قانونيون وناشطون عبروا عن مخاوفهم من تهديد حرية التعبير بالمصطلحات القانونية الفضفاضة (تعبيرية)
قانونيون وناشطون عبروا عن مخاوفهم من تهديد حرية التعبير بالمصطلحات القانونية الفضفاضة (تعبيرية)

أرسلت السلطات العراقية، الأربعاء، اثنين من صناع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى السجن بتهمة "نشر أفلام وفيديوهات تتضمن أقوالا فاحشة ومخلة بالحياء والآداب العامة وعرضها على الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي"، وفقا لبيان مجلس القضاء الأعلى العراقي.

وصدر حكم بسجن "محمد عبد الكريم حسين الباوي الملقب حسن صجمة" عامين، كما قرر القضاء العراقي سجن غفران مهدي سوادي المدعوة بـ"أم فهد"، ستة أشهر.

واشتهر "حسن صجمة" بتصوير لقاءات مع فتيات في الغالب وسؤالهن عن مواضيع مختلفة، وتثير فيديوهاته الكثير من الجدل بسبب طبيعة الأسئلة والأجوبة.

بينما تعرّف "أم فهد" نفسها على أنها صانعة محتوى وخبيرة تجميل، وتتباهى أحيانا بـ"علاقاتها" النافذة.

لكن "لا شيء مما سجله الاثنان ونشراه يعتبر مصداقا للمادة 403 التي حكما على أساسها"، كما يقول المحامي العراقي، حسان الزبيدي.

ويعتقد الزبيدي، الذي تكلم لموقع "الحرة" إن "المحكمة تسرعت في قراراتها لأن "الإخلال بالآداب العامة" مفهوم يحتمل أكثر من تفسير، وكان يجب عرض مواد الاتهام على لجنة متخصصة لبيان رأيها".

ويتوقع الزبيدي أن تقوم محكمة التمييز بنقض الحكم وتخفيفه.

ويأتي الحكم بعد قرار من مجلس القضاء الأعلى يطلب من المحاكم العراقية "اتخاذ الإجراءات المشددة" بحق من يرتكب "جرائم نشر محتويات تسيء للذوق العام وتشكل ممارسات غير أخلاقية إضافة إلى الإساءة المتعمدة وبما يخالف القانون للمواطنين ومؤسسات الدولة".

قرار من مجلس القضاء يطلب تشديد الاحكام بحق "ناشري المحتوى المسيء للأخلاق على مواقع التواصل"

ووقع القرار رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، وهو أيضا رئيس محكمة التمييز الاتحادية التي تشرف على النظر في أحكام القضاة.

وصدر القرار في اليوم ذاته الذي صدرت فيه الأحكام، مما يجعل "فرص المتهمين بالتمييز ضعيفة"، كما يقول المحامي، سعدون علي.

ويضيف علي لموقع "الحرة" أن "القضاء يبدو عازما على ملاحقة صناع المحتوى المسيء على مواقع التواصل وفقا للمادة 403".

وتقول المادة 403 من قانون العقوبات العراقي التي صدر على أساسها الحكمان بـ"الحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع أو استورد أو صدر أو حاز أو أحرز أو نقل بقصد الاستغلال أو التوزيع كتابا أو مطبوعات أو كتابات أخرى أو رسوما أو صورا أو أفلاما أو رموزا أو غير ذلك من الأشياء إذا كانت مخلة بالحياء أو الآداب العامة".

كما "يعاقب بالعقوبة ذاتها كل من أعلن عن شيء من ذلك أو عرضه على أنظار الجمهور أو باعه أو أجره أو عرضه للبيع أو الإيجار ولو في غير علانية. وكل من وزعه أو سلمه للتوزيع بأي وسيلة كانت".

ويقول المحامي سعدون علي إنه على نطاق واسع كانت هذه المادة تفهم على أنها وسيلة لمحاربة المحتوى الإباحي أو صنع مواد إباحية، لكن استخدامها لتقييد أفعال تبدو اعتيادية هو أمر "مقلق".

لكن الخبير القانوني حيان الخياط يقول لموقع "الحرة" إن الأحكام "قانونية، لكونها تستند إلى مواد قانونية سارية المفعول، وفي حال المطالبة بإفساح مجال أكبر لحرية التعبير فيجب تعديل أو إلغاء هذه المواد القانونية".

ويعترض الخبير القانوني حسين السعدون على مفردة "الإخلال بالحياء أو الآداب العامة".

