باستثناء تحالف إدارة الدولة، وهو الكتلة البرلمانية الأكبر داخل البرلمان العراقي والتي قدمت مشروع قانون تعديل قانون الانتخابات، لا يبدو إن لمشروع التعديل كثيرا من الأنصار داخل البرلمان العراقي، كما يقول نواب ورؤساء أحزاب وناشطون عراقيون لموقع "الحرة".
لكن هذا لا يعني أن قانون "الدوائر المتعددة" الذي أقيمت على أساسه الانتخابات الماضية، مرشح للبقاء على حاله، وفقا لمحللين.
ما هو التعديل
يقضي قانون الانتخابات الحالي بتقسيم المحافظات العراقية إلى دوائر انتخابية متعددة، بحيث يكون لكل 100 ألف ناخب في الدائرة ممثل في البرلمان، ويتراوح "حجم" الدائرة نسبة إلى عدد سكانها، لكن الفارق الأهم بينه وبين القوانين السابقة هو أنه يعمل وفق "الدوائر المفتوحة" بحيث أن لا تستطيع التحالفات أو الأحزاب تحويل أصوات من مرشح إلى آخر، وفق ما يقوله الخبير القانوني والمراقب الانتخابي وسام نذير.
يقول نذير، وهو باحث في قوانين الانتخابات في العراق وحول العالم، لموقع "الحرة"، إن "القانون الحالي تسبب بضياع أصوات الكتل غير الخبيرة بتفاصيله، مثل كتل قوى الدولة (العبادي والحكيم) والفتح (هادي العامري وقيس الخزعلي) والكتل الجديدة مثل امتداد (المدنيون)، لأن مرشحيهم الذين حصلوا على أصوات كثيرة أكثر من العتبة الانتخابية، لم يستطيعوا تحويل تلك الأصوات للمرشحين الآخرين من نفس الكتلة".
ويعني مصطلح العتبة الانتخابية عدد الأصوات التي يحتاجها المرشح للحصول على مقعد.
ويضيف نذير "بعض النواب دخل البرلمان بمئة ألف صوت وأكثر، فيما دخله آخرون بألفي صوت".
ويشير التعديل المقترح إلى وجوب اعتماد قانون "سانت ليغو" في الانتخابات، وهو معادلة رياضية تقسم من خلالها الأصوات التي يحصل عليها مرشحو الكتلة على المرشحين.
ويقول نذير إن "القواسم الحسابية المعقدة لسانت ليغو تجعله مناسبا للحالة العراقية أكثر من قانون الدوائر المتعددة الحالي، لكن الاختلافات في معامل قسمة الأصوات قد تعني أفضلية للكتل الصغيرة أو الكبيرة".
ويقول النائب المستقل، سجاد سالم، لموقع "الحرة" أن "القانون مقترح من تحالف إدارة الدولة، فكل القوى الكبيرة في البرلمان تسانده".
ويتشكل تحالف إدارة الدولة من كتل الإطار التنسيقي الشيعية، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة السني، والاتحاد الوطني الكردستاني، وتحالف عزم السني، وبابليون المسيحي.
ويبلغ عدد النواب في هذا التحالف أكثر من 270 نائب من مجموع نواب البرلمان العراقي البالغ عددهم 325 نائبا.
لكن التحالف ليس موحدا كما يبدو، فقد انتقد النائب عن الاتحاد الوطني الكردستاني شيروان الدوبرداني التعديلات الأخيرة على قانون الانتخابات ووصف الانتخابات الماضية بأنها كانت "الأنزه" في تاريخ البلاد.
وقال الدوبرداني، وفقا لوكالة ناس الإخبارية المحلية إن موقف حزبه "هو العودة إلى الدوائر المتعددة كنظام انتخابات".
كما أن النائب عن حركة حقوق - وهي حركة مقربة من ميليشيا كتائب حزب الله – سعود الساعدي، قال إن هناك مخالفات في التعديل.
رئيس كتلة حقوق النيابية النائب سعود الساعدي يعترض على طرح تعديل قانون الإنتخابات السابق ويؤشر خمسة وثلاثين إشكالا دستوريا وفنيا وسياسيا عليه.
