الحكومة العراقية استعادت جزءا من مبالغ الأمانات الضريبية. أرشيفية
الحكومة العراقية استعادت جزءا من مبالغ الأمانات الضريبية. أرشيفية

ظهر رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الأحد، وإلى جانبه أكوام من المبالغ المالية بالدولار الأميركي، والعملة العراقية، قال إنها تعادل 182 مليار دينار (نحو 121.3  مليون دولار) تمكنت الحكومة العراقية من استرجاعها من أصل مبلغ 3.75 ترليون دينار (2.5 مليار دولار) اختفت من حسابات دائرة الضرائب العراقية.

والمبلغ المستعاد هو جزء من مبلغ 1.6 ترليون دينار سرقت من قبل رجل أعمال عراقي اسمه، نور زهير، وفقا للسوداني.

ويقبع زهير حاليا في السجن بعد اعتقاله على خلفية القضية، لكن السوداني كشف عن التوصل إلى تسوية يمنح زهير من خلالها إفراجا بكفالة "مصفى يمتلكه" مقابل إرجاعه المبلغ المسروق "خلال فترة أسبوعين" وقال إن القضاء سيشرف على بيع أصول مالية يمتلكها زهير يفترض أن قيمتها "أكبر من المبلغ".

السوداني أعلن اتفاقا للافراج عن المتهم نور زهير بكفالة

 

ويقول الخبير القانوني العراقي، علي التميمي، إن "إطلاق سراح المتهم بكفالة أمر ممكن وفق قانون أصول المحاكمات الجزائية، وهو من صلاحية قاضي التحقيق"، مضيفا أن "الكفالة مشروطة بتسليم المبالغ موضوعة الدعوى".

لكن التميمي يقول لموقع "الحرة" إن هذا "لا يعني سقوط الإجراءات القانونية بحق المتهم، بل ستحال الدعوى إلى المحكمة المختصة وفقا لمادة الاتهام بعد استكمال الإجراءات التحقيقية".

ويعتقد التميمي أن "هذا الإجراء ينطبق مع السياسة الجنائية التي تروم تحقيق المصلحة العامة وفق قاعدة إذا تضاربت مصلحتان تفضل المصلحة العامة على الخاصة".

المبلغ المسترد يعادل نحو 5 بالمئة من اجمالي المبلغ المسروق

وأدى الكشف عن سرقة الأموال إلى صدمة داخل العراق بسبب الحجم الكبير للمبلغ، مع إن البلاد متعايشة نوعا ما مع الفساد المسيطر على مرافق الدولة.

وصنفت منظمة الشفافية الدولية، وهي هيئة رقابية عالمية، العراق في المرتبة 157 من أصل 180 دولة على مؤشرها لعام 2021 للحوكمة النظيفة.

وتشكل الفضيحة اختبارا مبكرا للحكومة العراقية الجديدة التي تشكلت أواخر الشهر الماضي بعد أزمة سياسية طويلة.

وتعهد رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، باتخاذ إجراءات صارمة ضد الفساد، لكن قلة تتوقع محاسبة أي مسؤول كبير أو زعماء سياسيين، كما تقول وكالة أسوشيتد برس.

ويصل المبلغ المختلس إلى نحو 2.8 بالمئة من حجم موازنة الدولة لعام 2021.

ويشير تقرير مدققي الحسابات، الذي حصلت عليه وكالة أسوشيتد برس ونشرته صحيفة الغارديان لأول مرة، إلى أن السرقة كانت مدبرة من قبل شبكة واسعة من المسؤولين وموظفي الخدمة المدنية ورجال الأعمال. وفي نظام المحسوبية المتجذر في العراق، غالبا ما يكون لهؤلاء الأفراد صلات بفصائل سياسية قوية.

ويقول المحامي والخبير القانوني العراقي، حسين السعدون، إن "الإجراءات المقبلة هي استكمال القضاء لتحقيقاته من خلال المحكمة المتخصصة وهي محكمة النزاهة، كما من الممكن أن يطلب إجراء تحقيق إداري".

