الشابة العراقية آلاء عادل أطلقت دارها الخاصة لتصميم الأزياء
الشابة العراقية آلاء عادل أطلقت دارها الخاصة لتصميم الأزياء

حين أطلقت العراقية، آلاء عادل، قبل أشهر دارها الخاصة لتصميم الأزياء، لم تكن التحديات سهلة، إذ بالإضافة إلى العقبات التي تواجه الشباب عامة في سوق العمل في بلد يشهد مرارا اضطرابات اقتصادية وسياسية، تواجه النساء خاصة صعوبات إضافية.

وتجد العديد من العراقيات في فتح أعمالهن الخاصة مغامرة شاقة، لأسباب تتنوع، وفق تقرير لمنظمة الهجرة الدولية نشر، في أكتوبر الماضي، بين "العادات والتقاليد الجنسانية... وتلك التي تحصر المرأة في دورها المنزلي والتربوي"، وصولا إلى "ضعف الوصول إلى رأس المال" و"المعرفة المحدودة التي غالبا ما تتمتع بها النساء حول ممارسة الأعمال التجارية".

واصطدمت عادل، البالغة من العمر 33 عاما، منذ أن تخرجت من جامعة بغداد في اختصاص تصميم الأقمشة والأزياء، بالعديد من تلك العقبات.

وبين رغبتها بالعمل في اختصاصها كمصممة أزياء ونقص الفرص في هذا المجال، قررت عادل التي تدرّس كذلك في كلية الفنون في جامعة بغداد، أن السبيل الوحيد لذلك هو فتح مشروعها الخاص.  

وتقول: "بدأت أقدم طلبات لمنظمات أو جهات مانحة تدعم الثقافة والفن، لكن مشروعي كان يرفض دائما لأن ليس لدي خبرة في وضع المشروع... لم أكن أعرف ما هي الخطوات التي يجب أن أتبعها".

بالإضافة إلى ذلك، يعد القطاع الخاص ضعيفا إجمالا في العراق، ويتجه كثر للعمل في القطاع العام، ما يزيد من تعقيد مهمة إطلاق الأعمال الخاصة أمام الشباب.

وبحسب منظمة العمل الدولي، يعمل 37.9 بالمئة من السكان الناشطين في العراق في القطاع العام، واحد من أعلى المعدلات في العالم.

تسليط الضوء

عندما أطلقت مؤسسة المحطة لريادة الأعمال في بغداد برنامج "رائدات" بتمويل من السفارة الفرنسية، والهادف إلى تدريب النساء على كيفية إنشاء مشاريعهن الخاصة، وجدت عادل في ذلك فرصة لاكتساب الخبرة التي تنقصها وانضمت إلى المشروع.

وتروي لفرانس برس من مشغلها الصغير الواقع في حي الكرادة التجاري في العاصمة، بغداد، وقد أحاطت بها كرات الخيطان وآلات الخياطة والأقمشة المبعثرة، أن "هذه المراحل التي مررت بها أعطتني الثقة بأن أبدأ مشروعي".

وتحوّل الحلم إلى حقيقة في صيف 2022 بعدما اقترضت مبلغا مدعوما من أحد المصارف، فأطلقت دار الأزياء "العراق كوتور"، الذي تطمح إلى أن يصبح مساحة عمل مشتركة لمصممي أزياء عراقيين آخرين.

الشابة العراقية آلاء عادل أطلقت دارها الخاص لتصميم الأزياء

كأم لولدين، لعل أكثر العقبات التي كانت عادل تخشاها عند إطلاق عملها، هي "غياب مؤسسات تربوية حكومية يمكن للأم أن تضع أولادها فيها وتذهب إلى العمل وتكون مطمئنة".

ونجحت عادل بتحدي الاعتبارات الاجتماعية والصعوبات المادية ونقص الخبرة، في وقت لا تتجرأ ملايين النساء العراقيات على اتخاذ خطوة كتلك، ولا يزال تواجدهن في سوق العمل بشكل عام ضعيفا.

وبحسب مسح لمنظمة العمل الدولية، نشرت نتائجه في يوليو 2022، "هناك حوالي 13 مليون امرأة في سن العمل" في العراق، "ومع ذلك هناك حوالي مليونا فقط يعملن".

ويشير المسح إلى أن "معدل مشاركة الإناث في القوى العاملة كان منخفضا بشكل خاص حيث بلغ 10.6 في المئة مقارنة بـ68 في المئة للذكور".

