عائدات تصدير النفط تمثل نحو 80 في المئة من الميزانية السنوية لحكومة إقليم كردستان
عائدات تصدير النفط تمثل نحو 80 في المئة من الميزانية السنوية لحكومة إقليم كردستان

لا يكاد يمر عام في العراق، إلا ويبرز فيه خلاف بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل، ومعظمها تتمحور حول نقطة واحدة هي "الأموال".

الخلافات مستمرة بين الجانبين منذ قرابة عشرين عاما، لكنها تتراجع أحيانا، وخاصة خلال مفاوضات تشكيل أي حكومة جديدة، ومن ثم تبدأ بالتصاعد شيئا فشيئا بمجرد مرور بضعة أشهر من تشكيل الحكومات المتعاقبة في البلاد.

خلال السنوات الأولى التي تلت سقوط النظام العراقي السابق في عام 2003، كانت المشكلة الأبرز تتعلق بالمناطق المتنازع عليها مع الحكومة الاتحادية بالإضافة لموضوع تقاسم واردات النفط والغاز.

واليوم، تعد أزمة رواتب موظفي إقليم كردستان، معضلة حقيقية في ظل تبادل الاتهامات بين بغداد وأربيل بشأن الجهة المعرقلة لتلقي مئات آلاف العاملين في القطاع الحكومي في الإقليم لمستحقاتهم المالية الشهرية.

أصل المشكلة

لمعرفة الصورة الحقيقية لما يجري، من المفيد العودة لأصل الخلاف الذي يتطور يوما بعدا يوم.

في السنوات الأخيرة أغضب الأكراد الحكومات المركزية المتعاقبة التي قادها الشيعة بتوقيع اتفاقيات وفقا لشروطهم الخاصة مع شركات النفط الدولية ومن بينها أكسون موبيل وتوتال وشيفرون كورب.

تقول بغداد إنها وحدها لها الحق في السيطرة على استكشاف وتصدير رابع أكبر الاحتياطيات النفطية في العالم، بينما يصر الأكراد على أن حقهم في فعل ذلك منصوص عليه في الدستور الاتحادي للعراق لعام 2003.

ظل هذا التجاذب قائما لسنوات قبل أن يتم التوصل لاتفاق هش بين الجانبين في عام 2015 يقضي بتسليم الإقليم 250 ألف برميل نفط يوميا إلى شركة تسويق النفط العراقية "سومو" مقابل تثبيت الحكومة للمستحقات المالية للإقليم بموازنة 2020 ومن ضمنها رواتب الموظفين.

لكن كالعادة، أطلق بعدها الطرفان اتهامات لبعضهما البعض بخرق الاتفاق واستمر الخلاف قائما حتى إقرار موازنة هذا العام في مايو الماضي.

بموجب الموازنة الجديدة، توصلت حكومة الإقليم لاتفاق مع حكومة بغداد على تصدير نفط الإقليم عبر الحكومة المركزية، وفي مقابل ذلك يتم تخصيص 12.6 في المئة من الموازنة الاتحادية لكردستان العراق.

ورغم إفراج حكومة بغداد عن 500 مليار دينار (حوالى 380 مليون دولار) لرواتب إقليم كردستان يوم الأحد الماضي، إلا أن تصحيح الوضع يتطلب ضعف هذا المبلغ شهريا، وفقا لحكومة أربيل.

في مؤتمر صحافي عقده، الأربعاء، أكد رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، أن الإقليم أوفى بالتزاماته وتعامل مع بغداد بمنتهى الشفافية. بالمقابل تقول بغداد إنها نفذت جميع التزاماتها المالية تجاه الإقليم.

"انهيار الإقليم"

تأتي هذه الأزمة بالتزامن مع وقف تركيا تدفقات النفط العراقية عبر خط الأنابيب الممتد لميناء جيهان  في 25 مارس الماضي بعد أن أمرت هيئة تحكيم تابعة لغرفة التجارة الدولية أنقرة بدفع تعويضات لبغداد بقيمة 1.5 مليار دولار تقريبا عن الأضرار الناجمة عن تصدير حكومة إقليم كردستان النفط بشكل غير قانوني بين عامي 2014 و2018.