ويقول السعدون لموقع "الحرة" إن المحكمة اختارت أشد حكم بإحدى القضيتين مع أن المادة القانونية التي استندت عليها تقول إن العقوبة تعتبر مشددة إذا كانت بقصد "إفساد الأخلاق".

ويضيف "كيف تمكنت هيئة المحكمة من تقرير أن أفعال أحد المدانين كانت تخل بالحياء والآداب، وكانت بقصد إفساد الأخلاق، دون الاستعانة بآراء خبراء وفي جلسة محاكمة واحدة؟".

ويضيف "معنى هذا أن المعيار الأهم يعتمد على فهم القاضي لما هو مخل بالأخلاق وما هو غير مخل، وهذا بالتالي يعتمد على الحكم الشخصي، ما دام القانون لا يضع خطوطا واضحة لتعريف الجريمة والفعل الجرمي".

لكن الخبير حيان الخياط يقول إن "حكم القاضي يدرس من قبل هيئة جزائية مكونة من ثلاثة قضاة تراجع قراره بعد التمييز ويمكن نقضه إذا كان خاطئا".

ويقول الخبير القانوني، علي التميمي، لموقع "الحرة" إن "العراق بحاجة إلى تشريع قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية ليكون حلا لمثل هذه الجرائم الشائعة".

ويضف في حديث لموقع "الحرة" إن الأمر الثاني المهم هو جهة الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي"، ودعا إلى تشكيل لجنة خاصة مرتبطة بهيئة الإعلام والاتصالات للرقابة على تلك الوسائل.

اعتراضات حقوقية

بدأت الحملة على "المحتوى الهابط" كما وصفته وزارة الداخلية العراقية بالتزامن مع حملة أطلقها ناشطون وصحفيون تهدف إلى الحد من المنشورات ذات المستوى "الهابط أخلاقيا".

لكن أحد مطلقي الحملة، وهو الصحفي محمد الفهد، يقول إن الفكرة كانت "نقد المحتوى كمحتوى"، مضيفا "لن أقبل باستغلال هذه الحملة أو الإجراءات للتضييق على الحريات أو تكميم الأفواه".

وفي بيان توضيحي بعد إصدار الأحكام القضائية قال الفهد" "وجهة نظري لو أن الإجراء القانوني يبدأ من التحذير، لأن الهدف هو تصحيح السلوك والمحتوى وليس الإقصاء أو التعسف".

ويقول الناشط حسنين مهنا إن "من السهل جدا استخدام مواد قانونية مطاطية للتضييق على حرية التعبير".

وقال مهنا لموقع "الحرة" متسائلا: "ما الذي يضمن أن أي نقد للسلطة لن يواجه بالسجن، خاصة وأن تعميم رئيس مجلس القضاء أشار إلى الانتقادات الموجهة للمؤسسات الحكومية أو الأشخاص؟".

وأضاف "وفقا لفهمي فإن القضاء يستخدم الآن لترهيب منتقدي السلطات أو الشخصيات النافذة".

آراء متباينة بين الشباب حول سبل حل الصراع في الشرق الأوسط
آراء متباينة بين الشباب حول سبل حل الصراع في الشرق الأوسط

عام كامل مر على الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، وتتزامن الذكرى الأولى أيضا مع تكثيف الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية ضد حزب الله في لبنان، لتثير التطورات المتلاحقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط  قلق الشباب العراقي بشأن مستقبلهم وأمن بلادهم، في ظل التحذيرات من أن يتحول هذا الصراع إلى "حرب شاملة".

وجهات نظر هؤلاء الشباب تنوعت بشأن "الدور" المتوقع للعراق في المرحلة المقبلة، لا سيما مع وجود فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران دخلت خط الصراع.

وتباينت ردود أفعال شباب تحدثوا لموقع الحرة بشأن موقفهم من تطور الأحداث المتسارع، فالبعض ذكر أن التصعيد في المنطقة قد يؤدي إلى نتائج وخيمة، وعبروا عن رفضهم لأن يتحول العراق ساحة للصراعات بدلاً من أن يكون لاعبًا رئيسيًا للتهدئة والسلام.

بينما قال آخرون إن خيار التصعيد السياسي والعسكري هو السبيل الوحيد لردع أي تهديدات مستقبلية، بعد أن فشلت مبادرات السلام والتهدئة في نزع فتيل الأزمة، بحسب تعبيرهم.

مع جهود السلام .. لكن بتوحيد الإرادات أولا

الناشط شبّر عبد الوهاب قال لموقع الحرة، إنه من دعاة السلام والتهدئة ويرفض مبدأ التصعيد، وإن شباب العراق يحمل آمالًا كبيرة لمستقبل المنطقة ويرى في السلام السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار.