ويضيف السعدون لموقع "الحرة" أن "الظاهر من الأنباء التي تواردت عن طريق وسائل الإعلام أن القوانين التي تطبق في هذه القضية هي قوانين الاختلاس التي تتباين أحكامها القصوى بين 10 أعوام والسجن المؤبد وفقا لمنصب ووظيفة الموظفين الذين اشتركوا فيها".

ويقول إن المتهم، نور زهير، استفاد من نص قانوني يقول إن مقدم الرشوة يحصل على أحكام مخففة في حال قدم للقضاء معلومات عن القضية تؤدي إلى اكتشاف المتعاونين.

الفساد المنظم

وظهر مخطط "سرقة القرن" كما يسمى في البلاد إلى النور الشهر الماضي عندما أفادت مراجعة داخلية أجرتها وزارة المالية بأن الهيئة العامة للضرائب - دائرة الإيرادات الداخلية العراقية - دفعت عن طريق الاحتيال نحو 3.7 تريليون دينار عراقي، أو حوالي 2.5 مليار دولار، لخمس شركات.

وتم الدفع من خلال 247 شيكا تم صرفها بين 9 سبتمبر 2021 و11 أغسطس من هذا العام، من فرع في  مصرف الرافدين الذي تديره الدولة  ويقع ضمن لجنة الضرائب.

ويحتوي الحساب على ودائع ببلايين الدولارات قدمتها شركات كان من المفترض أن تعاد إليها بمجرد خصم الضرائب وتقديم الشركات بيانات مالية مستكملة.

ويزعم أن الشركات الخمس قد سحبت مبالغ مستردة عن طريق الاحتيال دون إيداع أي شيء.

وبدأ وزير المالية بالوكالة في ذلك الوقت، إحسان عبد الجبار، الذي شغل أيضا منصب وزير النفط، عملية تدقيق. واكتشف السرقة بعد تلقيه شكاوى من شركة نفط غير قادرة على استرداد ودائعها الضريبية، وفقا لمسؤول كبير مقرب من التحقيق.

وقال المسؤول إنه عندما استفسر الوزير عن الرصيد المتبقي في الحساب، قالت مصلحة الضرائب إنها تحتفظ بحوالي 2.5 مليار دولار، لكن المزيد من التفتيش كشف أن الرصيد الفعلي قد تم استنزافه إلى 100 مليون دولار.

وكان هذا أول مؤشر على السرقة الضخمة. وكشفت مراجعة لاحقة قدمت إلى اللجنة المالية في البرلمان عن الباقي. وحصلت أسوشيتد برس على نسخة من هذا التقرير هذا الأسبوع.

وقبل وقت طويل من مراجعة الحسابات، أعربت إدارة غسل الأموال في المصرف لوزارة المالية عن قلقها إزاء الحجم الكبير لعمليات السحب النقدي.

وقال المسؤول إن سلف عبد الجبار وزير المالية السابق، علي علاوي، طلب أن تحصر الموافقة على أي سحوبات كبيرة بمكتبه لكن المديرين الرئيسيين في مصلحة الضرائب تجاهلوا الطلب.

واستقال علاوي في أغسطس آب احتجاجا على الفساد والتدخل الأجنبي في الشؤون العراقية.

وقبل أسابيع من صرف الشيكات الأولى، أزالت السلطات طبقة رئيسية من الرقابة، ظاهريا لأن الشركات اشتكت من أوقات الانتظار الطويلة.

وجاء القرار بناء على طلب من النائب، هيثم الجبوري، الذي كان آنذاك رئيسا للجنة المالية البرلمانية.

ووجدت المراجعة أن الشركات، التي أنشئت ثلاث منها قبل أسابيع فقط من دفع المدفوعات، قدمت وثائق مزيفة لتتمكن من المطالبة بالمدفوعات. ولم يتمكن مراجعو الحسابات من متابعة الأموال أكثر من ذلك لأنها سحبت نقدا.

وتتطلب عملية المطالبة أوراقا طويلة وتوقيعات من ثلاث إدارات على الأقل داخل مصلحة الضرائب، بالإضافة إلى مدير ونائب مدير الإدارة المالية. 

كما أن مصرف الرافدين اتصل بمصلحة الضرائب للتحقق من أصولية الشيكات قبل صرفها، وفقا للتعليمات.

