بغداد تشهد طفرة في بناء المجمعات السكنية
بغداد تشهد طفرة في بناء المجمعات السكنية

تشهد العاصمة بغداد ومحافظات عراقية أخرى حركة عمرانية حثيثة تستبدل البساتين والحدائق الخضراء بأبراج خرسانية تتجاهل تغيرات المناخ، فضلا عن أن أسعار وحداتها السكنية باهظة لا تتحملها الطبقة الوسطى، وفق ما جاء في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

ويتسارع هذا التوسع من دون اعتبار للمخاطر البيئية الأخرى، ومنها الزلازل التي تهدد سلامة آلاف الأشخاص، وفقا لخبراء تحدث معهم موقع "الحرة".

وتعد منطقة الدورة على الأطراف الجنوبية للعاصمة بغداد شاهدة على حجم التغيير الهائل الذي يشهده العراق على حساب المساحات الخضراء التي تعتبر متنفسا لمدينة من أكثر مدن العالم سخونة، وفقا للصحيفة.

في السابق، كانت هذه المنطقة مشهورة ببساتينها على جانبي نهر دجلة الذي تحاذيه، لكن هذه البساتين تحولت بشكل متزايد إلى عمارات خرسانية شاهقة.

المجمعات السكنية تقدم حلا لأزمة السكن..لكن أسعارها مرتفعة وتأثيراتها البيئية قد تكون سلبية

ويقول الخبير البيئي مازن حميد إن "بغداد تعاني أساسا من قلة المساحات الخضراء"، مضيفا لموقع "الحرة" أن "التخطيط الأصلي للعاصمة شمل مناطق خضراء، ومناطق مخصصة للزراعة تحيط بها للحفاظ على نسبة من الاخضرار مرافقة للمدينة".

ويضيف حميد، وهو مهندس زراعي وناشط في مجال البيئة إن "المناطق الزراعية وزعت بشكل غير رسمي لبناء منازل، وأسهم نقص مياه السقي بدمار ما تبقى من البساتين وتوزيع أراضيها أيضا، إلى أن أصبحت بغداد جرداء أكثر فأكثر".

ويشير تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية إلى إنه تمت التضحية بالبساتين والحدائق في بغداد لصالح "بناء غير منظم على مدى العقد الماضي"، ما قلل من المساحات الخضراء التي تساعد في تخفيف ارتفاع درجات الحرارة في واحدة من أكثر المدن حرارة في العالم.

ويقول مهندس المساحة، وهي الدائرة المختصة بتخطيط المدن، في أمانة بغداد، محمد العتابي، إن التجاوزات على الخرائط بدأت من المنازل وامتدت إلى المناطق، ثم انتشرت لتغطي المدينة كاملة.

ويضيف العتابي لموقع "الحرة" أن "الخرائط الأساسية توجب على كل منزل امتلاك مساحة خضراء، وتضع مساحات خضراء في المناطق السكنية على شكل تشجير ومساحات للعب، وكذلك في المدارس"، بينما يخطط لبناء منتزهات كبيرة بين المناطق وبين بعضها البعض".

لكن هذا لم يحدث إذ "أصبح البيت الواحد يقسم لعدة منازل أصغر، وتذهب الحدائق المنزلية ضحية للتقسيم، بينما يتم البناء بشكل غير رسمي في المساحات المخصصة للحدائق العامة".

ويعترف العتابي بأن المجمعات السكنية تمثل مشكلة، لكنها أيضا "قد تكون حلا لأزمة السكن والتوسع غير المدروس وغير المخطط له في المساكن".

المساحات الخضراء تنحسر في بغداد

"نفقد الرئتين تدريجيا"

وقالت مريم فيصل، المحاضرة في كلية الفارابي في بغداد لصحيفة نيويورك تايمز "نفقد تدريجيا الرئتين الحيتين في مدينتنا"، مشيرة إلى أن انخفاض المساحات الخضراء في العاصمة خلال العقدين الماضيين إلى حوالي 12 في المئة من أكثر من 28 في المئة.