— النائب سعود الساعدي (@saudalsaadi_) February 15, 2023
المكتب الإعلامي للنائب
سعود الساعدي pic.twitter.com/uxoasfo7jj
وحركة حقوق على الرغم من كونها جزءا من الإطار التنسيقي، هي من الحركات التي استفادت من قانون الدوائر المتعددة المفتوحة حيث صعد عنها نائب واحد في الانتخابات الماضية وأصبحوا 6 بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان.
ويقول النائب المستقل سجاد سالم إن هناك تعديلات معقولة مثل "تحويل المحافظة إلى دائرة واحدة"، لكن "معامل سانت ليغو 1.7 هو معامل غير عادل، لانه يمنح الهيمنة للكتل الكبيرة".
ويريد المعترضون من الكتل الأصغر أن يكون معامل سانت ليغو (1) بدلا من 1.9 كما هو مقترح حاليا.
ويعترضون، أيضا، على جمع قانوني الانتخابات المحلية والبرلمانية في مدونة قانونية واحدة.
ويقول سالم لموقع "الحرة" إن هناك جهودا لجمع الكتل المدنية المعارضة والناشطين والمنظمات في جبهة للاعتراض على القانون.
ويقول رئيس حزب البيت الوطني المعارض، حسين الغرابي، إنه "لا يمكن وفقاً للديموقراطيات المحترمة أن يخضع سن قانون جديد للانتخابات للقوى الخاسرة في الانتخابات الأخيرة وأقصد الإطار التنسيقي".
وفاز التيار الصدري بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات الماضية، لكن انسحابه أدى إلى زيادة مقاعد الإطار التنسيقي وجعله الكتلة المهيمنة على البرلمان وسمح له بتشكيل الحكومة.
وتعني إعادة العمل بقانون سانت ليغو المعدل عمليا، عودة الوضع إلى ماكان عليه قبل تظاهرات تشرين، حيث أن إقرار القانون كان واحدا من المكاسب العملية القليلة للتظاهرات، والتي أدت إلى تخفيف الاحتقان.
وقال الغرابي لموقع "الحرة" "بالحقيقة أن العملية السياسية في العراق فقدت شرعيتها عندما اشترك 20% من العراقيين فيها ومن ثم انسحبت الكتلة الأكبر الصدرية، وعندها فقدت هذه العملية السياسية شرعيتها الشعبية".
ويعتقد الغرابي إن "الإطار التنسيقي يريد ان يقضي على التجربة الجديدة التي حدثت مؤخرا بصعود مستقلين وأحزاب ناشئة من تشرين، وهو ناقم على هذه التجربة وبالتالي يريد الرجوع إلى القانون القديم واستخدام طريقة حسابية مشوهة مفصلة عليهم".
وقال الغرابي إن "القوى المدنية وقوى التغيير الديموقراطية طرحت مقترحاً باللجوء إلى المختصين والدستوريين والمنظمات لكتابة مسودة قانون انتخابات دائم وشامل بعد دراسة خاصة بالواقع العراقي"، مؤكدا أنه "سيكون لنا مواقف احتجاجية وسياسية كثيرة في حال رفض هذا التعديل الماس بروح الديموقراطية".
مؤيدون للتعديلات
ويقول المحلل السياسي علي المعموري لموقع "الحرة" إن الإطار التنسيقي قادر بحكم الأغلبية البرلمانية على فرض القانون الذي يريده.
ويعتقد المعموري إن "قانون سانت ليغو المعدل مناسب جدا للعراقيين، لأنه يحافظ على حقوق الكتل ويمنع تبعثر أصوات الناخبين".
ويضيف المعموري لموقع "الحرة" إنه "مع هذا، أعتقد أن القانون سيخضع لتعديلات تضع مخاوف المعترضين في الحسبان".
وأنتج قانون الانتخابات السابق برلمانا بأغلبية طفيفة للصدريين، لم تتمكن من تشكيل حكومة حتى بعد عام من الانتخابات.
وتزايدت الصراعات السياسية في البلاد إلى درجة الصدام المسلح في بغداد، قبل أن ينسحب الصدريون من البرلمان ويتركوا للإطار التنسيقي تشكيل الحكومة.
وواجهت حكومة الإطار كثيرا من التحديات المالية والاقتصادية والسياسية، وهي تمر حاليا بأسوأ أزمة مالية بسبب الفرق في سعر الدولار بين التسعيرة الرسمية وتسعيرة السوق السوداء.