وفي أواخر أكتوبر، قبض على، نور زهير جاسم، وهو رجل أعمال يتمتع بعلاقات جيدة، في مطار بغداد الدولي.

كما اعتقل مسؤولان في مصلحة الضرائب، ويقول القضاء إنه صادر عدة ممتلكات وأصولا بملايين الدولارات.

ولطالما تنافست الفصائل السياسية في العراق للسيطرة على الوزارات والهيئات الحكومية الأخرى، والتي تستخدمها بعد ذلك لتوفير فرص العمل وغيرها من الخدمات لمؤيديها.

ويرتبط عدد من الفصائل بهيئات حكومية مختلفة متورطة في المخطط الضريبي، وفقا لأسوشيتد برس.

وتحولت المشاحنات بين الفصائل القوية إلى قتال مميت في الشوارع في وقت سابق من هذا العام، ويمكن أن تثير أي محاولة لمحاسبة القادة السياسيين على الاحتيال المزيد من الاضطرابات، وفقا للوكالة.

مقترح "عفو" عن الفاسدين

ويقول المحامي والخبير القانوني العراقي، حسين السعدون، إنه مع "تخفيف" العقوبات عن الفاسدين لتمكين الحكومة من محاسبتهم، وهو رأي أثار جدلا لدى مراقبين آخرين تحدث معهم موقع "الحرة".

لكن السعدون يقول لموقع "الحرة" إن العقوبات المشددة في قضايا الفساد والرشوة حتى البسيطة منها تمنع المشتكين من التبليغ عن قضايا الفساد تلك، لهذا، يقول السعدون إن "من المنطقي وضع عقوبات مخففة للقضايا البسيطة".

كما يقول السعدون إن إصدار عفو عن الفاسدين مقابل إجبارهم على تسليم الجزء الأكبر من الأموال التي سرقوها سيسهم باستعادة تلك الأموال، ويشجع على فتح صفحة جديدة يمكن للحكومة بعدها أن تشدد العقوبات على المدانين بالرشوة وسرقة المال العام.

وبحسب السعدون فإن "تبييض" جزء من الأموال الفاسدة سيسهم في بقائها داخل العراق ويحولها لأنشطة شرعية كما أنه "يسهم بمنع الاضطرابات التي قد تنتج عن اتهام فاسدين لهم صلات سياسية".

ويقول الخبير القانوني العراقي المتخصص بقضايا الفساد، رؤوف أحمد، إن "هذا الحل ممكن نظريا، لكن فيه الكثير من الإشكالات".

ويضيف أحمد لموقع "الحرة" أن "الحل يفترض وجود دولة قوية وتحقيقات فساد فعالة وشفافة وعميقة تكتشف الفساد الهائل"، مضيفا أن "مثل هذه الحلول تهدد في حال تطبيقها بفعالية وكفاءة منقوصتين بتسليم البلاد بالكامل إلى الفساد، وإحباط محاربيه، وتعزيز ثقافة الأموال غير المشروعة".

استرداد الأموال خارج العراق

ويقول المحامي السعدون إن "من الممكن ملاحقة المتهمين والأموال خارج العراق في حال وجدت اتفاقيات مع الدول التي يلجأون إليها".

ويقول الخبير القانوني العراقي، علي التميمي، إن نصا في ميثاق الأمم المتحدة يتيح للدول التي تحارب دولا أو مجموعات إرهابية، موضوع تحت الفصل السابع للميثاق الأممي، أن تطلب من مجلس الأمن المساعدة الاقتصادية ومنها استرداد هذه الأموال، كما إنه توجد اتفاقية صادرة بشأن استرداد الأموال المهربة صادرة من الأمم المتحدة عام  2004 وموقع عليها العراق عام 2007 تتيح المطالبة بهذه الأموال المهربة بشكل غير شرعي.

لكن التميمي يقول إن الموضوع يحتاج إلى تنسيق بين النزاهة والخارجية والمخابرات لتفعيل ذلك.

زواج الأطفال هو أي زواج بين طفلٍ تحت سن 18 عاماً وشخص بالغ أو طفل آخر.

خطف الزواج القسري طفولة سميرة حين كانت تبلغ من العمر 13 عاما فقط، لتبدأ بعدها رحلة عذاب لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا مع رجل يكبرها بربع قرن تقريبًا.

