أزمة سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار مستمرة. أرشيفية
أزمة سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار مستمرة. أرشيفية

لا تزال أسعار صرف الدينار العراقي أمام الدولار تمثل معضلة أمام أجهزة الدولة العراقية، إذ يتداول في السوق بأسعار أعلى مما حدده البنك المركزي العراقي.

وأعلن البنك المركزي العراقي، السبت، أنه عقد اجتماعات مع مسؤولين من البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ووزارة الخزانة في واشنطن، مشيرا إلى توجه لـ"إطلاق حزمة ثانية من التسهيلات لتعزيز استقرار سعر الصرف".

وقال في بيان صحفي إن الفيدرالي الأميركي والخزانة الأميركية أبديا استعدادهما "للعمل المشترك لمواجهة تحديات العمل بالمنصة الإلكترونية للحوالات والنقد".

البنك المركزي العراقي قرر مؤخرا تعديل سعر الصرف ليصبح 1300 دينار مقابل الدينار، ولكن سعر التداول في السوق يبلغ 1470 دينارا مقابل الدولار، بحسب تقرير لوكالة الأنباء العراقية "واع".

وكان البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قد فرض تعديلات على إجراءات الحوالات العراقية التي تمر بنظام "سويفت"، لتضم تدقيقا في مصدر الأموال وحتى المستقبل النهائي، وهو ما جاء بعد تبعات ما عرف بقصة "سرقة القرن" في العراق.

"مسألة وقت"

عدم استقرار سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار. أرشيفية

أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية في الجامعة العراقية، عبدالرحمن نجم المشهداني، أبدى تفاؤلا في المباحثات بين المركزي العراقي والاحتياطي الفيدرالي والخزانة الأميركية لأنها "ستسهم في تخفيف أزمة سعر الصرف بشكل طفيف"، مشيرا إلى أن "الحد من هذه الأزمة سيحتاج إلى وقت حتى يتم جسر الفجوة بين سعر الصرف المحدد من المركزي العراقي، والسعر في السوق المحلية".

وأضاف في حديث لموقع "الحرة" أن مسألة "الوقت التي يحتاجها العراق للوصول لاستقرار سعر الصرف لا ترتبط بشكل بالمباحثات مع المؤسسات المالية الأميركية بشكل مباشر، خاصة وأن المركزي العراقي لم يطلب أي مهلة لتأجيل الإجراءات الإلكترونية"، موضحا أن "رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، أكد التزام العراق بالامتثال للمعايير الدولية خاصة وأنها تساهم في دعم جهود البلاد في محاربة الفساد".

الخبيرة الاقتصادية العراقية، سلام سميسم، ترى أن حل أزمة "سعر الصرف في العراق لا يلوح في الأفق"، رغم الجهود الرسمية، مؤكدة أن المؤشرات تشي "بشح في السيولة لدى الجهات الرسمية من دفع مستحقات الموازنة العامة".

وأوضحت في رد على استفسارات موقع "الحرة" أن حل الأزمة والوصول لمرحلة استقرار في أسعار الصرف "سيحتاج إلى وقت مع الاعتماد بشكل كامل على المنصة الإلكترونية، التي ستحد من تهريب الدولار خارج البلاد".

ونقلت وكالة الأنباء العراقية "واع" عن مستشار رئيس الوزراء العراقي، حسين علاوي قوله إن العراق "خاض مسارا تفاوضيا سار نحو أجواء إيجابية وتفاهم بناء بين ممثلي البنك البنك المركزي العراقي ووزارة الخزانة الأميركية، مؤكدين في اجتماعهم على آفاق التعاون بين الجانبين، بما يسهم في استقرار سعر الصرف العراق".

وأضاف أن الحكومة الحالية أدارت "أزمة سعر الصرف بصورة فعالة نحو التركيز على النمو الاجتماعي والحفاظ على مكتسبات العائدات المالية للدولة من النفط العراقي، وتصحيح مسار سعر الصرف والسوق المحلية بعد اقرار الدراسة المقدمة من قبل البنك المركزي العراقي بأن يكون السعر الرسمي لصرف الدينار أمام الدولار 1300 دينارا امام الدولار الواحد وتحديد مرونة السوق كذلك".

