مذكرة تحذر من انتهاكات حرية التعبير والصحافة في العراق. أرشيفية
صحفيون عراقيون أبدوا للحرة انزعاجهم من القرار والقيود الجديدة.. صورة أرشيفية

منعت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية، الثلاثاء، استخدام مصطلحات "النوع الاجتماعي" و"الجندر" وقالت إنها وجهت وسائل الإعلام العراقية باستخدام مصطلح "الشذوذ الجنسي" بدلا من "المثلية الجنسية".

وانتقد صحفيون عراقيون القرار في تصريحات لموقع "الحرة"، وقالوا إنه"يشير إلى تخبط الهيئة"، فيما أشادت عدة حسابات، بعضها مزيف، على مواقع التواصل الاجتماعي بالتوجه الجديد وامتدحت عضوا في الهيئة ينتمي لميليشيا مسلحة موالية لإيران لدوره في القرار، بحسب قولها.

وأشارت الهيئة في بيانها إلى "منع استخدام مفردة النوع الاجتماعي والجندر والمثلية في كافة المخاطبات الخاصة بالهيئة".

وامتد المنع ليشمل "جميع الشركات الحاصلة على ترخيص من الهيئة لخدمات الهاتف المحمول والإنترنت وغيرها، من الترويج لهذه المفردات من خلال استخدامها في تطبيقاتها وبرامجها". كما جاء في البيان أن هيئة الإعلام والاتصالات توجه بعدم "استخدام مفردة المثلية الجنسية واستخدام المفردة الحقيقية الشذوذ الجنسي".

وأوضحت الهيئة أنها تهدف إلى "حماية المجتمع وقيمه الأصيلة من المصطلحات الدخيلة التي أصبحت لها مدلولات مخالفة للنظام العام والآداب العامة".

وهذا القرار هو الأحدث في سلسلة من التحركات – والنقاشات التي احتدمت مؤخرا – بشأن استخدام مصطلحات "الجندر" و"النوع الاجتماعي".

وأثار النقاش ظهور فيديو، تبين لاحقا إنه يعود لعامين، يتحدث فيه زعيم تيار الحكمة ورجل الدين، عمار الحكيم، عن ضرورة إشاعة "ثقافة الجندر" ودعمها.

وأشعل الفيديو هجوما واسع النطاق على الحكيم، يندر أن تتعرض له شخصية دينية في العراق، دفع الحكيم إلى نشر تغريدة ينفي فيها أنه "يدعو لتذويب الفوارق بين الجنسين".

الصحفيون منزعجون

وقال الصحفي العراقي، أحمد حسين، لموقع "الحرة" إن القرار سيسبب مشاكل كبيرة داخل القطاع الصحفي والإعلامي المحلي.

ويشكو حسين من أن "المهنية الصحفية تحتم على العاملين بالمهنة استخدام لغة محايدة للتعبير عن القضايا التي يعالجونها"، مستدركا بالقول إن "كلمة الشذوذ تحتوي على حمولة سلبية، وهي غير مناسبة للتغطية الصحفية الحيادية والمهنية".

ويضع هذا وسائل الإعلام المحلية في مأزق، وفقا لحسين، الذي يشير – على سبيل المثال – إلى مشروع قانون مطروح على البرلمان العراقي لحظر المثلية، مشيرا إلى أنه وفقا لبيان الهيئة، فإن التغطية الصحفية لهذا القانون قد تجعل الصحفي يتعرض للعقوبة.

وسيكون أمام حسين وزملائه، كما يقول لموقع "الحرة"، خيارات محدودة هي إما "محاولة إيجاد مصطلحات أخرى، أو تجنب الكتابة عن الموضوع تماما"، وهو "أمر خطر للغاية".

ويقول حسين إن هذه سابقة خطيرة حيث تصدر فيها هيئة الإعلام "محددات تحريرية" تحكم ما يجب أن يقوله الصحفيون ولا يقولونه، ويتابع "هل يتوقعون من الصحفي أن يضع أمامه قائمة بالمصطلحات الممنوعة والمسموحة خلال كتابته لتقاريره؟".

