العراقيون يتذكرون أحداث أكتوبر 2019
العراقيون يتذكرون أحداث أكتوبر 2019

مرت ثلاث سنوات على أحداث تشرين عندما خرج العراقيون مطالبين بالقضاء على الفساد والعيش الكريم، لكن الناشط، أيوب الخزرجي يشعر "وكأنها وقعت بالأمس فقط".

ويتذكر الناشط العراقي ما حدث في مثل هذا الوقت عندما خرج الشباب إلى الشوارع في احتجاجات غير مسبوقة ضد السلطة ويأخذ هو وآخرون العبرة مما حدث.

ويصف الخزرجي الذي تحدث مع موقع "الحرة" نفسه على تويتر بأنه "ناشط مدني. حر. متظاهر. ثائر تشريني. ناقد وناقم على حكومات العراق".

محتجون في بغداد يرفعون صور زملاء لهم قتلوا في احتجاجات تشرين 2019.

ويوم السبت، وفي الذكرى الثالثة للأحداث التي وقعت في عام 2019، خرج محتجون، قدرت بعض التقارير أعدادهم بالمئات في حين قال الناشط إنهم كانوا بالآلاف، إلى الشوارع في بغداد ومدن مختلفة في أنحاء العراق، لإحياء ذكرى الاحتجاجات الشعبية المناهضة للحكومة التي هزت البلاد.

واندلعت الاحتجاجات في الأول من أكتوبر عام 2019 في جميع أنحاء البلاد، ولاسيما في الجنوب الذي عانت مناطقه من الفقر وسوء الخدمات، واستمرت عدة أشهر اعتصم خلالها مئات الآلاف من المتظاهرين في ساحة التحرير مستنكرين تفشي البطالة وانهيار البنى التحتية وانعدام الديمقراطية.

ماذا تحقق وماذا لم يتحقق؟

وبعد مرور ثلاث سنوات منذ انضمامه إلى الاحتجاجات لأول مرة، يقول الخزرجي، إنه خلال السنوات الثلاث الماضية "عمل المحتجون على تطوير أنفسهم، وفهم الواقع السيسي المزري، وحاولوا خلق البديل السياسي الناجح، وتنظيم ورص الصفوف".

لكنه يشير إلى حدوث "شوائب" من الممكن أن تحدث في "أي ثورة".

ويشير الناشط في حديثه مع موقع "الحرة" إلى أن "الثورة حققت أشياء مهمة"، أولها "إزاحة حكومة عادل عبد المهدي، التي كانت من بين الحكومات الأسوأ في تاريخ العراق".

كانت احتجاجات عام 2019 قد نددت بحكومة عبد المهدي، وطالب خلالها المتظاهرون بإصلاح النظام السياسي، الذي رأوا أنه غارق في الفساد ودفع بمعظم العراقيين إلى براثن الفقر.

وقُتل أكثر من 560 شخصا في تلك التظاهرات، معظمهم من المحتجين العزل، لكن كان منهم أيضا أفراد أمن، في موجة الاضطرابات الشعبية مع قيام قوات الأمن العراقية ومسلحين مجهولين بقمع الاحتجاجات.

واستقال عبد المهدي تحت ضغط الاحتجاجات.

وفاز رجل الدين البارز، مقتدى الصدر، بالأغلبية في انتخابات أكتوبر الماضي.

ويشير الخزرجي إلى أن احتجاجات تشرين نجحت أيضا في "تعديل قانون الانتخابات، رغم أنه تم تفصيله بعد ذلك تفصيلا تاما لحساب الكتل الانتخابية المشاركة في الانتخابات، خاصة لصالح المستفيد الأكبر، التيار الصدري".

ويرى أيضا أن التظاهرات نجحت في "تعرية النظام السياسي أمام الرأي العام، ووضعت حدا للأكاذيب المستمرة ومحاولة تغذية المواطن العراقي بالأكاذيب، أما الآن أصبح العراقي قادرا على التمييز بين الحقيقة والكذب مثلما يستطيع أن يميز بين الصباح والليل".

ويقول إنه كان "من المهم نشر الوعي بين العراقيين وتوضيح أن الطبقة السياسية لا يهمها شيء سوى ملء جيبوها من خيرات العراقيين".

وخلال تظاهرات السبت، وقف الطالب الشاب زيد المهنا، دون أن يتغير موقفه، في ساحة النسور واسترجع كيف غير الحراك وعيه السياسي.

