السلطات العراقية أعلنت اعتقال أعضاء في جماعة "القربان" في ذي قار.. صورة تعبيرية
السلطات العراقية أعلنت اعتقال أعضاء في جماعة "القربان" في ذي قار.. صورة تعبيرية

أصبحت "جماعة القربان" أحدث مجموعة دينية تتعرض للملاحقة في العراق، بعد أن أعلنت وزارة الداخلية اعتقال عدد من أعضائها بتهمة "الانحراف".

وقال بيان لوكالة الاستخبارات الاتحادية العراقي، الجمعة إن الاعتقال نفذ وفقا "لتوجيهات وزير الداخلية بما يتعلق بمتابعة الحركات والجماعات المنحرفة"، مضيفا أن القوات الأمنية ألقت القبض على أربعة أشخاص من "جماعة القربان" في قضاء سوق الشيوخ في محافظة ذي قار جنوبي العراق.

ولم يوضح البيان أسباب وصف المجموعة بالـ"منحرفة"، لكن وسائل إعلام عراقية وعربية ذكرت أن الجماعة تسمي نفسها "القربان" نسبة إلى "قيام أفرادها بالانتحار" قربانا إلى "الإمام علي". ورغم مؤشرات إلى أن الجماعة تؤله الإمام علي، فإن مطلعين على شؤونها ينفون حصول حالات انتحار داخلها.

وقال موقع "ناس نيوز" المحلي إن الجماعة تتخذ من موكب (خيمة دينية) في محافظة ذي قار مركزا لها، وإن أفرادها يغالون في تعظيم علي بن أبي طالب إلى درجة العبادة.

ونقل الموقع عن مصدر أمني قوله إن "الجماعة تقدم القرابين (البشرية) من خلال اختيار أحدهم ليكون قربانا من خلال إقدامه على الانتحار خلال كرنفال ديني"، ويضيف أن الاختيار "يتم عن طريق القرعة".

وتقول صحيفة العالم الجديد إن الجماعة تلقت تعاليم معتقدها من خلال "الاحتكاك بمجموعة دينية تعتنق المبدأ ذاته داخل إيران"، وتضيف أن السلطات في العراق تشك بامتلاك الجماعة أسلحة وأعتدة "لمواجهة أي عملية تصد لهم".

ما هي جماعة القربان؟

بمجرد البحث عن الجماعة في أي من محركات البحث أو في مواقع التواصل الاجتماعي، ستشاهد مئات مقاطع الفيديو والأخبار التي تصفهم بأنهم "مجموعة مرعبة" وغيرها من الأوصاف الأخرى.

يقول شقيق أحد أفراد الجماعة، إن المعلومات التي تتحدث عن طلب الجماعة من أفرادها الانتحار هي معلومات غير دقيقة.

ويضيف الشخص، الذي طلب من موقع "الحرة" الإشارة إليه باسم مستعار (علي) حفاظا على سلامته الشخصية، إن الجماعة هي جزء من حركة قديمة تسمى "علي اللاهية" أو اختصارا "علاهية"، وهم المؤمنون بألوهية الإمام علي بن أبي طالب، أقدس أئمة المسلمين الشيعة وأحد أقدس الشخصيات في الدين الإسلامي.

ويقول "علي" إن شقيقه اختفى من المدينة بعد حملة الاعتقالات التي تعرض لها زملاؤه.

ويضيف أن "المجموعة تلتقي في مواكب (الشور) للعزاء، وهم شباب منخفضو التعليم والدخل".

ومواكب الشور هي مواكب عزاء شيعية يقوم المنشدون فيها بترديد الأناشيد (اللطميات) الدينية بإيقاع سريع ويتابعه الحاضرون (المعزون) بلطم الوجوه والصدور بعنف.

ويضيف أن أتباع هذه المجموعة لهم حركات مميزة، واعتقادات تتمحور كلها حول ألوهية علي.

وشارك مع موقع "الحرة" تسجيلات منشورة على موقع يوتيوب لعدد من الشباب وهم ينشدون أناشيد تعبدية لعلي بن أبي طالب.

لكنه ينفي بشدة أن تكون المجموعة تروج للانتحار، ويقول إن التقارير التي تشير إلى ذلك "كاذبة جملة وتفصيلا".