تحقيق "الاستقرار النقدي"

البنك المركزي العراقي عدل سعر صرف الدينار أمام الدولار

وأكد محافظ البنك المركزي العراقي، علي محسن إسماعيل" نية البنك إطلاق الحزمة الثانية من التسهيلات التي من شأنها تعزيز استقرار سعر الصرف". 

ونقل البيان عن البنك الفيدرالي الأميركي أن" إجراءات البنك المركزي العراقي تصب في الاتجاه الصحيح لبناء قطاع مصرفي رصين".

الخبير الاقتصادي العراقي، محمود داغر قال إنه يأمل أن تكون الحزمة الثانية التي سيطلقها البنك المركزي "ذات تأثير على عرض النقد من الدولار للاستيراد"، مشيرا إلى أن اقبال التجار حتى الآن على فتح حسابات عبر المصارف من أجل عمليات التحويل لا يزال "محدودا"، وهناك فجوة في تلبية الطلب على الدولار.

وأضاف داغر وهو مسؤول سابق في البنك المركزي العراقي، في رد على استفسارات موقع "الحرة" أنه "طالما المشكلة ترتبط بالعرض من النقد، على البنك المركزي استهداف سد هذه الفجوة من خلال منظومة المصارف".

ودعا إلى مزيد " من المرونة تجتذب التجار والمستوردين والشركات على الاندماج أكثر ضمن النظام المصرفي العراقي وإجراء التحويلات عبر البنوك".

ويرى الأكاديمي المشهداني أن الاستقرار النقدي "يرتبط بامتثال التجار والمستوردين داخل العراق باتمام صفقاتهم عن طريق النظام المصرفي وليس من خلال الاعتماد على السوق الموازية".

ويدعو المشهداني أن أي حزمة تسهيلات يجب أن تستهدف "تسهيل دخول صغار التجار والمستوردين ضمن منظومة التعاملات المالية عبر البنوك، وتوسيع قاعدة أنظمة التحويلات المالية المختلفة".

من جانبها تؤكد الخبيرة سميسم أن أي حزمة جديدة من البنك المركزي العراقي عليها أن تستهدف "الحد من تهريب دولار الكاش خارج العراق، وتقليل الفجوة في أسعار الصرف بين ما هو محدد رسميا وما يباع في السوق الموازية.

ويؤكد مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، مظهر محمد صالح أن "حزم البنك المركزي ستسرع مستويات تلبية الطلب على العملة الأجنبية"، موضحا أن الارتفاع في الأسعار في السوق الموازية "مصطنع ومبني على معلومات زائفة يصطلح على تسميتها بالضوضاء الملونة ولا يتطابق مع قوة الوضع المالي".

وقال صالح لوكالة "واع" إن الاحتياطات من الدولار تخطت 115 مليار دولارا".

وفي أواخر ديسمبر الماضي أقر المركزي العراقي حزمة إجراءات لضبط استقرار سعر الصرف مقابل الدولار، من بينها، تسهيل تمويل تجارة القطاع الخاص بالدولار من خلال المصارف العراقية، وفتح منافذ لبيع العملة الأجنبية في المصارف الحكومية للجمهور لأغراض السفر.

ودعا البنك التجار حينها على أهمية التعامل "مع المصارف مباشرة وعدم اللجوء إلى الوسطاء والمضاربين لتلافي تحميل استيراداتهم عمولات ومصاريف لا موجب لها"، مشيرا إلى أهمية قرار مجلس الوزراء بـ" عدم استيفاء الرسوم الجمركية ومبالغ الأمانات الضريبية مسبقا" خاصة وأن هذا سيؤدي إلى تقليل الإجراءات وإزالة التكاليف الناتجة عن مشاكل الرسوم المسبقة.

حزب العمال

لن يضع قرار حزب العمال الكردستاني التركي (PKK) حل نفسه نهاية لحرب دامت أكثر من 4 عقود، فحسب، بل نهاية لحقبة شكلت الديناميكيات الأمنية والسياسية في إقليم كردستان ـ العراق، أيضا.