وقال الشاب لرويترز إنه انضم منذ ذلك الحين إلى مجموعات وأنشطة تطوعية تهدف إلى زيادة المشاركة السياسية.

وأضاف "قبل اندلاع ثورة تشرين، حياتي كانت (عبارة عن) دراسة ولعب كرة قدم، أما بعد ثورة تشرين نضجت. يمكن أن أعمل في فرق تطوعية، منظمات مجتمع مدني، تعرفنا إلى أمور نثقف فيها الشباب وتعزيز مشاركتهم السياسية". 

ويضيف أن "أغلب الشباب في الانتخابات الأخيرة رأيت كيف قاطعوا وبيوم الانتخابات يمكن أنهم تندموا على المقاطعة، فهي غيرتني حتى على مستوى دراستي بالكلية وأضافت لي أشياء تعلمت منها وأنا أضفت لها، وتشرين مثال يحتذى به لكل إنسان وطني وشريف".

قتل المئات في العراق بتظاهرات تشرين 2019. أرشيفية

وقال: "أغلب الشعب لديه قلة وعي عنده أنه يحب كذا حزب، وبعد ثورة تشرين وعت أغلب الشباب اللي من جيل الألفين والتسعين وما قبلهم بها في العمر. الناس عرفوا أين يكمن مصيرهم وأدركوا من الذي يضحك (يكذب) عليهم سياسيا ومن يتستر باسم الدين، انطلقت ثورة تشرين، هي ثورة طبعا تخلدت بالتاريخ وخذلها الشعب. للأسف نحن لو عاد بنا الوقت لم نكن لنضحي بهذا العدد من الشهداء".

لكن المهنا يرى أن "ثورة أكتوبر تعرضت للخذلان".

وقال شاب آخر اسمه علي فاضل علوان لرويترز: "قبل الثورة، لم يكن لدينا اهتمام بالوطن والمظاهرات وتغيير الوضع الذي نعيشه والأحزاب الفاسدة اللي تسرقنا منذ السقوط وإلى الآن، ثورة تشرين 2019 غيرت من واقعنا، زادت حسنا الوطني، أنشأت لدينا دافعا قويا كي نغير، وأننا نقدر أن نغير بأيدينا الوضع الذي نعيشه".

ويرى الناشط العراقي الذي تحدث مع موقع الحرة أن ما لم تحققه "ثورة تشرين" حتى الآن "معروف وهو إزالة الطبقة السياسية الحاكمة الجاثمة على صدور العراقيين، منذ عام 2003 وحتى الآن، وهو ما سيتم تحقيقه قريبا".

"انفجار قريب"؟

وفي تظاهرات السبت، تردد صدى مطالب احتجاجات 2019 في ساحتي النسور والتحرير، وهي توفير المزيد من فرص العمل وتحسين الخدمات ومكافحة الفساد وإصلاح النظام السياسي الحالي.

ويحذر الخزرجي من "انفجار قريب"، موضحا أن "الشعب أصبح قريبا من الانفجار مرة أخرى"، وأشار إلى أن احتجاجات عام 2019 "جعلت الطبقة السياسية في حالة تأهب قصوى" لإمكانية خروج التظاهرات مرة أخرى.

وانتقد الناشط ما وصفه بـ"قمع" المحتجين في جميع ساحات التظاهر، السبت، وهو ما وصفه بأنه "دليل" على زرع "الخوف في قلوب السلطة والطبقة السياسية".

وقالت فرانس برس إن المتظاهرين في بغداد احتشدوا عند مدخل جسر الجمهورية، الذي أغلقته القوات الأمنية بثلاثة حواجز من الكتل الخرسانية لمنع الوصول إلى المنطقة الخضراء التي تضم السفارات الغربية ومؤسسات الدولة.

وأطلقت الشرطة عدة رشقات من قنابل الغاز المسيل للدموع لمنع المتظاهرين من عبور هذه التحصينات، وتبادل الطرفان إلقاء الحجارة.

وأعلنت خلية الإعلام الأمني العراقية، السبت، عن تسجيل عشرات الإصابات في صفوف القوات الأمنية والمتظاهرين بعد مواجهات في بغداد

وأوضحت أنه "رغم الدعوات المتكررة من قبل الأجهزة الأمنية بعدم السماح للمندسين الدخول إلى وسط المتظاهرين، إلا أننا نلاحظ أن هناك عناصر خارجة عن القانون استخدمت أدوات ومواد غير قانونية أثناء التظاهرات".