سميرة، وهو اسم مستعار، نشأت في بيئة ريفية جنوب العراق ضمن أسرة مكونة من 11 فردًا، وكان عمرها 13 عامًا فقط حين قرر والدها، دون الرجوع إليها، تزويجها بمالك الأرض الذي يعمل لديه فلاحًا.

"العريس"، إن صحت التسمية في هذه الحالة، كان يكبر سميرة بـ25 عامًا، ولم تكن قد بلغت بعد، حيث جاءت الدورة الشهرية لأول مرة وهي في منزل زوجها، حسب ما قالت لموقع "الحرة".

وبعد عام من زواجها، حملت بطفل ذكر.

وتقول سميرة إن الأطباء نصحوها بإجراء عملية إجهاض بسبب الخطر الذي كان يهدد صحتها نتيجة الحمل.

لكن زوجها رفض إجهاض الجنين، لتبدأ معاناتها منذ الأشهر الأولى للحمل. ومع وصولها إلى الشهر السادس، تدهورت حالتها الصحية بشكل كبير وسط إهمال زوجها لها، مما أدى إلى تعرضها لنزيف حاد.

بعد مضاعفات صحية ووفاة الجنين، تغير سلوك زوجها وأصبح يهجرها، قبل أن يبدأ بتهديدات مستمرة بالطلاق، مما جعلها تشعر بالعزلة والظلم.

ولم تعد تعتبر نفسها شريكة في الحياة الزوجية، بل مجرد عاملة دون أجر، تقضي يومها بأداء مهام منزلية بالإضافة إلى أعمال الزراعة التي كانت تشارك فيها أيضًا.

جسد غير جاهز لحمل المستقبل

وتقول الأخصائية في الأمراض النسائية والتوليد، وفاء صالح، إن القصور لدى الفتاة لا يتعلق بالعمر والنضج العقلي فقط، بل يشمل أيضًا النضج والبلوغ الجنسي والجسدي.

بمعنى أن يصل الجهاز التناسلي الأنثوي، بما في ذلك الرحم والمبايض والمهبل، إلى مرحلة البلوغ، بحيث ينتج بويضات بشكل سليم ويتيح فرصة لحمل ناجح.

وتوضح أن أبرز الأمراض العضوية التي تصيب الفتيات اللاتي يتزوجن في سن مبكرة، لا سيما اللواتي لم يصلن إلى عتبة البلوغ الجنسي، تبدأ منذ اليوم الأول من الزواج.

وحسب الأخصائية، فإن الليلة الأولى من الزواج تسفر عادة عن نزيف وجروح وأحيانًا تمزق العضو التناسلي لديهن لصغر حجمه.

ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى هبوط الرحم، إضافة إلى التهابات حادة قد تستغرق فترة طويلة للعلاج، مما يحد من إمكانية المعاشرة الزوجية، وفقًا لصالح.

وتضيف أنه في حال حدوث حمل، فإن أرحام الفتيات تكون غير مكتملة النضج، ما يؤدي إلى مضاعفات طبية مثل الإجهاض المبكر، الذي قد يتكرر في بعض الحالات.

وفي حال تجاوزت الفتاة هذه المرحلة، فإن عدم نضج الأعضاء التناسلية الأنثوية يعيق توسع الرحم بشكل كافٍ، مما يصعب على الجنين إتمام فترة الحمل كاملة. 

وبالتالي يؤدي ذلك إلى ولادة مبكرة، خصوصًا في الشهر السابع، وفقًا للأخصائية في الأمراض النسائية والتوليد.

وتشير إلى أن مرحلة البلوغ الجنسي والجسدي لدى الفتيات تكون في عمر 18 عامًا، وحدوث الإحاضة لا يعني بالضرورة أن الفتاة قد نضجت جنسيًا أو أصبحت مؤهلة للحمل والولادة.

كما أظهرت الإحصائيات العالمية أن الحمل في سن مبكرة يعرض الفتاة لخطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم غير المسيطر عليه، وقد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل الصرع الولادي، وفقًا لما أوضحته صالح.