يضيف عبد الوهاب أن الشباب، إذا كان لهم دور في اتخاذ القرار، فمن المرجح أن يتّبعوا نهجًا سلميًا يركز على الحوار، متجنبين التصعيد العسكري الذي قد يهدد أمن العراق ويعمق الأزمات في المنطقة.

وفي ظل الظروف الحالية، يقول عبد الوهاب إن الشباب العراقي يبقى متفائلاً بشأن إمكانية تحقيق السلام، ولكنهم يدركون أن ذلك يتطلب جهودًا متكاملة وتعاوناً بين جميع الأطراف.

عبد الوهاب أضاف أن مفهوم السلام يعني وجود دولة قوية تحمي الحقوق وتدافع عن السيادة والهوية الوطنية، وهذا لا يعني برأيه، أن ينأى العراق عن دوره الإنساني والدبلوماسي في مساعدة الآخرين، سيما في ظل التهديدات الإسرائيلية الأخيرة.

وذكر عبد الوهاب أن الدفاع عن النفس والسيادة من الحقوق الأساسية، شريطة أن يتحقق ذلك عبر الدولة "التي هي من تحدد قوانين اللعبة"، من خلال الجهد الدبلوماسي وتعزيز السياسة الخارجية، وليس عبر التشتت في مراكز صنع القرار كما يحدث حاليا، حينما عجزت الدولة عن فرض إرادتها والسيطرة على الفصائل المسلحة التي لا تأخذ بنظر الاعتبار موقف العراق الرسمي والقرارات التي يتخذها.

هذا التشتت، يقول عبد الوهاب، جعل الشباب في حيرة من أمرهم. ويقول إنهم يريدون السلام وإبعاد العراق عن هذه "الفوضى" لكن ليس على حساب الفلسطينيين واللبنانيين، بحسب تعبيره.

وذكر عبد الوهاب أن دور الشباب في المرحلة المقبلة مهم جدا في حال منحوا فرصة المشاركة في مراكز صنع القرار، من خلال الوقوف إلى جانب الجهات التي تدعو إلى الحوار والتفاوض والتهدئة ورفض لغة الحرب والصراع، وأيضا مشاركتهم في مبادرات الدعم الإنساني والمادي والدبلوماسي.

حملات الضغط و"التواصل الاجتماعي" سلاح آخر للتهدئة

الناشط الشاب عزيز شيركاني أشاد بموقف العراق الرسمي الداعم للفلسطينين واللبنانيين، ودعوته إلى التهدئة وتحقيق السلام الشامل وتقديم المساعدات الإنسانية والمادية لضحايا هذا الصراع.

لكن شيركاني أوضح لموقع الحرة، أن هذا الموقف الرسمي واجهه رد فعل مغاير من قبل الفصائل المسلحة التي تنفذ عمليات وتشن هجمات عبر الحدود. فهذه العمليات، برأيه، ستؤدي إلى توسيع دائرة الحرب إلى مناطق أخرى في سوريا والعراق.

يضيف شيركاني أن الصراع المسلح أينما كان "له تبعات خطيرة على الجميع"، ويشير إلى أهمية تعزيز جهود وقف إطلاق النار في المنطقة لمنع وقوع المزيد من الضحايا الأبرياء من أطفال ونساء في غزة ولبنان.

ورغم التحديات التي تواجه دول المنطقة، يقول شيركاني إن الشباب العراقي قادر على لعب دور محوري في جهود إنهاء الصراع، من خلال المشاركة في حملات الضغط التي تدعو إلى السلام وتحذر من مخاطر التوسع في العمليات العسكرية.

وأشار شيركاني إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي هي أداة مهمة بيد الشباب لنقل الحقيقة والكشف عن الجهات التي تثير الفتنة وتنتفع من استمرار الصراع في الشرق الأوسط.

الشباب، بالنسبة لشيركاني، هم الأساس في بناء جسور الحوار وتعزيز السلام، وهم الجيل القادر على تغيير الواقع الحالي وبناء مستقبل أفضل، على حد قوله.

تصعيد لا بد منه .. رغم التبعات

المنتجة السينمائية الشابة، شهد الطائي، كان لها رأي آخر، وتقول إن بعد فشل جهود السلام ودعوات الحوار، بات على العراق اليوم أن يعزز دوره المحوري لمساعدة دول المنطق التي تتعرض لتهديدات.