وقالت في بيان إنه نتيجة المواجهات أصيب "19 ضابطا ومنتسبا من القوة المكلفة بتأمين الحماية للمتظاهرين، فيما أصيب 9 مدنيين وذلك منذ انطلاق التظاهرات في بغداد صباح اليوم (السبت)".

وأشارت إلى أن "الإصابات جاءت في صفوف الأجهزة الأمنية نتيجة استخدام الحجارة والكرات الزجاجية وقنابل المولوتوف".

هل ضعف الزخم؟

وتقول فرانس برس إن زخم التظاهرات "ضعف تحت وطأة القمع" الذي تسبب في مقتل ما يقرب من 600 شخص وجرح 30 ألفا آخرين والقيود التي فرضتها جائحة كوفيد، "وبعد ثلاث سنوات، لم يتغير شيء".

ويرى الخزرجي أن الزخم الجماهيري الذي صار في 2019 "من المستحيل يحدث في 2022، كون 2019 كانت أولى لحظاتها دموية".

ويشير إلى الانقسامات التي حدثت، بعد أن "وقف معا الشباب الأحرار، وشباب تابعين للتيار الصدري، وآخرين. كان للجميع أهدافهم ورفعوا مطالب معينة".

ويشير إلى قوة تجمعات السبت، قائلا إنه "حتى الخامسة مساء كان في الساحة نحو 40 ألف متظاهر، لكن بعد نشر شائعة حول وصول مسلحين تابعين للتيار الصدري لاستغلال الثورة، بدأ الثوار في الانسحاب، وتلك كانت خطة حكومية لتشتيت الثوار".

ورغم ذلك، كان هناك أكثر من 10 آلاف متظاهر حتى الساعة 9 مساء في ساحة التحرير، وفق الناشط.

ويقول إن البحث عن أعداد مليونية غير مناسب في هذه المرحلة، ففي عام 2019، خرج حوالي 400 إلى 500 شخص فقط في البداية ثم زاد حجم التجمعات بمرور الوقت و"انطلقت الثورة المليونية".

وقعت اشتباكات مع قوات الأمن خلال احتجاجات السبت

وتقام ذكرى التظاهرات في أجواء متوترة إذ يتواجه القطبان السياسيان الرئيسيان حول تعيين رئيس وزراء جديد وإمكانية إجراء انتخابات تشريعية مبكرة.

فمن جهة، يطالب الزعيم النافذ، مقتدى الصدر، بحل فوري للبرلمان، بينما يريد خصمه "الإطار التنسيقي" وهو تحالف من الفصائل الموالية لإيران، تشكيل حكومة قبل أي انتخابات.

والسبت، هتف آلاف المتظاهرين، ومعظمهم من الشباب "الشعب يريد إسقاط النظام" ورفعوا الأعلام العراقية وصور قتلى عام 2019 أثناء تجمعهم في ساحة التحرير.

ويرجح الناشط العراقي نزول تظاهرات جديدة، خلال أيام، في بغداد والمحافظات وقال: "ستعود الثورة من جديد في حال محاولة الحكومة الاستمرار في تقسيم الكعكة والمحاصصة الطائفية التي امتلأ الشعب العراقي قيحا منها".

واختتم مؤكدا "سنحاول استعادة ثقة الناس والزخم الجماهيري من جديد".

فر الأسد إلى سوريا حيث حصل على لجوء سياسي - فرانس برس
فر الأسد إلى سوريا حيث حصل على لجوء سياسي - فرانس برس

أثار الانهيار السريع لنظام بشار الأسد تساؤلات عديدة حول الأسباب التي دفعت الميليشيات الموالية لإيران، المنتشرة في سوريا، إلى الانسحاب المفاجئ دون مقاومة أمام تقدم فصائل المعارضة المسلحة.

