يحاذي حي الحويش التاريخي السور الجنوبي لمرقد الإمام علي في مدينة النجف العراقية، وفي أزقته يقع سوق للكتب يقال تاريخه يعود إلى مئات السنين، لكن الأيام المقبلة ربما تحمل معها نهاية الحي والسوق كما هو معروف الآن، بسبب أعمال توسعة للمرقد بدأت بالفعل بهدم عدد من البنايات القديمة المحيطة به.
وبدأ الهدم بشكل فعلي في واجهة السوق الكبير، كجزء من أعمال توسعة تمتد 60-90 مترا حول الأجزاء الشمالية والجنوبية والغربية من سياج مرقد الإمام علي.
يقول الباحث وخبير الاجتماع علي المعموري، وهو من المدينة القديمة في النجف، إن التوسعة ستزيل "عددا كبيرا من الشواخص التراثية والنسيج العمراني للمدينة".
وهذه ليست التوسعة الأولى للمرقد، فقد سبقتها توسعة "أزالت محلة العمارة، وشيدت محلها بنايات كونكريت وضاعت ضمنها معالم كثيرة من بينها نصف مدرسة السيد حسين البروجردي، وأيضا هدمت الطمة الصغرى في سوق الحويش، ومعها أزيل ساباط الترّابة، وقبلها هدم منزل الشيخ مرتضى الأنصاري، ناهيك عن تصدع ساباط علي أغا بشكل كبير"، وفقا للمعموري.
وعبر كثير من النجفيين عن احتجاجهم على "ضياع الهوية العمرانية للمدينة" و"توسع المرقد بدون اعتبار لتراث المدينة"، وفقا لعدد من أهاليها تحدث معهم موقع "الحرة".
بينما قال آخرون إن "التوسعة ضرورية لاحتواء أعداد كبيرة من الزوار خلال المناسبات الدينية"، وأن "الأحياء المشمولة بالتوسعة قديمة للغاية وبقاءها غير عملي".
سوق الحويش
يعود أقدم ذكر يعتقد أنه للسوق الشهير إلى قبل نحو ألف عام، إذ ذكر في الرحالة ابن بطوطة في كتابه "رحلة ابن بطوطة" سوقا محاذيا لباب الحضرة (باب المرقد الرئيس) ووصف عمارة فاخرة للمدينة بمقاييس ذلك الزمن.
ويقول النجفيون إن سوق الوراقين (المكتبات) في النجف موجود منذ أكثر من 400 عام، كما أن أزقة الحويش احتوت دور كبار قادة الحوزة العلمية في النجف منذ قرون.
متضامن مع أهل النجف #سوق_الحويش من أهم المعالم في #النجف والذي يحمل إرثها ويمثل واجهتها الثقافية والعلمية، إضافة لكونه محلة سكنية
— مصطفى الهاشم (@mustafa_hashem7) April 2, 2023
العتبة تحاول طمس هوية النجف ومحاولة هدمه يعني هدم ٧٠٠ سنة من التاريخ، انا مع التوسعة بدون ازالة الاماكن التراثية والمعالم الاثرية pic.twitter.com/9U9stfiPzs
لكن التوسعات المتكررة، تسببت بتغير مكان السوق دائما على الرغم من أنه "كان دائما محاذيا للمرقد"، وفقا للمعموري، على الرغم من أن الحي الذي يحمل نفس الاسم بقي قائما، وإن تضاءلت مساحته بسبب التوسعات.
ويقول المؤرخ والناشط في الدفاع عن الآثار العراقية، ليث سهر إن "التوسعة تقضي على سوق تاريخي مشيدة أغلب أبنيته على الطريقة المعمارية العراقية التي تعتمد على القوس كعنصر بارز في تشكلها".
ويضيف سهر لموقع "الحرة" أن مكتبات السوق، على الرغم من وجودها في مدينة دينية شيعية فإنها "تحتفظ بقبولها للآخر المختلف في المطبوعات اذ يجد الزائر فيها كل انواع الكتب دون قيود و وشروط".
كما يحتوي السوق ورشة حرفية متخصصة في الصياغة ونقش الأحجار الكريمة لا زالت تحتفظ بالنكهة العراقية الأصيلة المتفردة في صياغة الذهب والفضة و نقش وصقل الأحجار الكريمة.
#انقذوا_سوق_الحويش
— د.صادق عزيز 🇮🇶 Eng.sadeq (@sadeq9azeez) March 31, 2023
كل الشعوب تعتز بتراثها الثقافي وتحاول حمايته وانقاذه من يد الزمن والعابثين وكذلك يروجون له ليتحول إلى معلم يستقطب السواح العرب والأجانب لا أعرف السبب الذي يدفع إدارة العتبة العلوية لازالته رغم ان هناك حلول هندسية و مساحات كبيرة بكل الاتجاهات الاخرى pic.twitter.com/rrUYQWU9Ef
ويقترح سهر أن "تتم التوسعة باتجاه الشمال نحو شارع الطوسي والتخلص من الفنادق التي خنقت المشهد العلوي و تقف حائلا بين ضريح الإمام علي وبين مقبرة وادي السلام".
ويقول سهر إن "هذا التوسع إن حصل باتجاه شارع الطوسي سيجعل من ملف إدراج مقبرة وادي السلام على قائمة التراث العالمي سهلا و ميسرا".
مع التوسعة
ويقول الشيخ رضا السويعدي، وهو طالب في حوزة النجف الدينية، إن "المدينة القديمة في النجف آيلة للسقوط في أي لحظة".
ويضيف لموقع "الحرة" أن "العتبة تستملك العقارات بأسعار عادلة جدا، وهي توفر خيارا للمالكين بالانتقال إلى مساكن ومشاريع مناسبة أكثر للحياة بها، بدلا من العيش في أزقة مظلمة وقديمة موبوءة بالآفات ولا يمكن توفير الخدمات لها".
ويضيف السويعدي إن "المرقد كان دائما مركز الحياة في النجف، ومن المنطقي أن تتوسع المدينة حوله، كما أن من المنطقي أن يتوسع المرقد ليناسب أعداد الزائرين التي تصل إلى عدة ملايين".
العتبة تفتح باب النقاش
ويقول المعموري إن هناك اتصالات بين العتبة والمعترضين على التوسعة من أجل التوصل لتفاهمات.
مع هذا فقد دفعت العتبة فعلا أموالا كبيرة لملاك العقارات في المناطق المشمولة بالتوسعة، وفقا للسويعدي، وصلت إلى 70 مليون دينار عراقي (45 ألف دولار) للمتر الواحد.
ونقل موقع "ألترا عراق" الإخباري المحلي عن أبو الحسن محيي الدين، مدير الإعلام في العتبة العلوية قوله إن "توسعة الصحن الحيدري تجري وفقًا لخطة استملاك محيط العتبة بنظام 90 مترًا منذ عام 2009".
وقد جرت أعمال التوسعة في 3 مناطق تحيط العتبة، وهي الجهة الشمالية الممثلة بباب الطوسي، وجهة الباب الشرقي الرئيس المقابل للسوق الكبير، والجهة الغربية المتمثلة بسوق الحويش.
وقال محيي الدين للموقع إن "المشكلة أُثيرت حول الجهة الغربية التي فيها سوق الحويش، حيث "لا يزال فيها من لا يقبلون البيع، وهي محال أو دور فيها ورثة، وبينهم من باع حصته وبانتظار البقية وهم قلة جدًا"، لافتًا إلى أن "المفاوضات مستمرة مع من لم يبيعوا للآن من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي".