أنصار التيار الصدري يقتحمون القصر الجمهوري
أنصار التيار الصدري خلال اقتحام القصر الجمهوري العراقي نهاية أغسطس الماضي

قبل عام أدلى العراقيون بأصواتهم في انتخابات مبكرة أملا بإنهاء أزمة سياسية اندلعت قبلها بعامين، لكن بعد ظهور النتائج، دخل العراق في أزمة سياسية تعقدت تفاصيلها يوما بعد يوم.

ولا يزال العراق بدون حكومة حتى الآن، ولا أفق لتشكيلها قريبا،  بحسب الصحفي العراقي مصطفى ناصر.

ويقول ناصر لموقع "الحرة" إنه " بالرغم من الضخ الإعلامي الكبير لأطراف الإطار التنسيقي بشأن قرب تحقق اتفاقات، وتشكيل الحكومة، إلا أن المعطيات تقول خلاف ذلك، فالأزمة الحالية لن تنتهي إلا بقبول شروط الصدر، والذهاب إلى انتخابات مبكرة جديدة، وبذلك يكون الإطار التنسيقي أمام خسارة معنوية ومادية وسياسية جديدة".

وتهدد الخسارة الجديدة، في حال حدوثها، باضطرابات عاشها العراقيون منذ انتهت عملية الاقتراع، وربما قبل أن تبدأ حتى.

نسبة المشاركة في الانتخابات العراقية بلغت 43%

الانتخابات

اتفقت الأطراف العراقية على إقامة انتخابات مبكرة عقب تسمية، مصطفى الكاظمي، لرئاسة الحكومة العراقي خلفا لرئيسها السابق عادل عبد المهدي، الذي أطاحت بحكومته تظاهرات استمرت أكثر من عام.

وكاد الخلاف على بديل لعبد المهدي أن يؤدي إلى اقتتال، حيث دعم الصدر الكاظمي – كان وقتها مديرا للمخابرات – فيما أرادت الكتل التي تعرف حاليا باسم الإطار الشيعي، مرشحا آخر.

ولم يمرر عدة مرشحون للمنصب، منهم كلف رسميا، مثل محمد علاوي، ومنهم وصل ترشيحه درجات متقدمة.

وبعد عام على انتخاب الكاظمي أقيمت الانتخابات في 10 أكتوبر 2021، وسط مقاطعة كبيرة نسبيا، وأصبح التيار الصدري أكبر كتلة في البرلمان بـ73 مقعدا.

نواب التيار الصدري ارتدوا الأكفان في أول جلسة للبرلمان

انسحاب التيار الصدري

حاول الصدريون تشكيل حكومة، وائتلفوا مع كتلة تقدم (سنية برئاسة رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي) والحزب الديمقراطي الكردستاني (برئاسة مسعود البارزاني)، وبدا أن حظوظ التحالف بتشكيل حكومة أغلبية كبيرة، خاصة حينما تمكن من تمرير الحلبوسي لرئاسة البرلمان رغم اعتراض كتلة "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية) وحليفتها الاتحاد الوطني الكردستاني، كتلة رئيس الجمهورية برهم صالح.

شكل الإطار التنسيقي ما يسمى بالثلث المعطل، وهو تجمع من أكثر ثلث أعضاء البرلمان، يكفي عدم دخوله القاعة الدستورية (قاعة البرلمان العراقي) لسحب الشرعية من الجلسات.

ولأشهر، حاول الصدريون عقد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، لكن "الثلث المعطل" تمكن من إفشال هذه الجهود، وإفشال "جعفر الصدر" قريب مقتدى الصدر زعيم التيار، وسفير العراق في بريطانيا، والمرشح من قبل الصدر لرئاسة الوزراء.

وفي 12 يونيو 2022، قدم أعضاء البرلمان الصدريون استقالاتهم بشكل جماعي، في سابقة لم تحدث بتاريخ العراق.

اقتحام البرلمان

وفي التاسع والعشرين من يوليو، تمكن متظاهرون مؤيدون للصدر من اقتحام المنطقة الخضراء المحصنة، مقر البرلمان والحكومة، واقتحام مجلس النواب، وأقاموا اعتصاما داخله استمر أكثر من شهر، معطلين جلسة انتخاب رئيس للجمهورية دعا إليها الإطار التنسيقي.

الاقتحام جاء بعد يومين فقط من اختيار الإطار لمحمد شياع السوداني، الوزير والبرلماني المخضرم، وحليف نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون، مرشحا لرئاسة الحكومة.