ولم يقتصر الجدل على لغز هذا الانسحاب وإخلاء المناطق التي كانت تحت سيطرتها دون أي قتال، بل امتد ليشمل تساؤلات حول أسباب صمت الميليشيات العراقية الموالية لإيران عقب سقوط الأسد. فهل تعرض محور إيران في المنطقة لضربات قاصمة تهدد نفوذه؟ ولماذا تراجعت الميليشيات العراقية عن دعم الأسد خلال الأيام العشرة الأخيرة؟

منذ الأشهر الأولى للأزمة السورية عام 2011، أصبحت البلاد مسرحًا لوجود ميليشيات وفصائل مسلحة، أجنبية ومحلية، تنفذ أجندات إقليمية. ومن بين هذه القوى جماعات مرتبطة بإيران دعمت نظام الأسد وخاضت معارك ضد الجماعات المعارضة المسلحة.

وإلى جانب قوات الحرس الثوري الإيراني، انتشرت في سوريا ميليشيات أفغانية وباكستانية ولبنانية تابعة لطهران، إضافة إلى جماعات مسلحة عراقية موالية لنظام خامنئي.

من بين أبرز الميليشيات العراقية التي كانت تتواجد في سوريا، ميليشيا النجباء، ومنظمة بدر، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله العراق، ولواء أبو الفضل العباس، الذي كان أول ميليشيا عراقية تشكلت في سوريا لحماية مرقد السيدة زينب، وكتائب سيد الشهداء، وكتائب الإمام علي.

اللواء الركن المتقاعد عماد علو، أوضح أن أغلب الفصائل دخلت العراق وانضمت إلى الفصائل المنضوية تحت القوات العراقية الموجودة على الشريط الحدودي، وقال في تصريحات للحرة: "توجهت إلى العراق كي لا يلحق بها الضرر، ولحاجة العراق إلى سلاح هذه الفصائل وعديدها لتعزيز حدوده مع سوريا التي تمر بمرحلة انتقالية خطيرة".

انسحاب الفصائل الموالية لإيران إلى العراق جاء، بحسب اللواء علو، "لأن أكثرها مرتبطة بقوى وأحزاب سياسية شيعية فاعلة في الحكومة العراقية أو ما يسمى بالإطار الشيعي".

والتزمت هذه الفصائل جانب الصمت منذ سقوط سوريا بيد المعارضة، وأوقفت نشاطاتها العسكرية التي كانت تنطلق من العراق، وامتنعت عن الاشتباكات المسلحة مع المعارضة السورية.

واتخذت هذه الخطوات "كي لا تعطي إسرائيل ذريعة لضربها"، بحسب اللواء علو، الذي أضاف: "قد تلجأ هذه الفصائل في قادم الأيام إلى الذوبان والانصهار ضمن القوات العراقية الرسمية، لا سيما أن أغلب هذه الفصائل تتبع أحزابًا شيعية فاعلة في الحكومة العراقية".

ضباط سوريون في العراق

لكن "علو" بيّن أن اندماج هذه الفصائل في القوات العراقية الرسمية لن يكون سريعًا، بل هو مرهون بـ"شكل العلاقات الدبلوماسية التي ستربط العراق بالحكومة السورية الجديدة"، مشيرًا إلى أن أعدادًا كبيرة من الضباط والجنود السوريين قد فروا إلى العراق خلال الأيام الماضية.

هل تغلب القوى الحاكمة في العراق المصلحة الوطنية على المصالح الخارجية؟
في هذه الحلقة من مساء العراق نناقش الزيارة غير المعلنة لوزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى بغداد وتأكيده على التزام واشنطن بأمن العراق ومنع عودة تنظيم داعش، بالإضافة إلى الخلافات بين الكتل النيابية في مجلس النواب العراقي التي تحول دون تمرير بعض القوانين الجدلية.

انسحاب الفصائل جعل موقف الحكومة العراقية أكثر قوة بمواجهة الأحزاب التي تقود تلك الفصائل، بحسب علو، الذي لم يستبعد أن تقوم إسرائيل بتوجيه ضربات إلى مخازن السلاح التي تمتلكها هذه الفصائل داخل العراق، "خصوصًا السلاح الذي يصل مداه إلى العمق الإسرائيلي".

في المقابل، استغرب الخبير الاستراتيجي أحمد الشريفي، في حديثه مع موقع "الحرة"، موقف تلك الفصائل المسلحة الموالية لإيران، قائلًا: "كان من المتوقع أن تعتمد على مبدأ المواجهة، لأنها كانت تؤكد أن المواجهة هي الخيار الأوحد".

وأضاف أن هذا الخيار قد انحسر بحجج كثيرة غير مقنعة، متوقعًا أن هذه الفصائل لن تستخدم السلاح في المرحلة القادمة.