الطائي ذكرت لموقع الحرة، أنها مع فكرة التصعيد رغم التبعات، فهذا التصعيد برأيها، هو الحل الوحيد لإيقاف الطرف الآخر الذي لا يستمع إلى الاصوات التي تدعو إلى التهدئة ووقف إطلاق النار، بحسب تعبيرها.

وتعترف الطائي أن تصعيد العراق في موقفه ستكون له تداعيات، لكنها أوضحت أنه بلد قوي وقادر على مواجه هذه "الضربات"، فما يحدث في المنطقة أمر "غير طبيعي" برأيها، وتقول إنه من غير المعقول أن تقف الدولة مكتوفة اليدين.

وتتساءل الطائي "ماذا حققت الجهات الداعية للتهدئة أمام هذا العدد الهائل من الضحايا وما خلفته آلة الحرب من دمار وتهجير ونزوح في المنطقة؟".

تقول المنتجة السينمائية إن الموقف العراقي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار كرامة الإنسان وأن يتبع نفس الأساليب التي يستخدمها الطرف الإسرائيلي والأعذار التي يلجأ إليها في النزاع الذي يشهده الشرق الأوسط، بحسب تعبيرها.

الميليشيات تلعب دوراً محورياً في تنفيذ أوامر طهران
رسالة وأهداف عدة.. ماذا وراء هجمات الميليشيات العراقية على إسرائيل؟
وفي حين يقول الخبراء إنها تحمل أهدافا لا تنفصل عن الوضع الذي يعيشه حزب الله في لبنان، يشيرون في المقابل إلى أنها "قد تكون جزءاً من عمليات الإسناد" التي أخذت شكلا جديدا خلال الأشهر الماضية لما يعرف بـ"وحدة الساحات".

وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، حذر من "تبعات خطيرة" جراء توسيع رقعة الحرب بالمنطقة.

وأضاف في تدوينة له على منصة (إكس)، أنه خلال مشاركته في اجتماع طارئ للدول الاعضاء في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها 79، أكد أهمية عقد قمة طارئة مشتركة للدول العربية والإسلامية "للتباحث بشأن الأوضاع الخطيرة التي تمر بها المنطقة والخروج بمقررات فاعلة لوقف اطلاق النار في قطاع غزة والضفة الغربية و لبنان والبحر الأحمر".

وأوضح أن "توسيع رقعة الحرب الدائرة في المنطقة قد يفضي إلى تبعات خطيرة يأتي في مقدمتها توفير مناخ ملائم لقيام التنظيمات الإرهابية بإعادة نشاطها الإرهابي"، بحسب تعبيره.

وتحسّن تصنيف العراق بمؤشر السلام العالمي لعام 2024، حيث ارتفع مرتبتين مقارنة بالعام الماضي.

وبحسب تصنيف المؤشر GPI، الذي صدر عن معهد الاقتصاد والسلام العالمي للعام الحالي، فإن العراق جاء بالمرتبة 151 عالمياً من أصل 163 دولة حول العالم. والعراق في هذا التصنيف جاء في المرتبة 16 إقليميا من أصل 20 دولة من الشروق الأوسط وشمال أفريقيا.

السفيرة الأميركية لدى العراق، ألينا رومانوفسكي، قالت بدورها، إن التهديدات لأمن العراق واستقراره وسيادته لا تزال قائمة. 

وأضافت في تغريدة على منصة "إكس" بمناسبة اليوم الدولي للسلام، في 21 سبتمبر الماضي، أن الولايات ملتزمة "بالعمل جنبا إلى جنب مع شركائنا في الحكومة العراقية والمجتمع المدني لتعزيز عراق سلمي ومزدهر للأجيال القادمة".

وتقول الأمم المتحدة إن السلام لا يعني غياب الصراعات فحسب، وإنما يتطلب أيضاً "عملية تشاركية ديناميكية إيجابية يُشجع فيها الحوار وتُحل النزاعات بروح التفاهم المتبادل والتعاون".

وفي عالم يشهد تصاعدا في وتيرة التوترات الجيوسياسية والصراعات طويلة الأمد، تشير المنظمة الدولية إلى أنها رسمت القيم اللازمة لثقافة السلام، والتي تشمل احترام الحياة وحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتعزيز اللاعنف، والالتزام بالتسوية السلمية للصراعات؛ والتمسك بالحرية والعدالة والديمقراطية والتسامح والتضامن والتعاون والتعددية والتنوع الثقافي والحوار والتفاهم على جميع مستويات المجتمع وبين الأمم.

وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرارات اللاحقة، بأهمية اختيار المفاوضات بدلا من المواجهة، و"العمل معاً وليس ضد بعضنا البعض" بحسب تعبيرها.