وعطل البرلمان العراقي جلساته نتيجة الاعتصام، وتوجه المتظاهرون الصدريون لمقر المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى العراقي، كما دخلوا مقر رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.

اعتصام لأنصار التيار الصدري يقابله اعتصام لمؤيدي الإطار التنسيقي في العراق

اشتباكات الخضراء

وفي الثلاثين من أغسطس، اندلعت اشتباكات مسلحة في المنطقة الخضراء بين مسلحين من التيار الصدري وآخرين من فصائل مسلحة.

وبدأت الاشتباكات عقب إعلان مقتدى الصدر اعتزاله الحياة السياسية، عقب إعلان المرجع الشيعي المقيم في إيران، كاظم الحائري، اعتزاله المرجعية وإيكال مقلديه إلى المرشد الإيراني.

وعمليا يعتبر التيار الصدري تابعا للحائري في الأمور الدينية، لذا اعتبر إعلانه إيكال المقلدين ضربة كبيرة لمقتدى الصدر، خاصة أن الحائري خاطبه في خطاب الاعتزال بلهجة حادة نادرة.

وقتل نحو 30 شخصا نتيجة الاشتباكات فيما جرح عدد غير معروف، لكنهم يقدرون بالعشرات أيضا، ولم تتدخل قوات الأمن العراقية حتى أصدر الصدر بيانا يأمر فيه أنصاره بالانسحاب.

ولاحقا وصف زعيم ميليشيا العصائب، قيس الخزعلي، ليلة الاقتتال بأنها "أسوأ ليلة" بالنسبة له منذ عام 2003.

عودة البرلمان

واستأنف مجلس النواب جلساته الأربعاء  28 سبتمبر، وسط إجراءات أمنية مشددة، لكن المنطقة الخضراء تعرضت لإطلاق قذائف مجهولة، كما اشتبك متظاهرون مع قوات الأمن وسقط العشرات من المصابين.

وبعد ثلاثة أيام، شهدت البصرة قتالا عنيفا بين مسلحين عشائريين ومسلحين تابعين للحشد الشعبي.

إعلان "ائتلاف إدارة الدولة"

وفي 28 سبتمبر أيضا أعلن الإطار التنسيقي للقوى الشيعية تشكيل ائتلاف جديد تحت اسم "ائتلاف إدارة الدولة" مكون من كتل الإطار والكرد والسنة، أي عمليا كل البرلمان العراقي عدا المستقلين.

لكن باقي الكتل لم تؤكد اشتراكها رسميا في هذا الإطار.

ويقول الصحفي مصطفى ناصر إن ما يجري تداوله بشأن ائتلاف ادارة الدولة في وسائل الإعلام ليست له أية مؤشرات أو إعلانات رسمية كالتي جرت مثلا في تحالف انقاذ وطن الثلاثي بين التيار الصدري والديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة.

ويقول إن زعامات الإطار التنسيقي تسعى إلى اقناع أطراف المعادلة بضمانات وامتيازات وتنازلات.

ولم يرد أعضاء في كتلة الإطار التنسيقي على أسئلة موقع "الحرة" بشأن ائتلاف إدارة الدولة.

الطريق "المسدود"

ويقول المحلل السياسي العراقي، إحسان الشمري، إن ائتلاف إدارة الدولة سيكون "مضطرا" لقبول اشتراطات مقتدى الصدر، وأهمها إجراء انتخابات مبكرة.

ويقول الشمري لموقع "الحرة" إن الإطار "محرج للغاية بسبب الضغوط الدولية أيضا، وأهمها إحاطة بلاسخارت الأخيرة" التي حملت الكتل الشيعية المتصارعة مسؤولية عدم تشكيل حكومة.

وحملت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة، جينين بلاسخارت، في إحاطتها الأخيرة أمام مجلس الأمن قادة الكتل السياسية جميعا مسؤولية تدهور الأوضاع، وقالت إن الفساد هو أهم المشاكل في العراق وإنه "لا يوجد زعيم سياسي يستطيع القول إنه محمي منه".

وتساءلت بلاسخارت، في معرض شرحها لفكرة الانتخابات المبكرة الجديدة بالقول "ما هي الضمانات بأن إجراء انتخابات وطنية جديدة لن يذهب سدى مرة أخرى"، و"كيف سيقتنع المواطنون العراقيون بأن الأمر يستحق الإدلاء بأصواتهم؟"، و"وما هي التطمينات التي سيحتاجها المجتمع الدولي لتقديم الدعم للانتخابات الجديدة؟".

