مطالبين بالقضاء على الفساد والعيش الكريم، لكن الناشط، أيوب الخزرجي يشعر "وكأنها وقعت بالأمس فقط".
ويتذكر الناشط العراقي ما حدث في مثل هذا الوقت عندما خرج الشباب إلى الشوارع في احتجاجات غير مسبوقة ضد السلطة ويأخذ هو وآخرون العبرة مما حدث.
ويصف الخزرجي الذي تحدث مع موقع "الحرة" نفسه على تويتر بأنه "ناشط مدني. حر. متظاهر. ثائر تشريني. ناقد وناقم على حكومات العراق".
ويوم السبت، وفي الذكرى الثالثة للأحداث التي وقعت في عام 2019، خرج محتجون، قدرت بعض التقارير أعدادهم بالمئات في حين قال الناشط إنهم كانوا بالآلاف، إلى الشوارع في بغداد ومدن مختلفة في أنحاء العراق، لإحياء ذكرى الاحتجاجات الشعبية المناهضة للحكومة التي هزت البلاد.
واندلعت الاحتجاجات في الأول من أكتوبر عام 2019 في جميع أنحاء البلاد، ولاسيما في الجنوب الذي عانت مناطقه من الفقر وسوء الخدمات، واستمرت عدة أشهر اعتصم خلالها مئات الآلاف من المتظاهرين في ساحة التحرير مستنكرين تفشي البطالة وانهيار البنى التحتية وانعدام الديمقراطية.
ماذا تحقق وماذا لم يتحقق؟
وبعد مرور ثلاث سنوات منذ انضمامه إلى الاحتجاجات لأول مرة، يقول الخزرجي، إنه خلال السنوات الثلاث الماضية "عمل المحتجون على تطوير أنفسهم، وفهم الواقع السيسي المزري، وحاولوا خلق البديل السياسي الناجح، وتنظيم ورص الصفوف".
لكنه يشير إلى حدوث "شوائب" من الممكن أن تحدث في "أي ثورة".
ويشير الناشط في حديثه مع موقع "الحرة" إلى أن "الثورة حققت أشياء مهمة"، أولها "إزاحة حكومة عادل عبد المهدي، التي كانت من بين الحكومات الأسوأ في تاريخ العراق".
كانت احتجاجات عام 2019 قد نددت بحكومة عبد المهدي، وطالب خلالها المتظاهرون بإصلاح النظام السياسي، الذي رأوا أنه غارق في الفساد ودفع بمعظم العراقيين إلى براثن الفقر.
وقُتل أكثر من 560 شخصا في تلك التظاهرات، معظمهم من المحتجين العزل، لكن كان منهم أيضا أفراد أمن، في موجة الاضطرابات الشعبية مع قيام قوات الأمن العراقية ومسلحين مجهولين بقمع الاحتجاجات.
واستقال عبد المهدي تحت ضغط الاحتجاجات.
وفاز رجل الدين البارز، مقتدى الصدر، بالأغلبية في انتخابات أكتوبر الماضي.
ويشير الخزرجي إلى أن احتجاجات تشرين نجحت أيضا في "تعديل قانون الانتخابات، رغم أنه تم تفصيله بعد ذلك تفصيلا تاما لحساب الكتل الانتخابية المشاركة في الانتخابات، خاصة لصالح المستفيد الأكبر، التيار الصدري".
ويرى أيضا أن التظاهرات نجحت في "تعرية النظام السياسي أمام الرأي العام، ووضعت حدا للأكاذيب المستمرة ومحاولة تغذية المواطن العراقي بالأكاذيب، أما الآن أصبح العراقي قادرا على التمييز بين الحقيقة والكذب مثلما يستطيع أن يميز بين الصباح والليل".
ويقول إنه كان "من المهم نشر الوعي بين العراقيين وتوضيح أن الطبقة السياسية لا يهمها شيء سوى ملء جيبوها من خيرات العراقيين".
