سلطت حادثة مقتل الناشطة والمدونة طيبة العلي على يد والدها، الضوء على قضايا العنف الأسري الآخذة في الارتفاع في العراق، في ظل اتهامات للسلطات بالتقاعس في حماية الضحايا، وسط غياب القوانين التي تحد من استفحال هذه الظاهرة.
وقتلت طيبة خنقا على يد والدها في محافظة الديوانية، جنوب العراق إثر "خلافات عائلية"، وفق ما أفادت وزارة الداخلية، الجمعة.
وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع حوار بين الضحية، التي تسكن إسطنبول وكانت في زيارة لبلدها الأم، ووالدها الذي كان يقول إنه غير راض عن بقائها للعيش في تركيا (فيما) ردت الضحية باتهام شقيقها بالتحرش بها جنسيا.
وتحدثت منظمات حقوقية وناشطون أن طيبة أرسلت عدة مناشدات من حسابها في إنستغرام تطلب فيها من وزارة الداخلية التدخل لحمايتها.
طيبة علي شابة عراقية تسكن في إسطنبول، هربت من أهلها بعد تحرش شقيقها بها جنسيا، وكانت مقبلة على الزواج من حبيبها محمد الشامي، لكن أهلها ضد زواجها.
— Isen Organization (@ISEN22ORG) February 1, 2023
طيبة جاءت الى العراق لحضور خليجي25 وتم تهديدها منذ دخولها العراق عدة مرات من قبل ذويها.
وبالفعل، أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء سعد معن عبر تغريدة أن الشرطة المجتمعية، وهو القسم في وزارة الداخلية المعني بملفات العنف الأسري، قد تدخلت "للوصول إلى حلول مناسبة ترضي الجميع لحل الخلاف العائلي بشكل نهائي".
وأضاف أنه بعد اجتماع تمهيدي "تفاجأنا في اليوم التالي الذي كان من المفروض فيه أن نلتقي بهم مرة أخرى، بخبر مقتلها على يد والدها كما جاء في اعترافاته الأولية، وبعد أن قام بهذا الفعل سلم نفسه لمركز الشرطة".
توضيح
— سعد معن - Saad Maan (@saadmaanoficial) February 3, 2023
=========
من خلال طبيعة ومهام عمل دائرة العلاقات والاعلام في وزارة الداخلية ترد العديد من المناشدات من قبل المواطنين، ومن بينها مناشدة المرحومة ( طيبة العلي) من محافظة الديوانية... pic.twitter.com/N0o9E4asQn
وأثارت الجريمة غضبا عارما في العراق دفع نشطاء للدعوة للتظاهر صباح السبت أمام محكمة في بغداد للمطالبة بالعدالة، وسط اتهامات للأجهزة الرسمية المعنية بعدم الجدية" في التعامل مع مثل هكذا حالات، وفقا للناشطة النسوية والحقوقية البارزة هناء إدور.
وتضيف إدور في حديث لموقع "الحرة" أن "طيبة كانت ناشدت الشرطة المجتمعية، التي حضرت لمنزلها وعقدوا اجتماعا مع الأهل وتوصلوا للصلح"، مشددة أن "الصلح جرى على حساب الضحية، فبدلا من تركها في المنزل كان يجب أن يأخذوها لمكان آمن".
وترى إدور أن "هذا يعتبر مثالا لا يقبل الشك أن المؤسسات الرسمية غير مدركة للمخاطر التي تتعرض لها النساء في العراق".
في تعليقها على الجريمة، طالبت منظمة العفو الدولية بـ"اتخاذ إجراءات تحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي" وذلك بعد مقتل طيبة على يد والدها.
ودعت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة آية مجذوب السلطات العراقية إلى "تبنى تشريعات قوية لحماية النساء والفتيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي".
وقالت مجذوب إن "العراق فشل في تجريم العنف الأسري على الرغم من زيادة الإبلاغ عن الحوادث من قبل المنظمات غير الحكومية المحلية".
وتابعت أن "المثير للصدمة أن قانون العقوبات العراقي لا يزال يتعامل بتساهل مع ما يسمى بجرائم الشرف، التي تشمل أعمال العنف مثل الاعتداء وحتى القتل، كما لا يوجد نظام فعال معمول به للإبلاغ عن العنف الأسري ولا ملاجئ مناسبة لحماية النساء والفتيات".