ويقول المحلل السياسي العراقي، أحمد الزبيدي، لموقع "الحرة" إن "هذه الأسئلة ذاتها هي الأسباب التي نعتقد أن فكرة الانتخابات المبكرة لن تحمل حلا لمشاكل العراق السياسية"، ويضيف "نعتقد أننا أمام طريق مسدود للغاية وينتظرنا الأسوأ".

ويقول المحلل السياسي العراقي، محمد نعناع، إن "كل طرف لا يستطيع أن يقود لوحده أو يحسم الخلافات لوحده، ولهذا يلقي المسؤولية على الطرف الآخر".

ويضيف لموقع "الحرة" أن "موضوع نصاب الثلثين سيكون مشكلة تواجه الإطار التنسيقي مثلما واجهت الصدريين"، مضيفا أن "مشكلة ترشيح رئيس الجمهورية وامتناع الكرد عن المشاركة وانسحاب الصدريين خلقت مداورة سياسية ستنهار كل الاتفاقات بسببها".

ويعتقد نعناع أن "لهذا نعتقد أنه لا يوجد بصيص أمل أو حل للأزمة الراهنة المستعصية".

مقاتلون من المعارضة في ريف حمص.
مقاتلون من المعارضة في ريف حمص. Reuters

يكتنف الغموض حول مشاركة المليشيات العراقية الموالية لإيران في الحرب السورية، التي عادت لدائرة الضوء مجددا منذ بدء فصائل المعارضة هجوما واسعا ضد نظام بشار الأسد والمليشيات الإيرانية وسيطرتها على مدينتي حلب وحماة واستمرار زحفها باتجاه العاصمة دمشق.

ويؤكد الموقف الرسمي العراقي على عدم السعي للتدخل العسكري بسوريا، وجدد الناطق باسم الحكومة، باسم العوادي، الجمعة، تأكيده على ذلك الموقف، مضيفا في بيان أن "العراق يعمل بقوة على إيجاد حل سياسي متوازن للتداعيات الأخيرة".

لكن موقف هيئة الحشد الشعبي وكذلك المليشيات العراقية غير واضح حتى الآن، رغم أنها أكدت عدم المشاركة في الحرب السورية الا بموافقة رسمية من الحكومة.

ويتزامن غموض موقف المليشيات العراقية من المشاركة في الحرب مع دعوة زعيم التيار الوطني الشيعي (التيار الصدري سابقا) مقتدى الصدر، الخميس الماضي، الحكومة والفصائل العراقية المسلّحة إلى "عدم التدخل" فيما يحصل بسوريا.

وشدّد الصدر في منشور على منصة "إكس" على "ضرورة عدم تدخل العراق حكومة وشعبا وكل الجهات والميليشيات والقوات الأمنية في الشأن السوري كما كان ديدن بعضهم فيما سبق"، داعيا "الحكومة إلى منعهم من ذلك ومعاقبة كل من يخرق الأمن السلمي والعقائدي."

ويوضح المحلل السياسي المقرب من التيار الوطني الشيعي،عصام حسين، لـ"الحرة"، "يرى مقتدى الصدر أن الأحداث في سوريا صراع دولي، بمجرد أن يتدخل العراق سينتقل هذا الصراع الدولي إلى العراق الذي يشهد أمانا."

ويشير حسين الى أن الفصائل العراقية التي كانت في منطقة البوكمال السورية الحدودية مع العراق انسحبت، الجمعة، مستبعدا مشاركة الفصائل العراقية في الحرب السورية هذه المرة لامتلاكها مصالح سياسية واقتصادية وارتباطات دولية.

وعلى نقيض الصدر أعلنت مليشيا "أبو الفضل العباس" بزعامة أوس الخفاجي، الخميس، عن إعادة تشكيل قواتها، وأنها ستتجه بعد استكمال العدد والعدة إلى دمشق وستتمركز بجوار مرقدي "السيدة زينب" و"السيدة رقية" دون المشاركة في أي عمليات عسكرية خارج محيط المرقدين التزاما بقرارات الحكومة العراقية والمرجعية الشيعية.