وتضيف: "عندما تمشي الآن في بغداد، ستجد العديد من المناطق التي ليس بها شجرة واحدة، خاصة في المناطق الأحدث... في العديد من مشاريع الإسكان الآن عندما تفتح باب الشرفة الخاص بك، تجد شرفة أخرى أمامك".

وتعتبر بغداد من أكثر المدن سخونة في العالم، بدرجات حرارة تصل إلى 50 درجة أحيانا في الصيف ومعدلات جفاف عالية.

وتضيف زيادة التلوث المرتبطة بالسيارات ومولدات الكهرباء إلى مشاكل المدينة.

وتقول صحيفة نيويورك تايمز إنه مع تزايد حالات الجفاف وزيادة عدد السكان، بات العراق أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ.

وفي حديث مع موقع "الحرة"، يقول أستاذ الجيولوجيا في جامعة سومر في محافظة ذي قار، والمختص بالزلازل، د. علي رمثان، إن "النشاط الزلزالي في العراق في ارتفاع كبير".

ويعني هذا أن المجمعات السكنية، التي تبنى وفقا لمعدلات الزلازل المنخفضة التي عرف بها العراق قد لا تكون مناسبة أو آمنة.

ويضيف رمثان أن "هناك زيادة في النشاط في الصفيحة الجيولوجية العربية، وهذا شيء يحدث كل فترة زمنية".

ويقول "في كل دولة في العالم بمجرد أن تبدأ الهزات الأرضية بالظهور يؤخذ بنظر الاعتبار أثناء بناء المجمعات السكنية شيء يعرف بالكود الزلزالي".

والكود الزلزالي هو عبارة عن دراسات معمقة لوضع معايير زلزالية للبلد، وعلى ضوء هذا الكود "لا يتم بناء أي شيء بدون الخضوع لمعايير واشتراطات الكود الزلزالي اعتمادا على معامل خطورة المنطقة".

ويقول رمثان إن "الكود الزلزالي الموجود حاليا في العراق غير دقيق ويتم تجاهله بشكل كبير من قبل السلطات".

وسجلت المراكز العلمية العراقية، وفقا لرمثان، أكثر من ألف هزة أرضية خلال السنوات العشر الماضية في المنطقة السهلية العراقية، وهو رقم مرشح للازدياد.

ويقول رمثان إنه "في حالة تعرض العراق لهزة أرضية كبيرة، فقد تودي هذه المجمعات السكنية بأرواح آلاف من الناس، لأنها غير مبنية وفقا للدراسات والمعايير الزلزالية الحديثة".

أحد المجمعات السكنية الجديدة في بغداد

الأسعار لا تزال مرتفعة

وفي بلد يتراوح فيه متوسط دخل الفرد بين 400 إلى 500 دولار في الشهر، بحسب مسح نشر في 2022 لمنظمة العمل الدولية بالتعاون مع السلطات العراقية، تبلغ أسعار العقارات السكنية في بغداد بين ألفي دولار للمتر الواحد و8 آلاف أو أكثر، حتى مع زيادة عدد المجمعات السكنية التي تملأ إعلاناتها شوارع العاصمة.

وتزامن الاستثمار في العراق مع الاستقرار الأمني النسبي في العاصمة بغداد، بعد أن كان المستثمرون العراقيون يتوجهون نحو تركيا وإقليم كردستان لشراء العقارات.

موافقة حكومية

وتشير نيويورك تايمز إلى أنه في حين أن بعض عمليات إزالة المساحات الخضراء غير قانونية أو حصلت على تصاريح بناء احتيالية، فقد تم تنفيذ المشاريع الكبرى التي أدت إلى تدمير آلاف الأفدنة من البساتين بموافقة السلطات الحكومية المحلية.