وخلال تظاهرات السبت، وقف الطالب الشاب زيد المهنا، دون أن يتغير موقفه، في ساحة النسور واسترجع كيف غير الحراك وعيه السياسي.
وقال الشاب لرويترز إنه انضم منذ ذلك الحين إلى مجموعات وأنشطة تطوعية تهدف إلى زيادة المشاركة السياسية.
وأضاف "قبل اندلاع ثورة تشرين، حياتي كانت (عبارة عن) دراسة ولعب كرة قدم، أما بعد ثورة تشرين نضجت. يمكن أن أعمل في فرق تطوعية، منظمات مجتمع مدني، تعرفنا إلى أمور نثقف فيها الشباب وتعزيز مشاركتهم السياسية".
ويضيف أن "أغلب الشباب في الانتخابات الأخيرة رأيت كيف قاطعوا وبيوم الانتخابات يمكن أنهم تندموا على المقاطعة، فهي غيرتني حتى على مستوى دراستي بالكلية وأضافت لي أشياء تعلمت منها وأنا أضفت لها، وتشرين مثال يحتذى به لكل إنسان وطني وشريف".
وقال: "أغلب الشعب لديه قلة وعي عنده أنه يحب كذا حزب، وبعد ثورة تشرين وعت أغلب الشباب اللي من جيل الألفين والتسعين وما قبلهم بها في العمر. الناس عرفوا أين يكمن مصيرهم وأدركوا من الذي يضحك (يكذب) عليهم سياسيا ومن يتستر باسم الدين، انطلقت ثورة تشرين، هي ثورة طبعا تخلدت بالتاريخ وخذلها الشعب. للأسف نحن لو عاد بنا الوقت لم نكن لنضحي بهذا العدد من الشهداء".
لكن المهنا يرى أن "ثورة أكتوبر تعرضت للخذلان".
وقال شاب آخر اسمه علي فاضل علوان لرويترز: "قبل الثورة، لم يكن لدينا اهتمام بالوطن والمظاهرات وتغيير الوضع الذي نعيشه والأحزاب الفاسدة اللي تسرقنا منذ السقوط وإلى الآن، ثورة تشرين 2019 غيرت من واقعنا، زادت حسنا الوطني، أنشأت لدينا دافعا قويا كي نغير، وأننا نقدر أن نغير بأيدينا الوضع الذي نعيشه".
ويرى الناشط العراقي الذي تحدث مع موقع الحرة أن ما لم تحققه "ثورة تشرين" حتى الآن "معروف وهو إزالة الطبقة السياسية الحاكمة الجاثمة على صدور العراقيين، منذ عام 2003 وحتى الآن، وهو ما سيتم تحقيقه قريبا".
"انفجار قريب"؟
وفي تظاهرات السبت، تردد صدى مطالب احتجاجات 2019 في ساحتي النسور والتحرير، وهي توفير المزيد من فرص العمل وتحسين الخدمات ومكافحة الفساد وإصلاح النظام السياسي الحالي.
ويحذر الخزرجي من "انفجار قريب"، موضحا أن "الشعب أصبح قريبا من الانفجار مرة أخرى"، وأشار إلى أن احتجاجات عام 2019 "جعلت الطبقة السياسية في حالة تأهب قصوى" لإمكانية خروج التظاهرات مرة أخرى.
وانتقد الناشط ما وصفه بـ"قمع" المحتجين في جميع ساحات التظاهر، السبت، وهو ما وصفه بأنه "دليل" على زرع "الخوف في قلوب السلطة والطبقة السياسية".
وقالت فرانس برس إن المتظاهرين في بغداد احتشدوا عند مدخل جسر الجمهورية، الذي أغلقته القوات الأمنية بثلاثة حواجز من الكتل الخرسانية لمنع الوصول إلى المنطقة الخضراء التي تضم السفارات الغربية ومؤسسات الدولة.