ويسفر الحمل المبكر أيضًا عن تشنجات عضلية قد تفقد الفتاة وعيها بالكامل، مما يشكل مضاعفات خطيرة للجهاز العصبي واحتمالية الإصابة بالعجز الكلوي، بالإضافة إلى الإصابة بارتفاع نسبة السكر في الدم.

وتؤكد صالح أن جسم الفتاة القاصر غير مهيأ لاستقبال كائن حي آخر بكل مكوناته واحتياجاته، فضلًا عن صعوبة الولادة بسبب ضيق الحوض الذي يكون صغيرًا في هذه المرحلة.

وتشير إلى أن معالجة ظاهرة زواج القاصرات تتطلب اتخاذ عدة إجراءات، أبرزها التعليم الإلزامي وتوعية الفتيات بأهمية إكمال دراستهن لضمان مستقبلهن.

طفولة ضائعة في زواج مفروض

وكما هو الحال مع سميرة، اختبرت نجود مرارة الزواج المبكر، إلا أن زواجها لم يستمر، وانتهى بشابة محملة بآلام نفسية وعبء تربية ثلاثة أطفال.

نجود، وهو أيضًا اسم مستعار، اقترنت رغم إرادتها عام 2011، حين كان عمرها 15 عامًا فقط، قبل أن تنفصل في 2019، وفق ما تروي لموقع "الحرة".

وتقول إن القرار الذي اتخذته أسرتها بحكم العادات والتقاليد دفعت هي وحدها ثمنه طيلة ثماني سنوات، اختبرت خلالها كافة صنوف الظلم والتعنيف، وطمس شخصيتها على يد زوج "أمي"، يكبرها بسبع سنوات.

وتضيف أنها نشأت في عائلة مكونة من تسعة أفراد، وكان رب الأسرة يعمل أجيرًا يوميًا، وحالتهم المادية كانت أقل من متوسطة.

وكانت تطمح، هي الطالبة المتفوقة، أن تصبح مهندسة، لكن قرارًا اتُخذ رغمًا عنها ودون استشارتها سرق أحلامها.

فقد أجبرها زوجها على التخلي عن الدراسة بذريعة أن الأعراف الاجتماعية تحتم على المرأة رعاية زوجها وأطفالها على حساب دراستها.

واعتبرت نجود أن زواجها كان فاشلًا بسبب غياب التفاهم، بالإضافة إلى افتقار الاحترام لها كامرأة، فقد تعرضت للضرب على مدار سنوات.

وأمام تعنيفها، كانت عائلتها تحاول دائمًا إصلاح الوضع خوفًا من الطلاق، إذ يُعتبر الطلاق أمرًا معيبًا للمرأة، حيث كانت تشعر أنها مجرد جارية، تُستخدم فقط للفراش وأعمال المنزل، تروي نجود بحسرة.

وبعد أن تحولت حياتها إلى جحيم حقيقي بسبب إهمال زوجها لمسؤولياته وعدم امتلاكه عملاً ثابتًا، قررت نجود أن تبحث عن عمل.

إلا أنها لم تتمكن من الحصول على وظيفة لعدم امتلاكها شهادة إعدادية، وحاولت العودة إلى الدراسة لتحسين فرصتها في الحصول على وظيفة، لكن عائلة زوجها منعتها من ذلك، مما دفعها إلى اتخاذ قرار الانفصال.

وتحذر نجود من الإقدام على الزواج المبكر، فتجربتها تشير إلى أن ظلمًا كبيرًا وقع عليها من عائلتها، خاصة وأن حياتها تغيرت جذريًا، وفرص ارتباطها تقلصت بشكل كبير بعد أن أصبحت مطلقة وأمًا لثلاثة أطفال وهي في نهاية العشرينات من عمرها.

طفولة مسروقة وراء ستار الزواج

يُعدِّد أستاذ علم الاجتماع، ولي الخفاجي، في حديث مع موقع "الحرة"، أبرز التداعيات الاجتماعية الناجمة عن زواج القاصرات، ومنها ترك الفتيات للتعليم أو إجبارهن عليه لعدم قدرتهن على مواكبة الدراسة وتحمل مسؤوليات الزواج.