والتزام هذه الفصائل الصمت ومراقبة ما يجري الآن في المنطقة لا يصب في مصلحتها، بحسب الشريفي، الذي أوضح أن "الوضع الراهن لن يستمر على حاله"، مؤكدًا أن حصر السلاح بيد الدولة قد "لاقى قبولًا لدى جميع الأطراف السياسية في العراق وكذلك المرجعية الشيعية".

خيار نزع السلاح من هذه الفصائل، من وجهة نظر الشريفي، هو بمثابة تسوية عملية للتخلص من السلاح الموجود لدى تلك الفصائل، داعيًا رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني "للبت بسرعة بهذه القضية، وتحويل تلك الفصائل إلى أحزاب سياسية تندمج مع المنظومة السياسية في البلاد".

وكان السوداني قد تعهد في بداية تسلمه رئاسة الوزراء في نوفمبر 2022 بنزع سلاح الميليشيات المسلحة ووضعه تحت سيطرة الدولة. إلا أن القرار لم يُنفذ حتى الآن. ويرى الشريفي أن هذا هو التوقيت المناسب لكي يقوم السوداني بتجريد هذه الفصائل من سلاحها، وتسوية أمرها سياسيًا.

الشريفي أكد أن صمت هذه الفصائل قد يمنحها فرصة لمراقبة ما يجري الآن في سوريا، فإذا انهارت العملية السياسية هناك، فإن هذه الفصائل ستجد لنفسها مبررًا لحمل السلاح وقد تعود لمهاجمة إسرائيل مرة أخرى، مما قد يحرج العراق دوليًا "وهذا ما يخشاه السيد السوداني"، بحسب قوله.

ودعا الحكومة العراقية للإسراع بتسوية ملف الفصائل المسلحة في العراق.

رئيس بعثة "يونامي" محمد الحسان في مؤتمر صحفي، عقب لقائه مع محمد رضا نجل المرجع الديني الأعلى علي السيستاني
"مسعى أممي وحراك داخلي لعدم تحوّل العراق إلى "ساحة لتصفية الحسابات
أثارت الزيارة الثانية التي أجراها رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي" للمرجعية الدينية في النجف خلال شهر الكثير من التساؤلات حول مستقبل العراق في ظل الصراعات التي تشهدها المنطقة والتطورات المتسارعة في سوريا والمخاوف من تبعاتها على وضع البلد الداخلي.

وقال مستشار مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية، جاسم الموسوي، لموقع "الحرة"، إن هذه الفصائل لم تكن تتوقع ما حدث في سوريا، موضحًا أن الهدف الأساسي مما حصل كان طرد وإخراج تلك الفصائل من الأراضي السورية، وهو ما تحقق.

وكان قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، قد أعلن أمام البرلمان الإيراني، في 10 ديسمبر الجاري، أن جميع الفصائل والقوات الإيرانية انسحبت من سوريا، قائلاً: "حاليًا لا توجد هناك قوات عسكرية إيرانية داخل الأراضي السورية".

ويؤكد الموسوي أن توقف هذه الفصائل عن التصريحات المعادية لإسرائيل وشن الهجمات عليها، جاء نتيجة الجهود التي تبذلها الحكومة العراقية لإقناعها بعدم زج العراق في معادلة معقدة لن تصب في مصلحة البلاد، بالإضافة إلى كبح جماح تلك الفصائل ووقف هجماتها على القواعد التي تتواجد فيها قوات أميركية.

كما رجّح أن تقوى شوكة الحكومة العراقية في الفترة المقبلة، مرجعًا ذلك إلى عدة أسباب، أهمها أن ما حصل في سوريا ولبنان وغزة أدى إلى تسليم الأمور للحكومات في النهاية، إضافة إلى ذوبان تلك الفصائل التي دخلت الأراضي العراقية وابتعادها عن المناطق الحدودية.

وكانت هذه الفصائل توجه هجمات مستمرة باتجاه إسرائيل منذ نشوب الحرب بين إسرائيل وغزة، تحت مبدأ "وحدة الساحات"، لكن الانهيار السريع لنظام الحكم في سوريا دفع بهذه الفصائل للتوقف عن كل نشاطاتها العسكرية والإعلامية. ولم تصدر أي بيانات حول ما جرى في سوريا، بل اتخذت من الصمت موقفًا بانتظار ما ستؤول إليه الأحداث، بحسب الموسوي.

