واشنطن لديها توجّه جديد لمواجهة مناطق النفوذ الإيراني
واشنطن لديها توجّه جديد لمواجهة مناطق النفوذ الإيراني

بعد مرور أكثر من 100 يوم على تشكيل الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، لا تزال فقرات المنهاج الحكومي تنتظر التنفيذ، الأمر الذي يثير قلق العديد من العراقيين، بشأن احتمال تكرار سيناريو الحكومات السابقة. 

وكانت أبرز وعود حكومة السوداني: حصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد المالي والإداري، ومعالجة أزمتي الفقر والبطالة، ورفع قيمة الدينار العراقي أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، وإنهاء وجود الجيش والفصائل المسلحة في المدن، وإجراء إصلاحات في القطاعات الاقتصادية والمالية والخدمية.

يقول الخبير في القانون الدستوري، وائل البياتي، إن مدة 100 غير كافية لوضع تقييم شامل وكامل للأداء الحكومي، خاصة وأن تشكيل الحكومة كان نتاج أزمة سياسية كبيرة.

وعلى المستوى الدولي، يعتقد البياتي أن حكومة السوداني "لا تزال  بحاجة إلى وقت أكثر لمعرفة مدى إمكانيتهم لإنجاح هذا الملف، خصوصا وأن السوداني رشحه فريق لديه تقاطعات كبيرة مع الفاعلين في الجانب الدولي".

"وإلى الآن لم تظهر الحكومة ميلها، هل هو لإيران أم للولايات المتحدة الأميركية"، يتابع البياتي في حديثه لـ"ارفع صوتك"، متسائلا "هل ستمسك العصا من الوسط دون انحياز لأي من الطرفين؟".

وبالنسبة لمكافحة الفساد، يقول البياتي "السوداني وحكومته بحاجة إلى وضع بعض الجهود في الجانب القانوني، لتشريع نصوص جديدة تنظم آلية استرداد الأموال المنهوبة أو المسروقة، والتعاون مع الدول الأخرى حتى يصبح هناك غطاء قانوني لهذه العمليات".

وفي ظل عدم وجود غطاء قانوني لاسترداد هذه الأموال، سوى إطار التعاون مع بعض الدول عن طريق الاتفاقيات الثنائية، يشدد الخبير في القانون الدستور، على الحاجة إلى جهد دبلوماسي كبير لإقناع هذه الدول بحالات الفساد وتعاونها من أجل استرداد الأموال المنهوبة.

وبشكل عام، يصف البياتي أداء الحكومة خلال 100 يوم، بأنه "دون المستوى المطلوب".

"اقتصاد يتيم"

لعل أبرز فقرة وعدت الحكومة الجديدة بتنفيذها خلال فترة الثلاثة أشهر الأولى بعد نيلها الثقة،  إجراء انتخابات مجالس المحافظات، وتعديل قانون الانتخابات النيابية العامة، وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام.

وألزمت نفسها بإنهاء ملف التعيينيات بالوكالة في المناصب الوزارية، إلى جانب وعودها بتنفيذ اتفاقية تطبيع الأوضاع في سنجار بالاتفاق مع حكومة إقليم كردستان، وتخصيص موازنة كافية لتعويض المتضررين جراء العمليات الإرهابية والعسكرية بموجب القانون النافذ، ومعالجة ملف الفراغ الأمني في المناطق الإدارية بين إقليم كردستان وباقي مناطق العراق، وملفات عديدة أخرى ما زالت تنتظر التنفيذ.

ورغم إصدار الحكومة للكثير من القرارات للإيفاء بوعودها، لكن حتى الآن لم تدخل هذه القرارات حيز التنفيذ.

ويرفض المسؤولون في الحكومة العراقية الإدلاء بأي تصريحات إعلامية عن أسباب البطء في التنفيذ، لكنهم يلمحون إلى أن "وجود تراكم كبير في الملفات التي تنتظر الإنجاز والتسوية منذ سنوات".

ومن أبرز النقاط التي أكدت الحكومة الجديدة على تنفيذها هو تخفيض نسبة الاعتماد على الإيرادات النفطية لتمويل موازنة الدولة خلال ثلاث سنوات إلى 80%، عن طريق تنويع وتعظيم الإيرادات غير النفطية.

ويرى الخبير الاقتصادي جمال الهداش، أن الحكومة "لا تستطيع تنفيذ برنامجها الاقتصادي حاليا، لأن الاقتصاد العراقي اقتصاد يتيم معتمد على النفط ولا يوجد ناتج محلي إجمالي ولا تشجيع للصناعة المحلية والزراعة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهناك اعتماد على الاستيراد بشكل رئيسي لسد حاجة البلد".