كما تتعرض الفتيات القاصرات للعنف الأسري نتيجة صعوبة تكيفهن مع عائلة الزوج، خاصة إذا كانت العائلة ممتدة، مما يجعلهن يشعرن وكأنهن خادمات، خصوصًا أنهن في سن صغيرة لا يُسمح لهن بالعيش في سكن مستقل.

ويقع الزوجان في دوامة من المشاكل المستمرة، نتيجة لصعوبة تحمل مسؤولية الزواج، خصوصًا إذا كانا في مراحل عمرية صغيرة.

زيجات الأطفال سبب أساسي.. عواقب كارثية للزواج "غير الرسمي" في العراق
رغم أنّ الزواج خارج إطار "محكمة الأحوال الشخصيّة"، التي تُنظّم جميع الشؤون الأسرية للمسلمين في العراق، ممنوع بموجب المادة العاشرة من "قانون الأحوال الشخصيّة" لسنة 1959، فإن هذا النوع من الزواج لا يزال يتم على نطاق واسع، مما يؤدي إلى عواقب كارثية تؤثر على قدرة النساء والفتيات على الحصول على خدمات حكومية واجتماعية، فضلا عن آثار لاحقة على أطفالهن، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش. 

ويعاني الزوجان من غياب التوافق الفكري بينهما، لأن هذا الزواج غالبًا ما يُبنى على رضا العائلتين ومظاهر اجتماعية أخرى، بدلًا من أن يكون مبنيًا على اختيار سليم، وقد يؤدي إلى الانفصال، وفقًا لقول الخفاجي.

ويواجه الزوجان مشاكل تتعلق بغياب الاستقرار، حيث تفتقر الفتيات في هذه الأعمار إلى الوعي الكافي بمؤسسة الزواج.

وقد تؤدي تلك المشاكل إلى تصرفات خاطئة، مثل الخيانة الزوجية، نتيجة للتأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي وضغوط أخرى، فيما يتسبب هذا الزواج في حرمان الفتيات من فرصة العمل، ويحد من حرياتهن.

ويشير الخفاجي إلى أن أسباب انتشار زواج القاصرات تشمل القلق الأسري في ظل الظروف الاقتصادية، والفقر والحاجة اللذين يعززان انتشار مثل هذه الزيجات.

كما تلعب العادات والتقاليد الشرقية دورًا في هذه الظاهرة، فيما يسهم ترك الفتيات لمقاعد الدراسة في تسهيل زواجهن في سن مبكرة.

وللحد من ظاهرة زواج القاصرات، يؤكد الخفاجي على أهمية نشر الوعي بمخاطر هذا الزواج وآثاره السلبية، وتعريف المجتمع بأسس الزواج الناجح، حيث تقع المسؤولية على عاتق المؤسسات الدينية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني، بهدف بناء جيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل.

وأكد أستاذ علم الاجتماع على ضرورة وجود تشريعات قانونية جديدة لمكافحة زواج القاصرات، مثل منع عقد القران خارج المحاكم، وتحديد سن الزواج، بعيدًا عن رؤى المذاهب السُني والشيعي، ليكون القانون موحدًا يهدف إلى حماية المجتمع.

ويضيف الخفاجي أنه على الرغم من وجود القانون الذي يمنع زواج القاصرات في العراق، فإن هذه الزيجات تعقد بعيداً عن الدوائر الرسمية وتحديداً على يد رجال دين معللين ذلك بأن الزواج قد تم شرعاً، لكن في واقع الحال لايضمن هذا الزواج أي حقوق مدنية للزوجة.

زواج القاصرات.. أحلام مبتورة في مهب الريح

أخصائية الطب النفسي، داليا طه محمود، تقول إن المرحلة العمرية قبل سن الـ18 تعتبر فترة تحول بين مرحلتي المراهقة والبلوغ عند الإنسان، إذ تتخللها تغيرات نفسية وفيزيولوجية غير مستقرة.

بالتالي، فإن الفتيات اللاتي يتزوجن في هذه المرحلة العمرية يكنّ غير مستعدات نفسيًا للزواج بصورته العامة، وأيضًا لممارسة العلاقة الحميمة وسط تقلبات هذه المرحلة، ما يؤدي إلى شعورهن بالنفور والقلق، وفق ما تقول محمود.