ويقول أحمد غالب، وهو صحفي وناشط في مجال الحريات الدينية من الناصرية إن "عباد الإمام علي موجودون فعلا، لكن ليس بأعداد كبيرة".

ويضيف غالب إن "التعليمات الصوفية تشكل العمود الفقري لعقيدة جماعة القربان"، لكنه يقول إن "الجماعة ليست جماعة بالمعنى الديني، وأن تسمية القربان أسيء فهمها بشكل كبير".

وينفي كثير من أبناء المحافظة وجود جماعة بهذا الاسم فيها.

ويمتلك غالب علاقات، بحكم نشاطه وارتباطاته الاجتماعية، مع عديد من "العلاهية".

وبحسب غالب فإن تسمية "القربان" تعود إلى "حمدان الشاكري" وهو شخصية معروفة في الأوساط الدينية في المحافظة، قتل كما يعتقد بحادث سير خلال ممارسته شعائر زيارة الإمام علي بن موسى الرضا في إيران.

صورة قرب مقبرة "حمدان الشاكري" الملقب بـ"القربان"

وتعمد الجماعة، وفقا لغالب، إلى المسير إلى إيران كل عام لأداء شعائر هذه الزيارة، لكن من غير الواضح إن كان الشاكري، الذي يسمى حاليا بالقربان، نسبة إلى وفاته خلال ممارسته الشعيرة، أحد أعضاء الجماعة.

بعدها، يقول غالب، دأبت الجماعة على إطلاق لقب "القربان" على كل من يتوفى من أفرادها.

يؤكد غالب إن كل اتصالاته وتحقيقاته لم تقده إلى اسم أي شخص انتحر من أفراد تلك الجماعة.

ويضيف أن "أغلب أفراد الجماعات العلاهية هم من الفقراء وسكنة العشوائيات من غير المتعلمين"، مؤكدا أن "ملاحقتهم بتهم تتعلق بعقائدهم أمر مقلق للغاية وغير دستوري".

ويضيف "كما أن الإشارة إلى كونهم يمتلكون أسلحة قد تكون تمهيدا لإجراءات عنيفة ودموية ضدهم".

ويشارك عدد من نشطاء المحافظة، المعروفة بتحديها للسلطات الحكومة الأحزاب النافذة خلال الأعوام الماضية، الرأي نفسه.

مع هذا يعترف غالب بأن هناك الكثير من العنف في ممارسات الجماعة، وهو "عنف موجه ضد النفس وليس الآخرين، من خلال اللطم بعنف غير تقليدي على الوجه والصدر خلال مواكب الشور".

ويقول غالب إن "من أهم تقاليد أي جماعة عقائدية هو وجود منبر لها تدعو الناس من خلاله إلى الانضمام إليها، أو تشرح عقيدتها للناس، وحقيقة عدم وجود أي نوع من التبشير بالمعتقدات تحت مسمى جماعة القربان يشكك في وجودها كجماعة أساسا".

لكن قائد شرطة ذي قار، قال اللواء مكي الخيكاني في لقاء تلفزيوني إن التحقيقات تجري حاليا مع خمسة أشخاص من الجماعة.

وأضاف أن التحقيق يجري مع الجماعة لكونها من "الحركات المهدوية" ولديها "فكر منحرف سيثبت من خلال التحقيقات اللازمة للتعرف على أفكارهم".

لماذا تظهر هذه الحركات؟

وحتى لو لم تكن هذه الجماعة تشجع على الانتحار، كما يتبين من شهادات مقربين منها، فإن الانتحار بصبغة دينية معروف وشائع في العالم بين العقائد المختلفة، على الرغم من أن دراسة نشرتها جامعة كامبريدج تقول إن هناك الكثير من الأدلة تشير إلى أن الدين يوفر في الحقيقة عاملا وقائيا ضد الانتحار، وليس مشجعا له.

ويقول رجل الدين، منتظر الساعدي، لموقع "الحرة" إن "الأديان السماوية بل وغير السماوية كافة تحرم الانتحار باعتباره خطيئة كبيرة".

ويقول خبير الاجتماع العراقي، محمد شكر الشاكر، إن "هذه العقائد سهلة التغلغل في المجتمعات الفقيرة الهشة منخفضة المستوى التعليمي".