"مساحة محدودة"

وترى شموس غانم، صاحبة متجر للأغذية الصحية ومطلقة مبادرة "نساء عراقيات في مجال الأعمال"، أن هناك "تمييزا حاصلا ضد النساء" في مجال العمل، فالرجال "يهيمنون على كثير من القطاعات أما النساء فيكن على الهامش ولا يسلط الضوء عليهن".

كذلك، هناك "مساحة محدودة" للمرأة يمكن "لها فيها أن تنمو وتتطور"، كما تضيف شموس البالغة من العمر 34 عاما.

وتحاول غانم، الأم لابن، سد هذه الثغرة في الخبرة عند النساء وتوفر خدمة التوجيه المهني لهنّ بشكل خاص عبر الانترنت، ومجانا.

شموس غانم مطلقة مبادرة "نساء عراقيات في مجال الأعمال

وتقول إن أغلب من يتواصلن معها "أمهات ابتعدن فترة طويلة عن سوق العمل، ولا يعرفن كيف يعدن. ويسألن أنفسهن إن كان المجتمع سوف يتقبلهن، بعد فترة طويلة من انقطاعهن عن العمل".

وأسست غانم عملها الخاص، في أكتوبر من عام 2021، وكان الذهاب إلى السوق والبحث عن مزودين التحدي الأكبر أمامها.

وتروي "حين ذهبت للبحث عن مزودين للمرة الأولى، رأيت أن الموضوع صعب، كان حولي عدد كبير من الرجال، وأنا امرأة أسير في الشارع... كان الأمر مقلقا بالنسبة لي".

وتضيف "كنت أخشى أن أتعرض للتحرش أو المضايقة... هذه واحدة من المشاكل التي تدفع النساء العازبات إلى التردد في العمل، حتى الأهل لا يسمحون لها باتخاذ هذه الخطوة خوفا عليها".

بالإضافة إلى صعوبة دخول الأسواق للتزود بالمواد الأولية من دون رجل، وجدت غانم أيضا أن المستثمرين مثلا يترددون في الدخول في عمل مع النساء، ما لم يكن هناك رجل في الصورة.

مع ذلك، تطمح غانم بأن يكبر متجرها الخاص بالأغذية الصحية "هوليفك" الذي تديره الآن من المنزل.

وتقول: "حلمي بعد خمس سنوات أن يكون عندي مطعمي الخاص الصحي، وأن يكون مكانا يدعم النساء اللواتي يردن العمل في هذا القطاع".

العراق

يضع تذبذب أسعار النفط عالميا العراق على صفيح ساخن اقتصاديا، بسبب اعتماده بشكل شبه كامل في موازنته المالية السنوية على ما يصدره من النفط الخام.

وحدد العراق تصدير النفط بسعر 70 دولارا للبرميل في الموازنة المالية الثلاثية للسنوات المالية (2023،2024،2025) التي أقرها مجلس النواب العراقي قبل عامين.

ورغم أن أسعار النفط شهدت، الثلاثاء الماضي، ارتفاعا طفيفا، لكن سبق ذلك تراجع سريع لأسعار النفط خلال الأسبوعين الماضيين، حيث وصل فيهما سعر البرميل الى عتبة 60 دولارا، الامر الذي وضع العراق على موعد مع ظروف مالية معقدة، فيما إذا استمر هذا التراجع خلال الأشهر المقبلة.

ويعتبر مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الاقتصادية، مظهر محمد صالح، أزمة أسواق النفط العالمية "أزمة مؤقتة"، لافتا إلى أن العراق يتحصن باحتياطيات من النقد الأجنبي ما زالت ساندة للاقتصاد الوطني، وستساعده كثيرا على مواجهة أزمة أسواق النفط العالمية.

ويؤكد صالح لموقع "الحرة"، "على المستوى الوطني، الخطط المالية الحالية والمستقبلية آخذة بالاعتبار الاحتمالات كافة بالتحوط لهذه الأحداث، مع تدابير مالية مختلفة ضامنة للنفقات الضرورية في مقدمتها تأمين رواتب الموظفين والمعاشات التقاعدية والرعاية الاجتماعية وتنفيذ المشاريع الخدمية وفق البرنامج الحكومي بشكل مرن دون توقف بالشراكة بين الدولة والقطاع الخاص".