وبيّن أن ما حصل في سوريا جعل هذه الفصائل تدرك أن البيئة الحالية ليست مناسبة لها، معتقدًا أنها ستنكفئ وتتوقف عن نشاطاتها العسكرية والدعائية "لتحافظ على نفسها ولا تتعرض لضربات من قبل إسرائيل والتحالف الدولي".

إسرائيل وقطع أذرع "محور المقاومة"

من جهته، أكد المستشار العسكري السابق، صفاء الأعسم، أن إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، نجحت في قطع أذرع "محور المقاومة"، حيث تم توجيه ضربة قاصمة لحزب الله اللبناني والفصائل المسلحة الموجودة في سوريا. وأضاف أن "الهدف التالي لإسرائيل هو تفكيك مبدأ وحدة الساحات الذي كان ينادي به محور المقاومة، وقد نجحت في ذلك".

ويرى الأعسم أن مستقبل الفصائل المسلحة في العراق لا يزال مجهولًا، مشيرًا إلى أنه لا يمكن التضحية بها بسهولة "بسبب التطورات الإقليمية السريعة، بما في ذلك التدخلات التركية في سوريا".

وأشار  إلى أن الحكومة العراقية اتخذت موقفًا حازمًا، حيث سترد بقوة على أي ضربات تخرج من العراق. وقال: "أي مواجهة ستكون قتالاً جويًا، والعراق لا يملك منظومة دفاع جوي تحميه من صواريخ وطائرات إسرائيل".

وأوضح أن انسحاب الفصائل من سوريا "جاء برغبة منها وليس بتوجيه حكومي، حيث تعمل بتوجيهات عقائدية طائفية". وأضاف أنه من المحتمل أن يتم تفكيك هذه الفصائل بعد انتهاء مبدأ وحدة الساحات.

أطماع تركية وتحديات إقليمية

كشف الأعسم عن قلق العراق تجاه ما حصل في سوريا، مشيرًا إلى "أطماع تركية في الوصول إلى حلب وحماه وحمص، مع احتمال الوصول إلى الموصل وكركوك". وبيّن أن الموضوع لا يزال مبهمًا لدى الجميع.

رئيس الحكومة السورية المؤقتة محمد البشير - حساب الحكومة السورية المؤقتة على تلغرام
بعد تكهنات.. رئيس حكومة سوريا الانتقالية يكشف "الأولويات" وملامح السياسة الخارجية
أكد رئيس الحكومة الانتقالية في سوريا، محمد البشير، أن المرحلة الجديدة سوف تشهد ضمان حقوق جميع الأطياف في البلاد، موضحا أن الوضع المالي للبلاد "سيئ للغاية" وأن أولويات حكومته تتمثل في إعادة الاستقرار والأمن وإعادة ملايين النازحين إلى البلاد وبسط سلطة الدولة وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين.

واستبعد الأعسم أن تصدر الفصائل العراقية المسلحة في الوقت الراهن أي مواقف أحادية تتجاوز الحكومة العراقية، قائلاً: "قراراتها ستكون توافقية مع مواقف الحكومة العراقية وما يصدر عنها". وأضاف أن ذلك قد يؤدي في النهاية إلى نزع السلاح من جميع الفصائل وحصره بيد الدولة.

موقف الحكومة العراقية

في المقابل، يرى المحلل السياسي العراقي علي البيدر أن هذه الفصائل لجأت إلى "استراتيجية براغماتية" في التعاطي مع الأحداث الجديدة لتجنب المواجهة المباشرة مع الأطراف المعادية. وأشاد بموقف الحكومة العراقية التي استطاعت "امتصاص التبعات التي خلفتها الأحداث في المنطقة".

واستبعد البيدر أن تستهدف إسرائيل تلك الفصائل في الوقت الراهن، قائلاً: "المشهد العراقي لا يزال يدفع باتجاه تعزيز حالة الاستقرار في المنطقة".

يُذكر أن مجموعة من الفصائل العراقية المدعومة إيرانيًا كانت قد أعلنت انضمامها تحت ما كان يسمى بـ"المقاومة الإسلامية في العراق"، وقامت بتوجيه ضربات مباشرة إلى إسرائيل عن طريق المسيرات بشكل يومي. لكن هذه الفصائل أوقفت هجماتها بعد سقوط نظام بشار الأسد وانسحابها من سوريا.