قرار "محرج"

ويقول مدير جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، مصطفى ناصر، إنه ليس من صلاحيات هيئة الإعلام والاتصالات أن تفرض على وسائل الإعلام ما تعتقده، لأن مهمة هيئة الإعلام والاتصالات هي تنظيم البث ومنح ترددات البث الفضائي وليس فرض وصاية على وسائل الإعلام.

ويضيف ناصر لموقع "الحرة" أن القرار هذا يؤكد أن الهيئة مسيسة وليست مستقلة وهذا خرق فاضح للدستور الذي ألزم النظام السياسي بحماية استقلالية الهيئات في الدولة العراقية.

ويشير ناصر إلى أن إعمام الهيئة هذا يخالف التزامات العراق الدولية بمواضيع حقوق الإنسان ويجعل منه "بلدا ذا نظام فوضوي غير ملتزم بالمواثيق والمعاهدات الدولية".

ويقول ناصر إن "مما يثير الحرج أيضا إن مصطلح الجندر ليس له أية علاقة بالمثلية أو الترويج إلى المثلية".

وقالت الباحثة الاجتماعية العراقية، رند الفارس لموقع "الحرة" إن مثل هذا التوجه "يهدد الباحثين والناشطين المطالبين بالمساواة بين الجنسين، الذين يستخدمون مصطلح "الجندر" بتعريفه العلمي، لتسليط الضوء على القيود الاجتماعية التي تعيق تنمية الأفراد من النساء والرجال.

والخميس، أصدر ائتلاف دولة القانون، وهو جزء كبير من كتلة الإطار التنسيقي الحاكمة في العراق والتي تضم جماعات مسلحة موالية لإيران، بيانا قال فيه إن "مصطلح الجندر يتعارض مع الدين والأعراف والقيم الوطنية وأحكام الدستور العراقي".

وقالت النائبة عن الائتلاف، ضحى القصير، في مؤتمر صحفي بمشاركة أعضاء الكتلة إن المصطلح "اتضح أنه يرمز إلى ظاهرة شاذة، هي الاعتراف بنوع ثالث للجنس البشري غير الذكر والأنثى".

ويقول الصحفي العراقي أحمد الشيخ ماجد إنه "لن يتقيد بهذا المنع".

ويضيف الشيخ ماجد لموقع "الحرة" أن "منع استخدام مفردة النوع الاجتماعي أو الجندر هو قرار يأتي ضمن سلسلة التجهيل الفظيع التي تحدث في العراق منذ أسابيع، فضلا عن أنه بداية لصناعة أجواء الرعب، خاصة في الأكاديميات والدراسات المهمة المعنية بهذا النوع".

ويحذر الشيخ ماجد من أن "دخول هيئة الإعلام والاتصالات في سياق التجهيل على مفهوم الجندر هو مؤشر خطير يريد أن يجعل من الصحافة نافذة مساهمة في التجهيل وتكثيف أجواء الرعب السائدة حاليا".

وتثير هذه التحركات من الحكومة العراقية مخاوف بشأن وضع حرية التعبير في البلاد، بشكل خاص بسبب الطبيعة المتلاحقة للقرارات.

وفي منتصف يوليو الماضي، كشف تقرير كتبته مراسلة صحيفة نيويورك تايمز في بغداد، أليسا روبن، أن الحكومة العراقية تحاول السيطرة على ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي من خلال ملاحقة المؤثرين على تلك المواقع، سواء من خلال التهديد بالسجن أو التأثير على أمنهم الشخصي.

وخلال الأشهر الماضية، سجن القضاء العراقي بالفعل عددا من المؤثرين على مواقع التواصل بتهم الإخلال بالآداب العامة.

من جانبها، تقول الحكومة العراقية إن الصحفيين والمنظمات الديمقراطية في البلاد يتمتعون بحريات أكثر بكثير مما كان عليه الحال في عهد صدام حسين، عندما كانت الصحافة تسيطر عليها الحكومة بالكامل.