وأطلقت الشرطة عدة رشقات من قنابل الغاز المسيل للدموع لمنع المتظاهرين من عبور هذه التحصينات، وتبادل الطرفان إلقاء الحجارة.
وأعلنت خلية الإعلام الأمني العراقية، السبت، عن تسجيل عشرات الإصابات في صفوف القوات الأمنية والمتظاهرين بعد مواجهات في بغداد
وأوضحت أنه "رغم الدعوات المتكررة من قبل الأجهزة الأمنية بعدم السماح للمندسين الدخول إلى وسط المتظاهرين، إلا أننا نلاحظ أن هناك عناصر خارجة عن القانون استخدمت أدوات ومواد غير قانونية أثناء التظاهرات".
وقالت في بيان إنه نتيجة المواجهات أصيب "19 ضابطا ومنتسبا من القوة المكلفة بتأمين الحماية للمتظاهرين، فيما أصيب 9 مدنيين وذلك منذ انطلاق التظاهرات في بغداد صباح اليوم (السبت)".
وأشارت إلى أن "الإصابات جاءت في صفوف الأجهزة الأمنية نتيجة استخدام الحجارة والكرات الزجاجية وقنابل المولوتوف".
هل ضعف الزخم؟
وتقول فرانس برس إن زخم التظاهرات "ضعف تحت وطأة القمع" الذي تسبب في مقتل ما يقرب من 600 شخص وجرح 30 ألفا آخرين والقيود التي فرضتها جائحة كوفيد، "وبعد ثلاث سنوات، لم يتغير شيء".
ويرى الخزرجي أن الزخم الجماهيري الذي صار في 2019 "من المستحيل يحدث في 2022، كون 2019 كانت أولى لحظاتها دموية".
ويشير إلى الانقسامات التي حدثت، بعد أن "وقف معا الشباب الأحرار، وشباب تابعين للتيار الصدري، وآخرين. كان للجميع أهدافهم ورفعوا مطالب معينة".
ويشير إلى قوة تجمعات السبت، قائلا إنه "حتى الخامسة مساء كان في الساحة نحو 40 ألف متظاهر، لكن بعد نشر شائعة حول وصول مسلحين تابعين للتيار الصدري لاستغلال الثورة، بدأ الثوار في الانسحاب، وتلك كانت خطة حكومية لتشتيت الثوار".
ورغم ذلك، كان هناك أكثر من 10 آلاف متظاهر حتى الساعة 9 مساء في ساحة التحرير، وفق الناشط.
ويقول إن البحث عن أعداد مليونية غير مناسب في هذه المرحلة، ففي عام 2019، خرج حوالي 400 إلى 500 شخص فقط في البداية ثم زاد حجم التجمعات بمرور الوقت و"انطلقت الثورة المليونية".
وتقام ذكرى التظاهرات في أجواء متوترة إذ يتواجه القطبان السياسيان الرئيسيان حول تعيين رئيس وزراء جديد وإمكانية إجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
فمن جهة، يطالب الزعيم النافذ، مقتدى الصدر، بحل فوري للبرلمان، بينما يريد خصمه "الإطار التنسيقي" وهو تحالف من الفصائل الموالية لإيران، تشكيل حكومة قبل أي انتخابات.
والسبت، هتف آلاف المتظاهرين، ومعظمهم من الشباب "الشعب يريد إسقاط النظام" ورفعوا الأعلام العراقية وصور قتلى عام 2019 أثناء تجمعهم في ساحة التحرير.
ويرجح الناشط العراقي نزول تظاهرات جديدة، خلال أيام، في بغداد والمحافظات وقال: "ستعود الثورة من جديد في حال محاولة الحكومة الاستمرار في تقسيم الكعكة والمحاصصة الطائفية التي امتلأ الشعب العراقي قيحا منها".
واختتم مؤكدا "سنحاول استعادة ثقة الناس والزخم الجماهيري من جديد".