وقالت آنا سواف، مديرة موئل الأمم المتحدة في العراق (برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية) إن بعض المساحات الخضراء التي تختفي تُعزا إلى قانون الاستثمار لعام 2006 الذي شجع على خصخصة الأراضي المملوكة للحكومة لبناء مراكز تسوق ومجتمعات سكنية بمحاطة بأسوار.

وقالت إن الحدائق التي تم بناؤها غالبا ما تقتصر على السكان أو أولئك الذين يمكنهم دفع رسوم الدخول.

ويقوم مفتشو البلديات بشكل روتيني بالتحقيق في تقارير عن تدمير أشجار النخيل بشكل غير قانوني للسماح للمالكين بالبناء على الأرض، لكن الدوريات، حتى المدعومة من قبل قوات وزارة الداخلية، لا تستطيع أن توقفها.

ويشير التقرير إلى تدمير بعض البساتين لبناء أحد أكبر مراكز التسوق في الشرق الأوسط، "العراق مول" الذي يتوقع افتتاحه العام المقبل ويستضيف كبرى الماركات العالمية ودور السينما.

وقال غيث قاسم رئيس بنك نور العراقي الإسلامي، الذي يمتلك 37 في المئة من شركة جوهرة دجلة الاستثمارية للمركز، إن مجموعته حصلت على ترخيص من هيئة الاستثمار في بغداد للبناء على أرض كانت مملوكة للدولة.

وأضاف: "الأراضي الزراعية ماتت الآن... الكثافة السكانية في بغداد الآن مرتفعة للغاية، وأنت ترى بغداد تتوسع وتحولت العديد من الأراضي الزراعية إلى أراضي سكنية أو تجارية".

ويشير الموقع الرسمي للمشروع إلى أن المول هو من المواقع المميزة على نهر دجلة ويعد من أضخم المشاريع التجارية في العراق.

غسل الأموال

وتشير الصحيفة أيضا إلى أن الاستثمار العقاري في بغداد بات أداة رئيسية لغسيل الأموال في العراق، بحسب الحكومة العراقية ومسؤولين محليين.

وكانت الحكومة العراقية قد أعلنت في نوفمبر الماضي أنه تم اكتشاف سرقة 2.5 مليار دولار من الأموال العامة في عملية احتيال ضريبية. وقال رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، إن جزءا كبيرا من العائدات تم تحويله إلى مشاريع عقارية مرموقة في بغداد.

لقطة عامة للعاصمة العراقية بغداد
لقطة عامة للعاصمة العراقية بغداد

كشفت وزارة البيئة العراقية، الأحد، سبب رائحة الكبريت التي تؤرق أهالي العاصمة العراقية بغداد منذ أيام، مشيرة إلى أنه يعود إلى "حرق الوقود الثقيل المتمثل بالنفط".

وأعلنت الوزارة في مؤتمر مشترك مع لجنة الصحة والبيئة النيابية، الأحد، أن النفط العراقي يحتوي على نسبة عالية من الكبريت، وعند حرقه يولد "غازات سامة".

أما مصدر هذه الرائحة في بغداد، فهو بحسب المعلومات التي وردت في المؤتمر الصحفي ونقلتها وكالة الأنباء الرسمية (واع)، مصفى الدورة ومحطة الطاقة الحرارة بالدورة ومحطة القدس في شمال بغداد والمحطات الكهربائية الأخرى، إضافة لمعامل الإسفلت والطابوق وعددها أكثر من 250، واستخدام بعض الكور لصهر منتجات النحاس وغيرها، وحرق النفايات في النهروان ومعسكر الرشيد.

وقالت وزارة البيئة العراقية إنها تمتلك قاعدة بيانات متكاملة بخصوص الأنشطة الملوثة، مبينة على لسان الوكيل الفني لوزير البيئة جاسم الفلاحي، أن سبب انتشار الروائح مؤخراً "ظواهر مناخية وطقسية نتيجة تعرض العراق إلى تيارات مختلفة بالإضافة لتغير اتجاه الرياح وارتفاع درجات الرطوبة".