وتزامن انخفاض أسعار النفط عالميا مع تأخر المصادقة على مخصصات عام 2025 في الموازنة الثلاثية، ويعزو خبراء اقتصاديون تحدث معهم موقع "الحرة"، التأخير الحكومي في إرسال جداول الموازنة إلى مجلس النواب للتصويت عليها إلى محاولات الحكومة لتكييف الإيرادات والنفقات لتفادي حدة الأزمات الاقتصادية التي قد تعصف بالعراق مع استمرار تقلبات الأسواق العالمية.

وأشار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الاثنين الماضي، خلال ترأسه اجتماعاً لرؤساء الدوائر الخدمية في محافظة ذي قار جنوب العراق، الى أن حكومته شهدت ظهور العجز فعلياً في الموازنة، لتحقيقها الإنجاز، لافتا الى وجود كفاءة في الصرف والأداء والعمل، فيما كان العجز سابقاً تخطيطياً.

ونقل الموقع الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء العراقي عن السوداني قوله خلال الاجتماع، "حكومتنا رتبت آلية الإنفاق وفق مبدأ الأهم ثم المهم، وعملنا في الكثير من القطاعات وحققنا نتائج إيجابية".

ويلفت الخبير في قطاع النفط والغاز، كوفند شيرواني، الى أن تراجع أسعار النفط إلى 65 دولارا للبرميل أو 60 دولارا سيؤدي إلى تراجع إيرادات العراق، وبالتالي زيادة العجز الموجود في الموازنة الذي يقارب 49 مليار دولار لعامي 2023 و 2024.

ويستبعد أن يتسبب هذا الانخفاض، بأي تأثير على الرواتب والمعاشات، لأن الرواتب والمعاشات بمجملها لا تصل إلى 80 ترليون دينار من موازنة تبلغ سنويا 200 ترليون دينار.

ويضيف شيرواني لموقع "الحرة"، "تراجع الإيرادات سيؤدي إلى استقطاع جزء من الموازنة الاستثمارية التي تختص بإنشاء المشاريع الجديدة التي تدر إيرادات إضافية، وكذلك ستتأثر عملية توفير فرص عمل جديدة، وربما سيؤدي استمرار التراجع إلى تقليل النفقات التشغيلية للدولة".

ووفق شيرواني، سيكون لأي انخفاض في أسعار النفط تأثير كبير على العراق بالذات مقارنة بالدول الأخرى المصدرة للنفط، في إشارة إلى مجموعة أوبك.

ويوضح شيرواني سببين لكون العراق الأكثر تأثرا بالانخفاض، أولهما الإنتاج العالي للعراق الذي يتجاوز 4 ملايين برميل يوميا، ويصدر منها حسب مقررات "أوبك +" نحو 3.3 برميل يوميا.

ويكمن السبب الثاني بحسب شيرواني في اعتماد الاقتصاد العراقي بنسبة تتجاوز 90% على إيرادات النفط، فأي تقلبات في الأسعار تجعله يتأثر بدرجة أكبر، داعيا الدولة العراقية إلى تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للإيرادات العامة، وتنشيط القطاعات الأخرى من الزراعة والصناعة والسياحة وتحسين نظام الضرائب والجمارك لزيادة الإيرادات.

وأكدت الحكومة العراقية الحالية في منهاجها الوزاري، على إجراء إصلاحات اقتصادية للنهوض بالواقع الاقتصادي للبلاد ومواجهة الأزمات.

وحددت ستة محاور من المنهاج للنمو الاقتصادي، تمثلت بالعمل على إحداث تحوّل تدريجي من الاقتصاد الريعي الحالي المعتمد على النفط كمصدر رئيس للدخل إلى اقتصاد متنوع الدخل، ودعم القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في المجالات الزراعية والصناعية وتكنولوجيا المعلومات والخدمات والبيئة، التي من شأنها توفير فرص عمل واستقطاب الاستثمارات محليا ودوليا.

ووفق مراقبين للشأن الاقتصادي العراقي تحدثوا لموقع "الحرة"، ما زالت خطوات الحكومة لتنويع الاقتصاد تسير ببطء، بينما يتطلب الوضع الاقتصادي للبلد إصلاحات سريعة لتفادي أي أزمة مالية مرتبطة بأسعار النفط.

ويحذر الخبير المالي إبراهيم علي من ظروف مالية معقدة قد يشهدها العراق إثر تذبذب أسعار النفط وتقلبات الأسعار في الأسواق العالمية ما سيؤثر بشكل كبير على استقراره الاقتصادي والاجتماعي.

