تشييع أحد قتلى احتجاجات الناصرية من ساحة التظاهرات المركزية في المدينة
تشييع أحد قتلى احتجاجات الناصرية من ساحة التظاهرات المركزية في المدينة

شيع متظاهرو الناصرية في محافظة ذي قار جنوبي العراق، الأربعاء، ثلاثة محتجين قتلوا برصاص القوات الأمنية - على ما يبدو - بعد خروجهم في تظاهرة احتجاجا على سجن ناشط عراقي انتقدت تغريداته الحشد الشعبي.

وأصيب في التظاهرات، التي استمرت يومين، نحو 15 آخرين من المتظاهرين والقوات الأمنية، وفقا لما نقله مراسل قناة "الحرة"، في حين أعلنت حكومة السوداني تشكل لجنة تحقيق، في إجراء يعيد إلى الإذهان إجراءات الحكومات السابقة في مواجهة ضحايا عنف القوات الأمنية، وفق مراقبين.

وبدأ إطلاق النار الحي، وفقا للناشط من أهالي المحافظة، أحمد العبادي، ليلة الثلاثاء - الأربعاء، لكن لم تسجل إصابات لا بشكل رسمي ولا وفقا لمعلومات الناشطين الذين تكلم معهم موقع "الحرة".

ويقول العبادي لموقع "الحرة" إن الأوضاع بقيت متوترة طوال الليل، إذ خطط الناشطون للخروج بتظاهرات صباحية حاشدة احتجاجا على اعتقال الزيدي وأيضا "الطريقة غير الحضارية في التعامل من قبل القوات الأمنية".

وخرج متظاهرون في بغداد أيضا احتجاجا على إدانة الزيدي، لكن التظاهرة لم تسجل أعمال عنف.

تظاهرات الأربعاء في بغداد احتجاجا على سجن الزيدي

ويضيف العبادي "كانت القوات الأمنية موجودة في وقت مبكر، ما يعني إن المسؤولين كان لديهم علم بتحضيرات المتظاهرين".

وتجددت التظاهرات صباح الأربعاء، لكن القوات الأمنية "قابلت المتظاهرين بالرصاص الكثيف الحي"، كما يقول الأمين العام لحزب البيت الوطني المعارض، الناشط في تظاهرات الناصرية حسين الغرابي.

وأظهر فيديو الاشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن.

التحدي الأول للسوداني

ويقول الغرابي لموقع "الحرة" إن "أحداث اليوم هي التجربة الأولى لحكومة الإطار مع تظاهرات سلمية، وجوبهت بالرصاص الحي لمدة يومين، سقط خلالها ثلاثة شهداء وما يقارب الـ19 جريحا برصاص مباشر، أحرقت به سيارات المارة ودراجات الطلبة في المدارس".

ويضيف أن "المواجهة كانت في وسط منطقة تضم أربع مدارس وأثناء الدوام"، متابعا "القوات الأمنية اعتدت حتى الناس المارة في الشارع بالضرب والتنكيل".

ورغم عدد من المحاولات، لم يتمكن موقع "الحرة" من الحصول على رد من شرطة محافظة ذي قار أو محافظها بشأن ما جرى.

وجاءت التظاهرات بعد الحكم الذي اعتبر قاسيا بحق الناشط حيدر الزيدي، وعلى الرغم من أن القضاء في العراق لا يخضع لسلطة الحكومة، يلوم الناشطين حكومة السوداني وأحزاب الإطار التنسيقي التي شكلتها على "تدهور حرية التعبير في العراق".

ويقول الغرابي "أعتقد أن الإطار متجه لتشكيل دكتاتورية جديدة وبنفس الأدوات والقوانين التي شرعها النظام السابق، وأن جمهورية الخوف باتت قريبة من الواقع العراقي بعد سيطرة الإطار وهو الواجهة السياسية للميليشيات التي قتلت المتظاهرين وغيبتهم طوال السنوات التي تلت احتجاجات تشرين".

ويقول الصحفي أحمد حسين إن "انتقاد حكومة السوداني بسبب أمر قضائي أمر غير منطقي"، مضيفا لموقع "الحرة" أن "السوداني قام حتى الآن بما يتوقع منه القيام به، حيث عين قائدا جديدا لشرطة محافظة ذي قار وأمر بإجراء تحقيق".

أحد ذوي ضحايا إطلاق النار في تظاهرات الناصرية

وعاد الهدوء النسبي إلى الناصرية بعد انسحاب المحتجين من تقاطع بهو الإدارة المحلية وشارع التربية وشارع النهر، فيما استنفرت قوات الجيش والشرطة إمكانياتها تحسبا لأي طارئ، وفقا لمراسل الحرة.

ويقول الصحفي أحمد السهيل إنه لا يمكن اعتبار ما جرى اليوم من أحداث تحدياً لحكومة السوداني، التي هي بالاساس حكومة الإطار التنسيقي المتهم بقائمة طويلة من أحداث القتل والانتهاكات، لكنها بالضرورة ستمثل اختبارا لكيفية تعاطي تلك الحكومة مع أحداث القتل".