وذكر الفلاحي أن "وزارة البيئة تعمل بكل إمكانياتها رغم محدوديتها من خلال اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه المخالفين للشروط البيئية"، لافتاً أن "هناك قانون الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة في مجلس الدولة، الذي من شأنه أن يحل لنا أغلب المشاكل البيئية وينظم إدارة النفايات في العراق".

هذه التصريحات قوبلت بالعديد من الأسئلة والاستنكار من قبل عراقيين أعربوا عن آرائهم في مواقع التواصل الاجتماعي. وكتب غالب الدعمي في إكس "أين كانت هذه الرائحة قبل شهر من الآن؟ ولماذا ازدادت الدعوات بنقل مصفى الدورة ومحطة الكهرباء بالتزامن مع الرائحة؟" غير مستبعد أنها "مفتعلة" وفق تعبيره.

عراقيون آخرون كتبوا في التعليقات أن الرائحة ليست جديدة فعلياً، إذ سبق أن التقطتها أنفاس العراقيين في فترات متباعدة قبل سنوات وحتى عقود.

 

وعبر منشور للإعلامي العراقي ستيفن نبيل، لاستطلاع آراء العراقيين بشأن رائحة الكبريت بعد وصول رسائل لبريد صفحته عن هذه المسألة، أكد له العديد من الأشخاص أن الرائحة لا تقتصر على بغداد، إذ انبعثت في محافظات بعضها في جنوب العراق مثل النجف، وأخرى في شماله مثل نينوى.

مئات الرسائل دتصل حول رائحة الكبريت ببغداد و الناس دتختنك و العدهم امراض رئوية شنو وضعهم شنو السالفة ليش هيجي كل ليلة

Posted by ‎ستيفن نبيل :: Steven Nabil‎ on Friday, October 11, 2024

من جهته، قال رئيس اللجنة البرلمانية ماجد شنكالي "نحتاج لحلول آنية من خلال تمكين وزارة البيئة بالانتشار في جميع مؤسسات القطاع العام لكي تأخذ دورها الحقيقي ويكون هناك تمويل للوزارة".

وأضاف في المؤتمر الصحفي، أن 95 بالمئة من الملوثات في العراق هي مؤسسات القطاع العام لأن الفرق الرقابية من وزارة البيئة لا تستطيع القيام بعملها.

وأوضح شنكالي: "في موازنة 2025 سنعمل على أن يكون هناك تمويل خاص لوزارة البيئة... والحكومة العراقية كانت لديها برامج خاصة لتمويل المشاريع المتعلقة بتغير المناخ" مشيراً إلى نماذج عالمية لمصافي النفط "صديقة البيئة" تتواجد داخل مراكز مدن، مؤكداً على أهمية تحديث مصفى الدورة في بغداد بتقنيات تجعل الانبعاثات منه "صفراً".

وكان المتحدث الرسمي لوزارة البيئة لؤي المختار، قال أمس السبت لـ"واع": "خلال الأيام الماضية لوحظ انتشار رائحة مشابهة لرائحة الكبريت وارتفاع في مستويات بعض الملوثات خلال فترات الليل والفجر، هذه الظاهرة قد تكون ناتجة عن تغيرات في جودة الهواء المحيط بسبب الاحتراق غير التام للوقود عالي المحتوى الكبريتي لعدد من الأنشطة وحرق النفايات في المطامر غير النظامية".

وأضاف أن هذه الحالة زادت مع بدء انخفاض درجات الحرارة وزيادة التفاوت بين درجات الحرارة في الليل والنهار، حيث تندفع غازات الاحتراق الى الأسفل بدلاً من ارتفاعها الى الأعلى وتخفيفها، موصياً المواطنين بتقليل التواجد في الهواء الطلق إذا كانت الروائح مزعجة، وإغلاق النوافذ لضمان جودة الهواء داخل المنازل.

وبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مشكلات في الجهاز التنفسيي، قال المختار إن عليهم "أخذ استراحة داخلية أو ارتداء الكمامات عند الاضطرار للخروج كإجراء احترازي".