وأعلن حزب العمال الكردستاني في 12 مايو الحالي، عن حل بنيته التنظيمية وإنهاء الكفاح المسلح، والأنشطة التي كانت تجري تحت لواء "PKK"، استجابة لنداء أطلقه زعيم الحزب ومؤسسه المعتقل في تركيا عبدالله أوجلان نهاية فبراير الماضي.

وطالب العمال الكردستاني، في بيان، تركيا بمنح زعيمه أوجلان حق إدارة المرحلة المقبلة، والاعتراف بحقه في العمل السياسي، وتوفير ضمانات قانونية شاملة في هذا الشأن.

وأشار البيان إلى أن الحزب نظم مؤتمره الثاني عشر في ظروف صعبة، مع استمرار الاشتباكات، وتواصل الهجمات البرية والجوية للجيش التركي.

وأضاف أن "المؤتمر أُنجز بنجاح وبشكل آمن، حيث أُجري في منطقتين مختلفتين بشكل متزامن لأسباب أمنية. وشارك فيه ما مجموعه 232 مندوبا. واتخذ خلاله قرارات تاريخية تعبر عن الدخول في مرحلة جديدة لحركتنا من أجل الحرية".

ويشير خبير العلاقات الدولية، حسن أحمد مصطفى، إلى أن قرار حزب العمال الكردستاني بحل نفسه يمكن أن يؤدي إلى انخفاض كبير في الاشتباكات المسلحة في إقليم كردستان، خاصة في منطقة بهدينان ومحافظة أربيل، ويقلل من الغارات الجوية في مناطق قنديل وشاربازير والسليمانية، التي يتمتع فيها العمال الكردستاني بحضور قوي.

ويضيف مصطفى لـ"الحرة" قوله: "أنشأت تركيا بعد عام 2019، قواعد عسكرية دائمة في كردستان العراق، في مناطق من محافظة دهوك وبالقرب من جبل قنديل، لذلك حل حزب العمال الكردستاني قد يخفض من مبررات العمليات العسكرية التركية عبر الحدود".

وبين أن أنقرة أشارت إلى أنها ستراقب امتثال العمال الكردستاني لقرار الحل وإلقاء السلاح عن كثب قبل سحب قواتها من كردستان العراق.

ويلفت مصطفى إلى أن الصراع المسلح بين العمال الكردستاني وتركيا تسبب خلال السنوات الماضية بنزوح آلاف من مواطني كردستان العراق من قراهم وبلداتهم وأصبحت نحو 700 قرية في إقليم كردستان إما خالية تماما من سكانها أو معرضة للخطر.

وعلى الرغم من تأكيده على أن السلام الدائم سيسهل عودة النازحين إلى قراهم ومناطقهم، يلفت مصطفى إلى أن استمرار الوجود العسكري التركي قد يُؤخّر إعادة التوطين الكاملة.

ولعل من تداعيات حل العمال الكردستاني التي يتوقعها مصطفى، هي أن تدعو إيران إلى إنهاء المعارضة المسلحة الكردية الإيرانية بشكل كامل.

وتسعى طهران منذ نحو عامين عبر الاتفاق الأمني الذي ابرمته مع الحكومة العراقية إلى إنهاء المعارضة الكردية الإيرانية الموجودة في إقليم كردستان منذ أكثر من 4 عقود، وقد بدأت السلطات العراقية حسب الاتفاق بإبعاد الأحزاب الكردية المعارضة عن الحدود الإيرانية، ونزعت أسلحتهم.

وأصدرت مستشارية الأمن القومي العراقية، التابعة لمجلس الوزراء، في 24 أبريل الماضي، قرارا يحظر جميع أنشطة الأحزاب والجماعات الإيرانية المعارضة الموجودة على الأراضي العراقية.

ورغم إعلان حل الحزب والتخلي عن السلاح، لم تحدد آلية تنفيذ القرارين بعد، خاصة لجهة كيفية إلقاء السلاح والجهة تتسلمه من مقاتلي حزب العمال.