وحذر تحليل نشرته مجلة "فورن بوليسي" الأميركية الشهر الماضي من مخاطر استمرار الخلاف النفطي بين العراق وتركيا واحتمال أن تؤدي تداعياته لحرب أهلية في إقليم كردستان تمتد تداعياته لجميع أنحاء البلاد.

وتمثل عائدات تصدير النفط نحو 80 في المئة من الميزانية السنوية لحكومة إقليم كردستان، مما يعني أنها تواجه مخاطر جمة في حال استمرار توقف الصادرات، وفقا للتحليل.

أشار التحليل إلى أن الحظر النفطي التركي كلف حكومة إقليم كردستان لغاية الآن أكثر من ملياري دولار، مبينا أن استمراره يمكن أن يدمر اقتصاد الإقليم وربما يؤدي إلى انهيار حكومة إقليم كردستان التي تتمتع بحكم شبه ذاتي. 

ولسنوات عديدة، كان اقتصاد حكومة إقليم كردستان يعاني نتيجة الخلافات مع الحكومة الفيدرالية المتعلقة بحصة الإقليم في الموازنة.

توصلت سلطات الإقليم والحكومة الاتحادية إلى اتفاق ينص على إجراء مبيعات النفط عبر المؤسسة العامة لتسويق النفط العراقية (سومو) ووضع الإيرادات في حساب مصرفي تديره أربيل وتشرف عليه بغداد.

لكن استئناف الصادرات لا يزال معلقا في انتظار التوصل إلى اتفاق مع تركيا.

منظر عام في بغداد
زيادة الاهتمام بالاختراعات في العراق

ثماني براءات اختراع قدمتها عالمة الأغذية إشراق منير دون أن تحصد ثمارها على الأرض إنتاجاً وتسويقاً رغم أهمية الكثير منها محلياً. يحصل هذا كما تقول: "في ظل عدم وجود استثمار لعمل العلماء في العراق بصورة صحيحة من قبل الجهات المعنية".

ويسجل العراق سنوياً مئات براءات الاختراع في مختلف المجالات الزراعية والصناعية والنفطية والطبية والتي وصلت أعدادها إلى أكثر من ثمانية آلاف براءة اختراع منذ أول براءة منحت لاختراع عراقي العام 1970. أغلب تلك الاختراعات كما أبلغ العديد من علماء العراق موقع "الحرة" لم يتم استثمارها والاستفادة منها.

وهو ما يخالف الفكرة الأساسية لبراءة الاختراع كما يقول مدير مديرية براءات الاختراع والنماذج الصناعية محمد جمال جاسم: "التي تتعلق بالاستفادة من تلك الاختراعات عملياً بحيث يكون هناك عائد مادي للبلد من جهة، وللباحث من جهة أخرى".

وبحسب جاسم فإن هناك :"زيادة سنوية في عدد المتقدمين للحصول على براءة الاختراع، وهو مؤشر على تنامي النشاط العلمي البحثي في العراق".

الأرقام التي استعرضها مدير براءات الاختراع والنماذج الصناعية تثبت زيادة الاهتمام بالاختراعات في العراق. ففي العام 2021 بلغت 550 براءة، وفي العام 2022 تم تسجيل 750 براءة اختراع، وفي العام 2023 تم تسجيل أكثر من 800 براءة اختراع، أما في العام الحالي 2024 فتم منح 460 براءة اختراع، وهناك عشرات أخرى قيد التقييم.

إجراءات

المشكلة التي يعاني منها العراق كما ترى الدكتورة إشراق منير المتخصصة بعلوم الغذاء أن: "المعامل ليست بالمستوى المطلوب، ولا يوجد لدينا تعامل بين صاحب المعمل وصانع هذه المواد. فالمعامل محدودة وأغلبها تستورد المواد الأولية سريعاً من الخارج ولا يمكن أن ينتظر حتى يتم تصنيع المادة".