وتؤكد إدور أن "القوانين العراقية ومنها قانون العقوبات لا يفي بالغرض مع استفحال ظاهرة العنف الأسري وغياب قانون يحد من تلك الحوادث".
بالمقابل تشير إدور إلى أن "الأجهزة الأمنية المعنية باتت تحت تأثير العادات القبلية والعشائرية والعقلية الذكورية المنتشرة في هذه المؤسسات".
ولم يرد المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية على الاتصالات المتكررة لموقع "الحرة" من أجل التعليق.
وتابعت الناشطة النسوية العراقية القول: "نحن بأمس الحاجة لإصدار قانون مناهضة العنف الأسري.. وجوده سيمنح الضحايا بعض الحماية ويوفر لهن المكان الآمن لكي يلجأن إليه عند شعورهن بالخطر".
ووفقا لإدور فقد أقرت الحكومة العراقية مسودة القانون منذ نحو 10 سنوات، لكنه ظل حبيس أدراج البرلمان، مضيفة أن هناك "كتل برلمانية تقف بالضد من تمريره بحجة أنه يتعارض مع الشريعة الإسلامية والعادات والتقاليد العشائرية".
في استطلاع أجرته مؤسسة تومسون رويترز عام 2013 وشمل 336 من خبراء قضايا التمييز بين الجنسين، احتل العراق، الذي كان يوما في صدارة الدول التي تحترم حقوق النساء في المنطقة، المركز 21 بين 22 دولة عربية وعكس تدهور الأوضاع بالنسبة للنساء العراقيات.
شمل الاستطلاع أسئلة عن العنف ضد النساء والحقوق الإنجابية ومعاملة النساء داخل الأسرة واندماجهن في المجتمع والمواقف من دور النساء في السياسة والاقتصاد.
ووفقا لقانون العقوبات العراقي يمكن أن يسجن الزوج الذي يقتل زوجته لمدة أقصاها ثلاث سنوات فقط، فيما يمكن أن يخرج المدانون بـ"جرائم الشرف" بعد سنة أو سنتين، وفقا لإدور.
وتضيف: "حتى في حالة الإدانة يجري الضغط على الضحايا من أجل التنازل عشائريا وتنتهي القضية مقابل كم من المال تحت مسمى صلح عشاري ويفرج عن القاتل".
وتؤكد أن "الأرقام الرسمية الصادرة عن السلطات، وأنا أشك في دقتها، تقول إن ما بين ثلث وخمس النساء العراقيات يتعرضن للعنف الجسدي، لكن الأرقام الحقيقية تشير إلى أن النسبة تصل إلى النصف".
في أبريل من عام 2020، حثت الأمم المتحدة البرلمان العراقي على الإسراع في إقرار قانون مناهضة العنف الأسري، وقالت إن هناك "تقارير مثيرة للقلق عن ارتفاع في حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الأسري في جميع أنحاء البلاد، وخاصة مع تزايد وتيرة التوتر بين أفراد الأسرة نتيجة للحجر المنزلي بسبب جائحة كوفيد".
وأشارت المنظمة الأممية إلى "وجود تقارير إعلامية عن العديد من حالات العنف، منها تقارير عن اغتصاب امرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة، واعتداء زوجي، وانتحار امرأة جراء العنف الاسري، و قيام امرأة بإشعال النار بنفسها للسبب ذاته، وكذلك أذية النفس بسبب الإساءة الزوجية المتكررة، والتحرش الجنسي بشخص قاصر، وغيرها من الجرائم ذات الصلة".
وتؤكد النائبة السابقة في البرلمان العراقي فائزة العبيدي أن "الأحداث التي مرت بالعراق خلال السنوات العشر الماضية وحالة عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي ساهمت في تأخير إقرار مثل هكذا قوانين في البرلمان".
وأضافت العبيدي لموقع "الحرة" أن "إقرار القوانين وحده لا يكفي في حال لا يتم تنفيذها وتفعيلها والرقابة عليها"، مشيرة إلى وجود "قوانين مشرعة من قبل مجلس النواب خلال السنوات الماضية، لكن تنفيذها ضعيف بسبب التدخلات العشائرية وغيرها".
كذلك بينت العبيدي، وهي عضوة سابقة في لجنة الأسرة والطفولة البرلمانية، أن "القوانين وحدها لا تكفي، مالم يكن هناك وعي مجتمعي وتعاون من قبل الضحايا مع السلطات للوقوف بوجه هذه الممارسات".