توقف تدفق النفط عبر خط الأنابيب بين العراق وتركيا لأكثر من سبعة أشهر
النفط العراقي

أثار إعلان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، عن اتفاق يجري بموجبه مقايضة كميات من النفط الخام لبلاده مقابل الحصول على الغاز الإيراني لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية، الكثير من الجدل بين خبراء اقتصاديين وسياسيين والعديد من رواد منصات التواصل الاجتماعي.

فعقب صدور القرار أعرب البعض عن تأييدهم بشدة، خاصة مع حلول الصيف الحار الذي تزداد فيه الحاجة إلى الكهرباء المنزلية، في حين استنكر فريق آخر ذلك الاتفاق، معتبرين أنه يخل بمصالح بلادهم ويعود بالفائدة الكبرى على طهران.

وبحسب وكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع"، فقد جرى، الثلاثاء، توقيع الاتفاق في بغداد، موضحة أن "مدير مكتب رئيس مجلس الوزراء، إحسان ياسين العوادي، وقع الاتفاق عن الجانب العراقي، في حين وقعه عن الجانب الإيراني، سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بغداد، محمد كاظم آل صادق".

وأوضحت الوكالة أنه "جرى التوصل إلى الاتفاق بعد مفاوضات استمرت أياما عدة، شاركت فيها وفود ولجان فنية وتقنية من الجانبين".

ولفت تقرير "واع" إلى أن الاتفاق يأتي "في إطار الجهد الحكومي لمعالجة أزمة توريد الغاز المُشَغِّل لمحطات الكهرباء، وتفادي مشكلات التمويل وتعقيدات العقوبات الأميركية التي حالت دون استمرارية تسديد متطلبات الاستيرادات".

من جانبه، قال السوداني في كلمة وجهها إلى الشعب العراقي إن"القرار سيضمن استمرارية توريد الغاز، وبه ستنتهي الأزمة الحالية".

وأضاف أنه "تم استئناف توريد الغاز الإيراني وستتصاعد الكميات بدءا من مساء اليوم (مساء الثلاثاء) إذ سيتدفق 10 مليون م3 قياسي، وستعود إلى ذات الكميات السابقة وتم توقيع اتفاق بهذا الشأن".

وزعم أنه "بسبب عدم ورود الموافقات الأميركية على تحويل المبالغ لإيران تم إيقاف إمدادات الغاز في وقت سابق، وانحسرت بنسبة تتجاوز الـ 50 في المئة".

وأكد أن"العراق سدد جميع مستحقاته الخاصة بالغاز الإيراني البالغة 11 مليار دولار وأودعت في حساب الشركات الإيرانية وحولنا 1.8 مليار يورو لإيران لسداد مستحقات الغاز".

ولفت إلى أن "مشاريع الغاز الوطنية الحالية المتمثلة بجولة التراخيص الخامسة وعقودنا مع توتال الفرنسية، وكذلك مشاريع غاز البصرة ستنهي الحاجة للاستيراد بعد اكتمالها خلال سنتين إلى 3 سنوات".

ويستورد العراق الكهرباء والغاز من إيران، وهما يشكلان إجمالا ما بين نحو 33 و40 بالمئة من إمداداته من الطاقة، ولا سيما خلال أشهر الصيف الحارقة عندما تصل درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية ويبلغ استهلاك الطاقة ذروته.

من جانبه، رفض متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية التعليق لوكالة رويترز على اتفاق المقايضة بين العراق وإيران، ولم يتطرق إلى ما إذا كان مثل هذا الترتيب قد ينتهك العقوبات الأميركية.

وقال المتحدث: "لم يطرأ أي تغيير على سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران أو العراق، فإدارة (الرئيس الأميركي جو) بايدن تواصل تنفيذ جميع العقوبات الأميركية على إيران"، مضيفا أن واشنطن "تدعم بقوة مسار العراق نحو تحقيق الاستقلالية في مجال الطاقة".

وينفق العراق نحو 4 مليارات دولار سنويا على واردات الغاز والطاقة من إيران، بينما يحرق في الوقت ذاته كميات هائلة من الغاز الطبيعي كمنتج ثانوي لقطاع المحروقات فيه.

"حاجة ضرورية"

وفي معرض تعقيبه على الفوائد التي سوف يجنيها العراق من الاتفاق الجديد، أوضح الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن المشهداني، أن "تفاصيل الاتفاق لا تزال غير واضحة المعالم، بانتظار صدور مزيد من المعلومات عن وزارة النفط".

وأضاف الخبير العراقي، في تصريحات لموقع "الحرة" أن "الاتفاق بالمجمل سيكون مفيدا للبلاد، لأننا وبحسب تصريحات رئيس الوزراء، لا نزال بحاجة بين ثلاثة إلى أربعة أعوام لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وربما نصبح بعد ذلك مصدرين لهذه المادة، بعد أن كنا مستهلكين لها".