ويضيف لموقع "الحرة" أن "الشعور بالانتماء الذي تمنحه تلك الجماعات، بالإضافة إلى المستوى الاجتماعي الذي يحصل عليه أفرادها داخل الجماعة، يزيد من ارتباط الشخصيات البسيطة، المنفردة عادة، بالجماعة، ويسهل سيطرة الجماعة على الفرد".

ويتابع أن "التجنيد يستهدف الشباب والمراهقين على الأغلب، حيث تلعب الشعائر العنيفة دورا مهما بتفريغ طاقة المراهق وجذبه للجماعة".

وتقول المختصة النفسية العراقية، يسرى علي، إن "الطقوس بحد ذاتها، خاصة تلك المرتبطة بايقاعات موسيقية وحركات متكررة تلعب دورا مهما لتحرير الطاقة وجعل الشخص يشعر بأنه أقل توترا".

لكن الطقوس ذاتها، كما تقول علي لموقع "الحرة" يمكن أن "تخلق تأثيرا يُسهل السيطرة على مؤديها، من خلال الانفعال العاطفي الكبير الذي يرافق تلك الحركات، والتي يكون الشباب عادة أكثر تأثرا بها، وأكثر اقبالا على تلبية ما يطلب منهم".

وتظهر دراسة كامبردج إن من يمارسون الشعائر الدينية بشكل متكرر كانوا أقل إقبالا على الانتحار بنحو النصف.

لكن دراسة أخرى منشورة على موقع "المكتبة الوطنية للطب" في الولايات المتحدة، تشير إلى أن جميع حالات الانتحار الجماعي التي حدثت خلال السنوات العشرين الماضية كانت تتعلق بتأسيس طوائف دينية.

وتضيف أن "الهذيان الغامض الذي ينشأ داخل هذه الطوائف يؤدي إلى التدمير الذاتي للجماعة كفعل من أفعال تأكيد الذات".

والشهر الماضي روع العالم بأخبار عن مقتل أكثر من 200 شخص في كينيا من طائفة "الجوع حتى الموت" قاموا بما يعتقد أنه انتحار جماعي لأسباب دينية، في إحدى غابات البلاد.

جماعات كردية إيرانية معارضة تتخذ منذ عقود مقرات لها في إقليم كردستان العراق
جماعات كردية إيرانية معارضة تتخذ منذ عقود مقرات لها في إقليم كردستان العراق

في الوقت الذي يؤكد العراق تنفيذ جميع بنود الاتفاق الأمني الأخير الموقع مع إيران بشأن الجماعات الإيرانية المعارضة المتواجدة في إقليم كردستان، تصدر تصريحات متضاربة من المسؤولين الإيرانيين بعضها يتحدث عن التزام عراقي وأخرى تشير للعكس وتنطوي على تهديد.

واتفقت بغداد وطهران الشهر الماضي على "منع تسلل المسلحين بعد نشر قوات حرس الحدود العراقيين، وتسليم المطلوبين بعد صدور أوامر القبض وفقا للقانون، ونزع السلاح وإزالة المعسكرات" وفقا لما أوردته الحكومة العراقية.

وفي تصريحه لقناة "الحرة" قال وزير الخارجية العراقية فؤاد حسين، الجمعة، إن العراق طبق بنود الاتفاق تماما، فيما يخص إعادة المسلحين المتواجدين على الحدود بين البلدين في كردستان العراق إلى مخيمات للاجئين.

وعن الأهمية السياسية والأمنية لهذا الاتفاق، شدد حسين أن توقف إيران عن قصف مناطق في كردستان العراق، كان شرطا من شروط الاتفاقية، مقابل إبعاد المسلحين عبر الحدود، وهو ما قامت به الحكومة الاتحادية بتعاون مع حكومة إقليم كردستان، في عملية "مهمة وناجحة" للجانبين.

وكان وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان أشار إلى أن الحكومة العراقية نقلت جميع المجموعات المسلحة في إقليم كردستان ونزعت سلاحها وفق الاتفاق الأمني الموقع بين البلدين.

وكتب عبد اللهيان على منصة "أكس" (تويتر سابقا) عقب لقاء جمعه مع نظيره العراقي في نيويورك أن الوزير العراقي أبلغه أنه "جرى الآن نقل جميع المجموعات المسلحة في إقليم كردستان العراق إلى خمسة معسكرات ونزع سلاحها يتم وفق الاتفاق الأمني".