وهذا النفور قد يعتبره بعض الأزواج عدم رغبة من جانب الزوجة، ما قد يدفعهم إلى تعنيف زوجاتهم بطريقة قاسية تصل إلى حد الضرب والإهانة.

وتشير محمود إلى أن زواج القاصرات يحدث غالبًا في المناطق الريفية بشكل كبير، بالإضافة إلى المدن، وتحديدًا في المناطق الشعبية والأحياء الفقيرة.

كما يحدث أيضًا في الأسر التي تعاني من الفقر والعوز، وفي العائلات التي تضم عددًا كبيرًا من الأفراد، إذ يلجأ أولياء أمور الفتيات إلى تزويجهن في سن مبكرة للتخلص من الأعباء المادية والاجتماعية.

وأوضحت أن من أبرز الأمراض التي تتعرض لها الفتيات اللاتي يتزوجن بعمر مبكر هي الأمراض النفسية، ومنها الاكتئاب المزمن والقلق النفسي، إضافة إلى أمراض الذُهان النفسي الشديد بسبب التعنيف.

كما تؤكد أيضًا تعرض الفتيات الحوامل أو الأمهات الجدد لأمراض أخرى تتمثل في التوتر المزمن وعدم الاستقرار النفسي، نتيجة الشعور بمسؤولية كبيرة لم يعهدنها من قبل، تتعلق بتربية الطفل.

وهذا الشعور قد يرافقه أيضًا إحساس بأن حياتهن ستقتصر على المهام الأسرية، بعيدًا عن تحقيق أحلامهن.

وتقول محمود إن الأزمات النفسية الناتجة عن زواج القاصرات قد تمتد لسنوات عديدة.

وأصغر حالة زواج مبكر عرفتها محمود كانت لفتاة تزوجت في عمر الـ8 سنوات، وظلت في منزل زوجها لمدة عامين دون أي علاقة شرعية حتى وصلت سن البلوغ.

جريمة مخفية وراء ستار الشريعة والسياسة

تصف الناشطة في مجال حقوق المرأة، تونس أحمد، زواج القاصرات بأنه جريمة ضد الإنسانية، لما يترتب عليه من ظلم للفتيات وتدمير لحياتهن وأحلامهن.

إضافة إلى أن هذا الزواج ينتج أطفالًا ينشأون في بيئات مليئة بالمشاكل النفسية، ما يعمق هذه المشكلات في شخصياتهم ويؤثر سلبًا على سلوكياتهم في المستقبل، وفق الناشطة.

وتشير إلى أن بعض الكتل السياسية الإسلامية تسعى لتعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي، حيث يتضمن التعديل تشريع زواج الفتيات في سن 9 سنوات وفقًا للشريعة الإسلامية.

ويُعتبر هذا التعديل، حسب أحمد، جزءًا من المساومات السياسية بهدف الضغط على كتل أخرى لتمرير ما تريده من قوانين.

كما يشكل التعديل مصدر قلق لشريحة واسعة من العراقيين، الذين يضغطون على الحكومة لرفضه بشكل قاطع.

وتؤكد أحمد أن هناك جهودًا كبيرة تُبذل من قبل الناشطين لرفع مستوى التوعية والتثقيف للقضاء على ظاهرة زواج القاصرات.

إلا أن هناك عقبات تتمثل في مقاومة هذه الجهود من قبل أتباع بعض الأحزاب الإسلامية، الذين يبررون مواقفهم بأنها تتوافق مع الشريعة والدين، حسب ما قالت أحمد.

وأكدت أن الجهود ستبقى مستمرة ضد تحركات الأحزاب.

وتتابع الناشطة الحقوقية أن الحملات المضادة التي تقودها هذه الأحزاب وصلت إلى التخوين والطعن في الأعراض.

وتوضح أن بعض الناشطات تعرضن للتهديد بالقتل جراء نشاطهن المناهض لتعديل قانون الأحوال الشخصية، الذي يدفع إلى تجهيل المجتمع واستمرار انتهاك حقوق المرأة.

وتشمل التعديلات الأخرى حرمان المرأة المطلقة من بعض حقوقها ومنح حضانة الأطفال للأب.