ويبين علي لموقع "الحرة"، أن الوضع المالي في العراق "يتطلب تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة سريعة لتعزيز الإيرادات غير النفطية، وهذه الخطوة بحاجة الى جهود من الحكومة لتعزيز القطاعات الإنتاجية وتحسين بيئة الاستثمار".

وفي مقابلة متلفزة بُثت، في مارس الماضي، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إن حكومته تمكنت من رفع نسبة الإيرادات غير النفطية خلال العامين والنصف الماضيين إلى %14 بعد أن كانت 7% خلال السنوات الماضية".

وتابع السوداني "وضعنا هدفا في قانون الموازنة وهو رفع الإيرادات غير النفطية إلى %20 خلال 3 سنوات"، مؤكدا مضي حكومته باتجاه تحقيق هذه النسبة.

وأشار السوداني إلى أن العراق قادر على تجاوز هذه النسبة لكنه بحاجة إلى مجموعة من الخطوات، وحددها بوجود حاضنة سياسية للقرارات دون مزايدات، وقبول شعبي، وتشريع قوانين تساهم في رفع الإيرادات غير النفطية.

ويرى الخبير الاقتصادي دريد العنزي أن الاقتصاد العراقي هش ويتأثر بأي أزمة اقتصادية خارجية لأنه مرتبط بالأسواق العالمية، نتيجة عدم وجود إنتاج محلي متنوع يسد حاجات المواطن.

ويؤكد العنزي لموقع "الحرة" أن "الحلول مطروحة وموجودة، لكن ليس هناك جدية من قبل حكومة اعتمدت على النفط وتكاسلت فكريا وليس إداريا، لذلك واقع الاقتصاد العراقي متهالك لا يمكن إدارته ومتحول إلى استهلاكي حكومة وشعبا".

ويسعى العراق وبحسب الهيئة الوطنية للاستثمار، إلى جذب الاستثمارات النوعية، وتنمية ثقة الشركات الدولية بالبيئة الاستثمارية في البلاد.

وقال رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار، حيدر محمد مكية، في تصريح نشره موقع الهيئة في 8 أبريل الحالي، إن "مشاركة ممثلين عن 60 شركة أميركية تعمل في مجالات حيوية ومهمة في زيارة العراق، يعد مؤشرًا واضحًا على تنامي ثقة الشركات الأميركية ببيئة الاستثمار في العراق"، مشيرا إلى أن العراق يشهد تطورات إيجابية في إطار الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية.

وأكد مكية على أن فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي في مجالات الطاقة والطاقة المتجددة، والتحول الرقمي، والخدمات المصرفية، يشكل محورًا مهمًا في توجهات الحكومة الحالية نحو تنويع الاقتصاد الوطني وتحسين بيئة الأعمال.

وأعلنت السفارة الأميركية في بغداد، في 7 أبريل، وصول وفد تجاري أميركي مكون من 60 شركة إلى بغداد، مبينة أن غرفة التجارة الأميركية ستوقع خلال هذه الزيارة على مذكرة تفاهم مع اتحاد غرف التجارة العراقية لتعزيز العلاقات بين القطاع الخاص الأميركي ونظيره العراقي.

وقالت السفارة في بيان، إن "غرفة التجارة الأميركية برئاسة ستيف لوتس تقود وفدًا مكونًا من 101 عضو من حوالي 60 شركة أميركية في قطاعات الطاقة والتكنولوجيا والصحة إلى العراق"، لافتة إلى أن هذه أول مهمة تجارية معتمدة من وزارة التجارة الأميركية إلى العراق وأكبر وفد تجاري أميركي إلى العراق خلال تاريخ الغرفة.

ويعاني العراق من آثار الأزمات التي شهدها خلال العقود الأربعة الماضية نتيجة الحروب التي خاضها والصراعات السياسية الداخلية والأزمات الدولية إثر تذبذب أسعار النفط، التي أثرت على الواقع الاقتصادي للبلاد.

ولعل أبرز ما يعمق من أزمة الاقتصاد العراقي هو الفساد الإداري والمالي الذي يعيق الإصلاحات الحكومية.

وتؤكد الحكومة العراقية الحالية في منهاجها الوزاري أن مكافحة الفساد الإداري والمالي والحد من هدر المال العام تأتي في مقدمة أولوياتها، عبر دعم وتفعيل الهيئات الرقابية ومتابعة ملفات الفساد الكبيرة التي سبق إعدادها من قبل الجهات الرقابية، وبعضها بالتعاون والشراكة مع جهات دولية مختصة بمكافحة الفساد في فترة الحكومات السابقة.