وأوضح وزير الداخلية في حكومة إقليم كردستان، ريبر أحمد، في مؤتمر صحفي عقده في أربيل مطلع الأسبوع، أنه "مازال من المبكر الحديث عن كيفية إلقاء السلاح وأين سيسلم هذا السلاح ولمن؟ جميعنا نراقب هذه العملية، المهم أن تنتهي العمليات العسكرية والاشتباكات المسلحة في مناطق كردستان، ويتمكن مواطنونا من العودة الى مناطقهم ويحل السلام والاستقرار".

ولا يقتصر وجود العمال الكردستاني في جبل قنديل والسلاسل الجبلية والمناطق الحدودية بين إقليم كردستان وتركيا، بل تتمركز وحدات مقاومة سنجار "اليبشة" التابعة لـ(PKK) في قضاء سنجار غربي الموصل أيضا.

واعتبر سياسيون في إقليم كردستان العراق خلال تصريحات سابقة لـ"الحرة"، هذه الوحدات وفصائل الحشد الشعبي سببا في عدم استقرار الأوضاع في سنجار، وأبرز عائق أمام تنفيذ اتفاقية سنجار التي وقعتها بغداد وأربيل عام 2020 برعاية دولية لتطبيع الأوضاع في تلك المنطقة وإعادة النازحين إليها.

لذلك من المتوقع أن يساهم قرار الحزب بإلقاء السلاح في تطبيق اتفاقية سنجار وعودة الاستقرار إلى المدينة، التي شهدت خلال السنوات الماضية العديد من الغارات الجوية التركية التي استهدفتها بسبب وجود مواقع للعمال الكردستاني فيها. 

ويرى رئيس منظمة كردستان لمراقبة حقوق الإنسان، هوشيار مالو، أن قرار حل حزب العمال الكردستاني بإلقائه السلاح سينهي مبررات الدولة التركية في التدخل في دول المنطقة ومنها العراق وسوريا بحجة وجود مقاتلي وأعضاء العمال الكردستاني.

ويوضح مالو لـ"الحرة"، "بعد قرار الحل، ستنهي تركيا وجودها العسكري في العراق، أو على الأقل ستبدأ مرحلة جديدة من العلاقات مع بغداد وإقليم كردستان، لذلك على السياسيين العراقيين بالدرجة الأساس التهيئة للتفاوض والتفاهم من أجل انسحاب القوات التركية من الأراضي العراقية".

ويعتقد مالو أن جزءا من مقاتلي العمال الكردستاني أو مجاميع أخرى تابعة له قد ينشقون عن الحزب ويرفضون إلقاء السلاح، لكنه يرى أنهم لن يؤثروا على عملية السلام، لأن المرجع الفكري للحزب والمجموعات المرتبطة به قرروا تغيير مصيره.

ولفت إلى أن "قرار الحزب بإلقاء السلاح سيلقي بظلال إيجابية على المنطقة بأسرها".

وبحسب إحصائيات شبه رسمية، أنشأت تركيا خلال السنوات الماضية أكثر من 87 قاعدة عسكرية داخل الأراضي العراقية على طول 200 كيلومتر من الحدود بين البلدين. منها 7 قواعد جديدة، أنشأتها خلال عملياتها العسكرية التي انطلقت في يونيو الماضي ضمن حدود منطقة برواري بالا في محافظة دهوك، بينما بلغ عمق توغلها 15 كيلومتراً، وهو أكثر بسبعة كيلومترات مقارنة بالعملية البرية السابقة التي كانت في عام 2021.

وكشفت إحصائية صادرة عن منظمة فرق صناع السلم المجتمعي (CPT) الأميركية في إقليم كردستان العراق، حصل موقع "الحرة" عليها في مارس الماضي، عن مقتل وإصابة 721 مدنيا في إقليم كردستان منذ يناير 1991، إثر القصف والعمليات العسكرية التركية ضد مقاتلي PKK.

وأشارت المنظمة في بيان، مساء الخميس، إلى أن الجيش التركي ما زال يواصل هجماته داخل أراضي كردستان العراق، رغم إعلان العمال الكردستاني حل نفسه.

وأضافت المنظمة أن "القوات التركية نفذت منذ 12 مايو وحتى الآن، 31 هجوما وقصفا على إقليم كردستان"، وبلغت الهجمات المسلحة ذروتها الخميس، بحسب البيان.