ومن أهم الفوائد التي سيجنيها العراق بشكل مبدئي، كما يرى المشهداني، أن البلاد "بحاجة في مواسم الذروة (الصيف) إلى أكثر من 50 مليون قدم مكعب قياسي لتغطية الاحتياجات، ولكن ما لدينا لا يزيد عن 20 مليون، بل أنه في العام الماضي أو الذي سبقه لم يكن لدينا سوى خمسة ملايين فقط".

ورأى المشهداني أن الاتفاق جاء في وقته، "لأن الصيف الذي تصل فيه درجات الحرارة أحيانا إلى ما يزيد عن 50 درجة مئوية، يصبح موسما للاضطرابات والاحتجاجات الشعبية التي يغذيها انقطاع التيار الكهربائي الضروري للحياة اليومية، لا سيما في مجال تبريد وتخزين الأطعمة وتشغيل المكيفات".

وفي المقابل، يرى رئيس مركز كولواثا لدراسات وقياس الرأي العام العراقي، باسل حسين، أن الاتفاق المبرم "مجحف"، ولم يراع المصالح الوطنية لبلاده.

وأوضح حسين في تغريدة مطولة نشرها على صفحته في تويتر أن الاتفاق سيجعل العراق يشتري الطاقة من إيران بأسعار أعلى من معدلاتها العالمية بأضعاف.

لكن وزارة النفط العراقية أكدت في وقت سابق أن الاتفاق مع إيران سيضمن انسيابية تدفق الغاز المورد، وسينفذ وفق آلية متفق عليها وبحسب تسعيرة الأسواق العالمية، وفقا لما نقلت وكالة الأنباء الرسمية عن المتحدث باسمها، عاصم جهاد.

"للضرورة أحكام"

ويتفق المشهداني في أن العراق كان يحصل على الغاز الإيراني بأعلى من أسعار من السوق، قبل أن يوضح: "ولكن كل ذلك كان خطأ الحكومات السابقة التي لم تسع إلى حل تلك المعضلة، بعكس ما تأمل فيه الحكومة الحالية التي تخطط لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مدة من المفترض أنها لن تتجاوز أربعة أعوام".

وأضاف أن "الاتفاق الحالي مريح للعراق، لأنه يحافظ على احتياطات البلاد من العملة الصعبة في حال كان الاتفاق على مبدأ المقايضة البحتة، أي النفط مقابل الغاز".

بيد أن، هنري روما، المحلل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى يرى أن اتفاق المقايضة من غير المرجح أن يمنع إيران من مواصلة السعي للحصول على أموالها لدى العراق.

وأضاف في تصريحات لوكالة رويترز "لست مقتنعا بأن ترتيب المقايضة المحض، مثلما وصفه السوداني، مرض لإيران نظرا لحاجتها إلى العملة الصعبة".

وتابع: "وحتى لو وجد هذا الترتيب طريقه إلى التنفي، فمن المحتمل ألا يمنع إيران من السعي للحصول على مليارات الدولارات التي لا تزال محتجزة في الحسابات العراقية".

من جانب آخر، يصر المشهداني على وصفه بـ "اتفاق الضرورة" لتفادي الكثير من المصاعب الاقتصادية والاضطرابات الشعبية، موضحا أنه لا يمكن استيراد الغاز سوى من إيران.

وقال المشهداني: "مثلا لو استطعنا استيراد الغاز من قطر  المجاورة بأسعار أرخص فإننا نملك محطات ومستودعات لحفظ الغاز المسال في ميناء أم قصر (بمحافظة البصرة) جنوبي العراق".

وأردف: "أيضا في حال استيراد الغاز، فإننا بحاجة إلى أنابيب لنقله إلى كافة مناطق العراق، وهي غير متوفرة في الوقت الحالي.

أما مدير مدير مركز معلومات ودراسات الطاقة في لندن، مصطفى بزركان، فيرى أن إيران، وهي البلد الغني بالنفط، ليست بحاجة إلى مزيد من الخام.

وقال في تصريحات لموقع "الحرة": "اتفق مع من يقول إن الاتفاق لا يزال غير واضح المعالم، ويجب أن نتتظر المزيد من التفاصيل، سواء من الجانب عراقي أو الإيراني".

وتابع: "أولا يجب أن نعلم لماذا تحتاج إيران إلى مزيد من النفط الخام؟ وهل بالتالي ستبيعه بغداد نيابة عن طهران لكي تتفادى الأخيرة العقوبات الأميركية؟ وأين ستودع أموال تلك المبيعات؟".

ويميل الخبير النفطي إلى الاعتقاد أن إيران تحاول الالتفاف على العقوبات، وبالتالي الحصول على المزيد من الأموال عبر بيع الخام العراقي، على حد قوله.

مخيم الهول من أكثر الملفات الشائكة - AFP
مخيم الهول من أكثر الملفات الشائكة

تقف سعدية، اللاجئة العراقية المنحدرة من مناطق غرب الموصل، أمام مكتب شؤون اللاجئين في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، للمطالبة بإدراج عائلتها ضمن الراغبين في العودة إلى بلدها.

تسعى سعدية للخلاص من رحلة اللجوء الشاقة التي فرضتها ظروف الحرب على تنظيم داعش، بعد أن سيطر التنظيم المتشدد على مناطق واسعة في العراق عام 2014.