 

جبال زاغروس تشكلت من جراء تصادم الصفيحة العربية بالصفيحة الأوراسية - AP

قبل ملايين السنين، تشكّلت سلسلة جبال زاغروس في العراق وإيران نتيجة تصادم الصفيحة العربية بالصفيحة الأوراسية، فهل يؤدي انكسار صفيحة "نيوتيثيس" إلى "ابتلاع الأرض" للجزء الواقع في كردستان العراق؟

الإجابة هي نعم، ربما ستغرق هذه الجبال، ولكن ليس في موعد قريب، بل بعد ملايين السنين، وفق ما خلص إليه بحث مشترك لفريق علمي مع خبراء من جامعتي "غوتنجن" في ألمانيا و"برن" في سويسرا.

وقاد هذا البحث فريق علمي دولي بقيادة الجيولوجي الباحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، ريناس كوشناو، ابن مدينة أربيل، الذي هاجر إلى الولايات المتحدة منذ سنوات.

وجهود عامين من البحث العلمي الدقيق كشفت تفاصيل غرق هذه الجبال في طبقات الأرض، مما أدى إلى تكوين السهول الرسوبية في مناطق مثل كركوك والسليمانية وحلبجة وكرميان في شمال العراق.

ووفقًا للبحث، فإن جبال زاغروس، التي تشكّلت قبل حوالي 30 مليون سنة نتيجة تصادم الصفيحة العربية بالصفيحة الأوراسية، تغوص ببطء في طبقات الأرض بسبب انكسار صفيحة محيطية قديمة تُعرف باسم صفيحة نيوتيثيس.

هذه الصفيحة، التي يبلغ طولها الآن 350 كلم وتقع على عمق 300 كيلومتر تحت سطح الأرض، هي من بقايا محيط سابق يعود إلى 70 مليون سنة مضت.

وانكسار صفيحة نيوتيثيس يتسبب بسحب الجبال نحو الأسفل، وفق ريناس كوشناو.

وقال كوشناو، لموقع "الحرة"، إن "العملية تحدث بشكل بطيء جدًا، حيث استغرقت ما بين 20 إلى 30 مليون سنة، ولا يمكن للإنسان أن يشعر بها. ومع ذلك، فإن هذا الغوص أسفر عن انحناءات في الأرض بلغت 4 كلم، مما أدى إلى تكوين كميات كبيرة من الصخور الرسوبية في السهول المحيطة بها".

وأضاف كوشناو، الذي درس المنطقة المحيطة بجبال زاغروس "ميدانيًا"، أن السبب وراء ارتفاع السهول الرسوبية حول جبال زاغروس يعود إلى فرق الكثافة بين الجزء الواقع تحت الأرض من الجبال والسهول الرسوبية.

وأوضح أنه "عندما تغوص الجبال، تدفع السهول المحيطة بها إلى الأعلى، تاركة حولها أنواعًا مختلفة من الصخور الرسوبية".

تقنيات متطورة تكشف أسرار الأرض

وللتوصل إلى هذه النتائج، استخدم الفريق البحثي تقنيات متطورة مثل التوموغرافي (Tomography)، التي تسمح بالتقاط صور ثلاثية الأبعاد ومفصلة لقشرة الأرض.

هذه التقنية سمحت للفريق بتحليل التكوينات الصخرية والتربة في "أعماق بعيدة"، بحسب كوشناو، مما أكّد فرضيتهم حول انكسار الصفيحة المحيطية "نيوتيثيس"، وتأثيرها على سحب جبال زاغروس نحو باطن الأرض.

ونوه الباحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بأن هذه الدراسة لا تكشف معلومات عن فهم الماضي الجيولوجي للمنطقة فحسب، بل أيضًا تمنح العلماء "فهمًا أعمق لحركة طبقات الأرض البعيدة وكيفية الاستفادة منها في المستقبل".

وأوضح أن معرفة سمك طبقات الصخور الرسوبية تتيح للخبراء الوصول إلى أعماق أبعد تحت قشرة الأرض، واستغلال الحرارة الجوفية لباطن الأرض كطاقة بديلة "لتوليد الكهرباء"، بدلًا من الاعتماد على الوقود الأحفوري.

الغرق مستمر

وأكد كوشناو أن انكسار صفيحة نيوتيثيس يمتد على أكثر من 300 كلم من منطقة جنوب غرب تركيا وشمال شرق سوريا، ما بين منطقة القامشلي السورية وديار بكر التركية، حيث توجد أيضًا سهول رسوبية، لكنها ليست بعدد ومساحة السهول الرسوبية في شمال العراق.