"وهذه الأسباب أدت إلى سيطرة المضاربين على سوق العملة، بالتالي فإن الحل الوحيد لتنفيذ برنامج الحكومة الاقتصادي، التحول من الريع إلى الاستثمار الاقتصادي"، يقول الهداش لـ"ارفع صوتك".

في نفس السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي، علي البيدر، إن الحكومة "حققت العديد من الإنجازات والنجاحات في مجال تحريك الركود الذي يخيم على عمل المؤسسات الدولية، في مجال تقديم الخدمة ومكافحة الفساد وتوفير فرص العمل، عبر تثبيت العقود وتعيين قرابة مليون مواطن عراقي".

ويضيف لـ"ارفع صوتك": "تسير الحكومة بخطوات حقيقية جيدة وثابته نحو الإصلاح حتى الآن، فالسوداني لديه إرادة قوية لتحقيق الإصلاح، لكن الأمر مرهون بحالة الاستقرار السياسي التي ستعيشها البلاد خلال المرحلة المقبلة".

World leaders take part in the 79th annual U.N. General Assembly high-level debate
رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني خلال كلمته في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك - سبتمبر 2024

أكد فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الاثنين، أن العراق يعمل على ضبط أوضاعه الأمنية والسياسية داخليا، لتجنب الانزلاق في أي صراع، في إشارة إلى الحرب في غزة والتصعيد بين حزب الله وإيران من جهة وإسرائيل من جهة أخرى.

وقال الشمري لموقع "الحرة" إن "الحكومة تسعى بإصرار للحفاظ على الاستقرار الداخلي وتعزيز سيادة الدولة، وأن تكون فعاليات جميع القوى العاملة ضمن سياق المؤسسات القرارية للدولة، وعدم الخروج عن الإجماع الوطني".

وعن الآليات التي تتبعها بغداد بشأن ما يحدث في المنطقة، أشار الشمري أن "العراق يعتمد بشكل كبير على حجم علاقاته الدبلوماسية، في محاولة لتهدئة الأوضاع، وفك الاختناقات التي قد تنشأ نتيجة التعقيدات الحاضرة".

ويشير إلى أهمية أن يتحقق التوازن في سياسات العراق الخارجية، التي يستخدم "الدبلوماسية" للتهدئة، والداخلية من خلال "ضبط" الأوضاع للحفاظ على الاستقرار، وتجنب "الانزلاق في أي صراع قد يفرض عليه"، على حد تعبيره.

ويذهب المستشار الحكومي مع ما ذهب إليه السوداني في مرات عديدة، بشأن التحذير من "اتساع رقعة الحرب"، التي يرى أنها "لن تكون في صالح أحد"، ويشير إلى أن "لا منتصر فيها".

وبينما يسعى العراق إلى البقاء بعيدا عن دائرة التصعيد الذي تشهده المنطقة منذ أكتوبر الماضي، تدفع أنشطة الميليشيات العراقية الموالية لإيران إلى جعل العراق طرفا في حرب لا يريدها.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي خلال مقابلة مع قناة "الرابعة" المحلية، الأحد، إن "من مصلحة العراق تجنب التصعيد العسكري، وترك الفرص للحكومة ولعملها الدبلوماسي والضغط بكافة المجالات وخفض التصعيد، ووقف آلة القتل والحرب".

في "التوقيت الحرج".. بغداد تستنجد بـ"الأصدقاء" لتجنب الحرب
لكن في مقابل هذه المساعي الرسمية، تُهدد فصائل عراقية موالية لإيران بشن هجمات جديدة على إسرائيل. ليس هذا فحسب، بل هدد زعيم ميليشيا "كتائب سيد الشهداء" أبو آلاء الولائي، الأحد، باستهداف السعودية والإمارات، واتهمهما بـ"المسؤولية" عن الحرب التي تشهدها المنطقة.

والجمعة، قتل جنديان إسرائيليان جراء انفجار مسيّرة "قادمة من الشرق"، وفق ما أعلن الجيش الإسرائيلي، بينما أفادت شبكة "كان" العامة بأن الطائرة أطلقت من العراق وأصابت قاعدة عسكرية في الجولان.

وخاطب السوداني، في الذكرى السنوية الأولى لهجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي "كل الأصدقاء، وبالخصوص الرئيس الأميركي، جو بايدن، ودول الاتحاد الأوروبي"، وقال: "نقف على أعتاب منزلق خطير، قد يجرّ المنطقة والعالم إلى حروب مستمرة، ويهزّ الاقتصاد العالمي".