ويعتبر السهيل إن الإجراءات المتخذة حاليا "مشابهة لسابقاتها من خلال الاكتفاء بتشكيل لجان تحقيق واستبدال قادة شرطة"، مضيفا أن "هذا الأمر كان متوقعا، ومهما حاولت حكومة السوداني تقديم دفوعات بأنها ستعمل باستقلالية لا يمكن لها إلا أن تكون جزءا من حراك الإطار والقوى الإيرانية في العراق".

ويعتقد السهيل إن "قضية الناشط حيدر الزيدي تمثل أيضاً نموذجاً واضحاً لشكل الحكم الذي تنوي حكومة الإطار إدارته، وهو السير بخطوات واضحة نحو إنشاء نفوذ أوسع للمليشيات الموالية لإيران بكل الطرق، سواء باستخدام القضاء أو بإطلاق الرصاص المباشر على كل مناهضيها".

حداد وإجراءات حكومية

وقال بيان صادر عن المجلس الوزاري للأمن القومي، الذي يرأسه السوداني، إن "المجلس ناقش أحداث التظاهرات التي شهدتها مدينة الناصرية، وقرر إرسال لجنة أمنية عليا إلى محافظة ذي قار للتحقيق في الأحداث التي تسببت بسقوط ضحايا وحدوث إصابات بين صفوف المتظاهرين والأجهزة الأمنية".

وشدد المجلس، وفق البيان، على ضرورة الحفاظ على أرواح المتظاهرين السلميين، ومنع أية جهة من التدخل عبر تسييس التظاهرات أو استغلالها لأغراض شخصية.

حزب العمال

لن يضع قرار حزب العمال الكردستاني التركي (PKK) حل نفسه نهاية لحرب دامت أكثر من 4 عقود، فحسب، بل نهاية لحقبة شكلت الديناميكيات الأمنية والسياسية في إقليم كردستان ـ العراق، أيضا.

وأعلن حزب العمال الكردستاني في 12 مايو الحالي، عن حل بنيته التنظيمية وإنهاء الكفاح المسلح، والأنشطة التي كانت تجري تحت لواء "PKK"، استجابة لنداء أطلقه زعيم الحزب ومؤسسه المعتقل في تركيا عبدالله أوجلان نهاية فبراير الماضي.

وطالب العمال الكردستاني، في بيان، تركيا بمنح زعيمه أوجلان حق إدارة المرحلة المقبلة، والاعتراف بحقه في العمل السياسي، وتوفير ضمانات قانونية شاملة في هذا الشأن.

وأشار البيان إلى أن الحزب نظم مؤتمره الثاني عشر في ظروف صعبة، مع استمرار الاشتباكات، وتواصل الهجمات البرية والجوية للجيش التركي.

وأضاف أن "المؤتمر أُنجز بنجاح وبشكل آمن، حيث أُجري في منطقتين مختلفتين بشكل متزامن لأسباب أمنية. وشارك فيه ما مجموعه 232 مندوبا. واتخذ خلاله قرارات تاريخية تعبر عن الدخول في مرحلة جديدة لحركتنا من أجل الحرية".

ويشير خبير العلاقات الدولية، حسن أحمد مصطفى، إلى أن قرار حزب العمال الكردستاني بحل نفسه يمكن أن يؤدي إلى انخفاض كبير في الاشتباكات المسلحة في إقليم كردستان، خاصة في منطقة بهدينان ومحافظة أربيل، ويقلل من الغارات الجوية في مناطق قنديل وشاربازير والسليمانية، التي يتمتع فيها العمال الكردستاني بحضور قوي.

ويضيف مصطفى لـ"الحرة" قوله: "أنشأت تركيا بعد عام 2019، قواعد عسكرية دائمة في كردستان العراق، في مناطق من محافظة دهوك وبالقرب من جبل قنديل، لذلك حل حزب العمال الكردستاني قد يخفض من مبررات العمليات العسكرية التركية عبر الحدود".

وبين أن أنقرة أشارت إلى أنها ستراقب امتثال العمال الكردستاني لقرار الحل وإلقاء السلاح عن كثب قبل سحب قواتها من كردستان العراق.

ويلفت مصطفى إلى أن الصراع المسلح بين العمال الكردستاني وتركيا تسبب خلال السنوات الماضية بنزوح آلاف من مواطني كردستان العراق من قراهم وبلداتهم وأصبحت نحو 700 قرية في إقليم كردستان إما خالية تماما من سكانها أو معرضة للخطر.

وعلى الرغم من تأكيده على أن السلام الدائم سيسهل عودة النازحين إلى قراهم ومناطقهم، يلفت مصطفى إلى أن استمرار الوجود العسكري التركي قد يُؤخّر إعادة التوطين الكاملة.

ولعل من تداعيات حل العمال الكردستاني التي يتوقعها مصطفى، هي أن تدعو إيران إلى إنهاء المعارضة المسلحة الكردية الإيرانية بشكل كامل.