بعض براءات الاختراع التي تحدثت عنها منير لـ "الحرة" لو استثمرت يمكن أن تسهم بعلاج أمراض جلدية مثل (حبة بغداد)، أو تسهم في تدعيم مادة الطحين، أو تساعد في استخلاص مواد طبيعية حافظة في منتوج جبس البطاطا الذي يُقبل على تناوله الصغار والكبار.

الأبحاث التي أجرتها منير تصب جميعها في صحة الأفراد، وهي كما تقول على المستوى الأكاديمي :"تبدأ بفكرة غير مطروقة سابقاً، ثم يتم تقديم خطة عمل للقسم الذي تتوفر فيه المختبرات، كما تتاح لنا الفرصة لاستخدام مراكز بحثية أخرى". أما الخطوة اللاحقة بعد إثبات فرضية البحث :"فهي تقديم البحث إلى التقييس والسيطرة النوعية وهو الجهة الوحيدة المسؤولة عن براءات الاختراع في العراق بأكمله".

مع ذلك تقول :"الباحث غالباً ينفق من جيبه الخاص، وحتى عندما نشارك في مؤتمرات فالأجور يتم دفعها من الباحث نفسه، وما نحصل عليه هو تقدير معنوي فقط، ودون الاستفادة من الاختراعات كمردود مادي كما يفترض أن يكون".

عملية تقديم براءة الاختراع كما يقول مدير براءات الاختراع والنماذج الصناعية محمد جمال جاسم :"تجري وفق آليات محددة، بعد تقديم المخترع أو صاحب الفكرة طلباً إلى الجهاز، مشفوعاً بالأدلة التي تثبت إنه صاحب الفكرة والعمل".

ثم يتم تحويل الطلب إلى :"لجنة متخصصة لدراسته بشكل علمي واختبار الفكرة. وفي حال نجاحها يتم منح صاحبها براءة اختراع وتسجل باسمه وفق التوقيت المحدد، لضمان حقوق الملكية الفكرية ومن أجل اتاحة الفرصة لاستثمارها والاستفادة منها وحمايتها".

وبحسب جاسم فإن الاختراعات في العراق :"تتنوع بمجالات مختلفة منها الزراعية والصناعية والطب والصيدلة والنفط وغيرها الكثير من الاختصاصات".

تسويق

تأسس مركز الإبداع والابتكار العراقي منتدى المخترعين العراقيين العام 2016، وكان يضم نحو 120 مخترعاً من عالمات وعلماء العراق. واليوم يوجد 3500 مشترك في المنتدى جميعهم حاصلين على براءات اختراع كما يقول معاون مدير المركز ليث العلاق لموقع "الحرة".

"أهم المشاكل التي تواجه المخترع العراقي أن العراق بلد غير صناعي، فالبلد إذا كان صناعياً ستكون لديه القدرة على تحويل الاختراع إلى منتوج وتسويقه من أبسط الأشياء إلى أكثرها تعقيداً. ولذلك فإن أغلب الاختراعات ليس لديها مجال للتسويق". مع ذلك فإن هناك "عدد قليل من العلماء نجح في الاستثمار باختراعه، وأغلبهم يعيشون خارج العراق".

عدم الاستثمار في براءات الاختراع كما يقول العلاق :"يصل حتى إلى المجال النفطي الذي يفترض أن يتم الاستفادة من عمل المخترعين فيه، لوجود امكانية للإنتاج والتسويق والتنافس داخل العراق وبجودة عالية".

السبب في ذلك يعود إلى:" استسهال الاستيراد، كون عملية الإنتاج تكاملية. خصوصاً حين تكون المعامل وأسس الإنتاج غير متوفرة داخل العراق، كون المصانع الُمنتجة لهذه المواد غير متوفرة أصلاً". ويتحدث العلاق عن مشاكل أخرى تواجه أي منتوج عراقي :"فهناك أزمة ثقة بالمنتوج المحلي ويتم تفضيل الأجنبي".