ويبدو أن المليشيات العراقية تسعى لتقاسم الأدوار في المرحلة الحالية تجاه الأحداث في سوريا، حيث تعلن قسم منها أنها ستدخل الأراضي السورية لممارسة دورها في حماية دمشق من السقوط بيد فصائل المعارضة، التي يعتبرها العراق"جماعات إرهابية"، بينما تشير مليشيات أخرى الى أنها تتطلع إلى حل سياسي وأنها ملتزمة بالموقف الحكومي الرسمي.

ويرى الخبير السياسي إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، أن تقاسم الأدوار قد يكون في المرحلة الأولى، على اعتبار أن الحكومة العراقية أو حتى الفصائل بحاجة إلى مسار دبلوماسي ومسار آخر عسكري.

ويبين الشمري لـ"الحرة"، "لكن إذا كان هناك تهديد بسقوط الحكومة السورية أو حتى بشار الأسد، أتصور ان الفصائل قد تنخرط بشكل كامل ومن ثم ينتهي الحد الفاصل في المناورة وتبادل الأدوار"، مشيرا الى أنه ورغم إعلان الفصائل الاستعداد للانخراط في الحرب السورية، إلا أنها في نفس الوقت متمركزة في بعض النقاط داخل سوريا.

وتحتضن سوريا نحو 20 فصيلا من المليشيات العراقية منذ عام 2012، وكانت تتمركز جزء كبير من هذه المليشيات حتى نوفمبر الماضي في حلب وحماة قبل انسحابها مع المليشيات الإيرانية الأخرى وجيش النظام السوري من هاتين المدينتين، اللتين سيطرت عليها الفصائل المعارضة السورية إلى جانب بلدات أخرى ضمن عملياتها الواسعة ضد الجيش السوري والمليشيات المتحالفة معها.

ويشير الشمري الى أن إيران تطرح فكرة إرسال مستشارين إلى سوريا، معربا عن اعتقاده بأن هذه الفكرة "قد تدفع جميع الفصائل إلى الاشتراك إذا ما كان هناك قرار بهذا المستوى، لكن مع ذلك لا يزال الرأي المطروح بأن الذهاب إلى سوريا مع انسحاب كامل للجيش السوري من بعض المحافظات والمدن قد يكون ذا كلف وأثمان باهظة جدا."

وتظهر تصريحات قادة المليشيات العراقية حتى المنخرطة منها في العملية السياسية، أنها ستدخل الى الأراضي السوريا فيما إذا اشتد حصار المعارضة على نظام الأسد.

وأكد هادي العامري، الأمين العام لمنظمة بدر أقدم المليشيات العراقية الموالية لإيران، السبت، خلال مشاركته في مهرجان "أبناء المجاهدين"، أنه "إذا هُدد أمننا القومي يجب أن ندخل للقتال في سوريا"، مشددا "الهجوم خير وسيلة للدفاع ومن غير الصحيح أن نبقى نترقب التصعيد من بغداد".

لكن الخبير السياسي الناصر دريد، يعتبر الفصائل العراقية كلها غير متشجعة وغير راغبة في دخول أجواء المعركة في سوريا هذه المرة.

ويسلط دريد الضوء على أبرز الأسباب التي تجعل الفصائل غير راغبة بدخول الأراضي السورية، موضحا لـ"الحرة"، "الوضع الحالي لم يعد شبيه بالأوضاع الطائفية، التي كانت سائدة خلال السنوات الماضية عندما دخلت الفصائل في معارك سورية للدفاع عن مرقد السيدة زينب، ومنها أن المعارضة الحالية في سوريا استطاعت إلى حدما أن تطرح بشكل مختلف الشكل الطائفي الذي ظهرت فيه في المرة الأولى، إلى جانب ضعف القبضة الإيرانية بعد المعارك التي أعقبت 7 أكتوبر 2023."

ومن أبرز المليشيات العراقية المتمركز في سوريا حاليا، هي مليشيا النجباء ومنظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراق، لواء أبو الفضل العباس، التي كانت اول مليشيات عراقية تشكل في سوريا لحماية مرقد السيدة زينب، وكتائب سيد الشهداء وكتائب الإمام علي.

كما أن هناك عددا آخر  من المليشيات التي شكلها الحرس الثوري الايراني من مجندين شباب عراقيين تلقوا تدريباتهم في العراق وانضموا للحرب في سوريا، وتتمركز المليشيات العراقية حاليا في العاصمة دمشق ومطارها وفي محيط مرقد السيدة زينب، وريف دمشق وحمص وريفها والقلمون والغوطة الشرقية واللاذقية.