وتسعى طهران منذ نحو عامين عبر الاتفاق الأمني الذي ابرمته مع الحكومة العراقية إلى إنهاء المعارضة الكردية الإيرانية الموجودة في إقليم كردستان منذ أكثر من 4 عقود، وقد بدأت السلطات العراقية حسب الاتفاق بإبعاد الأحزاب الكردية المعارضة عن الحدود الإيرانية، ونزعت أسلحتهم.

وأصدرت مستشارية الأمن القومي العراقية، التابعة لمجلس الوزراء، في 24 أبريل الماضي، قرارا يحظر جميع أنشطة الأحزاب والجماعات الإيرانية المعارضة الموجودة على الأراضي العراقية.

ورغم إعلان حل الحزب والتخلي عن السلاح، لم تحدد آلية تنفيذ القرارين بعد، خاصة لجهة كيفية إلقاء السلاح والجهة تتسلمه من مقاتلي حزب العمال.

وأوضح وزير الداخلية في حكومة إقليم كردستان، ريبر أحمد، في مؤتمر صحفي عقده في أربيل مطلع الأسبوع، أنه "مازال من المبكر الحديث عن كيفية إلقاء السلاح وأين سيسلم هذا السلاح ولمن؟ جميعنا نراقب هذه العملية، المهم أن تنتهي العمليات العسكرية والاشتباكات المسلحة في مناطق كردستان، ويتمكن مواطنونا من العودة الى مناطقهم ويحل السلام والاستقرار".

ولا يقتصر وجود العمال الكردستاني في جبل قنديل والسلاسل الجبلية والمناطق الحدودية بين إقليم كردستان وتركيا، بل تتمركز وحدات مقاومة سنجار "اليبشة" التابعة لـ(PKK) في قضاء سنجار غربي الموصل أيضا.

واعتبر سياسيون في إقليم كردستان العراق خلال تصريحات سابقة لـ"الحرة"، هذه الوحدات وفصائل الحشد الشعبي سببا في عدم استقرار الأوضاع في سنجار، وأبرز عائق أمام تنفيذ اتفاقية سنجار التي وقعتها بغداد وأربيل عام 2020 برعاية دولية لتطبيع الأوضاع في تلك المنطقة وإعادة النازحين إليها.

لذلك من المتوقع أن يساهم قرار الحزب بإلقاء السلاح في تطبيق اتفاقية سنجار وعودة الاستقرار إلى المدينة، التي شهدت خلال السنوات الماضية العديد من الغارات الجوية التركية التي استهدفتها بسبب وجود مواقع للعمال الكردستاني فيها. 

ويرى رئيس منظمة كردستان لمراقبة حقوق الإنسان، هوشيار مالو، أن قرار حل حزب العمال الكردستاني بإلقائه السلاح سينهي مبررات الدولة التركية في التدخل في دول المنطقة ومنها العراق وسوريا بحجة وجود مقاتلي وأعضاء العمال الكردستاني.

ويوضح مالو لـ"الحرة"، "بعد قرار الحل، ستنهي تركيا وجودها العسكري في العراق، أو على الأقل ستبدأ مرحلة جديدة من العلاقات مع بغداد وإقليم كردستان، لذلك على السياسيين العراقيين بالدرجة الأساس التهيئة للتفاوض والتفاهم من أجل انسحاب القوات التركية من الأراضي العراقية".

ويعتقد مالو أن جزءا من مقاتلي العمال الكردستاني أو مجاميع أخرى تابعة له قد ينشقون عن الحزب ويرفضون إلقاء السلاح، لكنه يرى أنهم لن يؤثروا على عملية السلام، لأن المرجع الفكري للحزب والمجموعات المرتبطة به قرروا تغيير مصيره.

ولفت إلى أن "قرار الحزب بإلقاء السلاح سيلقي بظلال إيجابية على المنطقة بأسرها".

وبحسب إحصائيات شبه رسمية، أنشأت تركيا خلال السنوات الماضية أكثر من 87 قاعدة عسكرية داخل الأراضي العراقية على طول 200 كيلومتر من الحدود بين البلدين. منها 7 قواعد جديدة، أنشأتها خلال عملياتها العسكرية التي انطلقت في يونيو الماضي ضمن حدود منطقة برواري بالا في محافظة دهوك، بينما بلغ عمق توغلها 15 كيلومتراً، وهو أكثر بسبعة كيلومترات مقارنة بالعملية البرية السابقة التي كانت في عام 2021.

وكشفت إحصائية صادرة عن منظمة فرق صناع السلم المجتمعي (CPT) الأميركية في إقليم كردستان العراق، حصل موقع "الحرة" عليها في مارس الماضي، عن مقتل وإصابة 721 مدنيا في إقليم كردستان منذ يناير 1991، إثر القصف والعمليات العسكرية التركية ضد مقاتلي PKK.

وأشارت المنظمة في بيان، مساء الخميس، إلى أن الجيش التركي ما زال يواصل هجماته داخل أراضي كردستان العراق، رغم إعلان العمال الكردستاني حل نفسه.

وأضافت المنظمة أن "القوات التركية نفذت منذ 12 مايو وحتى الآن، 31 هجوما وقصفا على إقليم كردستان"، وبلغت الهجمات المسلحة ذروتها الخميس، بحسب البيان.