ولهذه الأسباب :"فإن أغلب المخترعين والعلماء يتحولون للسعي إلى طلب المكانة العلمية والترقية وليس الإنتاجية".

تفضيل السلعة الأجنبية على العراقية هو تشخيص قدمه الدكتور منجد عبد الباقي لموقع "الحرة" معتبراً أنه واحد من أهم المشاكل التي يواجهها العلماء العراقيين :"فنحن نميل إلى الاستيراد وليس التصنيع والاستفادة".

تخصص عبد الباقي في الكيمياء، ولديه 12 اختراع في المجال العسكري. حصل على شهاداته العالية من المملكة المتحدة. عاد إلى العراق العام 1987 وتم نقله من الجامعة إلى هيئة التصنيع العسكري للاستفادة من خبراته. وحصل قبل العام 2003 على 12 براءة أغلبها تتعلق بتمويه العجلات لتجنب استهدافها ، أما بعد ذلك التاريخ فحصل على براءة اختراع واحدة تتعلق بتطهير المعدات الملوثة بالمواد الكيمياوية والتي تم تطبيقها عملياً.

ما يقترحه عبد الباقي للاستفادة من الجهود التي يبذلها العلماء هو ان :"يتوزع الاهتمام الى عدة مؤسسات كل حسب اختصاصه كالنفط والكهرباء والتعليم العالي والصحة وغيرها، ويتم تزويدهم ببراءات الاختراع ويتم اختيار ما يتناسب مع امكاناتهم لتتم عملية التصنيع او التواصل مع دول صناعية لديها القدرة على الانتاج".

اختراع رأى النور

وجدت براءة الاختراع للخبير الدكتور حافظ يوسف طريقها إلى التنفيذ عبر وزارة النفط / مركز البحث والتطوير النفطي الذي تبنى اختراعه الخاص ( تحضير طلاء سيراميكي نانوي لمعالجة بطانة الأفران الحرارية في المصافي النفطية)، والذي أثبت قدرته على تحقيق نتائج هائلة بعد تطبيقه في مصفى الدورة ببغداد.

يشرح يوسف الفكرة لـ"الحرة" حيث أثبت الطلاء الذي اخترعه فائدة كبيرة في حماية بطانة الأفران الحرارية المصنعة بالطابوق الناري من الغازات الحامضية الناتجة من احتراق الوقود وإطالة عمرها التشغيلي، وتقليل فترة الصيانة التي تستمر لأشهر، وهي أمور تتسبب بهدر في الطاقة وخسارة اقتصادية كبيرة.

ورغم أن اختراعه وجد طريقه إلى التنفيذ الفعلي وأثبت قدرته خلال التجربة العملية، إلا انه يتحدث عن مشكلة تواجه اغلب براءات الاختراع العراقية وهي :"عدم الثقة بين الجهات المستفيدة في قدرة الباحث العراقي والمنتج المحلي في حل المشاكل. وفي أكثر الأحيان يميل المستفيد إلى المنتج المستورد أكثر من المحلي. كما أن الموثوقية في المستورد هي أعلى، وهذا ينعكس سلباً على الباحث والمنتوج".

ويتفق يوسف مع ما ذهب إليه العلماء العراقيين الذين التقت بهم "الحرة" فهو يرى أن :"تبني شركات القطاع الخاص والعام للاختراعات كما فعلت وزارة النفط والجامعة التكنولوجية متمثلة برئيس الفريق البحثي شهاب أحمد سيعطي دافع قوي للاستفادة من براءات الاختراع".

فالعراق بلد :"مليء بالخامات التي يمكن أن تساهم في النهوض بالواقع الاقتصادي، عبر المساهمة بتشغيل اليد العاملة والحفاظ على العملة الأجنبية، والكف عن الاعتماد على المنتج المستورد وتطبيق براءات الاختراع العراقية في المجالات الصناعية".