يشكل النفط أكثر من 90% من إجمالي الصادرات العراقية، كما أنه المصدر الأهم في تمويل الموازنة العامة ومشاريع التنمية داخل البلاد. بلغ مجموع إيرادات النفط في شهر يناير الماضي مثلا أكثر من 7.6 مليار دولار.
وفي مارس المنصرم، زاد الحديث عن النفط العراقي بسبب التنازع حول الحقوق في تصدير النفط بين بغداد وإقليم كردستان. ما هي قصة النفط العراقي؟ وما هي أكبر حقول النفط في العراق؟ وكيف لعب الذهب الأسود أدواراً مهمة في الحروب التي خاضها العراق في العقود السابقة؟
من بابا كركر إلى التأميم
اكتشف العراقيون، في الواقع، وجود النفط في بلادهم قبل آلاف السنين. ظهر الخام الأسود في بعض المناطق أثناء الحفر العشوائي الذي كان يتم في القرون السابقة. في بعض الأحيان، أُحيطت المناطق التي ظهر فيها النفط بهالة من هالات التقديس والمهابة. على سبيل المثال، قدس الزرادشتيون منطقة بابا كركر الواقعة بالقرب من كركوك -والتي يعني اسمها باللغة الكردية النار الأزلية- بسبب النيران المشتعلة في تلك المنطقة لقرون متواصلة. في العصور الحديثة توصل العلم إلى أن تلك المنطقة تحتوي على حقل نفطي هائل، وأن النار المشتعلة كانت بسبب النفط المتدفق بين الصخور.
بدأ استخراج النفط العراقي في بدايات القرن العشرين. وفي أكتوبر سنة 1927م أعلن عن اكتشاف حقل نفط كركوك في شمالي العراق، وهو أول الحقول النفطية الكبيرة التي تم الكشف عنها في العراق. كانت شركة نفط العراق المحدودة المعروفة باسم "IPC"، وهي شركة مملوكة لعدد من المستثمرين الأوروبيين، هي الجهة المسؤولة عن الحفر والتنقيب واستخراج النفط في تلك الفترة. وفي سنة 1934م بدأ إنتاج خام النفط في كركوك بشكل فعلي. وتم تصدير النفط إلى الخارج بواسطة 4 خطوط تربط بين كركوك من جهة وموانئ البحر المتوسط من جهة أخرى.
وصلت الحكومة العراقية في العهد الملكي إلى اتفاق مع شركات النفط الأجنبية التي تعمل في العراق. بموجب هذا الاتفاق تقاسمت الحكومة العوائد النفطية مع تلك الشركات. وتم استغلال تلك العوائد في الإنفاق على المشاريع التنموية في البلاد. تسبب ذلك في إحداث نهضة كبيرة في ميادين الزراعة والصناعة. وفي سبتمبر سنة 1960، أسهم العراق بشكل فعال في تطوير الاقتصاد النفطي العالمي عندما شارك بغداد في تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).
مع ارتفاع المد القومي في المنطقة العربية وإيران في خمسينيات القرن العشرين، بدأت الحكومة العراقية سعيها لتأميم صناعة النفط العراقي. في سنة 1961، بدأت أولى خطوات عملية التأميم عندما تم تقييد عمل شركات النفط الأجنبية في العراق. وتم تشريع قانون يقضي بعدم اختصاص تلك الشركات بالبحث عن الحقول النفطية الجديدة، واقتصار عملها على استخراج النفط من الحقول القديمة فحسب.
في سنة 1964م، وقعت الخطوة الثانية عندما أسس الرئيس عبد السلام عارف "شركة النفط الوطنية" وكان الهدف منها هو البحث عن حقول جديدة واستثمارها بما يخدم مصلحة العراق. أما الخطوة الحاسمة فتمثلت في صدور قرار بتأميم النفط بالعراق في الأول من يونيو سنة 1972 بقرار من الرئيس العراقي أحمد حسن البكر. جاء في القانون المنظم لعملية التأميم: "تؤمم عمليات شركة نفط العراق المحدودة في المناطق المحددة لها بموجب القانون رقم 80 لسنة 1961 وتؤول إلى الدولة ملكية جميع المنشآت والحقوق الموجودة المتعلقة بالعمليات المذكورة ويشمل ذلك على وجه الخصوص منشآت ومرافق التحري والحفر وإنتاج النفط الخام والغاز والمعالجة والتجميع والضخ والنقل والتصفية والتخزين وخطوط الأنابيب الرئيسية والحقلية وغيرها من الموجودات التي من ضمنها مكتب الشركة المذكورة في بغداد بكافة منشآته ومعداته".
المجنون والرميلة.. أهم حقول النفط
يُصنف الاحتياط النفطي العراقي خامس أكبر احتياط نفطي في العالم، ويبلغ 140 مليار برميل. وتقع أكبر حقول النفط العراقية في محافظتي البصرة وكركوك. وبعدها، تأتي حقول محافظات ميسان وبغداد وصلاح الدين وديالي ونينوى.
يُعدّ حقل نفط المجنون واحداً من أكبر حقول النفط في العالم وهو أكبر حقل منتج في العراق، وينتج حوالي ثلث نفط البلاد. يقع الحقل في جنوب العراق، على بعد 60 كم من مركز محافظة البصرة. تم اكتشاف الحقل من قبل شركة براسبيترو البرازيلية في سنة 1975م. وتوقف العمل في استخراج النفط من الحقل لفترات طويلة أثناء الحرب العراقية- الإيرانية. في سنة 2007م، وقعت شركتا توتال الفرنسية وشيفرون الأميركية اتفاقية مع الحكومة العراقية لاستكشاف الحقل. في مايو سنة 2018، أعلنت شركة KBR الأميركية أنها حصلت على عقد من قبل شركة نفط البصرة (BOC) لتطوير الحقل.