وأضاف أن الصفيحة المحيطية "نيوتيثيس" مستمرة في سحب جبال زاغروس نحو باطن الأرض، حيث غرقت الجبال على مدار 30 مليون سنة الماضية بحدود 200 كلم باتجاه عمق الأرض.

زلازل يومية في تلك المناطق

وأكد مدير الرصد الزلزالي في الهيئة العامة للأنواء الجوية، علي عبدالخالق، أن مناطق شمال العراق، على غرار مندلي وخانقين وبنجوين وحلبجة، تعتبر من المناطق "النشطة زلزاليًا".

وأوضح أن الهيئة ترصد يوميًا ما بين 4 إلى 5 هزات أرضية، تتراوح قوتها بين 1 إلى 3 درجات على مقياس ريختر.

وقال عبدالخالق، لموقع "الحرة"، إن الهزات هي حالة طبيعية في هذه المناطق، فهي ناتجة عن حركة "الصفيحة العربية" بعكس اتجاه عقارب الساعة، بمعدل 2 سنتيمتر سنويًا.

وتصطدم "الصفيحة العربية" بـ"الصفيحة الأوراسية" في "حركة بطيئة" تؤدي أيضًا إلى "توسع البحر الأحمر بنفس المعدل".

وأشار إلى أن هذه الحركة التكتونية تؤدي إلى تشكيل تضاريس جديدة وحدوث زلازل في بعض المناطق، لكنها تبقى ضمن الحدود الطبيعية ولا تشكل خطرًا كبيرًا على حياة الإنسان.

ويذكر علماء جيولوجيون أن الصفائح التي تشكّلت منها القشرة الأرضية ذات حركة مستمرة، وتؤدي هذه الحركة المستمرة والبطيئة على مدار آلاف السنين (لا يدركها الإنسان) إلى حدوث تغيّرات مستمرة في تضاريس الأرض السطحية.

لا خطر على حياة الإنسان

بدوره، أكد المختص بالزلازل، الدكتور حسنين جاسم، أن تحرك الطبقات الأرضية هو عملية طبيعية مستمرة ولا تشكل خطرًا على حياة الإنسان، نظرًا لبطئها الشديد.

وقال جاسم، لموقع "الحرة"، إن التغيرات التضاريسية اليومية قد تؤدي أحيانًا إلى حدوث زلازل، لكنها تبقى ضمن الحدود الطبيعية.

وأضاف حسنين أن هذه التغيرات تحدث على مدى فترات زمنية طويلة جدًا، مما يجعلها غير محسوسة للإنسان. ومع ذلك، فإنها قد تؤدي إلى تشكيل تضاريس جديدة أو حدوث هزات أرضية في بعض المناطق.

وأردف قائلا إن فهم هذه العمليات الجيولوجية يساعد في تحسين أنظمة الإنذار المبكر للزلازل وتقليل المخاطر المحتملة على السكان.

مستقبل البحث الجيولوجي

ويُعتبر هذا البحث خطوة مهمة في فهم حركة طبقات الأرض "العميقة" وتأثيراتها على التضاريس والزلازل.

كما يفتح الباب أمام المختصين لاستغلال الطاقة الجوفية "كبديل" نظيف للوقود الأحفوري، بحسب كوشناو، مما قد يُسهم في حل أزمة الطاقة في المنطقة.

وأوضح كوشناو أن دراستهم قدمت معطيات جديدة لمختصي الزلازل، لتحديد المناطق الأكثر عرضة للهزات الأرضية، مما يُسهم في تحسين أنظمة الإنذار المبكر وتقليل المخاطر المحتملة.

وأكد أن فهم هذه العمليات الجيولوجية يمكن أن يساعد في التخطيط العمراني والبنية التحتية في المناطق النشطة زلزاليًا، مما يقلل من الأضرار المحتملة في حالة حدوث زلازل قوية.

وتظل جبال زاغروس شاهدة على قوة الطبيعة وتفاعلاتها الجيولوجية التي تشكل ملامح الأرض على مدى ملايين السنين.

وتشير هذه الدراسة إلى أن فهم الإنسان للأرض لا يزال في بدايته، فثمة الكثير من الأسرار تنتظر إماطة اللثام عنها.