لكن رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري أصدر تصريحات، السبت، شكك خلالها بالتزام العراق بتطبيق الاتفاق.

ونقلت وكالة فارس عن باقري القول إن الاتفاق كان يتضمن "أن يتم نزع سلاح هذه المجموعات بالكامل في 19 سبتمبر، لكن ما حدث في مهلة الستة أشهر هذه هو أنهم ابتعدوا بعض الشيء فقط عن حدود بلادنا".

وأضاف باقري أن "رئيس الجمهورية قال إنه على القوات المسلحة الانتظار بضعة أيام.. وسننتظر بضعة أيام ونرسل فرق مراقبة إلى هذه المنطقة للتحقق مما إذا كان نزع السلاح قد اكتمل أم لا، وحينها سنقرر كيفية التصرف".

أحزاب كردية معارضة

تتخذ جماعات كردية إيرانية معارضة منذ عقود مقرات لها في إقليم كردستان العراق المجاور لإيران الذي يتمتع بحكم ذاتي، متخلية عن نشاطاتها المسلحة إلى حد كبير ومركزة على العمل السياسي.

ويعود وجود المعارضة الكردية في العراق إلى ثمانينات القرن الماضي بمباركة الرئيس العراقي السابق صدام حسين خلال حربه مع الجارة إيران، فيما تصنف طهران هذه الفصائل على أنها "إرهابية" و"انفصالية" وتتهمها بشن هجمات على القوات الإيرانية.

وبعد تمرد مسلح دام لعقود، حدت هذه الجماعات من نشاطاتها المسلحة، لكن لا يزال لديها مقاتلون يتدربون على استخدام السلاح في مواقع ومعسكرات في جبال إقليم كردستان في شمال العراق.

وإلى جانب توجهها اليساري، تشجع هذه الفصائل القيم النسوية في صفوفها، وغالبا ما تقدم نفسها على أنها أحزاب اجتماعية-ديموقراطية.

الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني "PDKI"

هو أقدم حزب كردي إيراني وتأسس العام 1945. ويؤكد هذا الحزب عدم استخدامه الأراضي العراقية لشن هجمات ضد القوات الإيرانية، موضحا أنه أقام مقر قيادة الحزب وطواقمه في العراق.

ويقول الحزب عبر موقعه على شبكة الإنترنت إن "حزب PDKI يكافح من أجل تجسيد حقوق الأكراد القومية في إطار إيران فدرالية وديمقراطية".

تنظيم كومله

هو حزب قومي كردي إيراني جرى تشكيله في خريف عام 1969 من قبل طلبة يساريين ومثقفين في طهران ومدن كردية.

حزب الحرية الكردستاني

يضم الحزب مقاتلين شاركوا في معارك العراق ضد تنظيم الدولة الإسلامية وهو من بين الفصائل التي استهدفت خلال الأشهر الأخيرة بالقصف الإيراني.

حزب الحياة الحرة الكردستاني (بيجاك)

يتبع هذا التنظيم لحزب العمال الكردستاني الكردي التركي. ورغم وجود اتفاق لوقف إطلاق النار مع القوات الايرانية أبرم العام 2011، وقعت مناوشات متفرقة بين الطرفين.

العلاقة بكردستان العراق

منذ تسعينات القرن الماضي، ثمة "اتفاق" ضمني بين الفصائل الإيرانية وإقليم كردستان العراق يحمي وجودها في مقابل عدم القيام بأنشطة عسكرية في إيران لتجنب توتر العلاقات مع طهران.

إضافة إلى الحدود المشتركة، تربط أكراد العراق وإيران علاقات وثيقة فكلاهما يتحدث اللغة السورانية وثمة علاقات قربى كثيرة بينهم.

وفي مواجهة التظاهرات التي اندلعت العام الماضي في إيران بعد مقتل مهسا أميني، شددت إيران لهجتها وقصفت بشكل متكرر إقليم كردستان العراق حيث تتواجد أحزاب المعارضة الكردية.

ولا تزال هذه التنظيمات تنتقد بشدة الوضع في إيران على وسائل التواصل الاجتماعي، عبر مشاركة مقاطع فيديو للتظاهرات التي شهدتها إيران.

وتتحدى طهران بانتظام سلطات بغداد وسلطات أربيل بشأن وجود المعارضة الكردية وتطالبها بتحييد هذه الفصائل.