أيضاً، يوجد حقل الرميلة وهو أحد أكبر حقول النفط العملاقة في العالم. ويقع في جنوب العراق على بعد 50 كم غرب مدينة البصرة. ينتج الحقل هو الآخر قرابة ثلث إنتاج النفط في العراق. ويشكل الحقل 12% من احتياطيات النفط العراقي. اكتشفت شركة نفط العراق حقل الرميلة في سنة 1953.
وتتقاسم عدد الشركات العمل في هذا الحقل. تمتلك شركة النفط البريطانية حصة تشغيلية تبلغ 47.6%، بينما تستحوذ بتروشاينا الصينية على 46.4%، مقابل 6% لشركة سومو العراقية. يحظى الحقل باهتمام الحكومة العراقية. في ديسمبر سنة 2022، زار وزير النفط العراقي الرميلة وأكد على سعي بلاده لرفع الطاقة الإنتاجية للحقل بمقدار 300 ألف برميل يومياً، ليبلغ مليون و700 ألف برميل.
النفط والحرب
كان النفط حاضراً في جميع الحروب التي خاضها العراق في العقود الأخيرة. في بعض الأحيان، كانت الصناعة النفطية هي الطرف الأكثر تضرراً من الحرب. وفي أحيان أخرى كان النفط هو الهدف من اندلاع الحرب.
أثناء حرب الخليج الأولى، التي اندلعت بين العراق وإيران في الفترة بين 1980 و1988 وقعت الصناعة النفطية العراقية كضحية لتلك الحرب الطويلة. حدث هذا فيما عُرف وقتها باسم "حرب الناقلات". قامت القوات العراقية أثناء الحرب بقصف الموانئ وحقول النفط الإيرانية المطلة على الخليج. ردت القوات الجوية والبحرية الإيرانية بالمثل وقصفت ناقلات النفط العراقية التي تمر في الخليج. تسببت تلك المعارك في التأثير بشكل سلبي على صناعة النفط العراقية، كما أثرت أيضاً في زيادة أسعار النفط حول العالم. لم تستقر الأجواء في الخليج إلا بعد تدخل كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأميركية.
من جهة أخرى، كان النفط أحد العوامل المهمة التي تسببت في اندلاع حرب الخليج الثانية أو حرب الكويت في سنة 1990م. خرج العراق من الحرب مع إيران مثقلاً بالديون. واعتزمت الحكومة العراقية أن ترفع أسعار النفط عن طريق خفض إنتاج الدول الأعضاء في منظمة الأوبك. استهدفت الحكومة العراقية بتلك الخطة أن تسدد ديونها الخارجية وأن تمضي قدماً في خطتها التنموية. اصطدمت تلك الخطة بقيام الكويت وبعض الدول الخليجية برفع نسبة إنتاجها من النفط. الأمر الذي نتج عنه تقليل سعر الخام عالمياً، وبالتالي تضرر العراق وتعطلت خطته التنموية. في سياق آخر، اتهمت الحكومة العراقية الكويت بالقيام بأعمال تنقيب عن النفط في الجانب العراقي من حقل الرميلة النفطي الذي يقع على بعد 32 كيلومتر شمال الحدود الكويتية. في الخامس عشر من يوليو سنة 1990، رفع طارق عزيز، وزير خارجية العراق حينذاك مذكرة احتجاجية إلى جامعة الدول العربية. جاء في تلك المذكرة: "إن اعتداء حكومة الكويت على العراق، هو اعتداء مزدوج. فمن ناحية، تعتدي عليه، وعلى حقوقه، بالتجاوز على أراضينا وحقولنا النفطية، وسرقة ثروتنا الوطنية، وإن مثل هذا التصرف هو عدوان عسكري. ومن ناحية أخرى، تتعمد حكومة الكويت تحقيق انهيار في الاقتصاد العراقي، في هذه المرحلة، التي يتعرض فيها إلى التهديد الإمبريالي الصهيوني، الشرس، وهو عدوان لا يقل في تأثيره عن العدوان العسكري". وبعد أقل من شهر، اجتاح نظام صدام حسين الأراضي الكويتية.
كذلك لعب النفط دوراً مهماً في الواقع العراقي الصعب بعد الهزيمة في حرب الكويت. أمام الحظر المفروض على العراق، سمحت الأمم المتحدة بالبرنامج المعروف باسم "النفط مقابل الغذاء" وذلك بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 986 لسنة 1995م. من خلال هذا البرنامج سُمح للعراق بتصدير جزء من نفطه مقابل شراء الاحتياجات الغذائية والصحية الضرورية.
تذهب بعض الآراء أيضا إلى أن النفط كان أحد أسباب دخول الولايات المتحدة إلى العراق في سنة 2003م، حيث سمحت الحكومتان الأميركية والحكومة البريطانية بدخول العديد من شركات النفط الأجنبية إلى السوق العراقي، ما قوض صناعة النفط الوطنية إلى حد بعيد.
في السنوات الأخيرة أيضا، ظهرت أهمية النفط في الحرب التي خاضتها الدولة العراقية ضد قوات تنظيم داعش. سيطر داعش على بعض الآبار النفطية في شمالي العراق. وباع النفط بأسعار أقل من الأسعار العالمية. ومن خلال عوائد البيع تمكن التنظيم من شراء الأسلحة والمعدات والسيارات.