وتتحدث سعدية لموقع "الحرة" عن معاناتها، قائلة: "منذ سنوات نواجه ظروفًا معيشية صعبة ونعتمد على الدعم الإنساني والخدمات المقدمة من المنظمات الإنسانية والمحلية".

وتضيف أن هذه المساعدات "لا تسد حاجتنا، أنا وزوجي المريض وأبنائي". كما تكشف أنه منذ سقوط نظام الأسد، عمدت إلى مراجعة مكتب شؤون اللاجئين لمساعدتها في العودة إلى العراق.

فهي لا ترغب في أن "يقضي أبناؤها حياتهم كلاجئين يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة".

استجابت السلطات العراقية لطلبات العودة الطوعية، التي أطلقها لاجئون عراقيون يقطنون في مخيمات أو في مدن سورية عدة.

وكشف مدير عام دائرة شؤون الهجرة العراقية، صفاء حسين، في تصريح لموقع "الحرة" أن "أعداد العراقيين في سوريا تبلغ أكثر من 30 ألف شخص".

وأوضح أن هذه الأرقام تستند إلى تقارير وزارة الخارجية العراقية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

وعن طلبات اللاجئين بالعودة إلى بلدهم، أفاد مدير عام شؤون الهجرة بأنهم في طور التنسيق مع السفارة العراقية في دمشق ومع الجانب السوري لتنظيم رحلات للعودة الطوعية بعد فتح المنافذ الحدودية أو تنظيم رحلات جوية إلى العراق.

وكانت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية قد أعادت 222 مواطنًا عراقيًا من سوريا يومي 23 و26 ديسمبر الماضي من تل أبيض، ورأس العين، وإدلب، وإعزاز.

عاد هؤلاء عبر الأراضي التركية من خلال منفذ إبراهيم الخليل الحدودي، لتعذر إعادتهم عبر المنافذ الحدودية بين العراق وسوريا المغلقة منذ بدء الأزمة السورية ومعركة إسقاط النظام، التي انتهت في 8 ديسمبر الماضي بفرار بشار الأسد.

ويؤكد حسين أن إعادة اللاجئين من سوريا تتم حاليًا بالتنسيق بين مكتب وزارة الهجرة العراقية في أنقرة والقنصلية العراقية في غازي عنتاب، والجهات الأمنية في العراق، ودائرة الهجرة التركية.

وأوضح أن الخطوة التالية تتمثل في حشد الراغبين بالعودة من مخيم "أكدة" على الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا، ودخولهم الأراضي العراقية من منفذ إبراهيم الخليل الحدودي عبر الأراضي التركية، ومن ثم إيصالهم إلى محافظاتهم في العراق.

بعد اجتياح تنظيم داعش للعراق عام 2014، اضطر الآلاف من سكان المناطق التي احتلها التنظيم إلى النزوح نحو سوريا. وأعقبتها موجة نزوح أخرى في أكتوبر 2016 بعد إعلان السلطات العراقية عملية عسكرية واسعة لطرد التنظيم من الموصل.

وكشف المتحدث باسم وزارة الهجرة العراقية، علي عباس، لموقع "الحرة" عن مسار إعادة اللاجئين إلى العراق.

وقال: "في السنوات الخمس الماضية، استطعنا إعادة نحو 8 آلاف مواطن عراقي ضمن برنامج حكومي تتكفل السلطات الحكومية بنقلهم بشكل مجاني".

يُشار إلى أن رحلة الهجرة العراقية لم تقتصر على "مرحلة داعش"، بل بدأت منذ عقود وتسارعت بعد الحصار الذي فرض على العراق نتيجة اجتياحه الكويت، وحرب 2003 التي أسقطت نظام صدام حسين، وتلتها نزاعات أهلية وعنف طائفي.

وكشف رئيس مكتب شؤون النازحين واللاجئين في الإدارة الذاتية، شيخموس أحمد، لموقع "الحرة"، عن أعداد اللاجئين العراقيين في سوريا.

وقال: "هناك 15 ألف عراقي لا يزالون في مخيمات مناطق الشريط الحدودي، يتلقون المساعدات من مفوضية شؤون اللاجئين ومنظمات أخرى، ويرغب أكثرهم في العودة إلى بلدهم. كما أن مخيم الهول وحده يضم نحو 17 ألف عراقي".

ومخيم الهول من أكثر الملفات الشائكة، فهو يضم أكثر من 43 ألف سوري وعراقي وأجنبي من 45 دولة على الأقل، بينها فرنسا والسويد وهولندا وروسيا وتركيا وتونس ومصر، معظمهم من أفراد عائلات عناصر في تنظيم داعش.

ولا تزال عودة أقارب المتشددين من سوريا تثير، وفق فرانس برس، جدلا بين السكان في العراق الذي خاض حربا لثلاثة أعوام انتهت أواخر 2017 بطرد التنظيم بعد سيطرته على حوالى ثلث مساحة البلاد لحوالى ثلاث سنوات.